بطاقة المادة
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
التودد | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسوهذا والله موضوع مهم جداً، وعندنا تقصير كبير فيه، بل ربما يأخذنا الكبر والغرور فنرى كثيراً من إخواننا المسلمين ونلتقي بهم, ولكن تأخذنا العزة بالإثم عن القرب منهم والتودد إليهم، ويأتي إلينا الشيطان فيقول لنا: ولم لا يأتي هو, والمفروض أن يبدأ هو بالسلام علي، والتعرف على شخصيتي والقرب مني، لا أن أكون أنا الذي ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل التودد من الإيمان، وجعل المحبة طريق لدخول الجنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك أمر بالتودد والإحسان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى العدنان، وعلى آله وأصحابه أولي الهدى والعرفان.
أما بعد: حديثنا اليوم عن موضوع مهم جداً كلنا بحاجة إليه؛ إنه موضوع التودد الذي يدل على المودة والمحبة، والود هو محبة الشيء وتمني وقوعه، ويدخل في جميع أبواب الخير ومداخله.
وقد عرفوه بأنه هو التّواصل الجالب للمحبّة، أو هو التّواصل على المحبّة، ويقول ابن القيّم -رحمه الله-: “من مراتب المحبّة- الوداد: وهو صفو المحبّة وخالصها ولبّها” (تهذيب مدارج السالكين:520).
إن من أسماء الله -سبحانه وتعالى- الحسنى وصفاته العلى “الودود”، والودود هو الوادّ لعباده المحبّ لهم، المحبوب عندهم، كما قال -سبحانه- ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:54]. وقال عن نفسه: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ [البروج:14]، أي الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء، فمحبته في قلوب خواص خلقه، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها.
وفي الجمع بين “الغفور” و “الودود” سر لطيف، حيث قرن بينهما ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال: تغفر لهم ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين فإن الله “أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ تَابَعَهُ” (البخاري:6308، مسلم:2675) (تفسير السعدي بتصرف:918 ).
أيها المسلمون: لقد ذكر الله -تبارك وتعالى- التودد في كثير من الآيات في كتابه العظيم فمرة يذكر ﴿الودود﴾ اسماً من أسمائه الحسنى، كما في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود:90].
ومرة يذكر التودد على سبيل التحبب إلى عباده الصالحين وأوليائه المتقين، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم:96].
وفي آيات أخرى يذكر الله التودد في النهي عن التودد للكفار، والتحذير من موالاتهم، والتزلف إليهم والتحبب لهم، كما في قول الله -جل جلاله-: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة:22]وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الممتحنة:1]، وقال: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة:7].
وذكر الله التودد في القرآن بمعنى الرحمة والألفة بين عباده، وجعل ذلك آية من آياته فقال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم:21].
عباد الله: إن للتودد صوراً كثيرة ومظاهر مختلفة؛ ومن أعظم صور التودد ومظاهر التحبب: أن يتحبب العبد إلى مولاه ويتقرب إليه، ويود القرب منه، ويسعى سعياً حثيثاً إلى جلب محبته، والأنس به، والتقرب إليه.
يقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: “وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ” (البخاري:6502).
إنها عبادة عظيمة وجليلة أن يتقرب الإنسان إلى ربه بكل أنواع القربات، ويعمل ما استطاع من عمل الصالحات، حتى يفوز بمودة رب الأرض والسموات، ويجتهد في فعل الخيرات والمسابقة إلى الطاعات لينال محبة رب البريات، ويكتب له المحبة والقبول بين الخلائق في الأرض والسموات.
روى البخاري ومسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ” (البخاري:6040، مسلم:157).
ومن صور التودد ومظاهره: أن يتودد المسلم إلى من فرض الله عليه مودتهم ومحبتهم والتزلف لهم؛ كوالديه، وإخوانه، وأرحامه، ومن حوله من إخوانه المسلمين. يقول الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56)﴾ [المائدة 55:56]. ويقول: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب:6].
فهذه الآيات يأمرنا الله فيها بمودة المسلمين ومحبتهم، والتودد لهم، وخاصة الأقرباء من المسلمين الذين يجمع بيننا وبينهم أخوة الدين وأخوة النسب.
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً، كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَّهُمُ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ” (مسلم:2552).
فانظروا كيف أكرم عبدالله بن عمر هذا الأعرابي بهذه الإكرامية العظيمة، حيث بدأه بالسلام، وأركبه معه على حماره، وأعطاه عمامته، لا لشيء إلا لأنه كان صديقاً لأبيه عمر بن الخطاب ومن أهل مودته ومحبته، فأظهر التودد له، وأخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك فقال: “إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ”.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
عباد الله: ذكرنا أن من صور التودد أن يتودد الإنسان إلى إخوانه المسلمين، وهذا والله موضوع مهم جداً، وعندنا تقصير كبير فيه، بل ربما يأخذنا الكبر والغرور فنرى كثيراً من إخواننا المسلمين ونلتقي بهم, ولكن تأخذنا العزة بالإثم عن القرب منهم والتودد إليهم، ويأتي إلينا الشيطان فيقول لنا: ولم لا يأتي هو, والمفروض أن يبدأ هو بالسلام علي، والتعرف على شخصيتي والقرب مني، لا أن أكون أنا الذي أتودد إليه وأتقرب منه.
وهذا -والله- مدخل من مداخل إبليس علينا ليحرمنا من أجر هذه العبادة العظيمة، ويحول بيننا وبين الحصول على ثواب هذه الطاعة المنسية، التي أنفنا منها وابتعدنا عنها إلا من رحم الله منا.
انظروا إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يود مودة ويتمنى أمنية أن يرى إخوانه ويلتقي بهم فيقول: “وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ” (مسلم:249). ويقول -عليه الصلاة والسلام-: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” (مسلم:2586).
هكذا يريد منا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نكون في مودتنا وألفتنا مثل الجسد الواحد الذي إذا أصيب منه شيء أصيب كله، وشعر كل عضو فيه بما يشعر به العضو المتألم داخله، فهل نحن في التودد لبعضنا والتلاحم فيما بيننا كذلك؟!.
يقول عمر-رضي الله عنه-: “ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أوّلاً، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه” (إحياء علوم الدين للغزالي:2/ 181). ويقول جعفر الصّادق -رحمه الله-: “مودّة يوم صلة، ومودّة شهر قرابة، ومودّة سنة رحم مائية من قطعها قطعه الله” (إحياء علوم الدين، للغزالي:2/ 185).
عباد الله: لقد أمرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بأن نختار لصحبتنا من تميز بهذه الصفة العظيمة ومن كانت فيه هذه الخصلة النبيلة, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية التودد وضرورته حتى أنه -عليه الصلاة والسلام- يأمرنا باختيار المرأة الودود التي تتودد إلى زوجها وتتحبب إليه فيقول: “تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ” (أبوداود:2050). يقول الحسين بن عبد الرّحمن، كان يقال: “إنّ المودّة قرابة مستفادة” (كتاب الإخوان، لابن أبي الدنيا:143)، وقالوا: “الصّديق من صدقك ودّه, وبذل لك رفده” (العقد الفريد، لابن عبد ربه:2/ 292).
فالتودد التودد يا عباد الله، توددوا لربكم وتقربوا منه، وتوددوا لإخوانكم المسلمين وتزلفوا إليهم، وكونوا عباد الله إخواناً، فالمسلم أخو المسلم، وليس بين المسلم وأخيه شيء أجمل من المودة والمحبة والألفة.
وصلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم ارزقنا مودتك، والتودد لك، ومحبة أوليائك الصالحين.
اللهم أرزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يعرفنا بك، ويقربنا منك، يا سميع الدعاء، يا قريب يا مجيب.
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
التودد | العربية |