سنن وآداب الوضوء
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَوْلا أنْ أَشُقِّ على أُمَّتِي لَأَمَرْتُهم بالسِّواكِ مع كلِّ وُضُوء».
شرح الحديث :
بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أنه لولا ما خشيَه من لُحوق الجهد والمشقة والشدة بأمته وأتباعه الذين آمنوا به: لأمرهم أمر إلزام وفرض بأن يستاكوا مع كل وضوء, ولكنه امتنع عن ذلك رحمة بهم وشفقة عليهم, ولم يجعله من الفرائض المتحتمة, وإنما من السنن المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.
معاني الكلمات :
لولا | حرف امتناع لوجود, أي امتناع حصول شيء لوجود شيء يمنع، والمعنى هنا لولا خوف المشقة على أمتي لأمرتهم بالسواك أمرًا لازمًا. |
أشُقَّ | أُثقِل عليهم, من المشقة وهي الشدة. |
أُمَّتي | جماعتي, والمراد بهم أمة الإجابة, وهم من آمن به واتبعه. |
لأمرتهم | لألزمتهم. |
بالسواك | باستعمال السواك, وهو اسم للعود الذي يستاك به من الأراك وغيره. |
فوائد من الحديث :
- تأكد استحباب السواك مع كلِّ وضوءٍ، وأنَّ ثوابه قريبٌ من ثواب الواجبات .
- أنَّ السِّواك عند الوضوء -وعند غيره من العبادات من باب أولى- ليس بواجب، فقد منعه -صلى الله عليه وسلم- من إيجابه على أُمَّته مخافة مشقتهم .
- أنَّ الذي منع الأمر بوجوبه هو المشقة، وذلك خشية عدم القيام به، ممّا يترتَّب عليه الإثمُ بتركه .
- هذا الحديث العظيم دليلٌ على القاعدة الشرعية، وهي: "درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح"؛ فمفسدة الوقوع بالإثم من ترك الواجب، مَنَعَتْ من مصلحة وجوب السِّواك عند كل وضوء .
- هذا الحديث الشريف من أدلَّة القاعدة الكبرى: "المشقَّة تجلب التيسير"؛ فخشية المشقَّة سبب عدم فرضيته .
- شفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته, فكثير من العبادات الفاضلة يترك النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فعلها مع أمته، أو أَمْرَهُمْ بها، خشيةَ فرضها عليها .
- سعة هذه الشريعة وسماحتها، ومسايرتها للحالة البشرية الضعيفة؛ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .
- الحكمة في الأمر بالسواك أن يكون المسلم في حالة كمال النظافة؛ لإظهار شرف العبادة, ولئلا يؤذي الملائكة والمصلين .
- لم يرد في الحديث موضع الاستياك لكن العلماء ذكروا أنه عند المضمضة لمناسبته .
- يدل الحديث على قاعدة أصولية، وهي: أن الأمر المطلق يفيد الوجوب، ووجهه: أنَّه لو كان الأمر يفيد الاستحباب، لما امتنع -صلى الله عليه وسلم- من أمرهم بالسواك؛ ولكن ما يقتضيه الأمر، وما يفهمه الصحابة والعلماء من الأمرِ المجرَّدِ عن قرينة صارفة، هو الوجوب، وهو الذي منعه من أمرهم بالسواك .
- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- له أن يجتهد في الأحكام, ثم إن أقرَّه الله تعالى فالحكم شرعي بإقرار الله, وإن لم يقرَّه الله -تعالى- ارتفع الحكم .
- استحباب إزالة الروائح الكريهة عند الصلاة وعند دخول المساجد .
المراجع :
- موطأ الإمام مالك, مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني, صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان, عام النشر: 1406 هـ - 1985 م.
- مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، نشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2001م.
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل, محمد ناصر الدين الألباني, إشراف: زهير الشاويش, المكتب الإسلامي – بيروت, الطبعة: الثانية 1405 هـ - 1985م.
- توضيح الأحكام مِن بلوغ المرام، تأليف: عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام، الناشر: مكتبة الأسدي، مكة المكرّمة الطبعة: الخامِسَة، 1423 هـ - 2003 م.
- تسهيل الإلمام بفقه الأحاديث من بلوغ المرام، تأليف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الطبعة: الأولى، 1427 ه - 2006 م.
- فتح ذي الجلال والإكرام شرح بلوغ المرام لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين، تحقيق: صبحي بن محمد رمضان، وأُم إسراء بنت عرفة، ط1، المكتبة الإسلامية، مصر، 1427ه.
- منحة العلام في شرح بلوغ المرام، تأليف: عبد الله بن صالح الفوزان، الناشر: دار ابن الجوزي الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 1431 هـ.
- بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، دار القبس للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية.
- الطبعة: الأولى، 1435 هـ - 2014 م.