ثلاثة مقامات في عيد الأضحى المبارك

عناصر الخطبة

  1. تميز الأمة الإسلامية بشعائرها وأعيادها
  2. تميز الأمة الإسلامية بعباداتها
  3. أخلاق يجب أن تتحلى بها الأمة الإسلامية في يومي عيدها
  4. مستحبات العيد وآدابه
اقتباس

نعم -أيها الإخوة الأحباب-: يوم العيد في شريعتنا الغراء، يوم نعيش فيه بأرقى ما عندنا من أخلاق حسنة، وآداب سمحة، فيصل فيه السلم أرحامه صلةً طيبة مباركة، صلة مودة، وإدامة للمحبة، صلة قربة لله -تعالى- وطاعة وعبودية، صلةً يبتغون فيها الأجر من الله، يبتغون بها الوصل مع حبال الله، رجاء أن يتحقق فيهم قول…

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواحد الحد، الفرد الصمد، الحمد لله الكبير المتعال، ذي الجلال والإكرام.

الحمد لله كثيرا، والله أكبر كبيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر، ما تحرك متحرك وارتج، وما لبّى محرم وعَجّ، وقصد الحرم من كل فَجّ.

الله أكبر ما نحرت بمنى النحائر، وعُظّمت لله الشعائر، وطاف بالبيت العتيق زائر.

الله أكبر ما ذكر ذاكر، وكبر مكبر، وهلّل مهلل.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم وطاعته.

وبعد:

عباد الله: المقام الأول من مقامات عيد الأضحى: أنه يوم تتميز فيه الأمة المسلمة بشعائرها؛ ففي مثل هذا اليوم وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا بين الجمرات على ناقة له حمراء مخضرمة، فقال: "هذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الكبر".

وعن عبد الله بن سنان قال: "خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير، فقال: هذا يوم الأضحى وهذا يوم الحج الأكبر".

فيوم الأضحى وعيد الأضحى يسمى في شريعتنا بيوم الحج الأكبر، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "أفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة والأول هو الصحيح؛ لأن فيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنّة واتفاق العلماء، والله أعلم".

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فخير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر".

وقد ذكر الله هذا اليوم تحديدا في كتابه العزيز، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾[التوبة: 3].

نعم هذا الإعلان العقدي الكبير وهذا البيان الإيماني الفاصل، بيان البراءة من المشركين وإعلان المفاصلة لعقيدة وشريعة وشرائع الكافرين والتمايز عنها، إنما كان في يوم الحج الأكبر.

نعم، في مثل هذا اليوم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا -رضي الله عنه- أن يؤذن في الناس ببراءة الله ورسوله من المشركين، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف عريان، ليقطع بذلك دابر الشرك والمشركين من أن يخالطوا الإسلام والمسلمين في عقائدهم وعباداتهم، وشرائعهم وأعيادهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَهِىَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".

وفي مثل هذا اليوم خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمسلمين، وكان مما قاله لهم ولنا: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".

إنه إعلان عهد الإيمان بين عباد الرحمن، بأن يتقوا الله -تعالى- في ربهم الذي يعبدوه، وفي رسولهم الذي يقتدون به، وفي إسلامهم الذي يجمعهم، وفي إيمانهم الذي يربطهم، فيحفظوا فيما بينهم دينهم وأنفسهم، وديارهم وأخوتهم، لِيَنْعى بذلك على كل أولئك الذين يسعون في الأرض فسادا من أبناء المسلمين، فينتهكوا حرمات بعضهم بعضا، ويهلكوا رقاب أنفسهم على تنافس منهم ذميم على حثالات من الدنيا، وحفنات من ترابها، كما نلحظ ذلك في بعض ديار المسلمين شرقا وعربا وشمالا وجنوبا، فأين تقوى الله فيما قاله نبيهم -صلى الله عليه وسلم- يوم الحج الكبر؟

أيها المؤمنون: ومما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- في حق هذا اليوم؛ كما في الحديث الصحيح عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا -هما يوم النيروز ويوم المهرجان-، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟" قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ".

أيها الإخوة: تفكروا معي وأمعنوا النظر في الحديث، ماذا قال فيه نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا".

"إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ" فالله هو الذي أبدلنا بيومي وبعيدي الجاهلية يومين وعيدين إسلاميين، فالله هو الذي شرع لنا هذين العيدين، الله هو الذي شرع لهذه الأمة أعيادها وليس لأحد سواه أن يشرع لها، قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى: 21].

فأعيادنا الإسلامية هي شرعة ربنا الحكيم لنا، والله لا يشرع لعباده إلا ما فيه الخير لها، ولذلك قال نبينا -صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا".

خيرا من أيام الجاهلية، خيرا من أعياد الجاهلية، خيرا من أعياد أهل الدنيا، تلك الأعياد التي يُعصى الله فيها ولا يُعبد، تلك الأعياد التي لاحظ فيها للإسلام ولا لأهل الإسلام ولا لشعائر الإسلام.

و"خيرا" في الحديث ليست أفعل تفضيل، إذ لا خيرية في يوميهما ولا في الأعياد الجاهلية كلها، تلك الأعياد التي ملؤها بالمنكرات والرقص والطبل والغناء والاختلاط والفجور، واللهو المحرم والإنفاق المحرم، مما حرم الشرع شهوده فضلا عنا الاحتفاء به، كما يؤخذ من فقه هذا الحديث، لذلك شرع ربنا -سبحانه- لهذه الأمة عيدين إسلاميين اثنين لا ثالث لها سواهما، وهما خير وبركة، وفيهما الخير والبركة، خير وبركة، لا حسرة وندامة.

أيها المؤمنون: المقام الثاني من مقامات عيد الضحى: أن الأمة لها فيه عبادات فريدة، يوم عيد الأضحى، يوم الأضحية ويوم المضحّين، فقد كان من هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا اليوم، التقرب إلى الله -تعالى- بالأضحية، وبالذبح لله -تعالى- استجابة لقول ربه -سبحانه-: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 2].

قال ابن كثير: "أخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي العيد ثم ينحر نسكه".

ففي صحيح البخاري من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء".

فهنيئا لكم -أيها المضحون، يا من اقتديتم بنبيكم وحبيبكم -صلى الله عليه وسلم-، والبشرى لكم، فقد أرضيتم ربكم، وتقربتم إليه بالذبح لوجهه الكريم، وبإطعام الفقير والقريب، والأهل والصديق مِنْ ذبح ابتغيتم به وجه الله، وفي سنن ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَرْنِهِ مَا عَلَيْهَا قَرْنُهَا وَأَشْعَارُهَا وَأَظْلَافُهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِالْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا".

فَضحّ -يا أخي الحبيب- بصدق وإخلاص واحْضرْ أضحيتك، وكُلْ منها، واجعل نيتك فيها -أيها الأب- عن نفسك وعن أهل بيتك، فهذه هي السنة، ففي الحديث الصحيح، عن عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ قال: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ".

يا مسلمون: أين في الأرض كلها، اليوم، من يذبح ذبيحة خالصة لوجه الله غير هذه الأمة المسلمة، أين تلك الأمم التي تتنسك لله -تعالى- بإراقة دم يذكر عليه اسم الله، ويطلب فيه رضاه من جميع أمم الأرض، وأصحاب الملل؛ غير هذه الأمة المحمدية.

أيها المؤمنون: المقام الثالث من مقامات عيد الضحى: أننا فيه أمة حسنة في أخلاقها.

نعم -أيها الإخوة الأحباب-: يوم العيد في شريعتنا الغراء، يوم نعيش فيه بأرقى ما عندنا من أخلاق حسنة، وآداب سمحة، فيصل فيه السلم أرحامه صلةً طيبة مباركة، صلة مودة، وإدامة للمحبة، صلة قربة لله -تعالى- وطاعة وعبودية، صلةً يبتغون فيها الأجر من الله، يبتغون بها الوصل مع حبال الله، رجاء أن يتحقق فيهم قول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-؛ كما في الحديث الصحيح: "مَنْ أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه".

ويزور فيه المسلمون والمؤمنون بعضهم بعضا، القريب منهم والبعيد، الجار منهم والزميل، الصديق منهم والحبيب، ولك البشرى يا مَنْ تزور مسلما في الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم؛ كما في الحديث الصحيح: "من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله قيل له: طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً".

وقد كان من سنة حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- زيارة المؤمنين فهو كما شرعها نظريا كانت خلقه عمليا؛ فعن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح ابن حبان: "كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم".

ويتذكر المؤمن صاحب الخلق الرحيم، في هذا اليوم، يتذكر الأيتام وأبناء الشهداء والأسرى والمرضى، فيدعو للجميع ويزور مَنْ يمكنه زيارتهم ويؤانسهم ويرسم البسمة على وجوههم، مصدقا بأخلاقه هذه عقيدته وإيمانه الذي قال فيه الحق -سبحانه-: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة: 71].

ويعفو المسلم في هذا اليوم عن أخيه المسلم الذي أساء إليه ابتغاء وجه الله -تعالى- الذي دعاه إلى ذلك، فقال سبحانه: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 40].

وإظهارا لشعيرة هذا العيد ومكانته وابتهاجنا به.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله…

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

عباد الله: اعلموا أن من مستحبات العيد: أن تخالف الطريق التي أتيت منها، وأن تكثر من التكبير إلى غروب اليوم الرابع من أيام عيد الأضحى، وأن تهنئ أخاك المسلم بقدوم العيد، فقد كان الصحابة يهنئون بعضهم بعضا قائلين: " تقبل الله منا ومنكم".

ويستحب التوسعة على العيال، وإدخال السرور عليهم، والأكل من الأضحية لمن يضحي، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عِيدُنا أهلَ الإسلام، وهي أيام أكل وشرب".

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.

بطاقة المادة

المؤلف عدنان مصطفى خطاطبة
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية