عناصر الخطبة
- حادثة الإفك تعكِّر صفو البيت النبوي
- موقف الشيعة من أمهات المؤمنين
- سبّهم لعائشة وحفصة -رضي الله عنهما- على وجه الخصوص
- تجاهل الروافض لأحاديث المناقب
- سبب سبهم لعائشة رضي الله عنها
- من مناقب عائشة -رضي الله عنها-
اقتباس لئن قُدّر لألسنة المنافقين والحاقدين -في قديم الزمان- أن تطعن وتخوض في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ثم يخرسها الله بما أنزل من آيات تدل على براءتها وعفافها، فمن العجيب أن نرى ونسمع -بعد هذه الأدلة الدامغة على براءتها وعفافها وطهرها- من ينعق بما لا يسمع، ويحاول الطعن في براءتها وعفافها وصدق إيمانها ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل -جلّ في علاه-: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: 26]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اصطفاه بالرسالة، واختار له أصحابه، فأقام الدين، ولم يترك الدنيا حتّى بيّن الغثّ من السّمين. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أمّا بعد: عباد الله: قال -جل وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ [الأحزاب: 58]، أحبتي في الله: أدعوكم للسّمو والارتقاء عن كل دنسٍ في الأرضِ، وجاذبيةٍ في الهوى، وتشنجٍ وعصبيةٍ لأني سأطرقُ وإياكم بابَ بيت النبوةِ؛ لنتعايشَ وإياكم للحظاتٍ، معَ إنسانةٍ كانت في حقبةٍ من الزمنِ قرينةَ النبوةِ والرسالةِ، نعم سنطرقُ بابَ بيتِ النبوةِ بأدبٍ وخضوعٍ وخشوعٍ؛ لأننا سنلتقي العفيفةَ الطاهرةَ، سنلتقي وإياكم معَ المبرأةِ من فوقِ سبعِ سماواتٍ، سنلتقي مع أمِّنا عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها وأرضاها-، التي ما فَتئَ لسانُ الحقدِ والنِّفاقِ يخوضُ في عِرضِها أمَلاً ورَغبَةً في إطفاء جذوةِ الإسلامِ ونُورِ الإيمانِ من نُفوسِ أتباعهِ، ولكن! هيهات هيهات: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].
أيها المؤمنون، أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قيل لعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: إن قومًا يشتمون أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "قطع الله عنهم العمل، فأحب أن لا يقطع عنهم الأجر".
نعم -أحبتي في الله- انقطعت الأعمال ولكنّ الأجور تترا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامّةً وعلى عائشة أمّ المؤمنين خاصّة، لا يريد الله لهذه الفئة من الناس أن تنقطع أجورهم، فما قاموا به من أجل الدّين عظيم، وما ضحّوا به من أجل الدّين عظيم، كعظمهم بين الناس، بلّغوا وأدّوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكانوا بحق كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب". ثابت بالتواتر.
أيها المؤمنون:لم يعكر صفو حياة عائشة -أم المؤمنين- في بيت النبوة وفي كنفه -صلوات الله وسلامه عليه- شيء سوى حادثة الإفك، تلك المحنة التي امتحنت بها، فلقد امتدت إليها ألسنة الحاقدين في قديم الزمان، فطعنوها في عرضها، فأنزل الله في براءتها قرآنًا يتلى في كل بيت من بيوت الله وعلى لسان كل من آمن بالله -عز وجل-، قرآنًا يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقال -جلّ جلاله-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 11]، إلى أن قال -سبحانه وتعالى-: ﴿يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19)﴾ [النور: 18-19]، هذا بعد أن وصف الله فعلهم الشنيع وقولهم البذيء على من شهد الله ببراءتها وطهرها وعفافها بقوله تعالى: ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: 16]، وقوله -جلّ جلاله-: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: 15].
وبعد أن نهى المؤمنين عن الانجراف وراء الشائعات والأقاويل المغرضة بقوله -جلّ وعلا-: ﴿يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 17].
خرجت -رضي الله عنها- ببراءة وتزكية وشهادة ربانية تدل على طهرها وعفافها وطيبها؛ تقول -رضي الله عنها- في ذلك: "والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يتلى، ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ، من ثقل القول الذي ينزل عليه، فلما سرّي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: "يا عائشة: أمّا الله -عز وجل- فقد برأك…".
أيها المؤمنون: لئن قُدّر لألسنة المنافقين والحاقدين -في قديم الزمان- أن تطعن وتخوض في عرض أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ثم يخرسها الله بما أنزل من آيات تدل على براءتها وعفافها، فمن العجيب أن نرى ونسمع -بعد هذه الأدلة الدامغة على براءتها وعفافها وطهرها- من ينعق بما لا يسمع، ويحاول الطعن في براءتها وعفافها وصدق إيمانها.
فالشيعة الرافضة لهم موقف من أمهات المؤمنين عامة، ومن عائشة وحفصة خاصة، رغم ما في القرآن من آيات واضحات لا تدع مجالاً للشك في نزاهتهن وطهرهن وصدقهن؛ قال تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [لأحزاب: 32].
أيها المؤمنون: رغم آيات الله في كتابه الكريم الدالة على فضل أمهات المؤمنين عامة وعلى فضل عائشة خاصة، إلا أن الشيعة الروافض يكيلون لأمهات المؤمنين وخاصة عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- اتهامات باطلة يدللون عليها بما يحرفونه من كلام الله تعالى، يقولون في عائشة وحفصة: إنهن تآمرن مع أبي بكر وعمر -رضي الله عنهم جميعا-، فدسوا السمّ للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك استعجالاً لخلافته -عليه الصلاة والسلام-، ورد هذا في تفسير القمّي -أشهر مراجع الشيعة في التفسير- في تفسيره لسورة التحريم.
وما كان لعائشة ولا لغيرها من أمهات المؤمنين أن تفعل هذا الفعل الشنيع وهي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنزلة العالية والدرجة الرفيعة؛ عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟! قال: "عائشة". قال: ومن الرجال؟! قال: "أبو بكر". أخرجه البخاري وأحمد والترمذي.
ما كان لها أن تفعل ذلك وهي من رضيها الله زوجة لنبيه ورسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "رأيتُك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه، فأقول: إن يك هذا من عند الله يُمضه". متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة: "يا أم سلمة: لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها". أخرجه البخاري والنسائي.
يتجاهل الروافض هذه الآيات والأحاديث، ويزعمون -كما زعم معممهم ياسر الخبيث- أن عائشة -رضي الله عنها- في النار معلقة من رجليها وتأكل من جسدها ومن جيف أهل النار، بل ويزعمون أنها في قعر جهنم. (قال هذا الكلام خلال حفل أقيم في لندن في 17 رمضان الماضي في ذكرى وفاة عائشة -رضي الله عنها- بعنوان "عائشة في النار").
متجاهلين بذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة". أخرجه الترمذي في جامعه بسند جيد. وفي مستدرك الحاكم بإسناد صحيح عنها -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: مَن مِن أزواجك في الجنة؟! قال: "أما إنك منهن". فمن أين يأتي هؤلاء بمثل هذه الأكاذيب؟! ﴿قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: 30].
أيها المؤمنون: إن الطعن في عائشة وحفصة وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم أجمعين- إنما يأتي لكونهم رموزًا وأعلامًا من رموز وأعلام هذا الدين، فعائشة -كما قال الحاكم في المستدرك-: "إن ربع أحكام الشريعة نقلت عنها"، وحفصة حارسة القرآن، وأبو بكر هو من قمع المرتدين، وعمر من أخمد وأطفأ نار المجوس، فلا غرو أن يتعرضوا إلى ما يتعرضون إليه من طعن وافتراء وكذب.
لقد بلغ بهم الجهل والحقد أن سبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاقرأ في تفسير القمّي (2/336): "لابد أن يدخل فرج النبي في النار لأنه وطئ بعض المشركات". يقصد عائشة -رضي الله عنها-، فانظروا كيف وصل بهم حقدهم وإيذاؤهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-!! ﴿قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: 30]. نعوذ بالله أن نفتتن في ديننا أو نقول على الله ما لا نعلم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فيا فوز المستغفرين!! استغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله ومن والاه.
أما بعد:
نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يتعرض للأذى في عرضه، فإن لم تهبوا للدفاع عنه فإن الله تعالى يقول: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 40].
أيها المؤمنون: رد الطعن عن عائشة نصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمن يؤذي عائشة يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ينتصر لعائشة وأمهات المؤمنين ينتصر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيا أيها الآباء والأمهات: إن نصرة عائشة تكون بتعلم سيرتها، ونشر فضائلها، والتسمي باسمها، علموا أبناءكم وفاء عائشة وزهد عائشة وسعة علم عائشة.
قال أبو موسى الأشعري: "ما أشكل علينا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها علمًا".
وقال مسروق: "رأيت مشيخة أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يسألونها عن الفرائض".
وقالت عائشة: "فضلت على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعشر. قيل: ما هن؟! قالت:لم ينكح بكرًا غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال: تزوجها فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة التي يدور عليّ فيها، ودفن في بيتي.
ويكفيها فضلاً شهادة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لها؛ قال -عليه السلام-: "وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"، وقال لها يومًا: "هذا جبريل يقرئك السلام". الشيخان في صحيحيهما.
أيها المؤمنون: هل بعد هذا الحق وهذه الآيات الدالة على فضل عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- من يجادل في طهرها وعفتها وفضلها؟! ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾ [يونس: 32]، ولئن قالوا ما قالوا وفي ظنهم أنهم ينالون من مليكة الطهر والعفاف فهم واهمون؛ ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: 26].
هذا، وصلوا وسلموا على نبي الهدى ودين الحق، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.