بطاقة المادة
المؤلف | عبدالله بن إبراهيم القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
في حقوق الحيوانات | العربية |
حقوق الحيوان في الإسلام | العربية |
حقوق الحيوان في الإسلام | الإنجليزية |
عناصر الخطبة
اقتباسإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِخَلْقِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ لِمَنَافِعِنَا، وَجَعَلَهَا أَمَانَةً لَدَيْنَا، خَلَقَ الأَنْعَامَ لِبَنِي آدَمَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا تَفَضُّلاً مِنْهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾.
الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَئِمَّةِ الْهُدَى.
أَمَّا بَعْدُ:
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِخَلْقِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ لِمَنَافِعِنَا، وَجَعَلَهَا أَمَانَةً لَدَيْنَا، خَلَقَ الأَنْعَامَ لِبَنِي آدَمَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا تَفَضُّلاً مِنْهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النَّحْلِ: 5]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ? [الْمُؤْمِنُونَ: 21، 22]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ? [يس: 71 – 73] وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا الْقِيَامَ بِحُقُوقِهَا.
فَمِنْ حُقُوقِهَا إِطْعَامُهَا، وَسَقْيُهَا، وَعَدَمُ تَرْكِهَا حَتَّى تَجُوعَ وَتَعْطَشَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فَقَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً". وقَوْلُهُ: الْمُعْجَمَةِ: أَيِ الْعَجْمَاءِ: الدَّابَّةُ الَّتِي لاَ تَنْطِقُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتِ النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
الثَّانِي: عَدَمُ إِتْعَابِهَا وَتَكْلِيفُهَا مَا لاَ تُطِيقُ، مِنْ حَمْلِ مَا تَعْجِزُ عَنْهُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟! لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟!"، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: لِي، يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ لَهُ: "أَفَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ الله إِيَّاهَا؟! فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ". يَعْنِي: أَنَّكَ تُتْعِبُهُ بِكَثْرَةِ مَا تَسْتَعْمِلُهُ.
الثَّالِثُ: تَرْكُ الْوُقُوفِ عَلَيْهَا وَاتِّخَاذُهَا كَرَاسِيَّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ، أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا دَوَابَّكُمْ مَنَابِرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ، فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ".
الرَّابِعُ: رَحْمَتُهَا، وَالإِشْفَاقُ عَلَيْهَا؛ لِقَوْلِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوا حَيَوَانًا طَيْرًا غَرَضًا –هَدَفًا- يَرْمُونَهُ بِسِهَامِهِمْ قَالَ: "لَعَنَ الله مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ رُوحٌ غَرَضًا"، وَلِنَهْيِهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَبْرِ الْبَهَائِمِ. أَيْ: حَبْسِهَا لِلْقَتْلِ.
وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمْرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمْرَةُ تَفْرِشُ -أَيْ إِذَا رَفْرَفَ الطَّائِرُ، وَذَلِكَ أَنْ يُرْخِيَ جَنَاحَيْهِ، وَيَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ لِيَسْقُطَ وَلاَ يَسْقُطُ- فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟! رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا". [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ].
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلَبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ الله لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله: إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! فَقَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"، أَيْ: فِي كُلِّ ذَاتِ رُوحٍ أَجْرٌ.
الْخَامِسُ: عَدَمُ لَعْنِهَا، لِقِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَةً، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا، وَدَعُوهَا مَكَانَهَا مَلْعُونَةً". وَحَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ: "لاَ تُصَبِّحُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ". [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ].
السَّادِسُ: عَدَمُ ضَرْبِ الْوَجْهِ وَالْوَشْمِ فِيهِ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ: "أَمَا بَلَغَكُمْ أَنِّي لَعَنْتُ مَنْ وَسَمَ الْبَهِيمَةَ فِي وَجْهِهَا، أَوْ ضَرَبَهَا فِي وَجْهِهَا، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ".
السَّابِعُ: إِرَاحَتُهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا، وَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهَا -أَيِ: الْبَهِيمَةُ، وَلاَ ذَبْحُهَا لِلإِرَاحَةِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ أَكْلَهَا، لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
الثَّامِنُ: عَدَمُ تَعْذِيبِهَا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ، كَإِحْرَاقِهَا بِالنَّارِ، سَوَاءٌ قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصُدْهُ، كَإِحْرَاقِ الْحَصَائِدِ وَالأَشْجَارِ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ.
لِمَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: نَزَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْزِلاً، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَجَاءَ وَقَدْ أَوْقَدَ رَجُلٌ عَلَى قَرْيَةِ نَمْلٍ، إِمَّا فِي الأَرْضِ، وَإِمَّا فِي شَجَرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّكُمْ فَعَلَ هَذَا؟!"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "أَطْفِهَا، أَطْفِهَا". وَفِي لَفْظٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرَرْنَا قَرْيَةَ نَمْلٍ، فَأُحْرِقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ الله -عَزَّ وَجَلَّ-".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟!".
قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإِسْرَاءِ: 44].
إِخْوَتِي فِي الله: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَكُونُوا مِمَّنْ أَقْبَلَ عَلَى الله وَاتَّخَذَ إِلَيْهِ سَبِيلاً بِطَاعَتِهِ فَرَبِحَ الْمَغْنَمَ، وَلاَ تَكُونُوا مِمَّنِ اتَّبَعَ الْهَوَى، وَأَعْرَضَ عَنِ الْهُدَى، فَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ خُسْرًا، تَأَمَّلُوا الْعَوَاقِبَ تَأَمُّلَ مَنْ يُرَاقِبُ، تَفَكَّرُوا فِي النِّهَايَةِ، فَعَيْنُ الْعَقْلِ تَرَى الْغَايَةَ.
قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النَّحْلِ: 66].
أَسْأَلُ اللَّهَ –تَعَالَى- أَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، بَارَكَ الله لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لله يَقْضِي بَيْنَ خَلْقِهِ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ، وَيُنَزِّلُ بَأْسَهُ بِالظَّالِمِينَ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ الله رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ الله: اعْلَمُوا أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَمَنْ رَحِمَ خَلْقَ الله مِنْ إِنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيَسَّرَ أَمْرَهُ، وَعَلَى الْعَكْسِ مَنْ تَجَبَّرَ وَعَتَى.
أَخِي الْمُسْلِمَ: وَمَعَ رَحْمَةِ الْحَيَوَانِ وَالإِشْفَاقِ عَلَيْهِ، فَلاَ تَتَشَاغَلْ بِهِ عَنْ طَاعَةِ الله، أَوْ تَلْهُ بِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، أَوْ تَتَّخِذْ مِنَ الْحَيَوَانِ شَيْئًا ثَمِينًا فَخْرًا وَخُيَلاءَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَهُ؛ فَإِنَّهُ حَرَامٌ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ؛ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا -أَيْ حَبْلِهَا- ذَلِكَ فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ لَهُ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ الله فِي رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَِهْلِ الإِسْلامِ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ".
عِبَادَ الله: وَأَمَّا الْمُؤْذِي مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، فَقَدْ أُبِيحَ قَتْلُهُ بِغَيْرِ إِحْرَاقٍ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ".
وَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ الْحَيَّاتِ مَخَافَةَ طَلَبِهِنَّ فَلَيْسَ مِنَّا، مَا سَلِمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ" [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ].
وَأَمَّا الْحَيَّاتُ اللاَّتِي فِي الْبُيُوتِ، فَإِنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا، فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلاثًا، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَاقْتُلُوهُ". [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]. وَالتَّحْرِيجُ: أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ فِي حَرَجٍ إِنْ عُدْتِ إِلَيْنَا، فَلاَ تَلُومِينَا أَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْكِ.
وَأَمَّا الْوَزَغُ: فَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَبِيَدِهَا عُكَّازٌ، فَقَالَتْ: مَا هَذَا؟! فَقَالَتْ: لِهَذِهِ الْوَزَغِ؛ لأنَّ نَبِيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ إِلاَّ يُطْفِئُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلاَّ هَذِهِ الدَّابَّةُ، فَأَمَرَنَا بِقَتْلِهَا.
عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، فَأَكْثِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاةِ يُعْظِمْ لَكُمْ رَبُّكُمْ بِهَا أَجْرًا؛ فَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
المؤلف | عبدالله بن إبراهيم القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
في حقوق الحيوانات | العربية |
حقوق الحيوان في الإسلام | العربية |
حقوق الحيوان في الإسلام | الإنجليزية |