فضل صلاة الجماعة وأحكامها
عن أُبَي بن كعب -رضي الله عنه-، قال: صلَّى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما الصُّبح، فقال: أشَاهد فلان، قالوا: لا، قال: أشَاهد فلان، قالوا: لا، قال: «إن هَاتَين الصَّلاتين أثْقَل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتَيْتُمُوهُمَا، ولو حَبْوا على الرُّكَب وإن الصَّف الأول على مِثْل صفِّ الملائكة ولو عَلِمْتُم ما فَضِيلَتُه لابْتَدَرْتُمُوهُ، وإن صلاة الرَّجل مع الرَّجل أَزْكَى من صلاته وحْدَه، وصلاته مع الرَّجُلين أَزْكَى من صلاته مع الرُّجل، وما كَثر فهو أحَبُّ إلى الله تعالى».

شرح الحديث :


"صلَّى بِنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما الصُّبح، فقال: أشَاهد فلان، قالوا: لا، قال: أشَاهد فلان، قالوا: لا" والمراد بفلان وفلان: نَفر من المنافقين كما في رواية الدارمي، فقالوا: (لا، لنَفَر من المنافقين لم يشهدوا الصلاة).
"قال: إن هَاتَين الصَّلاتين أثْقَل الصلوات على المنافقين" والمراد بالصلاتين هنا: صلاة العشاء والفجر كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين: (أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر). والأصل أن جميع الصلوات المكتوبة ثقيلة على المنافقين، قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) الآية[النساء: 142].
ولكن صلاة العشاء والفجر أشدهما ثقلا؛ وذلك لأن صلاة العشاء تكون في وقت الرَّاحة والتهيئة للنوم بعد كَدٍّ وتَعب في ذلك اليوم، وأما صلاة الفجر؛ فلأنها تكون في ألذ وقت ساعات النوم؛ ولهذا جاء في أذان الصُّبح قول (الصلاة خير من النُّوم). "ولو تعلمون ما فيهما" يعني: من الأجْر والفضل المترتب على أداء صلاة العشاء والفجر مع جماعة المسلمين في المسجد؛ لأن الأجر على قَدْرِ المَشَقَّة.
"لأتَيْتُمُوهُمَا ولو حَبْوا على الرُّكَب" أي: لقصدتم بيوت الله تعالى لأداء هاتين الصلاتين مع جماعة المسلمين ولو كان الإتيان إليهما حَبْوَا على أيديهم وركبهم، كما يحبو الصَّبي على يديه وركبتيه؛ وذلك فيما لو منعهم مانع من المشي إليها على أقدامهم ولا يفرطون في فضل الإتيان إليهما.
"وإن الصَّف الأول على مِثْل صفِّ الملائكة" الصف الأول: هو الذي يَلي الإمام مباشرة، والمعنى: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شَبَّه الصَّف الأول في قُربه من الإمام بصف الملائكة المقربين في قُربهم من الله عز وجل، لو أنكم تعملون ما الفضل المترتب على أداء الصلاة في الصَّف الأول لبَادرتم وتسابقتم إلى تحصيله من أجل الظَّفر بالأجر، وهو من جِنْس قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لو يعلم الناس ما في النِّداء والصَّف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا). "وإن صلاة الرَّجل مع الرَّجل أَزْكَى من صلاته وحْدَه" أي: أن صلاة الرَّجل مع الرَّجل، أكثر أجرا من صلاته وحده. "وصلاته مع الرَّجُلين أَزْكَى من صلاته مع الرُّجل" يعني: لو كانوا ثلاثة فهو أفضل من صلاة الرجلين؛ لكثرة العَدد. "وما كَثر فهو أحَبُّ إلى الله تعالى" يعني: وكلما كثر الجمع فهو أفضل عند الله وأحب إليه.
وهذا يدل على فضل الجماعة؛ لأن صلاة الرَّجل مع الرَّجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل.

معاني الكلمات :


أشَاهد أحَاضِر.
حَبْوا مَشْيَا على اليَّدين والرُّكبتين؛ كَحَبو الصَّبِي.
لابْتَدَرْتُمُوهُ لسارَعْتم إليه.
أَزْكَى أطيب وأكثر أجرا .

فوائد من الحديث :


  1. جواز تفقد إمام المسجد أحوال المأمومين، والسؤال عمن غَاب منهم .
  2. أن مُلازمة صلاة الجماعة، ولاسيما صلاة العشاء والفجر من علامات الإيمان .
  3. عِظَم أجر صلاتي العِشاء والفجر؛ لما في الإتيان إليهما من مجاهدة النَّفس والمُصَابرة على الطَّاعة، فكان أجرهما أعظم من غيرهما .
  4. أن صلاة الجماعة تنعقد باثنين فما فوق، وقد روى ابن ماجه من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اثنان فما فوق جماعة) .
  5. بيان مزيد فضل الصَّف الأول، والترغيب في المبادرة إليه، وجاء في فضله أيضا: (لو يعلم الناس ما في النِّداء والصَّف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَموا عليه) .
  6. فضل كثرة الجماعة، فإنه كلما كثر الجمع كان الأجر أكثر .
  7. فيه دليل على أنه لا ينبغي كثرة المساجد في الأحياء؛ لأن هذا يؤدي إلى تفرق الجماعة .
  8. إثبات صفة المحبة لله تعالى إثباتا حقيقيا يليق بجلاله وعظمته .
  9. أن الأعمال الصالحة بعضها أزكى من بعض وأفضل، وهذا راجع إلى ما تتصف به العبادة من اتباع للسُّنة، وتحقيق لها, ولما تحققه العبادة نفسها من المقاصد والأسرار والحكم، التي شرعها الله تعالى من أجلها .
  10. أن مشروعية الجماعة خاصة بالرِّجال دون النساء؛ لقوله: (صلاة الرَّجل) .
  11. فيه إثبات وقوف الملائكة عند الله عز وجل صفوفا، وفي الحديث: (ألا تَصفُّون كما تَصُفُّ الملائكة عند رَبِّهم) .
  12. فيه إثبات لوجود المنافقين في زَمَن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه عاملهم بالظَّاهر .

المراجع :


  • سنن أبي داود، تأليف: سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا.
  • السنن الكبرى، تأليف: أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421هـ.
  • سنن الدارمي، تأليف: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني الناشر: دار المغني للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 2000 م.
  • مشكاة المصابيح، تأليف: محمد بن عبد الله، التبريزي، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة: الثالثة، 1985م.
  • شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، تأليف: شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، تحقيق: د.
  • عبد الحميد هنداوي، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
  • مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تأليف: علي بن سلطان القاري، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
  • سبل السلام شرح بلوغ المرام، تأليف: محمد بن إسماعيل بن صلاح الصنعاني، الناشر: دار الحديث الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
  • تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام، تأليف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م.
  • شرح سنن أبي داود، تأليف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن العباد، نسخة الإلكترونية.

ترجمة نص هذا الحديث متوفرة باللغات التالية