بطاقة المادة
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل آية الكرسي وما دلّت عليه من التوحيد | العربية |
آية الكرسي فضائل وأسرار | العربية |
تأملات في آية الكرسي | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسأي آية من كتاب الله أعظم؟ سؤال وجّهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب -رضي الله عنه- ففي أيّ سورة هذه الآية؟ ولِمَ صارت أعظم آية؟ وماذا عن فضلها؟ ولِمَ…
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يا عباد الله: أي آية من كتاب الله أعظم؟ سؤال وجّهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بن كعب -رضي الله عنه- ففي أيّ سورة هذه الآية؟ ولِمَ صارت أعظم آية؟ وماذا عن فضلها؟ ولِمَ سميت باسم خاص؟ ماذا عن معناها؟ متى تُقرَأ؟ وما ثواب قراءتها؟ وكم عدد أسماء الله الحسنى فيها؟
وإليكم الجواب..
هذه الآية العظيمة، هي آية “الكرسي” وهي قول الله -جل وعلا- في سورة البقرة: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾[البقرة:255].
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: “هذه آية الكرسي، ولها شأن عظيم وقد صح الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل آية في كتاب الله، ثم ذكر ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم“، قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال: “يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم“؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري، وقال: “والله ليهنك العلم أبا المنذر“، أي هنيئًا لك ما أعطاك الله من العلم، وكان أبي بن كعب -رضي الله عنه- من علماء الصحابة.
قال النووي: “قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم آية لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة“.
لقد جمعت هذه الآية خمسة أسماء من أسماء الله الحسنى، وهي: “الله الحي القيوم العلي العظيم“، وآية الكرسي نسبة إلى كرسي الرحمن -جل جلاله- المذكور في هذه الآية ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، وهو موضع القدمين لله -سبحانه-.
أما العرش فهو أعظم من الكرسي: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾، إذا كان الكرسي وسع السماوات والأرض وهو موضع القدمين للرب -جل جلاله- على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، فما ظنك بالعرش الذي هو أعظم منه، فلا إله إلا الله العلي العظيم، وسبحان من لا تستطيع العقول إدراك كنه صفاته، ولا تحيط به؛ جل ربنا عن الشبيه والمثيل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
أيها المسلمين: وقراءة آية الكرسي تحفظ -بإذن الله- من الشياطين، فليس أشد شيء على الشياطين من آية الكرسي، ففي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ،.. وفيه: “قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ “اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ” حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ”(رواه البخاري).
أيها المسلمون: وآية الكرسي من قرأها بعد الصلوات المكتوبة لم يكن بينه وبين دخول الجنة إلا الموت، فقد أخرج النسائي وغيره عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت“، قال ابن تيمية -رحمه الله-: “ما تركتها بعد كل صلاة إلا نسيانًا“، أو نحو هذا الكلام، ذكر ذلك تلميذه ابن القيم -رحمه الله-.
وفي آية الكرسي اسمان عظيمين “الحي والقيوم”، وقد ورد على ما يدل على أن اسم الله الأعظم كما روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان عن أنس قال: “كنت جالسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ورجل يصلي، فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم أسألك“، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى“.
أيها المسلمون: هذه الآية آية الكرسي اشتملت على عشر جمل مستقلة؛ فقوله -تعالى-: ﴿اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ إخبار بالتفرد بالإلهية لجميع الخلائق، فجميع أنواع العبادة له وحده من دعاء ورجاء وخوف وذبح ونذر، وغير ذلك فهو الإله الحق وما سواه باطل.
الحي القيوم فهو الحي في نفسه فلا يموت أبداً، هو الحي حياة دائمة أزلية أبدية، فهو الأول فليس قبله شيء وهو الآخر فليس بعده شيء، القيوم القائم بتدبير من في السماوات والأرض وبتدبير أرزاقهم وجميع أحوالهم، فربنا جل جلاله كامل الحياة يطعم ولا يُطعم قائم بأمر كل شيء في رزقه والدفع عنه وتدبيره ورعايته.
﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾ السِّنة هي النعاس الذي يكون في العين ويسبق النوم، وكلاهما ينافي كمال القدرة والحياة، وكيف يتصور جريان النوم عليه -جل جلاله- ولا قيام للسماوات والأرض إلا به ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾.
قال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم ومسند أحمد: “إنَّ اللَّه -تعالى- لا ينام ولا ينبَغِي له أنْ ينامَ، يخْفِض القِسطَ ويرفَعه، يرفع إليه عمَل الليلِ قبل عملِ النَّهارِ، وعمل النهارِ قبل عملِ اللَّيلِ، حِجابه النور، لو كشَفه لأَحرقتْ سبحات وجهِهِ ما انْتَهى إليهِ بصره من خَلْقِهِ” سبحات وجهه أي نوره وجماله وبهائه.
فلله ما في السماوات وما في الأرض وجميع ما في السماوات والأرض هم ملكه وعبيده في قبضته وتحت تصريفها وهو الرقيب عليهم ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95)﴾[مريم:93-95].
وقوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾، أي: من هذا الذي يجرأ على أن يشفع لأحد من غير إذن الله له بالشفاعة والشفاعة هي التوسط للغير بجلب خيرًا له أو دفع شرًّا عنه، فلا أحد يشفع عند الله إلا بإذن الله لعظمة الله وكبريائه وجلاله، فلا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد إلا أن يأذن الله له بالشفاعة.
ولذلك إذا طلبها الناس يوم القيامة من أنبياء الله ليشفعوا لهم أمام الله اعتذروا وكل واحد يحيل إلى الآخر حتى إذا أتوا إلى سيد المرسلين رسول الله وخليله محمد -صلى الله عليه وسلم- سجد تحت العرش ليستأذن في الشفاعة، فيأذن له -صلى الله عليه وسلم- فلا يشفع أحد إلا من أذن الله له ورضاه عن المشفوع له ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾[طه:109].
أما الجملة الثالثة من آية الكرسي فهي قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي أن علمه محيط بجميع خلقه، فلا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الأرض، يعلم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم كما قال -سبحانه-: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾[الأنعام:59].
﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾ أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله -عز وجل- وأطلعه عليه كما أنه -سبحانه- لا يعلم أحد شيء عن ذاته المقدسة وأسمائه الحسنى وصفاته العليا إلا بما يعلمه الله من ذلك ولا يحيطون به علمًا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها المسلمون: الجملة الثامنة في آية الكرسي العظيمة هي قوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ هذه الجملة هي التي سميت الآية باسم كلمة منها فقيل لها “آية الكرسي”.
أما الكرسي فقد صح عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما قال: “كرسي موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله -عز وجل-“.
فالعرش أكبر من الكرسي، وقد تكرر ذكر العرش في القرآن إحدى وعشرين مرة والعرش له حملة من الملائكة، فسبحان من على العرش استوى أي علا وارتفع، أما الكرسي فوسع السماوات والأرض.
صح عن أبي موسى قال: “الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل“(أخرجه عبدالله بن الإمام أحمد في السنة).
وقوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ فيه إشارة إلى سعة الأكوان التي خلقها الله -عز وجل- وأن السماوات والأرض لا تعتبر شيئًا بالنسبة إلى الكرسي كما جاء في حديث أبي ذر قال: “يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلْقَةِ“. (رواه ابن حبان).
﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ أي: لا يثقله -سبحانه- ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما بل ذلك سهل عليه يسير لديه؛ يقال آدَه الأمر إذا بلغ منه المجهود وأتعبه وبلغ منه المجهود وأتعبه، فالله قوي لا يجهده ولا يتعبه ولا يشق عليه كما نفى عن نفسه ذلك في قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾[ق:38].
أما الجملة العاشرة فهي قوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ هو العلي الأعلى الذي لا أعلى منه فله العلو المطلق من جميع الوجوه علو الذات وعلو القدر والصفات وعلو القهر فهو الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى وبجميع صفات العظمة والكبرياء والجلال والجمال وغاية الكمال اتصف، وإليه فيها المنتهى ذو العظمة والجلال الذي كمل في عظمته.
أيها المسلمون: هذه وقفات موجزة، وهذه إجابات سريعة حول هذه الآية العظيمة فألزموها وتعلموها واحفظوها وحفظوها لصغاركم وكباركم، وقفوا عند معانيها.
نسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله…
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل آية الكرسي وما دلّت عليه من التوحيد | العربية |
آية الكرسي فضائل وأسرار | العربية |
تأملات في آية الكرسي | العربية |