عناصر الخطبة
- إشراقات في زمن الفتن
- أهمية تحقيق التعاوُن على البرِّ والتقوى
- كثرة أوجُه التعاوُن على البرِّ
- من صور التعاوُن على البرِّ والتقوى
- الإشادة بدور المملكة في دعم قضايا المسلمين
اقتباس وإن من عظمة الإسلام وجلاله، وشُموله وكماله، وإشراقاته ورحماته وجماله: تلكُم الأواصِر الاجتماعية السامِية، والوشائِجُ الإيمانية والخُلُقيَّة الحقيقية الحانِية، الحاثَّةُ على التعاوُن والتآزُر، والتضامُن والتشاوُر، التي تُمتِّنُ العلاقات والعلائِق، وتكشِفُ أسرارَ المكارِم الدوالِق، مهما تقلَّب الزمان، أو اختلَّت الأوزان. وما أبدعَ وأحكمَ قولَ الرحيم الرحمن: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، قال الإمام الطبريُّ – رحمه الله -: “أي: وليُعِن بعضُكم – أيها المؤمنون – بعضًا على البرِّ، وهو العملُ بما أمرَ الله، والتقوَى أي: اتِّقاءُ ما أمرَ الله باتِّقائِه واجتِنابه من معاصِيه”….
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، نحمدُه – سبحانه – حمدَ الإخلاص على حُسن الخَلاص، ونشكُرُه على الفضلِ والجُودِ والإرواس.
لو برَينَا الأشجارَ أقلامَ شُكرٍ *** بمِدادٍ من دِجلةٍ والفُراتِ
ما أتَينا بذرَّةٍ من جلالٍ أو *** شكَرنا آلاءَك الغامِراتِ
أولٌ آخرٌ عليٌّ غنيٌّ *** كيف نُحصِي نعماءَكَ الوافِراتِ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خصَّنا بشريعةِ التراحُم والتكافُل والتعاوُن المومُوق، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من أرسَى الحقوق، وحذَّر من التنافُر والعقوق، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه الباذِلين كرائِمًا ندًى الدَّفوق، ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ غروبٌ وشُروق.
أما بعد .. فيا عباد الله:
اتقوا الله ربَّكم، واشكُروه على نعمِه الوافِرة، وآلائِه المُتكاثِرة.
على أن الشكرَ ليس ببالِغٍ *** بعضَ ما أَولَى وأجزلَ من ندَى
وأنَّى يُوازِي الشكرُ إحسانَ مُنعِمٍ *** يمُنُّ بلا منٍّ ويُولِي بلا أذى
معاشر المسلمين:
في زمان الفتن الدُّهم، والقلاقِل السُّحم، التي تُزلزِلُ شموخَ أمَّتنا، وتُنضنِضُ وطيدَ لُحمَتنا، وبين أَثَرةٍ ونِياط، وعُنفُوانٍ وشِماط، وأمورٍ لا تجري على أقيِسَة العقول، ولا رغائِب الأنفُس والمأمول، يتجلَّى مبدأٌ عظيم، ومنهجٌ قويم، وتبدُو قيمةٌ قويمة، وخُلَّةٌ عظيمة، وتنبلِجُ في الآفاق الواسِعة إشراقاتُ الآمال العريضة، والإيجابيات الشامِخة النَّضيدَة، تزرعُ الأملَ في النفوس الهامِعة، وتُضِيءُ قنادِيل الضياء اللامِعة، والأنوار الساطِعة، لتُبدِّد ظُلُمات الشكِّ والحيرة، وتُعيدَ الثقةَ للأمةِ في مُقوِماتها ورجالاتها وإنجازاتها.
ومن هذه الانبِلاجات والإشراقات: مبدأُ تحقيق التعاوُن على البرِّ والتقوى، ونبذ النُّكوث وفَصم العُروة الوُثقَى، التي هي أقوى وأبقَى.
أمة الإسلام:
وإن من عظمة الإسلام وجلاله، وشُموله وكماله، وإشراقاته ورحماته وجماله: تلكُم الأواصِر الاجتماعية السامِية، والوشائِجُ الإيمانية والخُلُقيَّة الحقيقية الحانِية، الحاثَّةُ على التعاوُن والتآزُر، والتضامُن والتشاوُر، التي تُمتِّنُ العلاقات والعلائِق، وتكشِفُ أسرارَ المكارِم الدوالِق، مهما تقلَّب الزمان، أو اختلَّت الأوزان.
وما أبدعَ وأحكمَ قولَ الرحيم الرحمن: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
قال الإمام الطبريُّ – رحمه الله -: "أي: وليُعِن بعضُكم – أيها المؤمنون – بعضًا على البرِّ، وهو العملُ بما أمرَ الله، والتقوَى أي: اتِّقاءُ ما أمرَ الله باتِّقائِه واجتِنابه من معاصِيه".
معاشر المؤمنين:
وأوجُه التعاوُن على البرِّ جليلةٌ عن الحَصر، لا يحُدُّها فُرسانُ اليَرَاعة، وأربابُ البراعَة، ولكن نستلهِمُ من القوارِح طوارِفَها، لتهنَأَ في درجات مطارِفِها.
فمن بهيِّ التعاوُن الأبهَى: التعاوُن على الاعتصامِ بالكتاب والسنَّة، وتحقيق المُعتقَد الصحيح، والمنهج السليم الرَّبيح، الذي هو قِوامُ الدين، والمُرقِّي إلى درجات اليَقين، ويدلُفُ هذا بالأمة إلى التعاوُن على التناصُح والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، كما قال – سبحانه -: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
وإن خيريَّة هذه الأمة مرهونةٌ بهذا التعاوُن الأغرِّ، الذي ضُرِبَت به الأمثال، ونشدَه أهلُ الفضل والعلمِ والكمال، يقول – جل وعلا -: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
ويلحَقُ به خدينُه وقرينُه: وهو التعاوُن في رفع منار الدعوة الإسلامية على هدي خير البريَّة وأزكى البشرية – عليه الصلاة والسلام -، واتِّباعًا لآلِه المهديِّين، وخلفائِه الراشِدين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين – رضي الله عنهم أجمعين -.
إن التعاوُن قوَّةٌ علويَّةٌ *** تبنِي الرجالَ وتُبدِعُ الأشياءَ
بذلَ الجهودَ الصالِحاتِ صحابةٌ *** لا يسألون عن الجهودِ جزاءً
صحِبُوا رسولَ الله لا يألُونَه *** حبًّا وصِدقَ مودَّةٍ ووفاءً
ويعقُبُ هذا الفخر شرفٌ آخر يكادُ يُدانِيه: وهو تعاوُن المُسلم مع أخيه في قضاء الحاجات، وتمهيد العقَبات، وتذليل العثَرات، وقد قال نبيُّنا المُصطفى – صلى الله عليه وسلم -، فيما رواه الطبرانيُّ في "معجمه": «ولأَن أمشِي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكِف في مسجدي هذا شهرًا، ومن مشَى مع أخيه في حاجةٍ حتى يقضِيَها له ثبَّت الله قدمَيه يوم تزولُ الأقدام».
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «على كل مُسلمٍ صدقة»، قالوا: فإن لم يجِد؟ قال: «يعملُ بيدَيه فينفعُ نفسَه ويتصدَّق»، قالوا: فإن لم يستطِع؟ قال: «فيُعينُ ذا الحاجةِ الملهُوف» (أخرجه البخاري).
اقضِ الحوائِج ما استطعتَ *** وكن لهمِّ أخيكَ فارِج
فلَخيرُ أيام الفتَى *** يومٌ قضَى فيه الحوائِج
أمة الإيمان:
ما ضنَّ بمُعاونة غيره إلا غَبين، وما حجَبَ جُهدَه عن الخلق إلا أَفين، وما يقتضِي كرمُك نبذَ حُرَمِه، فبيِّض أملَه بتخفيف ألَمِه، في "الصحيح": أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من نفَّس عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربَةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر الله على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مُسلِمًا سترَه الله في الدنيا والآخرة، والله في عَون العبدِ ما كان العبدُ في عَون أخيه» (رواه مسلم).
لقد كان رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – إذا جاءَه السائل، أو طُلِبَت إليه حاجة، قال: «اشفَعوا تُؤجَروا» (رواه البخاري).
وهذا من أعظم أوجُه التعاوُن.
إن أخاكَ الصدقَ من كان معَك *** ومن يضُرُّ نفسَه لينفَعَك
ومن إذا رَيبُ الزمانِ صدَعَك *** شتَّت فيكَ شملَه ليجمَعَك
فالمُسلم – يا رعاكم الله – دائِمُ التحفُّز لمُعاونة إخوانه الآخرين، يرَى في إعناتِ المعذُور ملأَمة، وحبسِ المُعسِر مألَمة.
إخوة الإسلام:
وإن من التعاوُن على البرِّ والتقوى: مُواساة المكلُوم، ونُصرة المظلُوم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: «انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلُومًا»، فقال رجلٌ: يا رسول الله! أنصُرُه إذا مظلُومًا، أفرأيتَ إن كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟ قال: «تحجِزُه أو تمنَعُه من الظُّلم، فإن ذلك نصرُه» (رواه البخاري).
ومن أحسنِ أوجُه البرِّ والتقوى التي يُلبِّيها المرءُ مُمتطِيًا شِمِلَّه، ومُنتضِيًا عزمَةً مُشمئِلَّة: الإصلاحُ بين الناس، زوجيًّا وأسريًّا واجتماعيًّا، وتقريبُ وجهات النظر بالطرق السلمية والإيناس، قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114]، وقال – سبحانه -: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1].
وروى أبو داود بسندٍ صحيحٍ، من حديث أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا أُخبرُكم بأفضَل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاحُ ذات البَين، فإن فساد ذات البَين هي الحالِقة». أي: تحلِقُ الدين وتُقوِّضُ البناءَ المُشمخِرَّ المَكين.
وبهذا التآلُف والتلاحُم يتمكَّنُ أبناءُ الأمة من البناء والتنمية، وإعمار الأوطان، وتشييد العُمران.
لولا التعاوُن بين الناس ما شرُفَت *** نفسٌ ولا ازدهَرَت أرضٌ بعُمرانِ
ويُلحَقُ به: التعاوُن على ردِّ الشائعات، والأكاذِيب والافتِراءات، وإياد الأبواب أمام ما تبُثُّه بعضُ وسائل الإعلام من أكاذِيبَ ومخارِيق، وخَنخَنَة مُغرِبة، وشِنشِنَة مُخزِمة.
وإن من أروع التعاوُن وأجملِه: تعاوُن أبناء الأمة مع قادَتهم ووُلاة أمرهم وعلمائِهم ورجال أمنهم، تعزيزًا للحسِّ الأمنيِّ في استقرار المُجتمع والأمة، وتحقيق الأمن والأمان، ومُعالجة قضايا أمَّتنا الساخِنة، وأدوائِها الكامِنة السَّاكِنة، وكل ما يُثيرُه الواقعُ ويقتَضيه، وما نُؤمِّلُه من الإصلاح ونرتَجِيه.
وكذا التعاوُن للحِفاظ على المُقدَّرات والمُكتسَبَات، وردِّ الغوائِل والمُدلهِمَّات، والتصدِّي للأفكار الضالَّة والمسالِك المُنحرِفة؛ كالغُلُوِّ والتطرُّف، والتكفير والإرهاب، تحقيقًا للوسطية والاعتِدال، وتعزيزًا للأمن الفكريِّ، والوحدة الدينية، واللُّحمة الوطنية، وصدِّ كل من يُريد خرقَ سفينة الأمة بالدعوات الهادِمة إلى الفتن الهائِمة، أو تعاطِي المُسكِرات، وترويج المُخدِّرات، والإبلاغ عن هؤلاء وأولئك.
فلقد صفِرَت منهم العِياب، واكفَهَرَّت منهم وجوهُ ذوي النضَارة والإهاب، حتى يسلَم أبناءُ الأمة من غُلَوائِهم وشُرورهم، ويتعافَى من وقعَ في براثِنِهم من سُمومهم.
لا تعجبَنَّ لمجدٍ عزَّ جانِبُه *** لولا التعاوُن لم تنظُر له أثرًا
ومن التعاوُن الذي تُضربُ به الأمثال: تعاوُن وُلاة الأمر في مُختلف بلاد المُسلمين لجمع الكلمة، وتوحيد صفِّ الأمة، والبُعد عن النزاع والشِّقاق، فهما نارٌ كانَّةٌ تنتظرُ مُوقِدًا، وأضغانٌ مُزمَّلة تنتظرُ مُخرِجًا. وذلك – لعَمْرُ الحقِّ – شرٌّ من شُرب ماءِ الكَرْم، وأغمَسُ لصاحبِها في غِمار الإثم والجُرم.
وتعاوُن وُلاة الأمر في رأب الصَّدع بين أبناء الأمة هو تاجُ عزٍّ، ووِسامُ فخرٍ لأبناءِ الأمة أجمعين، وهو دُرٌّ منقُود، وإنجازٌ موعُود.
وكذا التعاوُن في نُصرة قضايا المُسلمين؛ كقضيَّة فلسطين والأقصَى، وبلاد الشام، والعراق، واليمن، وغيرها.
والتعاوُن على حلِّ مُشكلات الفقراء والمُعوِزين والمُحتاجِين، واللاجِئين والمُشرَّدين والنازِحين، الذين مسَّهم الشتاءُ بزَمهريره ونواقِره، وأصابَهم البردُ بكَلكَلِه وفواقِرِه. فلا يجمُلُ بأيٍّ منَّا أن يتخلَّى عن المسؤولية وأداء واجبِ التعاوُن، فكلُّنا نستهِمُ سفينةً واحدةً.
ومن هنا، يتجسَّدُ الواجبُ من جديد، واجبُ التعاوُن والتحالُف، لا التفرُّق والتخاذُل والتخالُف، لتحقيق الوحدة الإسلامية، في منأًى عن التعصُّب والتحزُّب، والمذهبيَّة والطائفيَّة، اعتزازًا بمنهج السلف الكرام، وحذرًا من التشبُّه بأعداء الإسلام، حتى يكون المُسلمون يدًا واحدةً على أعدائِهم كما كانوا، وما ذلك على الله بعزيز.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
باركَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ لَدُود، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إن ربي رحيمٌ ودود.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على ما أسبغَ من العطاء، وأسبلَ من السِّتر والغِطاء، وأُصلِّي وأُسلِّم على عبدِ الله ورسولِه سيِّد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الطيبين الطاهرين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد .. فيا عباد الله:
اتَّقوا الله حقَّ التقوى، واعلَموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل بدعةٍ ضلالة.
إخوة الإيمان:
ورغم ما تُعانيه أمَّتُنا من تشتُّتٍ وتفرُّق، إلا أن تباشير الأمل والضياء، تُبدِّدُ دائِمًا دياجيرَ الظُلَم والبأساء.
ومن رياض الوحدة والتوحيد شعَّ النورُ من جديد، وفي رعايةٍ تأريخيةٍ مُوفَّقة جاء هذا التحالُفُ الإسلاميُّ العسكريُّ لمُحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره وصُوره، والقضاء على أهدافِه ومُسبِّباته، وأداءً لواجبِ حمايةِ الأمة ممن يَعيثُ في الأرض فسادًا، فكان – بفضل الله – تحالُف خيرٍ وبركة.
وإن أمَّتنا وهو تسيرُ في الليالي الداجِية، وتغدُو على صفائِح ساخِنةٍ هاجِية، يقِفُ لها التأريخ ليُسجِّل في سِجِلِّ التعاوُن والوِفاق، والتحالُف والاتفاق أنصعَ شهادة، وأسمَى ريادة، ويُسمِع الكونَ ليُدبِّجَ ما نافَ عن العادة بهذا التحالُف المُبارَك الميمون، الذي يُعدُّ فتحًا مُبينًا، وانتِصارًا عظيمًا، في قرارٍ تأريخيٍّ يرسُمُ خارِطةَ طريقٍ للأُمَّة، للترقِّي في مدارِج النصر والعزَّة والتمكين، وليُعلِن بجلاءٍ براءةَ الإسلام من تُهمة الإرهاب.
فيا أمة الإسلام:
هلُمُّوا إلى التعاوُن والتحالُف، واحذَروا التخالُف والتخاذُل؛ حيث يصنعُ أبناءُ الإسلام المجدَ من جديد
بحبل العُروة الوُثقَى اعتصَمنا *** فلا عاشَ المُخالِفُ والكَذُوبُ
سيرًا في دُروب التنمية والنَّماء، والخير والوفاء، التي تتطلَّبُ التكامُل والتوازُن، والنظرَ إلى المصالِح العامَّة.
فلك الحمدُ ربَّنا واصِبًا، ولك الشكرُ أولاً وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا.
واعلَموا – رحمكم الله – أن من أعظم ما تزدلِفون به إلى ربِّكم: كثرةَ صلاتكم وسلامكم على الحبيبِ المُصطفى، والرسولِ المُجتبى.
فمن يُصلِّ على المُختارِ واحدةً *** عليه عشرًا يُصلِّي اللهُ فافتخِرِ
يا ربِّ صلِّ عليه كلَّما لمَعَت *** كواكِبٌ في ظلامِ الليل والسَّحَرِ
وآلهِ وجميعِ الصَّحبِ قاطعةً *** الحائِزين بفضلٍ أحسنَ السِّيَرِ
وأعظمُ من ذلك وأبلغُ: قولُ الحقِّ – تبارك وتعالى -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على السِّراج المُنير، والهادي البشير: النبيِّ المُصطفى، والرسولِ المُجتبَى، وعلى آله الشُّرفاء، وأصحابِه الحُنفاء، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ يا خيرَ من تجاوزَ وعفا.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن، عن بلدِنا هذا وسائر بلاد المُسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهدين في سبيلِك في كل مكان، اللهم كُن لهم على الحقِّ مُعينًا وظهيرًا، ومُؤيِّدًا ونصيرًا.
اللهم انصُر إخوانَنا في فلسطين، اللهم انصُر إخوانَنا في فلسطين على الصهاينة المُعتَدين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصَى من براثِن المُحتلِّين، يا قوي يا عزيز.
اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم عجِّل بنصرِهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلِح حالَ إخواننا في العراق، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألُك أن تُوفِّق المُسلمين إلى الاعتِصام بالكتابِ والسنَّة يا ذا العطاء والفضلِ والمنَّة.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
اللهم كُن لإخواننا وجنودِنا المُرابِطين على ثُغور حدودِنا، اللهم عجِّل بنصرِهم، اللهم عجِّل بنصرِهم، وسدِّد رأيَهم ورميَهم يا قويُّ يا عزيز.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وجميع المُسلمين والمُسلِمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.