عناصر الخطبة
- وقت الإنسان هو عمره
- اتخاذ العبرة والعظة من مرور الأيام
- الحث على المحافظة على الأوقات
- الإجازة فرصة لاغتنام الأوقات فيما يرضي الله تعالى
- استغلال الإجازة في تحصيل العلم النافع
اقتباس إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية, في النعيم المقيم, أو العذاب الأليم، وهو يمر مرّ السّحاب، لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال، صَحِبَا قبلنا قوم نوح وعاد وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، فأصبح الجميع قد قدموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، وتصرمت أعمارهم، وبقي الليل والنهار جديديْن في أُمَمٍ بعدهم…
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله, وأمينه على وحيه, ومبلغ الناس شرعه, فصلوات الله وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن من اتقى الله وقاه, وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: إننا نستقبل في هذه الأيام الإجازةَ الصيفية، وذلك بعد إمضاء عام دراسي كامل في الجد والمذاكرة, والبذل والتحصيل على تفاوُت في الهمم, وتباين في العزائم. عباد الله: والسؤال الذي يطرحُ نفسه في هذه الأيام: ما الذي ينبغي على طالب العلم والمسلم الجادِّ أن يفعله في هذه الإجازة المقبلة, وعدد أيامها مائةُ يوم تقريبًا, وهو وقت طويل، وأيام عديدة، ولحظات عزيزة، ستمر وتذهب سريعًا، أيناسب -عبادَ الله- أو يليق بالمسلم أن يتركها تذهب وتضيع دون أن يغتنمها في الخير, ودون أن يتزوّد فيها بزاد التّقوى؟! وهل أيام الإجازة -عباد الله- ليست معدودة في حياة الإنسان وعمره، فيتركها تذهب وتنصرم دون تحصيل لفائدة أو اغتنام لها في طاعة أو خير؟! مائة يوم -عباد الله- من حياتنا ستمر, وأوقات غالية ستذهب، فما نحن صانعون فيها؟!
معاشر المؤمنين: إن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية, في النعيم المقيم, أو العذاب الأليم، وهو يمر مرّ السّحاب، لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال، صَحِبَا قبلنا قوم نوح وعاد وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، فأصبح الجميع قد قدموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، وتصرمت أعمارهم، وبقي الليل والنهار جديديْن في أُمَمٍ بعدهم: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُور﴾ [الفرقان، الآية:62]، ينبغي للمسلم -عباد الله- أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة وعظة, فإن الليل والنهار يُبلِيان كل جديد, ويُقَرِّبان كل بعيد, ويطويان الأعمار, ويشيبان الصغار, ويفنيان الكبار, وهذا كله مشعر بتولي الدنيا وإقبال الآخرة, قال علي -رضي الله عنه-: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة, وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة, ولكل منهما بَنُون, فكونوا من أبناء الآخرة, ولا تكونوا من أبناء الدنيا, فإن اليوم عمل ولا حساب, وغدًا حساب ولا عمل". وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: "إنّ الدنيا ليست بدار قراركم, كتب الله عليها الفناء, وكتب الله على أهلها الظَّعَن -أي الارتحال-، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب, وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن, فأحسنوا منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
عباد الله: إن العبد في هذه الحياة في هدم لعمره منذ خرج من بطن أمه، بل هو كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: "أيام مجموعة"، أي الإنسان، فكلما ذهب يوم ذهب بعض الإنسان، وجزء منه اليوم يهدم الشهر, والشهر يهدم السنة, والسنة تهدم العمر, وكل ساعة تمضي من العبد فهي مُدْنيةٌ له من الأجل.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه, نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي". وهذا من شدة حرصه على الوقت -رضي الله عنه-، وهذا شأن السلف عمومًا؛ قال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدركت قومًا كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم"، ولهذا -عباد الله- فإن من أمضى يومه في غير حق قضاه, أو فرض أداه, أو مجد أثَّله, أو حمد حصله, أو خير أسّسه, أو علم اقتبسه, فقد ظلم يومه, فقد ظلم يومه.
إن الليالي والأيام -عباد الله- هي رأس مال الإنسان في هذه الحياة، ربحها الجنة، وخسرانها النار, السَّنَةُ شجرة, والشهور فروعها, والأيام أغصانها, والساعات أوراقها, والأنفاس ثمارها, فمن كانت أنفاسه -عباد الله- في طاعة الله, فثمرة شجرته طيبة مباركة, ومن كانت أنفاسه في معصية الله فثمرتها مُرٌّ وحنظل.
عباد الله: لقد تكاثرت النصوص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان أهمية الوقت، والحث على اغتنامه، والتحذير من إضاعته، وبيان أن العبد مسئول عنه يوم القيامة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك". وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل به".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، قال بعض أهل العلم: إن من استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبُه الشغل, والصحة يعقبها السَّقَم, ومما يؤثر عن السلف -عباد الله- قولهم: من علامة المقْتِ إضاعة الوقت. بل قال ابن القيم -رحمه الله-: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
إن الواجب علينا -عباد الله- أن لا نغتر بالدنيا؛ فإن صحيحها يسقم, وجديدها يبلى, ونعيمها يفنى, وشبابها يهرم، ومن كان في هذه الدنيا فهو في سير متواصل إلى الدار الآخرة؛ لأن الآجال منقوصة, والأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة, فمن زرع خيرًا -عباد الله- فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره, ومن زرع شرًّا فيوشك أن يحصد ندامة وحسرة, ولكل زارع ما زرع.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى, واستعمِلْ أوقاتنا في طاعتك وما يرضيك, واجعل ما نستقبله من أيامنا إلى طاعتك مغنمًا وسلمًا, اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان, واسع الفضل والجود والامتنان, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: فاتقوا الله تعالى، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الإجازة الصيفية فرصة مباركة، ووقت سانح للجميع؛ لاغتنام هذا الوقت فيما يرضي الله وما يقرب منه –سبحانه- من سديد الأعمال وصالح الأقوال, وإن من أهم ما ينبغي علينا -عباد الله- ونحن نستقبل هذه الإجازة, أن ننوي نية صادقة, وأن نعزم عزيمة أكيدة, على استعمال هذه الإجازة في طاعة الله, وأن نحذر -عباد الله- من أن ننوي نوايا غيرَ طيِّبَة نمضي فيها أيام هذه الإجازة, وإن الله -جل وعلا- إذا علم من عبده صدق نيته وصلاح همته وتمام رغبته, يسّر له الخير وفتح له أبوابه, وهيأ له سبله, والتوفيق بيد الله وحده.
عباد الله: وإن مما تغتنم به هذه الإجازة تحصيلُ العلم النافع, ومن نعمة الله علينا ما يُعقد في أيام الإجازة من الدّورات العلمية النافعة, التي يقوم بها أهل العلم وطلابه, ولهذا -عباد الله- ينبغي على الآباء وأولياء الأمور أن يشجِّعوا أبناءهم، وأن يأخذوا بأيديهم، وأن يحفّزوهم في المشاركة في هذه الدورات، وفي هذه الأيام تعقد في المدينة دورتان علميتان نافعتان معلن عنهما على أبواب المساجد، فينبغي على ولي الأمر أن يطالع برامج هذه الدورات، وأن يشجع ابنه، وأن يتابعه، وأن يضع له الحوافز والمشجِّعات ليُحصِّل خيرًا، ويغتنم غنيمة عظيمة، وإني أهمس في أذنك -أيها الأب- فأقول ناصحًا ومذكرًا: إن جلوس ابنك في حلق العلم ومجالس الذكر ورياضهن النافعة ينعكس عليك وعلى بيتك بالخير والبركة، وتكون قد اتقيت الله بابنك، حيث دللته إلى الخير، وهيأت له سبله وفتحت له أبوابه, ليحصل من العلم الذي هو زاده حقيقة في هذه الحياة؛ ليمشي في حياته على بصيرة ونور من الله، يعلم دينه، ويعلم كيف يطيع ربه، ويعلم كيف يَبَرُّ أباه وأمه, ويعلم كيف يقوم بحقوق عباد الله، كل ذلك لا يحصل إلا بالجلوس في مجالس العلم، وخير مجالس العلم -عباد الله- المساجد.
نسأل الله -جل وعلا- أن يصلح أبناءنا وبناتنا، وأن ينشئهم على الخير، وأن يجعلهم أبناءً بارِّين صالحين، وأن يأخذهم إلى صراطه المستقيم، وأن يعيذهم من الفتن كلها، ما ظهر منها وما بطن. والكيس -عباد الله- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وصلّوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: 56]، وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا". اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, وارض اللهم عن الخلفاء المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصّحة والعافية.
اللهم آت نفوسنا تقواها, زكها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها, اللهم إنا نسألك الهدى والسداد, اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى, اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا, وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا, وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا, واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, والموت راحة لنا من كل شر, اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله, أوله وآخره, سره وعلنه, اللهم اغفر لنا ولوالدينا, وللمسلمين والمسلمات, والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, اللهم اغفر ذنوب المذنبين, وتب على التائبين من المسلمين.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين, اللهم وارحم موتانا وموتى المسلمين, اللهم ووفقنا لما تحب وترضى, وأعنا على البر والتقوى, ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. عباد الله اذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمكم يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.