الحرية الصحفية والجرأة على الثوابت

عناصر الخطبة

  1. صورٌ من سفاهات صحافتنا
  2. وقفة مع مصطلح حرية الرأي ودلالاته
  3. قواعد مُبيّنةٌ لموقف الشرع من حرية الرأي
  4. رد على القائلين بعدم كفر أهل الكتاب
  5. أهمية مجاهدة هؤلاء الملبّسين وفضحهم
اقتباس

هَذِهِ الْكِتَابَاتُ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ، لَمْ تُكْتَبْ فِي صُحُفٍ نَصْرَانِيَّةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ حَاقِدَةٍ، وَلَمْ تُسَطَّرْ فِي دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ تَحْكُمُهَا الْقَوَانِينُ الْوَضْعِيَّةُ، وَالْأَنْظِمَةُ الْعَلْمَانِيَّةُ، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ وَنُشِرَتْ فِي بَلَدِنَا هَذَا الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِالشَّرِيعَةِ، وَيَنُصُّ دُسْتُورُهُ الْإِعْلَامِيُّ عَلَى مَرْجِعِيَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفَهْمِ السَّلَفِ لَهُمَا! هَذِهِ الْعُفُونَاتُ الْفِكْرِيَّةُ مَا تَسَلَّلَتْ إِلَى صُحُفِنَا وَتَجَرَّأَتْ عَلَى هَذَا الطَّرْحِ الْفَجِّ إِلَّا تَحْتَ شِعَارِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ وَحُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ. زَعَمُوا!.

الخطبة الأولى:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: "الْإِسْلَامُ لَا يُكَفِّرُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، الْمُتَشَدِّدُونَ الْمُتَنَطِّعُونَ هُمُ الَّذِينَ صَوَّرُوا لَنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ يُكَفِّرُ كُلَّ مَنْ خَالَفَهُ". هَذِهِ سَفَاهَةٌ صَحَفِيَّةٌ!.

"السَّلَفِيَّةُ لَدَيْهَا الْقَابِلِيَّةُ الْفَائِقَةُ لِلْإِرْهَابِ، السَّلَفِيَّةُ التَّقْلِيدِيَّةُ بِطَبْعِهَا أُحَادِيَّةُ الرَّأْيِ؛ تُسَفِّهُ مَنْ خَالَفَهَا وَتُبَدِّعُهُ وَتُضَلِّلُهُ". وَهَذِهِ سَخَافَةٌ أُخْرَى!.

"حُرُوبُ الرِّدَّةِ الَّتِي خَاضَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ هِيَ أَوَّلُ وَاقِعَةٍ أَخْرَجَتْ فِكْرَ التَّكْفِيرِ إِلَى الْوُجُودِ، وَهُوَ أَوَّلُ مِيلَادٍ لِلتَّكْفِيرِ". وَهَذِهِ سَفَاهَةٌ أَعْظَمُ وَأَشْنَعُ!.

وَسَفَاهَةٌ أُخْرَى تَقُولُ: "الرُّوحَانِيَّةُ لَيْسَتْ فِي السُّجُودِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَطْ، الرُّوحَانِيَّةُ أَيْضًا تَكُونُ فِي الْجَمَالِ، وَفِي الْمُوسِيقَى الْهَادِئَةِ فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ".

وَسَفَاهَةٌ أُخْرَى تَصِفُ حِجَابَ الْمَرْأَةِ بِأَنَّهُ حُرِّيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ، وَعَادَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ رَبَّانِيَّةً، تَدْعُو بِكُلِّ جُرْأَةٍ وَوَقَاحَةٍ إِلَى نَزْعِ الْحِجَابِ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِمُ إِنْسَانِيَّةَ الْمَرْأَةِ.

هَذِهِ الْكِتَابَاتُ، وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ، لَمْ تُكْتَبْ فِي صُحُفٍ نَصْرَانِيَّةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ حَاقِدَةٍ، وَلَمْ تُسَطَّرْ فِي دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ تَحْكُمُهَا الْقَوَانِينُ الْوَضْعِيَّةُ، وَالْأَنْظِمَةُ الْعَلْمَانِيَّةُ، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ وَنُشِرَتْ فِي بَلَدِنَا هَذَا الَّذِي يُحْكَمُ فِيهِ بِالشَّرِيعَةِ، وَيَنُصُّ دُسْتُورُهُ الْإِعْلَامِيُّ عَلَى مَرْجِعِيَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفَهْمِ السَّلَفِ لَهُمَا!.

هَذِهِ الْعُفُونَاتُ الْفِكْرِيَّةُ مَا تَسَلَّلَتْ إِلَى صُحُفِنَا وَتَجَرَّأَتْ عَلَى هَذَا الطَّرْحِ الْفَجِّ إِلَّا تَحْتَ شِعَارِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ وَحُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ. زَعَمُوا!.

وَكَأَنَّ هَذَا الْمُصْطَلَحَ أُعْطِيَ مِنَ الْقَدَاسَةِ مَا جَعَلَهُ حَقًّا لَا يُمَسُّ، حَتَّى أَصْبَحَ هَذَا الشِّعَارُ قَنْطَرَةً لِيَقُولَ فِيهِ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، دُونَ ضَابِطٍ شَرْعِيٍّ أَوْ قَيْدٍ اجْتِمَاعِيٍّ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: إِنَّ مُصْطَلَحَ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْدَثَةِ؛ لَمْ تَعْرِفْهُ قَوَامِيسُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَسْتَخْدِمْهُ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْعُصُورِ الْفَاضِلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا الْمُصْطَلَحُ يَوْمَ نَشَأَ فِي بِلَادِ أُورُوبَّا النَّصْرَانِيَّةِ، وَظَهَرَ كَرِدَّةِ فِعْلٍ مِنْ تَسَلُّطِ الْكَنِيسَةِ عَلَى أَفْكَارِ النَّاسِ.

وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُنَا مِنَ الْوُقُوفِ مَعَ دَلَالَاتِ هَذَا الْمُصْطَلَحِ، وَأَنْ نُبَيِّنَ الْمَوْقِفَ الشَّرْعِيَّ مِنْهُ؛ فَالْعِبْرَةُ بِالْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا بِالْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.

عِبَادَ اللَّهِ: دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَدْلُ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ لِلْبَشَرِيَّةِ، هُوَ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ، دِينُ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ، دِينٌ دَعَا إِلَى إِبْدَاءِ الرَّأْيِ الْحَسَنِ، الَّذِي يَبْنِي وَلَا يَهْدِمُ، وَيُصْلِحُ وَلَا يُفْسِدُ، وَيُقَوِّمُ وَلَا يُقَوِّضُ.

فَمِنْ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ يَنْشُدُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا".

وَمَا تَرْسِيخُ الْإِسْلَامِ لِمَبْدَأِ الشُّورَى، وَالْحَثُّ عَلَى النَّصِيحَةِ، وَالْحَضُّ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، إِلَّا لَوْنٌ مِنْ أَلْوَانِ حَرِيَّةِ الرَّأْيِ.

إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي نُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَلْهِمَ قَوَاعِدَ عَامَّةً تُجَلِّي الْمَوْقِفَ مِنْ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ، وَمِسَاحَتِهَا الْمَسْمُوحِ بِهَا وَالْمَمْنُوعِ مِنْهَا:

أَوَّلًا: إنَّ الْإِسْلَامَ عَظَّمَ مِنْ مَكَانَةِ إِبْدَاءِ الرَّأْيِ، وَأَعْلَى مِنْ شَأْنِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الرَّأْيُ كَلِمَةً مَنْطُوقَةً أَمْ مَكْتُوبَةً ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ:24]، ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ:26].

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ -تَعَالَى-، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ!" رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".

ثَانِيًا: هَذَا الرَّأْي لَيْسَ بِضْعَ كَلِمَاتٍ يُلْقِيهَا الْإِنْسَانُ، كَلَّا؛ بَلْ هِيَ حُرِّيَّةٌ تُصَاحِبُهَا مَسْؤُولِيَّةٌ وَمُحَاسَبَةٌ. قَالَ -تَعَالَى-: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]، وَيَقُولُ سَيِّدُ الْبَشَرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!".

ثَالِثًا: إن الْإِسْلَامَ أَمَرَ بِالرَّأْيِ الْحَسَنِ، وَالْقَوْلِ الْمُؤَدَّبِ: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [الْبَقَرَةِ:83]، ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الْإِسْرَاءِ:53]. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".

وَفِي الْمُقَابِلِ؛ نَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الرَّأْيِ السَّيِّئِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِهِ: ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ [النِّسَاءِ:148].

رَابِعًا: إنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ بِحِفْظِ ضَرُورِيَّاتٍ خَمْسٍ؛ مِنْهَا: حِمَايَةُ الْأَعْرَاضِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَرَّمَتِ الشَّرِيعَةُ جُمْلَةً مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْآخَرِينَ؛ كَالْقَذْفِ، وَالْغِيبَةِ، وَالْبُهْتَانِ، وَالتَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ… وَنَحْوِهَا. فَلَا يَجُوزُ الْوُلُوغُ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ، أَوِ التَّهَكُّمُ بِهَيْئَاتِهِمْ تَحْتَ شِعَارِ حُرِّيَّةِ الرَّأْيِ.

خَامِسًا: إنَّ الْإِسْلَامَ نَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الرَّأْيِ بِلَا عِلْمٍ؛ قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:36].

فَلَا يَسُوغُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَصًّا فِي فَنٍّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَلِذَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- أَنَّهُ يُشْرَعُ الْحَجْرُ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مُتَعَدٍّ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبْدَاءُ الرَّأْيِ فِي الْقَضَايَا الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا لِمَنْ كَانَ يَتَمَتَّعُ بِالْأَهْلِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ، فَتَكَلَّمَ فِيمَا يُحْسِنُ، وَتَرَكَ مَا لَا يُحْسِنُهُ لِأَهْلِ الِاخْتِصَاصِ.

سَادِسًا: إنَّ الْقَضَايَا الْعَامَّةَ، وَالنَّوَازِلَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِحَيَاةِ النَّاسِ وَمَصَالِحِهِمْ، لَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الْحُجُرَاتِ:1]. قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ".

وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمُرَادِ اللَّهِ وَفَهْمِ رُوحِ الشَّرْعِ: هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الرَّاسِخُونَ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ رَأْيِهِمْ فِي كُلِّ مُعْضِلَةٍ أَوْ نَازِلَةٍ، كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النِّسَاءِ:83].

سَابِعًا: إنَّ حُرِّيَّةَ الرَّأْيِ يَجِبُ أَلَّا تَلْحَقَ الْمُقَدَّسَاتِ الدِّينِيَّةَ وَالثَّوَابِتَ الشَّرْعِيَّةَ؛ كَأُصُولِ الِاعْتِقَادِ، وَالنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ، فَلَيْسَ مِنَ الْحُرِّيَّةِ أَنْ يُجَاهَرَ بِالْفُسُوقِ، وَيُسْتَعْلَنَ بِالْفُجُورِ، وَلَا مَرْحَبًا بِحُرِّيَّةٍ تُصَادِمُ الدِّينَ وَتُعَاكِسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَنْ يَسْتَقِيمَ شَأْنُ الْمُجْتَمَعِ وَيُحْفَظَ لِلدِّينِ سَطْوَتُهُ إِلَّا بِالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ، وَأَطْرِهِمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا.

فَهَا هُوَ ذَا الْفَارُوقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُؤْتَى إِلَيْهِ بِرَجُلٍ جَعَلَ يُثِيرُ الشُّبُهَاتِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَضْرِبُ النُّصُوصَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ؛ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِ حَتَّى تَأَدَّبَ وَتَابَ.

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: الْكَلِمَةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَكْتُوبَةً أَمْ مَنْطُوقَةً هِيَ سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ، وَقُوَّةٌ ذَاتُ شَطْرَيْنِ، وَرُبَّ كَلِمَةٍ هَدَّأَتْ خَوَاطِرَ، وَأُخْرَى سَبَّبَتْ قَلَاقِلَ، وَقَدِيمًا قَالَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ:

فَإِنَّ النَّارَ بِالْعُودَيْنِ تُذْكَى *** وَإِنَّ الْحَرْبَ مَبْدَؤُهَا كَلَامُ

إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِي الْأُمَّةِ: أَنْ يَتَوَلَّى التَّعْبِيرَ عَنْهَا فِي صُحُفِهَا الْأَيَادِي الْأَمِينَةُ، وَالْأَقْلَامُ النَّاصِحَةُ الصَّادِقَةُ. أَقْلَامٌ تَعْرِفُ لِلْكَلِمَةِ حَقَّهَا وَسَطْوَتَهَا، وَدِقَّتَهَا وَقُوَّتَهَا، أَقْلَامٌ تَسْعَى لِتَرْسِيخِ الْعَقِيدَةِ، وَإِشَاعَةِ الْفَضِيلَةِ، وَرَفْعِ الْمَظَالِمِ، وَغَرْسِ التَّفَاؤُلِ، وَتَضْمِيدِ الْجِرَاحَاتِ، وَدَلَالَةِ النَّاسِ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. هَذِهِ الْأَقْلَامُ الَّتِي تَحْمِلُ هَمَّ الْأُمَّةِ وَهُمُومَهَا يُوثَقُ بِهَا، وَتُسْتَقْرَأُ كِتَابَاتُهُمْ، وَيُنْتَظَرُ طَلَّتُهَا بِكُلِّ شَوْقٍ وَشَغَفٍ.

وَيَعْظُمُ مُصَابُ الْأُمَّةِ، وَتَزْدَادُ وَجَعًا إِلَى مَوَاجِعِهَا حِينَمَا يَحْمِلُ الْقَلَمَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْكِتَابَةِ؛ فَيَضِلُّ وَيُضِلُّ! وَتَزْدَادُ مَآسِي الْأُمَّةِ حِينَمَا يَتَوَلَّى التَّعْبِيرَ عَنْهَا أَقْلَامٌ مَسْمُومَةٌ مُخَذِّلَةٌ مُفْسِدَةٌ، أَقْلَامٌ تَخْدِشُ الشَّعَائِرَ، وَتَجْرَحُ الْمَشَاعِرَ، أَقْلَامٌ تُحَرِّكُهَا رِيَاحُ الشَّهَوَاتِ، وَأَعَاصِيرُ الشُّبُهَاتِ.

فَهُمْ مُتَمَيِّزُونَ، وَلَكِنْ فِي الِانْتِهَازِيَّةِ، وَاسْتِغْلَالِ كُلِّ حَدَثٍ لِتَمْرِيرِ أَفْكَارِهِمُ الْمَأْفُونَةِ، وَمَشَارِيعِهِمُ الْمَدْفُونَةِ. مُبْدِعُونَ، وَلَكِنْ فِي سَرِقَةِ الْأَفْكَارِ، وَتَرْجِيعِ الصَّدَى لِمَا يُطْرَحُ فِي الصُّحُفِ الْأَجْنَبِيَّةِ. بَارِعُونَ، وَلَكِنْ فِي الِاسْتِفْزَازِ، وَتَصْنِيفِ مَنْ خَالَفَهُمْ بِالتَّشَدُّدِ وَالْأُحَادِيَّةِ وَالْإِقْصَائِيَّةِ وَالْمَاضَوِيَّةِ.

نَاهِيكُمْ عَنْ أَقْلَامِ الضَّرَرِ وَمَقَالَاتِ السُّوءِ، الَّتِي تُنَادِي بِإِلْغَاءِ فَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي تَفْسِيرِ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، دَاعِيَةً إِلَى الِاسْتِقْلَالِيَّةِ فِي قِرَاءَةِ النُّصُوصِ، بِزَعْمِ مُوَاكَبَةِ رُوحِ الْعَصْرِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ الْمُسْتَنِيرِ!.

إِسْلَامٌ لَا وَلَاءَ فِيهِ وَلَا بَرَاءَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ تَصْنَعُ لَنَا ثَقَافَةَ الْكَرَاهِيَةِ! إِسْلَامٌ لَا جِهَادَ فِيهِ، وَإِذَا ذُكِرَ فَفِي دَائِرَةٍ ضَيِّقَةٍ وَعَلَى اسْتِحْيَاءٍ، إِسْلَامٌ لَا نَهْيَ فِيهِ عَنِ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُصَادِمُ الْحُرِّيَّةَ الشَّخْصِيَّةَ، وَيَتَطَفَّلُ عَلَى خُصُوصِيَّاتِ الْآخَرِينَ.

هَذِهِ الْأَقْلَامُ بُلِينَا بِهَا رَدَحًا مِنَ الزَّمَنِ، وَلَا يَزَالُ الْإِعْلَامُ يَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَهُ، وَلَا تَزَالُ تَلْقَى التَّرْحِيبَ وَالتَّصْفِيقَ مِنْ بَعْضِ الصُّحُفِ، وَلَا تَزَالُ مَقَالَاتُهُمْ هِيَ الْمُنْتَقَاةَ حِينَمَا تَنْقُلُ لَنَا بَعْضُ الْقَنَوَاتِ حَدِيثَ الصِّحَافَةِ، وَكَأَنَّهَا هِيَ الْمُجَدِّدَةُ وَالْمُنْقِذَةُ لِلْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ!.

هَذِهِ الْكِتَابَاتُ لَيْسَتْ بِدْعًا فِي تَارِيخِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَسَتَبْقَى-وَرَبِّ الْعِزَّةِ- مَقَالَاتٍ مَطْمُوسَةً، وَكَلِمَاتٍ مَطْمُورَةً، وَسَيَضْرِبُ عَلَيْهَا الزَّمَانُ غُبَارَهُ، وَلَنْ تُذْكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ.

كَمْ مِنْ كِتَابَاتِ السُّوءِ وَمَقَالَاتِ الضِّرَارِ طَوَاهَا التَّارِيخُ، وَكَفَانَاهَا الزَّمَانُ هِيَ وَأَصْحَابَهَا، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا؟.

وَصَدَقَ اللَّهُ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ [الرَّعْدِ:17].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَيَبْلُغُ التَّلْبِيسُ مَدَاهُ، وَتَصِلُ الِانْهِزَامِيَّةُ إِلَى غَايَتِهَا، حِينَمَا يَزْعُمُ فَرِيقٌ مِمَّنْ تَسَلَّقَ أَعْمِدَةَ الصُّحُفِ بِأَنَّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُكَفِّرُ كُلَّ مَنْ خَالَفَهُ! وَإِنْ تَعْجَبْ فَلَيْسَ الْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ هَؤُلَاءِ وَجَهَالَاتِهِمْ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ الَّذِي لَا يَنْقَضِي: أَنْ يُمَكَّنُوا مِنْ صُحُفِنَا، لِيَنْفُثُوا فِيهَا ضَلَالَاتِهِمْ وَسُمُومَهُمْ دُونَ مُحَاسَبَةٍ أَوْ مُحَاكَمَةٍ! مَا كُنَّا نَتَصَوَّرُ أَوْ نُصَدِّقُ أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ التَّوْحِيدِ مَنْ يُصَحِّحُ عَقَائِدَ الْكَفَرَةِ، أَوْ يَتَوَقَّفُ وَيُشَكِّكُ فِي كُفْرِهِمْ! وَلَكِنَّهَا الْغُرْبَةُ، وَالْفِتَنُ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ كُفْرَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِدِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُسَلَّمَاتِ الشَّرِيعَةِ، وَقَوَاطِعِ الْمِلَّةِ، وَمِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَالتَّشْكِيكُ فِي ذَلِكَ أَوْ إِنْكَارُهُ رِدَّةٌ صَرِيحَةٌ، وَمُرُوقٌ مِنَ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ.

وَنُصُوصُ الْوَحْيَيْنِ فَاصِلَةٌ قَاطِعَةٌ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَدَلَالَاتُهَا صَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ تَعَدُّدَ التَّفْسِيرِ: قَالَ -تَعَالَى-: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:19]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:85].

وَهَلْ كَانَتْ بِعْثَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا لِلْبَشَرِيَّةِ جَمِيعًا، وَلِلثَّقَلَيْنِ كَافَّةً؟! ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الْأَعْرَافِ:158]. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سَبَأٍ:28]. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الْفُرْقَانِ:1].

فَمَنْ بَلَغَتْهُ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهَا؛ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَطَبِ جَهَنَّمَ. قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ [الْفَتْحِ:13]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ:17].

وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".

فَهَذِهِ نُصُوصُ الْوَحْيَيْنِ صَرِيحَةٌ وَوَاضِحَةٌ، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ! نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ: "مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ، أَوْ سَوَّغَ اتِّبَاعَ دِينِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ اعْتِقَادَاتٍ بَاطِلَةٍ؛ فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ". وَنَقَلَ هَذَا الْإِجْمَاعَ أَيْضًا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ: "الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى".

أَمَّا إِمَامُ زَمَانِهِ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَعَلَ نُزُلَهُ فِي عِلِّيِّينَ- فَقَدْ قَالَ: "إِنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يُسْتَتَابُ وَتُبَيَّنُ لَهُ الْأَدِلَّةُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ رِدَّةً".

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ حِمَايَةَ جَنَابِ التَّوْحِيدِ، وَالْحِفَاظَ عَلَى مَقَامِ الدِّينِ مِنْ أَنْ يُمَسَّ، مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ، وَجِهَادُ هَؤُلَاءِ الْمُلَبِّسِينَ مِنْ أَعْظَمِ جِهَادِ الْكَلِمَةِ، وَالنُّصْحُ لِلْأُمَّةِ، وَالتَّوَاصِي بِفَضْحِ هَؤُلَاءِ وَتَجْلِيَةُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ أَشْرَفِ أَنْوَاعِ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ.

وَكُلُّنَا أَمَلٌ -بَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى- فِي عُلَمَائِنَا وَدُعَاتِنَا، أَنْ يَبْقَى صَوْتُهُمْ بِالْحَقِّ مُجَلْجِلًا، وَأَنْ يَقُومُوا بِوَاجِبِ الْبَيَانِ وَالْإِبْرَاءِ؛ فَبِهِمْ تَهْتَدِي الْأُمَّةُ وَتَرْشُدُ، وَبِهِمْ تَصْلُحُ وَتَسْتَقِيمُ، وَإِذَا عَلَا صَوْتُهُمْ وَظَهَرَ خَنِسَتْ أَصْوَاتُ أَهْلِ التَّغْرِيبِ وَالْعَلْمَنَةِ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِشَرِيعَةِ اللَّهِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

ثُمَّ صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ…