نزول القرآن وجمعه
عن عائشة أُمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّ الحارثَ بن هشام -رضي الله عنه- سأل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسولَ الله، كيف يأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أحْيانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَة الجَرَس، وهو أَشدُّه عليَّ، فيَفْصِمُ عنِّي وقد وَعَيْتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُني فأَعِي ما يقول». قالت عائشة -رضي الله عنها-: ولقد رأيتُه ينزِل عليه الوَحْيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفْصِمُ عنه وإنَّ جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.
شرح الحديث :
سأل الحارث بن هشام -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحيُ؟ فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أحيانًا يأتيه الملك -وهو جبريل- بالوحي فيكون صوت الملك بالوحي مشابهًا لصوت الجرس في قوته، وهو أشد شيء وأصعبه عليه -صلى الله عليه وسلم-، وتغشاه شدة وكرب شديد ثم ينكشف عنه، وقد فهم وحفظ عن الملك ما قال, وإنما يأتيه الوحي بهذا الصوت الشديد؛ ليشغله عن أمور الدنيا، ويفرغ حواسه للصوت الشديد، فكان -صلى الله عليه وسلم- يفهم عنه؛ لأنه لم يبق في سمعه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه. وأخبره -صلى الله عليه وسلم- أنه أحيانًا أخرى يأتيه جبريل في صورة رجل مثل دحية أو غيره، فيكلمه بالوحي فيفهم ما يقوله له ويحفظه.
وأخبرت عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند نزول الوحي عليه في اليوم الشديد البرد فتنكشف عنه شدة الوحي وجبينه يسيل عرقًا من شدة ما يلقاه من الكرب والمعاناة.
معاني الكلمات :
صَلْصَلَة | صوت. |
فيَفْصِمُ عنِّي | يُقلع عني وينجلي ما يغشاني منه. |
وَعَيْتُ | حفظت الذي ذكره |
يتمثَّل | يتصوَّر. |
جَبِينه | ما بين منبت الشعر والحاجبين. |
يَتَفَصَّدُ | يسيل. |
الوحي | في اللغة الإشارة والرسالة والكتابة, وكل ما ألقي إلى شخص ليعلمه وحي كيف كان, ثم غلب استعمال الوحي فيما يلقى إلى الأنبياء من عند الله -تعالى-. |
فوائد من الحديث :
- شدة الوحي وصعوبته على النبي -صلى الله عليه وسلم- .
- من الصفات التي كان ينزل بها الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم-, أن يكون صوت الملك بالوحي مشابهًا لصوت الجرس في قوته وهو أشد شيء وأصعبه عليه -صلى الله عليه وسلم-، كما كان جبريل يأتيه بالوحي في صورة رجلٍ أحيانًا .
- أن السؤال عن الكيفية لطلب المعرفة أو الطمأنينة لا يقدح في اليقين .
- جواز السؤال عن أحوال الأنبياء من الوحي وغيره .
- أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألونه -صلى الله عليه وسلم- عن كثير من المعاني، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجيبهم، ويعلمهم، وكانت طائفة منهم تسأل، وطائفة تحفظ، وكلهم أدّى، وبلّغ ما علم، ولم يكتم حتى أكمل الله دينه .
المراجع :
- صحيح البخاري، نشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422ه.
- صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- كشف المشكل من حديث الصحيحين، لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: علي حسين البواب، الناشر: دار الوطن – الرياض.
- عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لمحمود بن أحمد بن موسى الحنفى بدر الدين العينى، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة: السابعة، 1323 هـ.
- شرح صحيح البخاري لابن بطال، تحقيق: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، نشر: مكتبة الرشد، الرياض-السعودية، الطبعة: الثانية 1423ه، 2003م.
- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر، الطبعة: السابعة، 1323 هـ.
- معجم اللغة العربية المعاصرة، للدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر بمساعدة فريق عمل، الناشر: عالم الكتب، الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م.
- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، لعلي بن سلطان الملا الهروي القاري، الناشر: دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م.
- شرح سنن النسائي المسمى «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى»، المؤلف: محمد بن علي بن آدم الإثيوبي الوَلَّوِي، الناشر: دار المعراج الدولية للنشر - دار آل بروم للنشر والتوزيع, الطبعة الأولى, 1416- 1424.
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير, أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس, المكتبة العلمية – بيروت.