بطاقة المادة
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الإصلاح والمطالبات الباطلة | العربية |
حديث الإصلاح – خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ | العربية |
بين الإصلاح والإفساد (الاختلاط نموذجا) | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباستنطلق هذه المشاريع التخريبية في بلاد المسلمين من أفكار تغريبية لا تمُتُّ لهذه الأمة بصلة، بل هي نتاج موجات الإلحاد والفساد التي اجتاحت بلاد الغرب إبّان الثورة الصناعية، فأفسدت نساءهم، وحطَّمَتْ أسرهم، وفرَّقَت مجتمعاتهم. ويستميت المفسدون من الكفار والمنافقين والشهوانيين في تصدير هذا الفساد إلى بلاد المسلمين..
الحمد لله؛ أمر بالإصلاح، وامتدح المصلحين، ونهى عن الفساد، وذم المفسدين، نحمده على ما منَّ به علينا من دين الإسلام، وبعثة خير الأنام، صلى الله عليه وسلم، ونشكره على تمام الدين، وكمال الشريعة.
وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له؛ خلق عباده فكلفهم، وبدينه وشريعته ابتلاهم، وهو أعلم بما يصلح لهم ويصلحهم ﴿واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:216، 232؛ آل عمران:66؛ النور:19].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله؛ حذَّر أمته من دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، ووصفهم بأنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أتقى هذه الأمة، وأسرعهم امتثالا لتعاليم الملة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكونوا صالحين مصلحين، ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ المسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(152)﴾ [الشعراء:151-152].
أيها الناس: الصلاح غير الفساد، والإفساد مناقض للإصلاح ومعايير الفساد والإفساد، والصلاح والإصلاح، ومفهوم ذلك ومعناه وحقيقته تختلف باختلاف الديانات والمبادئ والأفكار التي يحتكم الناس إليها، ويصدرون عنها، فما تراه أمة من الأمم صلاحا وإصلاحا، قد يراه غيرها فسادا وإفسادا؛ لاختلاف الديانة التي يدينون بها، والشريعة التي ينتهون عندها، والفكرة التي يعظمونها.
وفي السنوات الأخيرة دعا كثير من الكتاب والمفكرين، والسياسيين والصحفيين في الدول الإسلامية إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل داعية منهم يصدر في دعوته تلك عن أفكار يعتقدها، ومناهج يعتنقها، ربانية كانت أم بشرية، ويرى أن الفساد فيما يخالف دعوته، وأن من يعارضها فهو المفسد، ومع كثرة الاختلاف، وغزارة ما يلقى على الناس في شأن الإصلاح، أضحى أكثر الناس في حيرة من أمرهم، لا يعلمون المفسد من المصلح، ولا يميزون الصادق في دعواه من الكاذب.
وقضايا المرأة أنموذج حيٌّ لهذا التجاذب والاختلاف، فأقوام يدعون إلى تحرير المرأة من كل القيود، ومساواتها بالرجال من كل وجه، وإقحامها معه في كل ميدان؛ مدعين أن ذلك سبيل صلاح الأمة المسلمة، وطريق انتشالها من تخلفها وجهلها؛ وآخرون يرون أن هذه الأطروحات لا تريد الخير بالأمة، وإنما تغرقها في مستنقعات الإثم والفساد، وتجردها من أقوى سلاح يمتلكه المسلمون أمام الغرب، وهو الأسرة السوية، في مقابل الأسرة الغربية المفككة0
ومهما كثر الاختلاف، وتعددت الأقوال في هذه القضية، فالذي يجب أن يعلم، وأن يُسلِّم به كل مسلم يدين بالإسلام، أن الصلاح والإصلاح هو فيما جاء عن الله تعالى، وبلَّغته رسله عليهم السلام، وأن الفساد والإفساد هو ما عارض ذلك، أيَّاً كان مصدره، ومهما كان وزن قائله، فشريعة الله تعالى فوق كل أحد؛ إذ إن الله تعالى هو خالق الخلق، ومدبر الكون، وإليه يرجع الأمر؛ وكل العقلاء يتفقون على أن صانع الصنعة أعلم بها من غيره، والله سبحانه أعلم بخلقه من كل أحد، ﴿ألَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبيرُ﴾ [الملك: 14]، وهو أدرى بأحوال عباده، ﴿واللهُ يَعلمُ المفسدَ مِن المُصْلِحِ﴾ [البقرة:220].
إن الصلاح والإصلاح هو فيما جاءت به الرسل عن الله تعالى، فالرسل -عليهم السلام- وأتباعهم هم المصلحون، ويدعون إلى الصلاح، ويحاربون الفساد؛ ولذلك قال شعيب -عليه السلام- في دعوته لقومه ﴿ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف:85]، وأخبرهم أنه لا ينهاهم عن الفساد ويأتيه، بل يجانبه صلاحا وإصلاحا ﴿وَمَا أُرِيدُ أنْ أخالِفَكُم إلى مَا أنْهاكُم عَنْهُ إنْ أريدُ إلَّا الإصلاحَ ما اسْتَطَعْتُ﴾ [هود:88].
وأعداء الأنبياء عليهم السلام، المستكبرون عن اتِّباعهم، المعارضون لدعوتهم، من الكفار والمنافقين، هم الفاسدون المفسدون؛ إذ أخبر الله تعالى عن كبار ثمود الذين كذبوا صالحا -عليه السلام- بأنهم ﴿يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء:152]، وأوصى موسى أخاه هارون -عليهما السلام- بالإصلاح لما استخلفه على قومه ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأخِيهِ هَارونَ اخْلُفْنِي فِي قَومِي وأَصْلِحْ ولَا تتَّبِعْ سَبِيلَ المفسِدِينَ﴾ [الأعراف:142].
ولكن أعداء الرسل -عليهم السلام- من الكفار والمنافقين لا يُقِرُّون بأنهم فاسدون مفسدون؛ بل يزعمون أنهم صالحون مصلحون، ويرمون الأنبياء وأتباعهم بالفساد والإفساد، كما فعل وزراء فرعون؛ إذ قالوا له: ﴿أتَذَرُ مُوسَى وقومَهُ لِيُفْسِدوا فِي الأرْضِ ويَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف:127]، وإخوانهم في هذا العصر يخاطبون الملوك والساسة في الدول الإسلامية قائلين لهم بلسان الحال أو المقال: أتذرون هؤلاء العلماء والدعاة ليفسدوا الناس، ويصرفوهم عن المشاريع التغريبية في المرأة والأسرة التي كلها صلاح وتقدم، إلى شريعة قديمة لا تناسب هذا العصر؟.
وأَعْرَضُ دعوى من ذلك أن الفرعون الأول في البشر سوَّغ معارضته لموسى -عليه السلام- ومحاربته إياه، والتنكيل بأتباعه، والسعي لقتله؛ بالخوف على الناس من فساده وإفساده، ﴿وقَال فرعونُ ذَرُوني أقتُلُ مُوسَى ولْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أخافُ أنْ يُبدِّلَ دِينَكُم أو أنْ يُظْهِرَ في الأرضِ الفسَادَ﴾ [غافر:26]، وما نفعت فرعون دعواه العريضة إذ حكم الله تعالى عليه بالفساد، فقال -سبحانه- فيه: ﴿إنَّه كانَ مِن المفْسِدِين﴾ [القصص:4]، وفي سورة أخرى: ﴿وفرعَونَ ذي الأَوْتَاد (10) الذين طَغَوا في البِلاد (11) فأكْثَروا فيهَا الفسَادَ(12)﴾ [الفجر:10-12].
وهكذا المنافقون يدَّعون الإصلاح، لكن الله تعالى حكم عليهم بالإفساد: ﴿وإذَا قِيل لهُم لَا تُفسدوا فِي الأرضِ قَالوا إنَّما نحنُ مُصلحون (11) ألَا إنَّهم هُمُ المفسِدون ولكنْ لا يشعُرون(12)﴾ [البقرة:11-12]؛ فليس مصلحا كلُّ من ادعى الإصلاح، وليس مفسدا كلُّ من رُمي بالفساد، بل يعرض ذلك على الكتاب والسنة حتى ينجلي الأمر، ويبين الحق للمؤمنين، وأما المستكبرون من الكفار والمنافقين فإنهم لا يرضون عن الحق مهما بسط لهم من الأدلة والبراهين: ﴿ومَا تُغني الآياتُ والنذُر عن قَوم لا يؤمِنُونَ﴾ [يونس:101]، وفي الآية الأخرى ﴿وإنْ يرَوا كلَّ آيةٍ لا يؤمِنوا بِها﴾ [الأنعام:125]، ومن قبل قال فرعون وملؤه لموسى -عليه السلام- ﴿مهْما تأتِنا بِه مِن آيةٍ لتسحرَنا بِها فمَا نحنُ لكَ بمؤمنينَ﴾ [الأعراف:132].
فما يعنينا في هذا المقام هو بسط الحق بأدلته لأهل الإيمان واليقين، وإلا فالمستكبرون لن يصدقوا مهما قيل لهم، والقضية المتنازع عليها في هذه الأيام هي توسيع عمل المرأة في المحلات التجارية بزعم القضاء على البطالة تارة، وتارة أخرى بزعم المحافظة على خصوصية النساء في شراء ملابسهن، وتعالوا لنعرض هذا المشروع الإصلاحي الإنقاذي على ما جاء في الكتاب والسنة؛ لنرى هل هو إصلاح كما يروج لذلك أصحابه، أم أنه ضرب من ضروب الفساد في الأرض!.
لقد قررت شريعة الله تعالى أن الضرب في الأرض، والصفق في الأسواق، والإنفاق على الأسرة، هو من خصائص الرجال، وبه خوطبوا في نصوص الشريعة، ﴿وآخَرون يضرِبون في الأرضِ يبْتَغون مِن فضْلِ اللهِ﴾ [المزمل:20]، ﴿الرِّجالُ قوَّامونَ علَى النِّساءِ بما فضَّلَ اللهُ بعضَهم علَى بعضٍ وبِما أنْفَقُوا مِن أمْوالِهِم﴾ [النساء:34]، ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ﴾ [الطلاق:7].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ولستَ تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك" رواه الشيخان0 ولم يأت في هذا الشأن خطاب واحد للنساء، بل أُمر النساء بالقرار في البيوت ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تبرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب:33]. يقول القرطبي -رحمه الله تعالى-: "والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة".
وروى ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها" رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء" رواه الشيخان، وروى محمد بن سيرين -رحمه الله- قال: نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أن أَقرَّ في بيتي، فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت. قال ابن سيرين: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها.
فالأصل أن الرجل ينفق على أهله، والأصل أن المرأة مكفولة من قبل ذويها منذ ولادتها إلى أن تموت، فإن قصروا أُخذ لها حقها بالقضاء، فإن لم يكن لها قريب فالإمام وليها، وجماعة المسلمين يقومون على حاجاتها، وإن عملت لكفاف نفسها فذلك استثناء وليس أصلا، ويكون بشروط تحقق المصلحة لها، وتدرأ الفتنة بها، ولكن هذا الأصل المقرر في الشريعة قد قُلب في هذا الزمن رأسا على عقب؛ بسبب سيطرة المذاهب الغربية الإلحادية على أكثر البشر، وصار الأصل -وهو قرار المرأة في بيتها- استثناء، وأضحى الاستثناء -وهو خروجها للعمل- أصلا.
وانقلاب الموازين لا يضفي الشرعية على الباطل، ولا يقلبه إلى حق، ولا يجعل الفساد إصلاحا؛ لأن الشريعة دائمة باقية حاكمة بين الناس، فالواجب تعديل الموازين، ورد الحق إلى نصابه؛ ومن الإفساد تسويغ هذا الباطل بالمسوغات السامجة، وتعليله بالتعليلات الباردة0
ثم رأينا هذا المشروع المنقذ للنساء من البطالة قد تُعمِّد فيه الاختلاط بين البائع والبائعة، تنظر إليه وينظر إليها، وتخاطبه ويخاطبها، وربما مازحته ومازحها، فمئة ألف وظيفة وقد تزيد تنتظر نساء المجتمع في جو من الاختلاط البريء، كما يقوله من اخترعوا بدعة البراءة في اجتماع رجل بامرأة لا تحل له، معارضين شريعة الله تعالى، التي يخبر عنها المبلغ عنه -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"إياكم والدخولَ على النساء! فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، فرأيت الحمو؟ قال:الحمو الموت". فإذا كان الشارع الحكيم يحذِّر من قريب الزوج وهو يغار على عرض قريبه، فأيُّ براءة في اجتماع رجل بامرأة لا رابط بينهما إلا العمل؟.
وماذا يفعلون بقول الله تعالى ﴿قُل للمؤمنينَ يغضُّوا مِن أبْصَارِهِم﴾ [النور:30]، وقوله تعالى ﴿وقُل للمؤمِنات يغضُضْنَ مِن أبْصارهِنَّ﴾ [النور:31] وهم سيجمعون بينهما أطول وقت، وبينهما من العمل ما يحتم نظر كل واحد منهما إلى صاحبه!.
ثم هو سيخلو بها حتما في الأوقات الميتة التي لا بيع فيها، وهي غالب الأوقات، وأيام الجَرد السنوي حيث تغلق المحلات، وتحسب البضائع، بل قد تصحبه في دورة لتطوير الأداء الوظيفي، وتعلم المزيد من فنون التسويق، وتضطر للسفر بلا محرم إلا زميلها الذي أصبح محرمها بجامع العمل والزمالة! وهذا يقع كثيرا في البنوك والشركات الكبرى، فكيف سيصير الحال لو وسع ذلك بهذا المشروع الآثم؟ والشارع الحكيم يقول لنا : "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"، فقام رجل فقال: يا رسول الله، امرأتي خرجت حاجة، واكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: "ارجع فحُجَّ مع امرأتك" رواه الشيخان0
فرده النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد وهو أفضل الأعمال ليكون رفيقا لامرأته في سفرها، وليس سفرها سفر ريبة أو تجارة أو عمل، بل هو أشرف سفر لامرأة؛ إذ هو سفر حجها الذي هو من أعظم العبادات، فحالها وحال من معها أبعدُ ما يكون عن الريبة والفساد؛ لأنهم في عبادة، ومع ذلك لا بدَّ من المــَحْرَم في شريعة الله تعالى، فكيف بمكان موبوء تحيط به شياطين الجن والإنس؟ وشر البلاد إلى الله تعالى أسواقها.
وقد يستلزم العمل أن تتحلى البائعة بكامل زينتها حتى تكون دعاية للمتجر، ولتجذب الزبائن إليه، فيُسوِّق التاجر بضاعته بأجساد بنات الناس وزينتهن، وهذا واقع في البلدان التي سبقت في هذا المجال؛ ومن يسافرون ويتاجرون يعرفون ذلك تمام المعرفة، وكم يعلن في صحفهم عن وظائف لبائعات يشترط فيهن من الصورة والهيئة أكثر مما يشترط في الشهادة والخبرة! ونعيذ بالله العظيم بناتنا وبنات المسلمين أن يكون هذا حالهن.
وإذا كان زميلها ذئبا أغبر، يجيد التلاعب بالعواطف، ويعرف نقاط الضعف في المرأة، كال لها من المديح والثناء ما يصطادها به، فيفترس عفافها. ولا خير في وظيفة تلك نهايتها! ولا عزاء لمجتمع يرضى لبناته أن يتأكلن بأجسادهن!.
وجماعة المسلمين من حكام ومحكومين ليسو مسؤولين أمام الله تعالى عن توفير الوظائف للنساء، وإنما هم مسؤولون عن رعايتهن، والإنفاق عليهن وهن قارَّات في بيوتهن، كلٌّ ولي بوليته، ومن لا ولي لها فوليها الإمام أو نائبه.
هذا هو حكم الشريعة في الرجال والنساء، وتلك هي مفاسد بعض هذا القرار، الذي بان لكل ذي بصيرة أنه معارض لشرع الله تعالى، وما عارض الشريعة فهو إفساد وليس إصلاحا، وإن سماه أصحابه إصلاحا، إما عن جهل بسبب ما يعانونه من الأمية والتخلف في فهم أحكام الإسلام، وإما عن هوى بسبب أنهم مُؤَدْلَجُون بأفكار منحرفة، ومُسَيَّسُون لتحقيق أهداف الأعداء من يهود ونصارى، نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والرشاد، والتزام الشريعة الغراء، كما نسأله سبحانه أن يكبت كل مُفسد ومفسدة، وأن ينصر كل مصلح ومصلحة، إنه سميع قريب مجيب. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله تعالى لي ولكم…
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين؛ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه، ﴿ومَن يُطع اللهَ ورسولَه ويخْش اللهَ ويتَّقْهِ فأولئكَ هُم الفَائزونَ﴾ [النور:52].
أيها المسلمون : تنطلق هذه المشاريع التخريبية في بلاد المسلمين من أفكار تغريبية لا تمت لهذه الأمة بصلة، بل هي نتاج موجات الإلحاد والفساد التي اجتاحت بلاد الغرب إبّان الثورة الصناعية، فأفسدت نساءهم، وحطمت أسرهم، وفرقت مجتمعاتهم.
ويستميت المفسدون من الكفار والمنافقين والشهوانيين في تصدير هذا الفساد إلى بلاد المسلمين، بالرضا أو بالقوة، تحت دعاوى الإصلاح في دول العالم الثالث، مع أن الغرب لا زال يعاني من آثار هذا الإفساد، ومجتمعاته مهددة بالانقراض، وتعاني من كثرة الشيوخ، وقلة الشباب والأطفال.
وأجدني في هذا المقام مضطرا لنقل بعض المقولات لمفكرين غربيين يبرزون حجم الفساد الناجم عن إخراج المرأة من منزلها وإقحامها في ميادين الرجال، من باب ﴿وشهد شاهد من أهلها﴾، وإلا فالمسلم مستسلم لأمر ربه، تكفيه نصوص الكتاب والسنة قائدا وإماما0
تقول كاتبة إنجليزية: إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا. وتقول باحثة أخرى: إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشارا سريعا في أمريكا وأوربا… وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجال. ونشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية تحقيقا بعنوان: سوء استخدام الجنس في المكاتب قالت فيه: إن مضايقة الرئيس لمرؤوسيه أمر قد خرج عن دورة المياه. أي خرج عن السرية وصار علنا.
ومن قالوا هذا الكلام قد عاشوا في مجتمعاتهم، ووقفوا على مشكلاتها، وخبروا عللها، وليسوا أميين في حضارتهم؛ بل مثقفون ومفكرون، وليسو كذلك مُؤَدْلَجين ومُسَيَّسِين لصالح المسلمين، بل يحكون أمراض مجتمعاتهم.
إن أي مشروع يسعى لجعل خروج المرأة من منزلها هو الأصل، وقرارها فيه هو الاستثناء، فهو مشروع معارض لصريح القرآن والسنة، ومخالف لما كان عليه سلف الأمة؛ فكيف إذا انضم إلى ذلك جملة من المفاسد الكبرى، كالاختلاط، والتبرج، والسفور، والخلوة، والسفر بلا محرم. ولا يدَّعي مُدَّعٍ أنه يمكن الحد من هذه المفاسد بشروط وضوابط؛ فإن التجارب السابقة أثبتت أن هذه الضوابط تتبخر مع الزمن كما يتبخر الماء الراكد، وانظروا كم في سياسة الإعلام بصحفه ومجلاته، وشاشاته وإذاعاته، من شروط وضوابط تكتب بماء الذهب؛ فهل طبقت أم لا؟!.
والأبواب إذا فتحت قليلا أمكن إشراعها على مصاريعها، بل أمكن خلعها، ولا تخلع الأبواب إذا كانت موصدة. فإياكم -عباد الله- أن يخدعكم مصدرو الرذيلة، وناشرو الفساد، بتلبيس الكلام، ولحن القول.
والواجب على كل مسلم أن ينكر هذا المنكر العظيم الذي يطل بشره وفساده على المجتمع، ويكون إنكاره بالطرق المأذون بها شرعا التي لا تسبب إثما أكبر، ولا تحدث فتنة أعظم.
والمسؤولية الكبرى، والأمانة العظمى، تثقل كاهل كبار القوم من الأمراء والعلماء والمسؤولين أن يقفوا أمام موجات الإفساد هذه، وإلَّا تحمَّلوا وزر المجتمع كله، وبماذا سيقابلون ربهم إذا سئلوا عن ذلك في يوم لا تغني عنهم مناصبهم من الله تعالى شيئا؟.
وواجبٌ على من أعطاه الله تعالى جاها، وكلمته لها وقعها، أن يبادر بالإنكار؛ براءة للذمة، وانتصارا للملة، وحفاظا على بنات المسلمين ومجتمعهم من الرذائل. وعلى صاحب كل قلم وبيان من الرجال والنساء أن ينكروا ذلك أشد الإنكار، ويبينوا للناس مفاسد مثل هذا القرار. ونعيذ بالله تعالى كل مؤمن ومؤمنة أن يكونوا عونا لأهل الباطل على باطلهم بالاعتذار للباطل وتسويغه، أو الدعاية له وترويجه؛ و"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت"، ﴿ومَا كَان ربُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأهلُها مُصْلِحُونَ﴾ [هود:117].
جعلنا الله تعالى هادين مهديين، صالحين مصلحين، ومنَّ على ولاة أمرنا بالصلاح والرشاد، ودلهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، وجنَّبهم طرق أهل الضلال والإفساد، آمين يا رب العالمين0
اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الإصلاح والمطالبات الباطلة | العربية |
حديث الإصلاح – خطبة عيد الفطر لعام 1432هـ | العربية |
بين الإصلاح والإفساد (الاختلاط نموذجا) | العربية |