عناصر الخطبة
- تأثر الجميع بفساد المجتمع
- اشتداد ضرورة المحافظة على مجتمعنا من الفساد
- مسؤولية وسائل الإعلام في المحافظة على المجتمع
- آثار مترتبة على التهاون في حفظ المجتمع
- المسؤولية الفردية والجماعية في المحافظة على المجتمع
اقتباس نحن نعيش في هذا المجتمع، فمثلنا فيه كمثل راكبي سفينة في وسط البحر، إن غرقت غرق من فيها إلا مَن شاء الله، وإن نجت نجوا جميعاً؛ ولذا تراهم يحرصون على نجاتها، ويتطلعون إلى سلامتها ووصولها إلى الشاطئ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اجتباه واصطفاه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- فإن تقواه وصيته للأولين والآخرين، كما قال -سبحانه-: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131]. وكثيراً ما كان يوصي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، أصحابه بتقوى الله.
يا عبد الله:
أيام عمـــرك تذهبُ *** وجميع سعيـك يكتبُ
ثم الشهيد عليك مـنـ *** ـــك فأين أين المهـرب
عباد الله: نحن نعيش في هذا المجتمع، فمثلنا فيه كمثل راكبي سفينة في وسط البحر، إن غرقت غرق من فيها إلا مَن شاء الله، وإن نجت نجوا جميعاً؛ ولذا تراهم يحرصون على نجاتها، ويتطلعون إلى سلامتها ووصولها إلى الشاطئ.
هكذا نحن -عباد الله- في هذا المجتمع، إن كان صالحاً مستقيماً طالنا صلاحه وعمنا خيره واستقراره، وأمِنّا فيه على أنفسنا وأهلينا وأعراضنا وأموالنا وعقولنا، وإن كان فاسداً معوجاً، نالنا فساده وأصابنا ضرره، ولحقنا فيه الأذى والتعب، والخوف والألم.
لذا كان من العقل وجسن التصرف أن نصون مجتمعنا من الفساد والخراب، ونحميه من أسباب الهلاك والدمار، وأن نسعى إلى أن يكون صالحاً مستقيماً آمناً، وأن نتكاتف في ذلك جميعاً، بلا تكاسل ولا توانٍ ولا اتّكالية ولا انهزامية، فخيره وصلاحه لنا، وشره وفساده علينا.
وفي هذا الزمان قد اشتدت الضرورة إلى الحفاظ على مجتمعنا من الفساد، لضعف الوازع الديني في كثير من الناس، وللانفتاح الرهيب على المجتمعات الأخرى التي تباين مجتمعنا في كثير من آدابه وأحكامه انفتاحاً مرئيا ومسموعاً ومقروءاً، ولتعرُّض مجتمعنا للغزو الآثم من أعداء الدين الحاقدين، عن طريق الفكر الخبيث والخلق الذميم، والمشهد الفاجر، وما يؤدي إلى ضياع العقل، وذهاب الخلق، وزوال المروءة؛ وذلكم بترويج هذه السموم التي فتكت بكثير من شباب أمة الإسلام، وجعلتهم عالة على المجتمع، وعبئاً ثقيلاً عليه.
لذا كان أمر المحافظة على مجتمعنا ضروريا ًلا يقبل أنصاف الحلول، ويجب على الجميع أن يتكاتفوا في ذلك حكاماً ومحكومين، أسراً وأفراداً، شباباً وشيباً، ذكوراً وإناثاً.
وإن على القائمين على وسائل الإعلام مسؤولية عظيمة في المحافظة على المجتمع من المنكرات والرذائل، وذلك ببث ما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم، وتنزيه وسائل الإعلام مما يفسد العقل والدين ويذهب المروءة وينزع الحياء، قال الله -عز وجل- في كتابه الكريم: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]، فلا نجعل أعداء الدين يشمتون بنا، ويسخرون منا، ويستهزؤون بنا، فنبكي على واقعنا وهم يضحكون ويمرحون.
إن المستفيد من صلاح مجتمعنا نحن، والمتضرر من فساده نحن، ولو تعلمون -عباد الله- عظم الضرر الذي يحصل من فساد المجتمع وكثرة المنكرات والفسوق والفجور فيه لما تأخر فرد منكم عن المساهمة في صلاحه واستقامته، ولما تلكأ عن فعل الخير ونشره فيه، ولبادر إلى إزالة أسباب هلاكه بنفسه إن قدر، أو بغيره إن عجز، ولبدأ بنفسه وأسرته قبل غيره.
أرعوني أسماعكم قليلاً لأسمعكم ما جاء عن نبيكم وحبيبكم محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- في عظم الضرر الذي يحصل للمجتمع إذا كثر فيه الفساد، وضعف الصالحون عن تغيير الفساد ولم يستطيعوا، وتثاقل القادرون على التغيير فلم يغيروا: ثبت في الحديث الصحيح عن زينب -رضي الله تعالى عنه- أنها قالت: استيقظ النبي-صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه، وهو يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا"، وعقد الراوي تسعين. فقالت زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: "نعم؛ إذا كثر الخبث". والخبث -عباد الله- هو الفسق والفجور والمعاصي والآثام.
فإذا ظهر الخبث وانتشر ولم يقدر الصالحون على إزالته ولم يقم القادرون على إزالته عم الهلاك الصالح والطالح، وأصيب الناس بالعقوبات العامة، والعياذ بالله! وهل تدرون ما العقوبات العامة؟ لا تتصوروا أنها عقوبات مادية حسية وحسب، كلا!.
إن من العقوبات العامة التي تصيب الأمة إذا انتشرت المعاصي والآثام فيها، قسوة القلوب وإصابته بالأمراض القلبية المتنوعة من حقد وحسد وبغض وغش وخداع وقلة الغيرة، نسأل الله العافية.
هذا مع العقوبات المادية من حروب مهلكة مدمرة، أو انتشار وباء عام، أو فيضانات وسيول جارفة ضارة، وغيرها من العقوبات العامة. فهذا يدعو إلى الحذر والانتباه.
وروى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده! لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم".
نعم عباد الله، لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل حسب قدرته واستطاعته، مع مراعاة قواعد الشريعة ومصالحها في هذا الجانب، ولا بد من المناصحة والتوجيه، وعدم السكوت على المنكر والرضا به حالاً ولو لم يكن مقالاً.
الذي يأتي بآلات اللهو والطرب إلى بيته، هل سعى في الحفاظ على المجتمع؟! كلا! الذي يأتي بالآلات التي تلتقط الخنا والفسق والمشاهد الخبيثة، ويرضى لأهله وأولاده مشاهدتها، هل ساعد على استقرار المجتمع وأمنه؟ كلا! الذي يسعى بماله أو قلمه أو إدارته أو جاهه، في ظهور أماكن تكون ملتقى لأفراد المجتمع يتناولون فيها ما حرم الله، ويشاهدون فيها ما يغضب الله، هل ساهم في صلاح المجتمع واستقامته ؟ كلا! من صاحب العصاة ولم ينكر عليهم معصيتهم ولم يهجرهم لذات الله، بل بش في وجهوهم وأظهر الرضا بمعصيتهم، هل سعى في المحافظة على المجتمع ؟ كلا! من أجّر عقاره لمن يبيع المحرمات، هل ساهم في صلاح المجتمع ؟ كلا!.
فكل من كان عوناً على ظهور المحرمات والمنكرات في المجتمع، وكل من سكت عن المنكرات فلم يغيرها بيده إن كانت له سلطة التغيير باليد، أو لم يغيرها بلسانه إن كان من أهل التغيير باللسان، أو لم يغيرها بقلبه ببغضها وبغض أهلها وهجرهم إن كان في الهجر مصلحة، فقد ساعد على انتشار الخبث في المجتمع، ويخشى علينا من الهلاك العام أو العقوبات العامة.
عباد الله: تعاونوا على البر، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، كونوا معاول بناء للمجتمع، ولا تكونوا معاول هدم له، فصلاح المجتمع خير لكم، وفساده شر عليكم.
لا يقل أحدكم: إن تغيير المنكر مناط بالحاكم ومسؤولي الحسبة وكبار العلماء والدعاة إلى الله، فلا شك أن هؤلاء عليهم العبء الأكبر والمسؤولية الكبرى في التصدي للمنكرات وأهلها؛ لما أولاهم الله من القدرة والقوة والجاه والعلم، لكن، لا تحقر نفسك وتستهين بدورك في هذا العمل، فمجال المحافظة على المجتمع من الفساد والمنكرات رحب وسيع، فاللهَ اللهَ في مجتمعكم أيها المسلمون!.
عباد الله: المجتمع أمانة في أعناقكم، فأدوا الأمانة بصدق وإخلاص، طهروه من المنكرات، وزكوه بالصالحات، احرصوا على صلاحه واستقامته كل في مجاله، الأمير في إمارته، والوزير في وزارته، والقاضي في محكمته، والموظف في دائرته، والتاجر في متجره، والزارع في مزرعته، والأب في بيته، والأم في بيتها، والمدرس والمدرسة في حقل تعليمهما، الكل يسعى في الحفاظ على المجتمع لأنه يعيش فيه.
اللهم اجعل مجتمعنا خاصة صالحاً آمناً وسائر مجتمعات المسلمين، اللهم احمه من المنكرات وأهلها، اللهم من أراد مجتمعنا وسائر مجتمعات المسلمين بشر وسوء فاجعل شره وسوءه في نحره يا رب العالمين.