بطاقة المادة
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
البر والربح في العفو والصفح | العربية |
فضل العفو والتسامح | العربية |
الأخلاق ودورها في بناء الأمة (5) العفو والصفح | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسالعفو حث عليه ديننا الإسلامي، وله ثمرات جليلة من أهمها: أن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى:40]، وقال: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]، فمن أراد أن يغفر الله له فليغفر لعباد الله، وليتعامل معهم بالعفو والتسامح، وغض الطرف، ومقابلة…
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
اعلموا -يا رعاكم الله- أن دين الإسلام يحث على العفو والتسامح، قال الله -جل وعلا-: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى:40]، وقال سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)﴾ [آل عمران: 133-134]، وقال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم: “وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا“.
فالعفو -يا عباد الله- حث عليه ديننا الإسلامي، وله ثمرات جليلة من أهمها: أن من عفا عن عباد الله عفا الله عنه: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى:40]، وقال: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22]، فمن أراد أن يغفر الله له فليغفر لعباد الله، وليتعامل معهم بالعفو والتسامح، وغض الطرف، ومقابلة الإساءة بالإحسان: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35)﴾ [فصلت: 34 – 35].
والعفو -يا عباد الله- انتصار على النفس وعلى الشيطان، فالشيطان -أعاذنا الله وإياكم منه- يريد تفريق المسلمين، يريد الخلاف والشقاق بين عباد الله؛ كما جاء في صحيح مسلم: “إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون ولكن رضي بالتحريش فيما بينهم“.
تأملوا معي -يا عباد الله- إلى بعض الخلافات وقد تكون بين الأقارب، لا يتحمل بعضهم من بعض، وإذا بدر من أحدهم خطأ أعرض الآخر عنه، وقابل تلك الإساءة بالصدود والإعراض والتقاطع، والتهاجر والتدابر، وديننا يحث على العفو، ولو لم يكن -يا عبد الله- في العفو أن العافي يقع أجره على الله، والعطية على قدر معطيها.
هب -يا أخي المبارك- أن فلانا من الناس أخطأ في حقك ولك منه يوم القيامة مقدار مثلا مليون من الحسنات تزيد أو تنقص كيف إذا وقع أجرك على الله، والله يحب المحسنين.
فالعفو إحسان على النفس وإحسان على الغير، وهذا من ثمرات العفو: أن الله يحب المحسنين، فأحسن لنفسك -يا عبد الله- وأحسن لإخوانك المسلمين.
ومن ثمرات العفو: حصول السعادة والسكينة، فالذي يعفو عن الناس، الذي يتسامح مع أخطائهم ينام قرير العين مرتاح البال، اطمأن قلبه وسكنت نفسه؛ لأنه يتعامل مع الله، ولا يتعامل مع البشر، وانظر -يا عبد الله- إلى تلك الخطيئة أن هذا قدر من الله عليك، سلط الله عليك هذا الإنسان ليسيء إليك، فلا تتعامل مع البشر ولكن تعامل مع رب البشر، وانظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة -يا عبد الله-.
ومن ثمرات العفو: اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وقوة الأمة، يقول الله: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
علينا -يا عباد الله- أن نتعامل مع الله، وأن نسامح الناس من أجل الله، ونتأسى برسولنا -صلى الله عليه وسلم-، طُرد من مكة صلى الله عليه وسلم، ولقي في مكة ما تعلمون من الأذية، وعندما فتح مكة صلى الله عليه وسلم قابل تلك الاساءة بالإحسان صلى الله عليه وسلم، وقال: “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن“.
تربية وتعليم لأمته صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة كما في صحيح مسلم عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح”، وعندما شج وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم في معركة أحد أخذ يسيل الدم من وجهه، ويقول صلى الله عليه وسلم: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون“.
هذا هو قدوتنا وأسوتنا -صلى الله عليه وسلم-، ومن تربى على يده من صحابته الكرام كان هذا هو ديدنهم ومنهجهم، عندما خاض مسطح في عرض الطاهرة عائشة، وكان أبو بكر ينفق على مسطح؛ لأنه ابن خالته، وكان يحسن على القريب وعلى البعيد، فأقسم أن لا ينفق عليه، فأنزل الله: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: 22] فأقسم أبو بكر أن لا يقطع النفقة عليه بعد أن أقسم أن لا ينفق عليه استجابة لأمر الله ولأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وعندما دخل رجل على عمر بن الخطاب وأساء معه الأدب وتكلم، وقال: “إنك لم تعطنا العطية الجزية، ولم تحكم فينا بالعدل، فهم به عمر، فقال ابن قيس: يقول الله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، فما تجاوزها عمر“.
يستجيبون لأمر الله ولأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والقصص في هذا كثيرة.
الإمام أحمد وقصته مع المأمون والأذية التي جلد ظهره حتى كان يغمى عليه من شدة جلده، فقال: “اللهم اغفر للمأمون“.
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لحق به من الأذية ما الله به عليم، والتمس الأعذار لمن أساؤوا إليه، يقول ابن القيم: “أتيت إليه مبشرا له بوفاة أشد الناس أذية له، فقال: نهرني وتغير علي، وقام من مجلسه، ثم ذهب إلى أهل ذلك المتوفى الذي كان يسيء إليه، وقال: أنا لكم مكانه، لا تريدون شيئا إلا حققته لكم“.
وعلي المصري الذي أرسل طلابه في مصر، ونتفوا حواجب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عندما أصبح طلبة للخليفة ذهب علي إلى ابن تيمية في بيته، وقد طلب الشفاعة منه، فشفع له فاسقط عنه العقوبة، يقول ابن مخلوف وهو ممن أفتى بقتل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: “فحاولنا بابن تيمية فلم نقدر عليه، وقدر علينا، فعفا عنا، وحاجج عنا“.
هذه أخلاق الكبار؛ لأنهم لا يتعاملون مع البشر وإنما يتعاملون مع رب البشر.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم وسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا يليق بجلال الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته، وطهروا قلوبكم من الغل والحقد لا سيما على من تتعاملون معهم من الأقارب، لا سيما من معكم بالبيت، يعفو الإنسان عن زوجته، يعفو عن أولاده، يعفو عن خدمه، يعفو عن جيرانه، المدير يعفو عن مدرسيه وعن موظفيه وعن العاملين تحت إدارته، ويتعامل مع الله، جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “كم نعفو عن خدمنا يا رسول الله؟ قال: “في اليوم سبعين مرة“، يقول أنس: “خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما قال لشيء فعلته لما فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لما لم تفعله، وكان إذا نهرني بعض أهله قال: اتركوه، لو أراد الله لكان“.
نعم، فطهر قلبك -يا عبد الله- وسامح الناس من أجل رب الناس، من أجل الله حتى تعيش في سكينة وسعادة وتلقى الجزاء العظيم من عند الله.
وعلينا -أيها الأحبة- أن نسعى للإصلاح بين الناس، إذا علمت -يا عبد الله- بين شخص وشخص خلاف بادر للإصلاح بينهما، استمع إلى قول الله إذ يقول: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في صحيح أبي داود: “ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصدقة والزكاة وباقي النوافل؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “إصلاح ذات البين“.
سل نفسك -يا عبد الله- كم مرة أصلحت بين متخاصمين؟
بل تأمل حال بعض الناس -هداهم الله- الذين يسعون بالوشاية بين الناس، وينقلون الكلام بين الناس، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في الصحيحين: “لا يدخل الجنة قتات” (أي نمام) -والعياذ بالله-.
وأفشوا السلام بينكم، يقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- “لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تجابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” ابدأ بالسلام.
بادر بالهدية، رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: “تهادوا تحابوا“.
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحقد والحسد وسائر الأمراض.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنا نشهدك يا الله أنا قد عفونا عن عبادك، اللهم اعف عنا يا حي يا قيوم.
اللهم إنا نسألك أن تصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح ذات بينهم، اللهم ألف قلوبهم يا رب العالمين، اللهم ألف بين قلوب المتخاصمين، اللهم اسلل سخائم القلوب يا رب العالمين واملأها رحمة وعطفا يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من المتحابين في جلالك يا رب العالمين، واجعلنا ممن يقابل السيئة بالحسنة يا رب العالمين،
اللهم أصلح أحوال المسلمين يا رب العالمين، اللهم إنك تعلم ما حل بالمسلمين من الشقاق والخلاف والفرقة، اللهم واجمع كلمتهم، اللهم وحد صفهم يا رب العالمين، اللهم إنك تعلم ما حل بهم من تسلط أعداء الله، اللهم يا حي يا قيوم يا قوي يا عزيز عليك بمن أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم يا قوي أبطل كيده، ليس لنا إلا أنت القوي، أنت العزيز أنت المنتصر، اللهم انتصر للمسلمين ممن ظلمهم، اللهم أبطل كيده يا رب العالمين، اللهم أصلح يا رب أحوال المسلمين في اليمن والعراق والشام وفي كل بلدان المسلمين يا رب العالمين، وول عليهم يا رب خيارهم، واجمع كلمتهم، ووحد صفهم يا رب العالمين.
اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا يا رب العالمين، احفظ يا رب مكة والمدينة وسائر بلادنا وبلاد المسلمين، من أرادنا أو أحدا من المسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق ولاة أمرنا، وارزقهم الجلساء الصالحين، سدد أقوالهم، وسدد أعمالهم، وبارك في جهودهم يا حي يا قيوم.
اللهم فرج هم كل مهموم، واشف كل مريض.
أحسن لنا الختام، واجعل آخر كلامنا من هذه الدنيا: “لا إله إلا الله”.
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
البر والربح في العفو والصفح | العربية |
فضل العفو والتسامح | العربية |
الأخلاق ودورها في بناء الأمة (5) العفو والصفح | العربية |