عناصر الخطبة
- نص خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في منى
- أهمية خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في منى
- وقفات سريعة مع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في منى
- من صور انتهاك أعراض المسلمين في هذا الزمن
- أيهما أفضل أن يضحي الإنسان أم يتصدق بثمن الأضحية؟
- الآداب المشروعة في التذكية
- وقت ذبح الأضاحي
- العيد في الإسلام: معانيه ومقاصده
- عظمة عيدي: الفطر والأضحى
- صفة التكبير في أيام التشريق
اقتباس بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا التحريم للدماء والأموال والأعراض تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، فمن الذي يستطيع أن يفصل إحداهن عن الأخريين، ويبيحه من بينها، والنبي – صلى الله عليه وسلم- جعل مجراهن واحدا، وحكمهن متحدا، إلى يوم القيامة. فمن الذي أباح لأولئك الضلال دماء المسلمين يريقونها بغيا وعدوانا؟ ومن الذي أباح لهم أموال المسلمين العامة والخاصة يتلفونها؟ ومن…
الخطبة الأولى:
الحمد لله كثيرا، والله أكبر كبيرا، الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددا، وكلهم أتيه يوم القيامة فردا، الله أكبر عز سلطان ربنا، وعم إحسان مولانا، خلق الجن والإنس لعبادته وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلل المهللون، وكبر المكبرون، الله أكبر عدد ما أهل الحجاج والمعتمرون.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر، والحمد لله الذي تابع بين مواسم العبادة لتشيد الأوقات بالطاعة وتعمر، وأشكره على فضله وإحسانه، وحق له أن يشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله انفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أفضل من تعبد لله وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نعم الصحب والمعشر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد، وهو يوم الحج الأكبر، أجزل الله فيه للحجاج والمقيمين الأجر الأكبر، عيد امتلأت القلوب به فرحا وسرورا، وازدانت به الأرض بهجة ونورا، يوم يخرج فيه المسلمون في الأمصار إلى المصلى لربهم حامدين معظمين، وبنعمته مغتبطين، فلله الحمد رب العالمين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
أيها المسلمون: في مثل هذا اليوم وقف نبي الله الكريم –صلى الله عليه وسلم– في جماهير المسلمين بمنى يخطبهم، ويقرر تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة؛ فعَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم– أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ- قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ- حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" ثُمَّ قَالَ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟" [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فو الذي نفسي بيده إنها الوصية إلى أمته".
لقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا اليوم العظيم، وفي هذا الموقف والمجمع العظيمين في حجة الوداع، أكبر مجتمع وقع بينه وبين الصحابة؛ لأن الذين حجوا معه قريب من مائة ألف رجل، فأكد تحريم هذه الأشياء الثلاثة: الدم والمال والعرض، بعد أن قررهم بعظمة الزمن والمكان، وقرن بينها قرانا لا انفصام بعده، بنص محكم صريح بعد أن أكمل الله الدين، وأتم به النعمة للمؤمنين، ولم يأت بعد ذلك قرآن ولا سنة تبيح أخذ المال من مالكيه بغير حق؛ كما أنه لم يأت بعد ذلك قرآن ولا سنه تبيح الدم والعرض بغير حق.
ثم بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا التحريم للدماء والأموال والأعراض تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، فمن الذي يستطيع أن يفصل إحداهن عن الأخريين، ويبيحه من بينها، والنبي صلى الله عليه وسلم- جعل مجراهن واحدا، وحكمهن متحدا، إلى يوم القيامة.
فمن الذي أباح لأولئك الضلال دماء المسلمين يريقونها بغيا وعدوانا؟ ومن الذي أباح لهم أموال المسلمين العامة والخاصة يتلفونها؟ ومن الذي أباح لهم أعراض العلماء وولاة الأمر ورجال الحسبة ينتهكونها؟
إنه الضلال ولا شيء غيره -نعوذ بالله منه-.
تأملوا -أيها الإخوة-: قوله صلى الله عليه وسلم: "فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا -أَوْ ضُلَّالًا- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" -نسأل الله العافية والسلامة-.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يبلغ الشاهد الغائب، فبلغها الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى من بعدهم، ووجب على كل من بلغته أن يبلغها لمن لم تبلغه إلى يوم القيامة.
وقد أقسم ابن عباس أن هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أمته، فعلينا أنحفظ وصية نبينا إلينا، وأن نحرم الدماء والأموال والأعراض، ولا نعتدي على شيء منها إلا بإذن من الله ورسوله.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
أيها الإخوة: إن من انتهاك أعراض المسلمين: الغيبة، والتي اتخذت هذا الزمن طرقا متنوعة، وعبر وسائل متعددة، تعدت حديث المجالس إلى المنتديات الإلكترونية عبر شبكة المعلومات الإنترنت، وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي من فيس بك وتويتر واتس أب، فاستطالَ رجالٌ ونساءٌ من المسلمين في أعراضِ إخوانهم بأسمائهم الصريحة، أو عبر أسماءَ وهمية استحدثوها، وأخذوا بغيبةِ إخوانهم، غافلين عن تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟" قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" [رواه مسلم].
فما أكثر البهتان في هذا الزمان، وكأن أولئك لم يسمعوا بقول النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنَافِقٍ بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ" [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
أقول: كيف له أن يخرج في ذلك الموقف الرهيب؟ فالله المستعان، بل إن الشيطان استهوى كثيرا منهم واستزلهم، فوقعوا مع البهتان بالاستهزاء والسخرية واحتقار إخوانهم، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" [رواه مسلم].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
أيها الإخوة: وفي هذه الساعة يرمي الحجاج جمرة العقبة مكبرين الله ومعظمين، ثم ينصرفون إلى ذبح هداياهم إلى الله متقربين، فهنيئا لهم ذلك، وتقبل الله منا ومنهم.
أما بقية المسلمين في الأمصار، فقد شرع الله لنا أن نؤدي صلاة العيد في هذه الساعة لنقيم ذكره، ثم ننصرف إلى ذبح الأضاحي، مقتدين برسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وعلموا أن بذل المال في الأضاحي أفضل من الصدقة به.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
ومن السنة: أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه إن أمكن، وإلا فليحضر ذبحها
أيها الإخوة: لقد سما هذا الدين بالتعامل مع الحيوان، فتأملوا -رعاكم الله- هذه الآداب للذكاة.
أضجعوا ذبيحتكم عند ذبحها على أحد جنبيها إن كانت غنما وبقرا برفق ورحمة، فإن الراحمين يرحمهم الرحمن؛ فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا – أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا – فَقَالَ: "وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ" وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ" [رواه أحمد وهو صحيح الإسناد].
ولا تلووا يدها على عنقها، فإن ذلك يؤلمها بلا حاجة، بل أطلقوها مع بقية القوائم ليكون أريح لها وأشد في تفريغ الدم منها، وضع الذابح رجله على عنقها، ويمسك رأسها باليد الأخرى، ويرفعها قليلا، وأحسنوا إليها في الذبح؛ فعَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" [رواه مسلم].
اذبحوا برفق، وأمروا السكين عليها بقوة وسرعة، ولا تعذبوها، وتفقدوا السكين، وحدوها لكن لا تحدوها وهي تنظر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن تحد الشفرة –السكين-، وأن توارى عن البهائم، ولا تذبحوها والأخرى تنظر إليها؛ لأن ذلك يرهبها، ولا تسلخوها، أو تكسروا عنقها قبل أن تموت فإن ذلك يؤلمها دون الحاجة إليه، وهو محرم عليكم، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعجل الأنفس قبل أن تزهق.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
أيها الإخوة: وأيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، والذبح في أول يوم أفضل من الذي يليه، وهكذا البقية، ويجوز الذبح في الليل لكن النهار أفضل، ويجوز بعد صلاة الفجر أيام التشريق، وكلوا منها، وانووا بذلك امتثال أمر ربكم، ليحصل لكم الأجر في أكلكم، فالسنة أن يكون أول ما يطعم المسلم يوم النحر من أضحيته، واهدوا منها، وتصدقوا على الفقراء، ومن كان قريبا أو جارا فهو أولى من غيره، واختاروا للصدقة من أطيب الأضحية، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وعليكم بالفقراء المتعففين، وإن لم تعلموهم فجمعية البر تستقبل اللحوم لتقوم بتوزيعها على المحتاجين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
العيد -أيها الإخوة-: مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حِكم عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرارٍ بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.
فالعيد في معناه الديني: شكرٌ لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلجُ في سرائرِه رضاً واطمئناناً، وتنبلج في علانيته فرحاً وابتهاجاً.
والعيد في معناه الزمني: قطعةٌ من الزمن خُصصَت لنسيان الهموم، واطرح الكُلف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.
والعيد في معناه الاجتماعي: يومُ الأطفالِ يفيضُ عليهم بالفرحِ والمرح، ويومُ الفقراء يلقاهم باليسرِ والسعة، ويومُ الأرحامِ يجمعها على البرِ والصلة، ويومُ المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويومُ الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويومُ النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
وفي هذا كله تجديدٌ للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء.
في العيد يُهدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المُخلصةِ المُحِبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
في العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي.
والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله….
ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كلَّ واحدٍ من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالُها وروحانيتُها.
هاتان الشعيرتان هما: شهر رمضان الذي جاء عيدُ الفطر مِسك ختامِه، وكلمة الشكر على تمامه، والحجُ الذي كان عيدُ الأضحى بعض أيامه، والظرف الموعي لمعظم أحكامه.
فهذا الربط الإلهي بين العيدين، وبين هاتين الشعيرتين كاف في الحكم عليهما، أنهما عيدان دينيان بكل ما شُرع فيهما من سُنن، بل حتى ما ندب إليه الدينُ فيهما من أمور ظاهرُها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح، واللهو قالت عائشة: "إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت" [رواه الشيخان وأحمد].
فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النية؛ فمن محاسن الإسلام أن المباحات إذا حسنت فيها النيةُ، وأُريد بها تحقُقُ حكمةِ الله، أو شُكرُ نعمته انقلبت قرباتٍ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد -رضي الله عنه-: "وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأَتِكَ"[رواه البخاري ومسلم].
كلا طرفي العيد في معناه الإسلامي جمال، وجلال، وتمام، وكمال، وربط واتصال، وبشاشة تخالط القلوب، واطمئنان يلازم الجنوب، وبسط وانشراح، وهجر للهموم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…
أيها الإخوة: اعلموا أن الله –تعالى- قد شرع لكم أن تذكروه في هذه الأيام عموما، وأدبار الصلوات خصوصا، وهو ما يسمى بالتكبير المقيد، وقد بدأ وقته للمقيمين من بعد صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بصلاة العصر آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر.
وصفته، بعد أن يسلم، ويقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
ثم يشرع بعد ذلك في التكبير، فيقول: الله أكبر، الله أكبر…. ما شاء الله له، ثم يتم الأذكار التي بعد الصلاة.
وأيام التشريق كلها أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل- كما يشرع التكبير في كل وقت، فقد كان السلف -رحمهم الله- يداومون عليه هذه الأيام العظيمة استجابة لأمر الله، حيث قال: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾[البقرة: 203].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله…