بطاقة المادة
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
هكذا تكون المحبة | العربية |
العبودية بين المحبة والخوف | العربية |
المحبة المشروعة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسوُلِدَ في مِثلِ هَذا الشَّهرِ، فَكَانَ مَولِدُهُ نُورَاً، وَمَبْعَثُهُ فَتحَاً وَسُرُوراً، هَدَى اللهُ به من الضَّلالاتِ، وَعَلَّمَ بِهِ من الجَهالاتِ، فالكونُ أَشرَقَ والفَضَاءُ تَعَطَّرَا والأُفقُ ظَلَّلَهُ السُّرورُ فَهل تَرَى؟ إنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- المَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ. إنَّهُ رَحمَةٌ لا كَمَا يُصَوِّرُهُ بَعضُ سُفَهاءِ الأَحلامِ أنَّهُ جَاءَ بِالذَّبحِ والسَّيفِ فَقَطْ! فَهُوَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ، وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ، وسَيفٌ على الأعدَاءِ المُحارِبينَ.. كُلُّ نِعمَةٍ بِنا فَإنَّمَا هِيَ بِفَضلِ اللهِ عَلَينَا ثُمَّ بِفَضلِ بِعثَةِ رَسُولِنَا -صلى الله عليه وسلم- لَنَا.. مَحَبَّةُ رَسُولِنا عَاقِبَتُها خَيرٌ عَظِيمٌ، وَنَعِيمٌ مُقِيمٌ،..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].
عباد الله: كثر الكلام هذه الأيام عن الإلحاد وأهله، وأصبحنا نسمع عن الردة في بلاد الإسلام بل في مهبط الوحي ومنبع الرسالة وممن؟ من أقوام يتكلمون بلغة القرآن ووُلِدُوا في محاضن الإيمان! من أقوام نشئوا بين أسر مسلمة، وعاشوا في أوساط متعلمة، فيا ترى ما الذي بالله غرَّهم؟! أما لهم أعين يبصرون بها الآيات الكونية؟! أما لهم أذان يسمعون بها الآيات الشرعية؟!
أم عيونهم لم تبصر السماء وعظمتها، والأرض وسعتها، والبحار ولججها، والنجوم وكثرتها، والشمس وانتظامها، والقمر وما فيه من الآيات، والليل وما فيه من الظلمات، والنهار وما فيه من المعجزات، والكون وما فيه من المجرات، والهوى وما فيه من الذرات.
كل هذا حُجب عن قوم وُلدوا في بلد الإسلام، وتربوا على تعاليم الإسلام وعلى دراية تامة بنعمة الإسلام، قوم يتكلمون بلسان عربي مبين ويعيشون بين ظهراني المسلمين.
عباد الله: سلوا الله الثبات على دينه؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء كما في الصحيحين، ولقد كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- في سجوده أن يُكثِر -صلى الله عليه وسلم- من قوله: "يا مقلّب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك" (رواه أحمد والترمذي).
فانظروا كيف يخشى من الانحراف، وهو نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم-، بل ويروى أن جبريل نزل في يوم من الأيام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا به يبكي فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما يبكيك يا جبريل؟"، قال: "نزلت إليك يا محمد وقد أمر بمنافخ النار أن تُضرَم"، فقال -صلى الله عليه وسلم- متعجبًا أو تخشى النار يا جبريل، وأنت في المكانة التي وضعك فيها أنت أمين الله على وحيه إلى سائر الأنبياء والرسل ومع ذلك تخشى النار، فقال: "وكيف لا أخشى النار يا محمد وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء".
بل وأوضح من ذلك ما قصَّه الله علينا في كتابه من خبر كثير من الأنبياء الذين يسألون الله الثبات كما قال –سبحانه- عن نبيّه سليمان -عليه السلام- عندما أسمعه الله كلام النملة التي قالت: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(19)﴾ [النمل: 18- 19].
فتأملوا كيف سأل الله أن يرزقه شكر نعمه، وسأله أن يعينه على عمل صالح يرضاه سبحانه، ثم قال بعد ذلك: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، فهو يرى نفسه -عليه السلام- أنه وإن شكر الله على نعمه وعمل صالحًا يرضي الله إلا أنه مع ذلك يرى نفسه غير مؤهل بأن يكون من الصالحين، فسأل الله أن يُلحِقه بهم، وهذا من أدب الأنبياء مع الله -جل في علاه- ومن تعظيمهم له سبحانه.
وهذا يوسف -عليه السلام- يمر بتلك المنعطفات الرهيبة في حياته؛ أولها مكر إخوته به، ومرورا بالعبودية وفتنة امرأة العزيز، وانتهاء بالسجن بلا ذنب اقترفه، فلما أخرجه الله من تلك القواصم وهو ثابت على طاعة الله ومتمسك بما يرضي الله، قال في نهاية قصته: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف:101].
فإذا كان الملائكة والأنبياء يسألون الله الثبات على الإيمان ويخشون الانحراف عن جادة الطريق فكيف بمن دونهم؟!
وهذا هو المنهج الذي صار عليه الصالحون من سلف هذه الأمة يُفنون أنفسهم في طاعة الله، ومع ذلك يخشون على أنفسهم من سلب الإيمان، فها هو أبو الدرداء -رضي الله عنه- يحلف بالله أن "مَن أمِن سلْبَ الإيمان عند الموت ليُسْلَبَنَّ منه".
وها هو سفيان الثوري -رحمه الله- لما حضره الموت جعل يبكي، فقالوا: ما يبكيك أهي كثرة الذنوب؟ فرفع رأسه، وأخذ شيئًا من الأرض، وقال: "والله لذنوبي أهون عليَّ من هذه، ولكنني أخاف أن أُسلَب الإيمان قبل الموت".
هذا حالهم مع ما عُرف عنهم من العلم والورع والزهد، والتقوى، وسعة العلم، وكثرة الطاعة، فماذا نقول لأقوامٍ في هذا الزمن ابتعدوا عن دين الله، وهجروا كتاب الله، ومع ذلك يرون أنفسهم من خِيرة خلق الله!! ماذا نقول لأقوام حاربوا الدين، وخالفوا سيد المرسلين، وأغضبوا الصالحين فقادهم ذلك إلى الشك في الله والإعراض عن دين الله؟! بل قادهم ذلك إلى نشر مناهجهم والدعوة الصريحة إلى عقيدتهم غير مبالين بحدود الله أو مشفقين من سخط الله!!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف:179].
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرع الدين، وجعله منهجًا للسالكين، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله إمام المرسلين وقدوة المهتدين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: فلقد أذن بترجمة كتب الفلسفة في العهد الأقوى من الخلافة العباسية، فوقع الناس في علم الكلام الذي زعزَع عقائد كثير من المسلمين حتى قال المعتزلة بخلق القرآن، وأججوا صدر الخليفة على مَن خالفهم، فأعلن المأمون بأن من قال: إن القرآن غير مخلوق؛ فإن حكمه القتل، فلم يبقَ أحدٌ من الأمة يقول بأن القرآن كلام الله مُنزَّل غير مخلوق إلا اثنين؛ من هما؟
أولهما إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل -رحمه الله-، وثانيهما محمد بن نوح، والذي مات في أثناء هذه المحنة من العذاب -رحمه الله-، فبقيت هذه الفتنة عشرات السنين، حتى أنقذ الله الأمة منها بأحمد بن حنبل.
ولكن انتشر علم المنطق الذي زعزَع إيمانَ كثير من المسلمين، فأخرجهم من أمهات العبادات حتى قال قائلهم: إن صلاة الجماعة مجرد سُنة، فبقيت الأمة تتخبط في إرجاف المرجفين، وتخضع لأقوال المبطلين حتى قيَّض الله لدينه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي بيَّن أن حضور الجماعة شرطٌ لصحة صلاة المسلم، مستندًا في ذلك إلى الأدلة الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله، والتي كانت قبل ذلك محاطة بشُبَه المرجفين، فردَّ على تلك الشُّبَه وبيَّن المقصود من تلك الأدلة.
ونحن في هذا الزمن قد ابتلينا بانفتاح العالم على بعضه حتى أصبحت الكرة الأرضية بمثابة غرفة واحدة، من جلس فيها عرف كل ما يُقال أو يُفعل فيها، فمن لم يكن لديه علمي شرعي يتحصن به ضد تلك التيارات التي تعصف بالعالم، وإلا أصبح فريسة سهلة لما يُنشَر في وسائل الإعلام والاتصال المختلفة.
فإلى كل من اجترفته تلك التيارات حتى أصبح يشك في وجود الله أوصيه بثلاث وصايا:
الوصية الأولى: أكثِرْ من مجالسة الصالحين؛ فإنهم زينة في الرخاء وعُدة في البلاء، فلقد أوصى رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- بهم ولن يوصيك نبي الهدى إلا بما يعود عليك بالنفع في الدنيا والآخرة.
أكثِرْ من مجالستهم؛ فإنهم يذكِّرونك بالله، ويخوِّفونك من الله، ويسيرون بك في النهج الذي يرضي الله، ويقتفون بك أثر محمد بن عبد الله.
الوصية الثانية: أكثر من قراءة القرآن، وحفظ القرآن، وإنني لأجزم أن كثيرًا من هؤلاء ما اجترفه ولا أبعده إلا البعد عن القرآن.
الوصية الثالثة: وهي فرع عن سابقتها: أكثر من التأمل في الآيات الدالة على عظمة الله، وهي كثيرة في القرآن، بل القرآن كله دليل على عظمة الله، ولكن فيه آيات فيها من النور ما يبصره الأعمى، وفيها من البيان ما يسمعه الأصم، ومن ذلك قول الله تعالى في سورة الرعد: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ [الرعد:2].
هذه الآيات مَن يحركها؟! مَن يديرها؟! من ينظمها إلا الله ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(4)﴾ [الرعد:2 – 4].
قال بعد هذه الآيات: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) [الرعد:5].
نعم لأنهم لم يتفكروا في مثل هذه الآيات، تأتي المزرعة أو البستان من نوع واحد من الأشجار، شجرة النخيل فيها آلاف من الأشجار، أو مئات أو أقل أو أكثر، البستان واحد والمزرعة واحدة، المكان واحد، والبلد واحد، والعامل واحد، والثمار مختلفة، هذه من نوع كذا، وهذه من نوع كذا مختلفة في الطعم ومختلفة في الفائدة ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: 4].
وهؤلاء يزعمون أنهم عقلاء فشكُّوا في وجود الله، وأعرضوا عن دين الله، وحاربوا شرع الله، والحجة قائمة عليهم بلسانهم هم، لو أرجف أحد أو ارتد أحد أو ألحد أحد من أهل اللغات الأخرى لقلنا مسكين لم يعرف القرآن، ولم يبلّغه أحد بالقرآن، ولم يسمع القرآن، وهؤلاء يتكلمون بلغة القرآن، ويعرفون معاني القرآن، ومع ذلك يكفرون بالرحمن، لا إله إلا الله.
ومن الآيات التي تدل على عظمة الله والتي نوَّر الله بها عقول المؤمنين قوله تعالى في سورة النحل ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)﴾ [النحل: 14- 16]، ماذا قال بعدها؟ ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:17].
فيا معشر من جرفتهم تيارات الكفر والضلال: أما لكم عقول تتأملون بها في سبب خلقكم والله يقول: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون:115]؟! أما تأملتم في قوله الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة:36]؟! أما سد الله عليكم منافذ الإلحاد فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ(8)﴾ [الانفطار: 6- 8].
أما تأملت في هذه الآية وغيرها كثير في كتاب الله حتى تعرف سبب وجودك في هذه الحياة، فتأملوا في هذه الآيات وغيرها مما يدل على عظمة الله، ثم اعلموا -هداكم الله- أن نبي الهدى قد بيّن أن التفكير العميق من مكائد الشيطان، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله" قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليقل آمنت بالله ورسله" (رواه أحمد والنسائي).
ألا فاحذروا أن تكون عقولكم سببًا في خلودكم في نار جهنم؛ بسبب البعد عن دين الله، والإعراض عن شرع الله، ثم يوسوس لكم الشيطان أنكم قد اكتشفتم ما لم يكتشفه غيركم.
فالعقل نعمة أو نقمة، فاجعله نعمة واعرف حدودك أيها المؤمن؛ فإن والله في الكون من الأسرار ما يفوق عقلي وعقلك، وفي الكون من الإعجازات ما يفوق تفكيري وتفكيرك، وفي القرآن من المعجزات ما يتحدى محيطي ومحيطك، ولكن الزم الطريق الصحيح الذي أُمرت به، واعرف مهمتك وما هو المطلوب منك. ثم أدِّ هذا وافعل كما فعل الأنبياء؛ سل الله الثبات على الدين، فإن الله -جل وعلا- يقول: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء﴾ [إبراهيم:27].
صلوا وسلموا على ما أمركم بالصلاة عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أجمعين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
هكذا تكون المحبة | العربية |
العبودية بين المحبة والخوف | العربية |
المحبة المشروعة | العربية |