عناصر الخطبة
- عيد الفِطر فرحةُ الصائمين
- التكبير شعار العيدين
- اقتران اسم العليِّ باسم الكبير
- تأملات في معاني \"الله أكبر\"
- سمات العيد في الإسلام
- من مظاهر الإحسان بعد رمضان.
اقتباس وقد اختارَ الله هذه الجُملة “الله أكبر”، وخصَّها بخصائص وأحكام ليست في غيرها من الألفاظ والجُمل، في كثرة ذِكرها، وتعدُّد أحوالها، وتنوُّع أحكامها، وعظيم آثارها، وما يترتَّبُ عليها. فالتكبيرُ مشروعٌ في المواطِن الكِبار، والمواضِع العِظام، في الزمان والمكان والحال. مشروعٌ في كثرة الجُموع والمجامِع، وفي الجهاد، والنصر، والمغازي، استشعارًا لعظمة الفعل، واستِحضارًا لقوة الحال. التكبيرُ مشروعٌ لدفع شياطين الإنس والجنِّ، ولدفع النار. التكبيرُ شِعارُ المُسلمين في أذانهم، وصلواتهم، وأعيادهم، ومعارِكهم.
الخطبة الأولى:
الله أكبر كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، والله أكبر تعالى جدُّ ربِّنا وتعاظَم، ولا إله إلا الله حُكمُه بعد علمِه، وعفوُه بعد قُدرته، والله أكبر تباركَ ربُّنا كلُّ نعمةٍ منه فضل، وكلُّ بلاءٍ منه عدل، والحمدُ لله ثم الحمدُ لله يُطاعُ فيشكُر، ويُعصَى فيغفِر، القلوبُ إليه مُفضِية، والسرُّ عنده علانية.
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أحقُّ من عُبِد، وأرأَفُ من ملَك، وأجودُ من سُئل، وأوسعُ من أعطَى، هو الملكُ لا شريكَ له، وهو الفردُ لا نِدَّ له، أحمدُه على ما أسدَى من سوابِغ النِّعَم، وأشكرُه على ما أجزَل من المواهِب والمِنَن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الجليلُ قدرُه، الحافظُ ذِكرُه، العامُّ سِترُه، الخلقُ خلقُه، والأمرُ أمرُه، ولا إله غيرُه، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، فاقَ البريَّة شرفًا وفضلاً، ونالَ من المكارِم المحلَّ الأعلى، أحسنُ البشر خلقًا وخُلُقًا، وهديًا ونُبلاً، اللهم صلِّ وسلِّم على هذا النبي الكريم: سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين أكرِم بهم سادةً وآلاً، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين خير الناس قُرونًا وأجيالاً، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا يتوالَى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أما بعد:
فأُوصيكم – أيها الناس – ونفسي بتقوَى الله، فاتقوا الله – رحمكم الله -؛ فمن اتَّقى الله وقاه، ومن أحسن العملَ وفَّاه.
تقوَى الله خلَفٌ من كل شيءٍ، وليس من تقوَى الله خلَف، اتَّقوا الله وأحسِنوا؛ فإن الله مع الذين اتَّقوا والذين هم مُحسِنون، اتَّقوا الله؛ فتقوى الله من أكرَم ما أسرَرتم، وأجمل ما أظهَرتم، وأفضلِ ما ادَّخَرتم. أعانَنا الله وإياكم عليها، وأوجبَ لنا ولكم ثوابَها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:
تقبَّل الله طاعاتِكم، وقبِلَ صيامَكم، وبارَكَ لكم في عيدكم. عيد الفِطر فرحةُ الصائمين بتمام أعمالهم، يجتمعُ المُسلمون للصلاة ليُوفِّيهم ربُّهم أجورَهم، ومن تاجَرَ مع الله فتجارتُه رابِحة.
عيدُكم مُبارَك، وعملُكم مقبُول، القلوبُ مُتحابَّة، والوجوهُ باسِمة، والأيدِي مُتصافِحة، تستبشِرون بنعمةٍ من ربِّكم وفضلٍ، وتشكُرونَه على سوابِغ الكرمِ والإنعام.
افرَحوا بيوم فِطركم كما تفرَحون بيوم صومِكم، فهذا يوم الجوائِز. أدَّيتُم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، صُمتُم وقُمتُم وقرأتُم وتصدَّقتم، فهنيئًا لكم، وتقبَّل الله منا ومنكم، فبارَك الله لكم في أعيادكم، ودامَت مسرَّاتكم، وأعانَكم ربُّكم على ذِكرِه وشُكرِه وحُسن عبادتِه، وجعلَ سعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا، وزادَكم في عيدكم فرحةً وبهجةً وسُرورًا.
معاشر المسلمين:
أعيادُنا – أهل الإسلام – يُرفعُ فيها ذكرُ الله، فهي أعيادُ التكبير:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
وفي الأثر: "زيِّنوا أعيادَكم بالتكبير" (رواه الطبراني).
وأصدقُ من ذلك وأبلَغ: قولُ الله – جلَّ جلالُه-: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]، وقولُه – عزَّ شأنُه -: ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 37].
في أعياد المُسلمين يتجسَّد هذا الكبير ويُعلَن ويُعظَّم، في كلماتٍ ذات عزَّةٍ وبهجةٍ، يُردِّدُها المُسلمون في أعيادهم فرحًا وقوةً، وابتِهاجًا وعبادةً. يُكبِّرون في المساجد، والأسواق، والمنازل، والطُّرقات، رجالاً ونساءً، مُقيمين ومُسافِرين، في كل مكانٍ، وعلى كل حالٍ، في مشارِق الأرض ومغاربِها.
تكبيرٌ واحدٌ، ووجهةٌ واحدةٌ، وشُعورٌ واحدٌ بالبهجة والرِّضا والديانة والخُضوع لله ربِّ العالمين، في صورةٍ تتجلَّى فيها أسمَى معاني الخُضوع لله وعظمَته وجبرُوته، والإذعان والانقِيادُ له وحدَه – عزَّ شأنُه، وجلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه -.
الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على ما أولانا، والله أكبر وأعظَم وأجلُّ.
أيها المسلمون:
تأمَّلوا – حفِظَكم الله – وهنَّأكم بعيدِكم كلمات التكبير، وجمالَها، وجلالَها، ودُرَرها. تكبيراتٌ تلِي تكبيرات، تكبيراتٌ ممزوجةٌ بتوحيد الله وحمدِه وتسبيحِه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
زينةٌ وجلال، يجِد المُسلمُ فيها الراحةَ والفرحةَ والعزَّة والقوَّة. ترديدٌ ترتفعُ فيه الشعائِر، وتهتزُّ له المشاعِر، فتُحاطُ بهجةُ المسلمين وزينتُهم وفرحتُهم بهذا التكبير العظيم وهذا النداء إلى الوحدة الإسلامية الكُبرى.
معاشر المسلمين:
التكبيرُ إعلانٌ لعظمَة الله، وإذعانٌ لكبريائِه في القلوب، وتتوجَّهُ إليه وحدَه، وتُقبِلُ النفوسُ على طاعتِه، وتحبُّه وتتوكَّلُ عليه وحدَه لا شريكَ له؛ فهو الكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، الملكُ الذي كلُّ شيءٍ خاضِعٌ له، الرزاقُ الذي كلٌّ نعمِه.
كبرياءٌ لله وتعظيمٌ يأخذُ بمجامِع القلوب، فيكونُ الدينُ كلُّه لله، ويكونُ العبادُ كلُّهم لربِّهم مُكبِّرين وخاضِعين، فيحصلُ لهم تعظيمُ ربِّهم في قلوبِهم.
الله أكبر من كل شيءٍ ذاتًا وقُدرةً وقدرًا، وعزَّةً ومنعَةً وجلالاً، هذه المعاني العِظام تُعطِي المؤمنَ الثقةَ بالله وحُسن الظنِّ به، فلا تقِفُ في حياته العقَبَات، ولا يخافُ من مُستقبَل، ولا يتحسَّر على ما فات.
فالله أكبر وأجلُّ وأرحَمُ من أن يترُك عبدَه المُتعلِّق به واللائِذَ بجنابِه، وكلما قوِيَ علمُ العبد ومعرفتُه بأن الله أكبر زادَت عنده الخشية والرَّهبة والتعظيم والمحبَّة وحُسن العبادة ولذَّة الطاعة.
معاشر الأحبَّة:
ومما يستدعِي النظر، ويملأُ النفسَ ثقةً وطُمأنينةً: اقترانُ اسم العليِّ باسم الكبير، كما قال – عزَّ شأنُه -: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: 62]، وقال – عزَّ شأنُه -: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: 12].
فهو العليُّ الكبير، لا مُعقِّب لحُكمه، يُعزُّ من يشاء، ويُذلُّ من يشاء، ويصطفِي من يشاء، عنَت له الوجوه، وذلَّت له الجِباه، وخضعَت له الرِّقاب، وتصاغَرَ عند كبريائِه كلُّ كبير.
وهذا الإيمانُ واليقينُ بكبرياء الله وعظمَته يجعلُ الألسِنةَ تلهَجُ بذكرِه وشُكره وحَمده والثناء عليه وتمجيده، وتقرعُ الجوارِح كلُّها لعظمَته عبادةً ومحبَّةً وتعظيمًا وإجلالاً وذُلاًّ وانكِسارًا.
لا إله إلا الله، والله أكبر، والعزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلُّ والصَّغارُ للجاحِدين المُستكبِرين المُعانِدين.
معاشر المسلمين:
وقد اختارَ الله هذه الجُملة "الله أكبر"، وخصَّها بخصائص وأحكام ليست في غيرها من الألفاظ والجُمل، في كثرة ذِكرها، وتعدُّد أحوالها، وتنوُّع أحكامها، وعظيم آثارها، وما يترتَّبُ عليها.
فالتكبيرُ مشروعٌ في المواطِن الكِبار، والمواضِع العِظام، في الزمان والمكان والحال. مشروعٌ في كثرة الجُموع والمجامِع، وفي الجهاد، والنصر، والمغازي، استشعارًا لعظمة الفعل، واستِحضارًا لقوة الحال. التكبيرُ مشروعٌ لدفع شياطين الإنس والجنِّ، ولدفع النار. التكبيرُ شِعارُ المُسلمين في أذانهم، وصلواتهم، وأعيادهم، ومعارِكهم.
يقولُ الحافظُ ابن حجرٍ – رحمه الله -: "التكبيرُ ذكرٌ مأثورٌ عند كل أمرٍ مهُول، وعند كل حادثِ سُرور، شُكرًا لله تعالى، وتبرئةً له – عزَّ شأنُه – عن كل ما يَنسِبُ إليه أعداؤُه، تعالى الله عما يقولُ الظالِمون الجاحِدون علوًّا كبيرًا".
"الله أكبر" كلمةٌ عظيمةٌ، خفيفةٌ على اللسان، ثقيلةٌ في الميزان، يقولُها المُسلم في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، ويسمعها من الإمام والمُؤذِّن أكثر من مائة مرَّة، وتتردَّدُ في الأذكار عشرات المرات.
التكبيرُ هو شِعارُ الصلاة، وعند جماهير أهل العلم أن الصلاةَ لا تنعقِدُ إلا بلفظ التكبير، وفي الحديث: "مفتاحُ الصلاة الطُّهور، وتحريمُها التكبير، وتحليلُها التسليم".
والمُصلُّون في صلاة الجماعة يُكبِّرون بعد تكبير الإمام، وفي الحديث: "فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تُكبِّروا حتى يُكبِّر"، في مُتابعةٍ دقيقة، وانتِظامٍ عجيب، يقودُه التكبيرُ ويُنظِّمُه.
ومن هنا، شُرِع التبليغُ خلف الإمام إذا لم يبلُغ صوتُ الإمام جموع المأمومين، حتى يتمَّ انتِظامُ الجماعة خلف إمامهم.
الله أكبر ما صامَ صائِمٌ وأفطر، والله أكبر ما أذَّن مُؤذِّنٌ وكبَّر.
أيها المسلمون:
الله أكبر هو صوتُ المعركة، يُطلِقُه المُجاهِدون في سبيل الله في ساح الوغَى، فيشعرُون بعزَّة الله وقوَّته وكبريائِه ومعيَّته، فيستمِدُّون منه القوةَ والثباتَ والإخلاصَ والعزَّة.
"الله أكبر" كلمةٌ صنعَت في تاريخ المُسلمين العجائِب، وبثَّت في أهلها من القوة ما استعلَوا فيه على كل كبيرٍ سِوى الله – عزَّ شأنُه، وجلَّ جلالُه -، تنطلِقُ من أفواه المُجاهدين وقلوبهم قويةً مُدويَّة، تتضاءَلُ أمامَها كبرياءُ كل مُتكبِّر، وعظمةُ كل مُتعاظِم، تعلُو على كل مظاهر الفساد والطُّغيان.
لا إله إلا الله وحده، صدقَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وأعزَّ جُندَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه.
"الله أكبر" جُملةٌ عظيمةٌ حافِظةٌ، إذا سمِعها الشيطان تصاغَرَ وتحاقَرَ وخنَسَ، فكبرياءُ الجبَّار تقمَعُ انتِفاشَ الشيطان، وإذا تغوَّلت الغيلان فبادِروا بالتكبير.
والتكبيرُ يستصحِبُه المُسلم في سفره، ويُكبِّرُ كلما علا شرفًا وهبَطَ واديًا، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُوصِي المُسافرَ بقوله: "عليك بتقوَى الله، والتكبير على كل شرَف"، والشرفُ هو المكان العالي.
وإذا استوَى على ظهر الدابَّة قال: "﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ(14)﴾ [الزخرف: 13، 14]، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمتُ نفسي، فاغفِر لي، فإنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت".
التكبيرُ يُردِّده المسلم كلما هبطَ واديًا أو صعد مُرتفعًا، استشعارًا لمعيَّة الله وعظمته وإحاطته وحفظه، وتفكُّرًا في سعة الدنيا، وتباعُد أطرافها، وآفاقها، في سهولها وجبالها وصحرائِها وبحارها. فالله أكبر ملِك الأملاك، والله أكبر مُدبِّرُ الأفلاك.
التكبيرُ فيه الأملُ لتحريك الهُدى، ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185].
فقد قرَّر بعضُ أهل العلم أن التكبيرَ مُعينٌ على الهُدى، فهذا التكبيرُ الذي ترتفِعُ به أصواتُ المُؤمنين في مشارِق الأرض ومغارِبها، تكبيرٌ واحد، ووِجهةٌ واحدة، مما يُشيرُ إلى معنى الهداية في قوله – عزَّ شأنُه -: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 185].
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "وقد شُرع التكبيرُ على الهداية، والرزق، والنصر؛ لأن هذه الثلاث أكبر ما يطلُبُه العبدُ، وهي جِماعُ مصالِحه".
الله أكبر، أعادَ علينا بركات هذا العيد السعيد، والحمدُ لله جمعَنا وإياكم في زُمرة أهل الفضلِ والمزيد.
معاشر الأحبَّة:
مواطِنُ التكبير ومواضِعُه تكادُ تنتظِمُ حياةَ المُسلم وأحوالَه كلَّها، فقد كان – صلى الله عليه وسلم – إذا بُشِّر بما سرَّه قال: "الله أكبر"، وإذا رأى الهلالَ كبَّر وقال: "الله أكبر، اللهم أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبُّ وترضى، ربُّنا وربُّك الله".
والباقِياتُ الصالِحاتُ هي التكبيرُ والتهليلُ والتسبيحُ والحمدُ لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأحبُّ الكلام إلى الله أربع: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
وبعد، حفِظَكم الله، وهنَّأكم بعيدكم:
فإن التكبيرَ ذِكرُ الجليل، وعبادةٌ عظيمةٌ، دعا الله عبادَه إليها ورغَّبَهم فيها، فقال – عزَّ شأنُه -: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر: 3]، وقال تعالى: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
وفي التكبير وتكراره تجديدٌ لعهد الإيمان، وتقويةُ الميثاق الغليظ، والارتِباطُ بالله العليِّ الكبير والجبَّار المُتكبِّر.
تكبيرُ الله وتعظيمُه تطمئنُّ معه النفوسُ إذا اضطربَت، وتسكُنُ به القلوبُ إذا احتارَت، وتنامُ عليه العيونُ إذا سهِرَت.
بتكبير الله وتعظيمِه تُحلُّ الكُروب، وتزولُ الخُطوب، وتُرفعُ الهُموم، وتنقشِعُ الغُموم. بتكبير الله وتعظيمِه يصفُو العيش، ويُشفَى الداء.
يقولُ عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "قولُ العبد: الله أكبر خيرٌ من الدنيا وما فيها".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابِه، وبسُنَّة نبيِّه محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الخطبة الثانية:
الله أكبر أنارَ قلوبَ المُخبِتين بمصابِيح أُنسِه، والحمدُ لله بوَّأ هِممَ العارِفين مقاعِد العزِّ من قُدسه، والله أكبر جادَ بالإحسان فضلاً وتكرُّمًا، والحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا أبتغيه للمزيد سُلَّمًا، لا إله إلا الله بيده أزِمَّةُ الأمور ومقالِيدُها، وسبحان الله بإرادته تحصلُ الأسبابُ ومفاتيحُها، والحمدُ لله ذي الألطاف الواسِعة والنِّعم، والله أكبر كاشِفُ الشدائِد ورافِعُ النِّقَم.
أحمدُه – سبحانه – وأشكرُه وهو الجليلُ وصفُه، الجميلُ لُطفُه، رؤوفٌ بالعباد، ليس لخزائِنِه نفاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد، الفرد الصمد، خلقَ وقدَّر، وحكَم ودبَّر وهو الجليلُ الأكبر، وكل شيءٍ دونه حقيرٌ وأصغر، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا وحبيبَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ الأمة عربًا وعجمًا، وأكرمُهم أخلاقًا وشِيَمًا، كم كشفَ بإذن ربِّه ظُلَمًا، وكم أزاحَ عن الأبصار عمًى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغُرِّ الميامين أرفع الأمة قدرًا وكرمًا، وأسبَقهم في الطاعات هِممًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أعيادُكم سعيدة، وأيامُكم مُبارَكة، وأعادَ الله هذا العيدَ بالخير واليُمن والبركات، والسعادة والعزَّة والبَهجة، والنصر والتمكين لأمة الإسلام وصلاح المُسلمين.
معاشر الأحبَّة:
بالتكبير يترسَّخُ الإيمان، ويقوَى اليقين، وتعظُم الصلةُ بالله ربِّ العالمين – جلَّ جلالُه -، وتُفتحُ أبوابُ الخير للعبد، وتُفتحُ أبوابُ السماء.
روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -، قال: بينما نحنُ نُصلِّي مع رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -، إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، فقال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "من القائلُ كذا وكذا؟"، فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله، قال: "عجِبتُ لها، فُتِّحت لها أبوابُ السماء".
قال ابنُ عمر: "فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقولُ ذلك".
وفي الحديث الآخر: "التسبيحُ نصفُ الميزان، والحمدُ لله تملؤُه، والتكبيرُ تملأُ ما بين السماء والأرض" (أخرجه أحمد والترمذي).
وخرَّج الفريابيُّ من حديث مُعاذ – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "كلِمتان إحداهما من قالَها لم يكُن له ناهيةٌ دون العرش، والأخرى تملأُ ما بين السماء والأرض: لا إله إلا الله، والله أكبر".
يقولُ الحافظُ ابن القيم – رحمه الله -: "إن العبدَ إذا وقفَ بين يدَي الله وقد علِم أن لا شيءَ أكبر منه، وتحقَّق قلبُه ذلك وأُشرِبَه، سرَّه ذلك، فاستحيَى من الله، ومنعَه وقارُه أن ينشغِلَ قلبُه بغيره".
فلا تشتغِل – يا عبد الله – بما خُلِق لك عما خُلِقتَ له، وعظِّم الله على قدر قُربه منك وقُدرته عليك. فلا شيءَ أكبرُ منه، ولا أحدَ يخرُج من سُلطانه إلى سُلطان غيره، ولا من مُلكه إلى مُلك غيره، ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
وإذا جاء العيدُ يوم الجُمعة – كمثل هذا اليوم – فليس على من صلَّى العيد صلاة الجُمعة، فيُصلِّيها ظُهرًا، ومن صلَّى الجُمعة فهو حسن.
فعن زيد بن أرقَم – رضي الله عنه -، قال: اجتمعَ عيدان على عهد رسولِ الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في يومٍ واحد، فصلَّى العيدَ أولَ النهار وقال: "يا أيها الناس! إن هذا اليوم قد اجتمعَ لكم فيه عيدان، فمن أحبَّ أن يشهَد معنا الجُمعة فليفعَل، ومن أحبَّ أن ينصرِفَ فليفعَل" (رواه أحمد وغيره).
الله أكبر ما هلَّ هلالٌ وأبدَر، والله أكبر على ما سهَّل ويسَّر.
معاشر المسلمين:
عيدُكم مُبارَك، وتقبَّل الله طاعاتِكم. ابتسِموا وابتهِجوا، وانشُروا السُّرور والبهجَة في أنفسِكم وأهلِيكم وإخوانِكم.
العيدُ والتهنئةُ لمن يزرعُ البسمةَ على شِفاه المُحتاجين، ويُدخِل السُّرور على المرضَى.
أيها المسلمون:
العيدُ مُناسبةٌ كريمةٌ لتصافِي القلوب، ومُصالَحة النفوس. مُناسبةٌ لغسل أدران الحقدِ والحسَد، وإزالة كوامِن العدالة والبغضاء، ولعلَّ في مواقع التواصُل الاجتماعيِّ والمجموعات التي يُنشِئُها الأقاربُ والأصدِقاءُ وذوو الاهتمام والمُتابعات، لعلَّ في هذه المواقع طرائِق حسنة، وأبوابٌ مُتسِعة للكلام الطيِّب، وإدخال السُّرور، وحُسن الحديث، ولطيف المُتابعة، ورقيق السُّؤال، وتبادُل عبارات المرح المُباح.
العيدُ فرحٌ وسُرورٌ لمن طابَت سريرتُه، وخلُصَت نيَّتُه، وحسُنَ للناس خُلُقُه، ولانَ في الخطاب كلامُه.
عيدُ من أحسنَ لمن أساء، وعيدُ من عفَا لمن هفَا، إدخالُ السُّرور شيءٌ هيِّن، تسُرُّ أخاك بكلمةٍ أو ابتِسامةٍ أو ما تيسَّر من عطاءٍ أو هديَّة، تسُرُّه بإجابة دعوةٍ أو زيارةٍ. أين هذا ممن قلَّ نصيبُه، ممن هو كثيرُ الثياب، قليلُ الثواب؟! كاسِي البدَن، عارِي القلب، مُمتلِئ الجيب، خالِي الصحيفة، مذكورٌ في الأرض، مهجُورٌ في السماء، عياذًا بالله.
العيدُ لمن اتَّقى مظالِم العباد، وخافَ يوم التناد. العيدُ لمن لم يحسُدُ الناسَ على ما آتاهم الله من فضلِه.
فافرَحوا وأدخِلوا الفرحَ على كل من حولَكم؛ فالفرحُ أعلى أنواع نعيم القلب ولذَّته وبهجَته. السُّرورُ والفرحُ لذَّةٌ لنَيل المُشتهَى.
بل قالوا: إن الفرحَ فوق الرِّضا؛ فالرِّضا طُمأنينة وسُكونٌ وانشِراح، أما الفرحُ فلذَّةٌ وبهجةٌ وسُرور، فكل فرِح راضٍ، وليس كل راضٍ فرِحًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان – حفِظَكم الله، وتقبَّل الله منا ومنكم -: استِدامةُ العبد على نَهج الطاعة والاستِقامة، وإتباعُ الحسنة الحسنة، وقد ندبَكم نبيُّكم محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – لأن تُتبِعُوا رمضان بستٍّ من شوال. فمن فعل فكأنما صامَ الدهر كلَّه.
تقبَّل الله منا ومنكم الصيامَ والقيامَ وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال – عزَّ قائلاً عليمًا -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك سيِّدنا ونبيِّنا محمد، وعلى آله وأزواجه وذُرِّيَّته، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذُل الطغاة والملاحِدة وسائر أعداء الدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وعبادك الصالحين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافَك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أيِّد بالحق والتوفيق وبالتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وارزقه البطانةَ الصالحةَ، وأعِزَّ به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، واجمَع به كلمة المسلمين على الحقِّ والهدى، ووفِّقه ونائبَيْه وإخوانه وأعوانه للحق والهدى، وكل ما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنَّة نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمَع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم وأبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشد، يُعزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكَر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم عليك بالصهاينة المُحتلِّين، اللهم عليك بالصهاينة المُحتلِّين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم احفَظنا من شرِّ الأشرار، ومن كيد الفُجَّار، وشرِّ طوارِق الليل والنهار.
اللهم يا ذا الجُود والمنِّ احفظ علينا هذا الأمن، وسدِّد قيادتَه، وقوِّ رجالَه، وخُذ بأيديهم، وشُدَّ من أزرهم، وقوِّ عزائمهم، وزِدهم إحسانًا وتوفيقًا، وتأييدًا وتسديدًا.
اللهم واشفِ مرضاهم، وارحم شُهداءَهم، واحفَظ أُسَرهم وذريَّاتهم يا رب العالمين.
اللهم إن لنا إخوانًا مُستضعَفين مظلُومين، قد مسَّهم الضُّرُّ، وحلَّ بهم الكرب، واشتدَّ عليهم الأمرُ، تعرَّضوا للظُّلم والطُّغيان، في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي العراق، وفي اليمن، سُفِكَت الدماء، وقُتِل الأبرياء، ورُمِّلَت النساء، وفي أراكان، وفي إفريقيا الوسطى، قُتِّلَت الأبرياء، ورُمِّلَت النساء، ويُتِّم الأطفال.
اللهم يا ناصر المُستضعفين، ويا مُنجِي المؤمنين، انتصِر لهم، وتولَّ أمرهم، واكشِف كربَهم.
اللهم وأصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، واجمَع على الحقِّ والهُدى كلمتَهم، وولِّ عليهم خيارَهم، واكفِهم أشرارَهم، وابسُط الأمنَ والعدلَ والرَّخاءَ في ديارهم، وأعِذهم من الشُّرور والفتن ما ظهر منها وما بطَن.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
سبحان ربك رب العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا