بطاقة المادة
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل آية الكرسي وما دلّت عليه من التوحيد | العربية |
آية الكرسي فضائل وأسرار | العربية |
تأملات في آية الكرسي | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسولكم أن تتخيلوا كم يحدث في الأرض من حَدَث في الدقيقة بل في الثانية الواحدة، كم تسقط من أوراق، وتنزل من أمطار، ويموت من بشر، ويولد من ولدان، يا ترى ماذا سيكون قولنا أمام هذه العظمة والقدرة، والعلم والإحاطة التي يتصف بها مولانا، نبصرُ آياته في الكون وفي أنفسنا؛ فنتعاظم ذلك ونعجب منه! أفلا يقودنا ذلك إلى تعظيم مقدّرها وخالقها؟!
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بَعْدُ: فإنَّ الله تعالى أنزل هذا القرآنَ وجعله مَصْدَرَ هدايةٍ، وسبيل توفيق في الدنيا والآخرة، لمن آمن به فقرأه وتدبره ثم عمل به: ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء:9]، ما قال يهدي للطريق القويم، وإنما قال تعالى: ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ أي في كل شيء يدل على ما هو أفضل وأخْير، وفي ذلك إيماءٌ إلى ضمان سلامة أمة القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم؛ لأن القرآن جاء بأسلوب من الإرشاد قويم، ذي أفنان لا يحول دونه ودون الولوج إلى العقول حائل، ولا يغادر مسلكًا إلى ناحية من نواحي الأخلاق والطبائع إلا سلكه إليها تحريضًا أو تحذيرًا، بحيث لا يعدم المتدبر في معانيه اجتناء ثمار أفنانه.
أيها الإخوة: هذه وقفة عابرة على آية عظيمة من آياته في معناها وفضلها، وما ينبغي أن يُعْلم عنها، هي أفضل آية في كتاب الله تعالى كما روى أبيُّ بن كعب -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سأله: "أيُّ آية في كتاب الله أعظم؟!"، قال: اللهُ ورسولُه أعلم، قال: فردَّدها مرات، ثم قال أبيٌّ: آية الكُرْسِيّ، قال: "لِيَهْنِكَ العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إنَّ لها لسانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الملِكَ عِنْدَ ساقِ العَرْشِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ.
﴿اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾: له جميعُ معانِي الألوهيَّة، لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، فعبادةُ غيره شرك وضلال، وظلم وبطلان.
﴿الحَيُّ القَيُّومُ﴾: متصف بجميع معاني الحياة الكاملة على وجه يليق بجلاله وعظمته، قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بجميع الموجودات؛ فأوجدها وأبقاها، وأمدَّها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها؛ فهي مفتقرة إليه وهو غني عنها، ولا قوام لها من دون أمره: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الرُّوم:25].
ومن كمال حياته وقيوميته أنه ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾، أي نعاس، ﴿وَلا نَوْمٌ﴾؛ لأن السِّنَةَ والنوم إنما يعرضان للمخلوق الذي يجري عليه الضعف والعجز والانحلال، ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال، فلا يعتريه تعالى نقْصٌ ولا غَفْلَةٌ ولا ذهول عن خلقه؛ بل هو ﴿قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33]، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية.
قال أبو موسى الأشعريّ -رضي الله عنه-: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمس كلمات فقال: "إن الله -عز وجل- لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". رواه مسلم.
فسبحان الله ما أعظمه!! كيف يعصيه المخلوق الضعيف وهو بهذه القدرة والعظمة؟!
﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: خلقها ويملكها ويدبرها؛ فالجميع عبيده فلماذا يتكبرون؟! وفي ملكه فلماذا على معصيته يجترئون؟! وتحت قهره وسلطانه فلماذا يظلمون؟! ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا(95)﴾ [مريم: 93-95].
ومن تمام ملكه وعظيم سلطانه: أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحدٍ عنده إلا بإذنه له في الشفاعة: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾، فكل الوجهاء والشفعاء عبيد له مماليك، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم: ﴿قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الزُّمر:44]، ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النَّجم:26]، والله لا يأذن لأحدٍ أن يشفع إلا فيمن ارتضى، ولا يرتضي إلا توحيده، واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب.
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ فهو يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبليةِ التي لا نهاية لها، وما خلفهم من الأمور الماضية التي لا حدَّ لها.
ولكم أن تتخيلوا كم يحدث في الأرض من حَدَث في الدقيقة، بل في الثانية الواحدة، كم تسقط من أوراق، وتنزل من أمطار، ويموت من بشر، ويولد من ولدان، وتحمل من أرحام، ويتحرك من حيوان، ويطير من طير، بل حتى الهواءُ الذي يتنفسه الإنسان والحيوان والنبات، والخطوات التي يمشونها، والماء الذي يشربونه، والطعام الذي يأكلونه، كل ذلك لا يكون إلا بتقدير الله تعالى وعلمه وأمره!!
ولوِ اجْتَمَعَ البَشَرُ كلُّهم بتقنياتهم وما أوتوا من علم على أن يحصوا أحداث الأرض في ثانية واحدة لما استطاعوا ذلك، والله تعالى وحده يحصيها ويعلمها؛ بل ويعلم ما يجري في سائر الكواكب والمجرات، والأرض والسماوات: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام:59]، (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطَّلاق:12]؛ ولذا قال الملائكة: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم:64].
يا ترى ماذا سيكون قولنا أمام هذه العظمة والقدرة، والعلم والإحاطة التي يتصف بها مولانا -جل جلاله-، وتقدست أسماؤه؟! هل يليق بنا أن يأتينا أمره فلا نطيع؟! ونعلم نهيه فلا نلتزم؟! نبصرُ آياته في الكون وفي أنفسنا، ونشاهد إتقان صنعه في كل شيء، وننظر في هذه الأرض العظيمة بجبالها وأنهارها وبحارها، وجميع الأحياء عليها مما نعلمه وما لا نعلمه؛ فنتعاظم ذلك ونعجب منه! أفلا يقودنا ذلك إلى تعظيم مقدّرها وخالقها، وآمرها ومدبرها، الذي خضع له كل شيء؟! لماذا لا تخشع منا القلوب؟! ولماذا لا تدمع العيون؟! تعظيمًا لله تعالى وإجلالاً!!
هل عَرَفْنا الله حقيقة المعرفة، وقدرناه حق قدره، من يعصي الله في خلواته، ويبطر بإنعامه عليه!! انظروا كم ضيعنا من فرائض الله وحقوقه! وكم انتهكنا مِنْ محارم الله وحدوده! فهل حقُّ الخالقِ العظيم أن يقابل على إنعامه وإحسانه بالكفران؛ فنسألك اللهم أن تعفو عنا، وتغفر لنا، وتردنا إليك ردًّا جميلاً.
وفي مقابل علم الله العظيم فإنه أخبر عن خلقه فقال: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾، وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية، وهو جزء يسير مضمحل في علوم الباري؛ كما قال أعلم خلقه به الرسلُ والملائكة: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ [البقرة:32].
﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره". أخرجه ابن خزيمة والدارمي بسند صحيح.
وجاء في أخبار كثيرة أن السماوات السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة، من عظمة كرسي الرحمن.
﴿وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾: قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "أي: لا يثقله حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يَعْزُبُ عنه شيء، ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه، متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة، وهو الغني الحميد، الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه". اهـ.
ثم ختم الآية بقوله: ﴿وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ﴾: عليُّ بذاته على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمة صفاته، وهو العليّ الذي قهر المخلوقات، ودانت له الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب، وهو المُعَظَّمُ الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، والمجد والبهاء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء -وإن جلّت عن الصفة- فإنها مضمحِلَّة في جانب عظمة العلي العظيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ﴾ [البقرة:255]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أحمده حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(85)﴾ [الزُّخرف:84-85]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أفضل الخلق وأتقاهم وأخشاهم لربه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومَنْ سار على نَهْجِهِمْ، واقْتَفَى أَثَرَهُمْ إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوا الله -عباد الله-، فَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصفات، وتَنَزَّهَ عن النظائر والأشباه، وأحصى كل شيء عددًا، وأحاط بكل شيء علمًا لحقيقٌ أن يُخْشَى ويُتَّقَى -سبحانه وتعالى-.
أيها الإخوة المؤمنون: آية الكرسي أفضل آي القرآن؛ لما فيها من المعاني العظيمة في إثبات توحيد الله تعالى ووصفه بما ينبغي أن يوصف به؛ لذا كانت حرزًا من الشيطان، يقرؤها المسلم قبل نومه فتحفظه بإذن الله تعالى؛ كما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فإنك لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقرَبُك شيطان حتى تصبح". وقد صدَّقه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وجاء في حديث آخر أنَّ المداومة على قراءتها سبب لدخول الجنة؛ كما جاء في حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". أخرجه النسائي وابن حبان.
أيها الإخوة: هذا فضل آية الكرسي، وهذه أجزاء من معانيها ودقائقها، من قرأها وتأملها ظهرت له عظمة المولى -جل جلاله- وما توصل إليه البشرُ من علوم الأرض والبحار، والإنسان والحيوان والنبات، والنجوم والأفلاك وغيرها؛ ليثبت هذه العظمة للخالق سبحانه، وكلما ازداد الإنسان علمًا نظريًّا أو تجريبيًّا عظم انبهاره بدقة سير المخلوقات، ونظام الحياة؛ فالله تعالى هو الذي خلقها ودبرها وأحكم صنعها.
بهذه النظرة والمعرفة يعرف الإنسان -مهما أوتي من علم وعبقرية ودهاء، أو قوة ومال وجاه- أنه يكاد أن لا يكون شيئًا في هذا الكون الواسع، بما فيه من مخلوقات عظيمة، عندئذ يحتقر العاقل نفسه ويزدريها، ويسارع في عبادة ربه وخشيته وتقواه، ومع ذلك أنعم الله على هذا الإنسان الضعيف وشرّفه بحمل الرسالة حين أشفقت من حملها السماواتُ والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها: ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً﴾ [الأحزاب:72]، وسخر له هذه المخلوقات التي تفوقه قوة وعددًا، وجعلها في خدمته، فهل نكون أهلاً لنعم الله تعالى علينا بشكرها ورعايتها، وعبادة الله تعالى على الوجه الذي يرضاه لنا ويحبه منا؟! نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل طاعته وخشيته.
أيها الإخوة: هذه الرحلة القصيرة كانت في آية من كتاب الله تعالى، فما رأيكم لو قرأنا القرآن كلَّهُ بتدبر وتأمل؟! ماذا سيظهر لنا من عظمة الله تعالى وعظيم خلقه، وإتقان صنعه؟! جل في علاه: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزُّمر:62]. ألا فاتقوا الله ربكم وأحْسِنُوا التلقي عن كتابه، واقدروه حق قدره، واعبدوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله.
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل آية الكرسي وما دلّت عليه من التوحيد | العربية |
آية الكرسي فضائل وأسرار | العربية |
تأملات في آية الكرسي | العربية |