عناصر الخطبة
- من حكم العيد ومقاصده
- الوصية ببر الوالدين وصلة الرحم
- توجيهات ووصايا عامة
- الدعوة إلى الألفة واجتماع الكلمة
- التحذير من مخططات الأعداء
- توجيهات للآباء والأمهات والمربين
- وصايا للنساء
- الأضحية وشروطها وبعض أحكامها
اقتباس ليس العيدُ لمن عقَّ والدَيه فحُرِم الرّضَا في هذا اليومِ المبارَك السعيد، وليس العيدُ لمن يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فَضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشّاش كذّاب يسعى بالأذَى والفسادِ والنميمةِ بين الأنام. كيف يسعَد بالعيد من تجمَّلَ بالجديد وقلبُه على أخيهِ أسود؟! كيف يفرح بالعيدِ من أضاع أموالَه في الملاهِي المحرَّمة والفسوقِ والفجور، يمنَع حقَّ الفقراء والضعفاء ولا يخشى البعثَ والنشور؟! لا يعرِف من العيدِ إلا المآكلَ والثوبَ الجديد…
الخطبة الأولى:
أمّا بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإن التقوى هي زمام الأمور، وهي وقاية للإنسان من الوقوع في المهالك والشرور، هي سبيل النجاة من النار دار الخزي والعار دار الجحيم والبوار, هي تكفير للسيئات ورفع للدرجات ومرضاة لمالك الأرض والسماوات، قال الله سبحانه في كتابه الفرقان: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: اشكروا الله -جل وعلا- أن بلّغكم هذا اليوم العظيم وهذا الموسم الكريم، واعلموا -رحمكم الله- أن يومكم هذا يوم مبارك، رفع الله قدره، وأعلى ذكره، وسماه يوم الحج الأكبر، وجعله عيدًا للمسلمين حجاجًا ومقيمين، فيه ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة وباتوا بمزدلفة، في هذا اليوم المبارك يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح ضحاياهم اتباعًا لسنة الخليلين إبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-، وقد أمر الله خليله بذبح ابنه وفلذة كبده فامتثل وسلّم، ولكن الله -سبحانه- بفضله ورحمته افتداه بذبح عظيم، فكانت ملة إبراهيمية جارية وسنة محمدية سارية عملها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ورغّب فيها، في الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- ضحّى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمّى وكبر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة ومقاصد عظيمة فضيلة وحِكمًا بديعة، فنحن نعيش الآن الساعات الأولى من يوم عيد النحر المبارك، يوم العيد الأكبر، الذي يلتقي فيه المسلمون على صعيد الحب والإخاء، يتبادلون أحاديث الود والصفاء، فتقوى صلاتهم وتتوثق أخوتهم، فيحمدون الله عز وجل على نعمة الشريعة الإسلامية التي جمعتهم برباطها، وألفت بين قلوبهم، وشدت بعضهم إلى بعض بعرى العقيدة والإيمان، فأصبح مثلهم في المودة والتراحم كمثل الجسد الواحد والبنيان المرصوص، فالتواصل بين المسلمين والتزاور وتقارب القلوب وارتفاع الوحشة وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد.
فهذه حكمة من حكم العيد ومنافعه العظمى، فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لأنه واحد، ولا يفرق بين القلوب إلا الأهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
والمحبة بين المسلمين والتواد غاية عظمى من غايات الإسلام، فجاهد نفسك -أيها المسلم- لتكون سليمَ الصدر للمسلمين، فسلامة الصدر نعيم الدنيا وراحة البدن ورضوان الله في الأخرى. فاجعل نفسك ممن يستحق التهنئة بفرحة هذا العيد السعيد، وإن من يستحق التّهنِئَةَ بالعيد الموسِر الذي يزرَع البسمةَ على شِفاه المحتاجين، والشَّفيقُ الذي يعطِف على الأرامِلِ واليتامى والمساكين، والصحيحُ الذي يتفقَّد المرضى والمقعَدين، والطّليق الذي يرعَى السجناءَ والمأسورين.
وفي المقابِلِ أيّها المسلمون: ليس العيدُ لمن عقَّ والدَيه فحُرِم الرّضَا في هذا اليومِ المبارَك السعيد، وليس العيدُ لمن يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فَضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشّاش كذّاب يسعى بالأذَى والفسادِ والنميمةِ بين الأنام. كيف يسعَد بالعيد من تجمَّلَ بالجديد وقلبُه على أخيهِ أسود؟! كيف يفرح بالعيدِ من أضاع أموالَه في الملاهِي المحرَّمة والفسوقِ والفجور، يمنَع حقَّ الفقراء والضعفاء ولا يخشى البعثَ والنشور؟! لا يعرِف من العيدِ إلا المآكلَ والثوبَ الجديد، ولا يفقَه مِن معانيه إلاّ ما اعتاده من العاداتِ والتقاليد، ليس لهم منَ العيد إلا مظاهرُه، وليس لهم من الحظِّ إلى عواثِرُه.
فيا عباد الله، يا من آمنوا بالله ورسوله: انظروا في حالكم، انظروا في أقاربكم، هل قمتم بما يجب لهم عليكم من صلة؟! هل ألنتم لهم الجانب؟! هل أطلقتم الوجه لهم؟! هل شرحتم الصدور عند لقائهم؟! هل قمتم بما يجب لهم من محبة وتكريم واحترام؟! هل زرتموهم في صحتهم توددا؟! هل عدتموهم في مرضهم احتفاء وسؤالا؟! هل بذلتم لهم ما يجب من نفقة وسداد حاجة؟!.
أيها المسلمون: هذه الاستفهامات وغيرها من الاستفهامات التي تقتضيها صلة الرحم يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه عليها، فلينظر هل قام بما يجب عليه في هذا الأمر أم هو مفرط فيه، فالصلة أمارة على كرم النفس وسعة الأفق وطيب المنبت وحسن الوفاء، ومعاداة الأقارب شر وبلاء، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وتشهد عليه بقطيعة إن كان قطعها.
فاجعل عيد هذا اليوم منطلقا لوأد القطيعة وطيّ صحيفة الشقاق والنزاع، لوأدها مجالات واسعة يسيرة، فمن بشاشة عند اللقاء ولين في المعاملة إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، زيارات وصلات، تفقد واستفسار، مهاتفة ومراسلة، والرأي الذي يجمع القلوب على المودة، كفّ مبذول وبر جميل، وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واهنَؤوا بعيدكم، والزموا الصلاحَ وأصلحوا، فالعيد يومُ فرَح وسرورٍ لمن قبِل الله منه أعماله وصحّت لله نيته، ويومُ ابتهاجٍ وتهانٍ لمن حسُن خُلُقه وطابَت سَرِيرتُه، يومُ عفوٍ وإحسان لمن عفَا عمّن هفا وأحسَن لمن أسَاء، يومُ عيدٍ لمن شَغَله عيبُه عن عيوبِ النّاس. والزَموا حدودَ ربِّكم، وصوموا عن المحارِمِ كلَّ دَهركم، تكُن لكم أعيادٌ في الأرض وأعيادٌ في السماء.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون:اللهَ اللهَ في الصلاةِ مع الجماعةِ، فإنها نعمتِ الطاعة والبضاعَة، ومُروا بالمعروف أمرًا رفيقًا، وانهوا عن المنكر نهيًا حليمًا حكيمًا رقيقًا، فالحِسبة قِوام الدين، وبها نالت الأمّة الخيرية على العالمين، هي صمام الأمان في الأمة، فكونوا لها أوفياء، وبأهلها أحفياء، حتى لا تغرقَ سفينة الأمة. احفَظوا أقدارَ العلماء، وصونوا أعراضَ أهلِ الحسبة والدعاة الفُضَلاء، أطيعوا أمرَ من ولاّه الله من أموركم أمرًا، وحذار أن تقربوا من الفتنة شرَرًا ولا جمرًا، ولا تقحِموا في الخلافِ المعتبر إلا العلماء الثقات، لا زيدًا ولا عمرًا.
عليكم بالصدق والوفاء بالعهد والأمانة والحشمة والصيانة وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام، تراحموا تلاحموا تسامحوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا. احذَروا الغشّ وقولَ الزور والكذب والخيانةَ، ولا تقرَبوا الزنا، واحذروا الربَا والرشوةَ، واجتنبوا المسكِرات والمخدّرات، فإنها من الكبائرِ وسببُ البلايا والجرائر، وإياكم والنميمةَ والغيبةَ والظلم والبهتان والشائعات والتساهلَ في حقوق العباد؛ فإنها مجلبةٌ لغَضَب الجبار والذلّةِ والصغار وحَطِّ الأقدار، بل هي الآثام والأوزار، أجارنا الله وإياكم من ذلك كلِّه. فاجتنبوا في جمعكم للأموالِ المسالكَ المعوجَّة والطرقَ الملتوِية والمخالفةَ للأحكام القرآنيّة والتوجيهاتِ النبويّة والقواعدِ الشرعية.
فيا أخي: إن كنتَ تحِبّ نجاتَك وترجو سعادتك فأطِب كسبَك ونقِّ مالَك وتخلَّص من حقوق غيرك، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من كانت عندَه مظلمةٌ لأخيه من مالٍ أو عِرض فليأته فليستَحلِله من قبلِ أن يؤخَذَ منه وليسَ ثَمّ دينارٌ ولا دِرهم، فإن كانَت له حسناتٌ أخِذَ من حسناتِه لصاحِبِه، وإلاّ أخِذ من سيّئات صاحبه فطُرِحت عليه فطرِح في النار" (رواه البخاريّ). فما موقِفُك ـ يا عبد الله ـ من الأموالِ العامّة التي لك النفوذ فيها؟! هل اتقيتَ الله فيها ووضعتَ كلَّ شيء موضعَه، أم غلَلت ونهبتَ وتلاعبتَ؟! والله يقول: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران:161].
احذر -يا عبد الله- مماطلة الناس حقوقهم، لقد انتشر في الآونة الأخيرة بين كثير من المقترضين والمستدينين ظاهرة عدم وفاء القرض أو وفاء الدين، فتجد الشخص يأتي إلى أخيه في بداية الأمر ليطلب منه سلفةً نقدية أو سلعة يشتريها بالدَّين، ويظهِر له حسنَ النية بكلام معسول وعبارات مُنَمَّقَة، وأنه سيسدّده في الوقت الذي يحدّده المقرِض، وهو في الحقيقة يضمر خلافَ ذلك، ثم يأخذ المال وتمر عليه شهورٌ وربما سنوات دون أن يعتذِر منه، أو يطلب فسحة في الأجل، وهذا ليس من خلق المسلم، وليس من الأدب الإسلامي في شيء.
فإن ديننا يحثّ على رد الجميل والمكافأة للمعروف بمثله أو أحسن منه والدعاء لصاحبه، وقال -صلى الله عليه وسلم- : "خير الناس أحسنهم قضاء" (متفق عليه)، وأن لا ينوي استغلاله ومماطلته وأكل ماله، فإنه إن نوى ذلك فقد عرض نفسه للعقوبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" (رواه البخاري). فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى في ذلك، ويخشى عقوبته ووعيده الذي أخبر به -صلى الله عليه وسلم- ، وليبادر إلى رد القرض وأداء الدين عند حلوله دون تسويف أو مماطلة.
ما موقفك وحالُك من المسؤوليّة التي أُنيطَت بك؟! هل أدّيتَها حقَّ الأداء وأدّيت الأمانةَ فيها بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى؟! ما هي معاملاتك؟! تفكَّر فيها وتدبَّر، والتَزمِ الشرعَ، فالله سائِلُك عن مالك: من أين أتاك؟ وفيم أنفَقتَه؟.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشرَ المؤمنين: إنَّ المسلمين اليومَ تتقاذفُ بهم أمواجُ الفتَن، وتحيطُ بهم أسبابُ التفرُّق والشرور والإحن، يسعى الأعداءُ لتفريق صفوفهم، ويبذُلون كلَّ جهدٍ لبذرِ أسبابِ العداء بين أبنائهم، يفرَحون بخرقِ صفِّ المسلمين وتفريق كلِمتهم، ويسعَدون ببثِّ روح التباغُض في مجتمعاتهم وفُشوِّ الكراهيَّة بين شبابهم.
وحينئذٍ فما أحوجَ المسلمين اليومَ للالتزام بالمنهجِ الذي تصفو به قلوبُهم، وتسلَم معه صدورُهم، وتُنشَر من خلاله مبادئُ المحبَّة والوئام في مجتمعاتهم، فاحذَروا دعاةَ السوء والفساد وإن تظاهروا بالإصلاح، فالله يعلم إنهم مفسِدون، إنهم يسعَونَ في الأرض فسادًا، ولا يريدون لكم خيرًا ولا صلاحًا. فاتَّقوا الله في أنفسكم، واحذروا الدعاياتِ المضلِّلة والإعلامَ الجائِر الذي يحاوِل أن يصوِّرَ أنّه مصلِحٌ وأنّه ينصَح ويوجِّه، والله يعلم أنه مفسِد وأنّ هدفَه السوء، ولكن كما قال الله: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43].
واعلموا أن لكم أعداء -يا أمة الإسلام- يعملون ويخططون ليل نهار، ويحبّون إشعالَ الفتن واستطار شرِّها، يحبون ذلك ويكرَهون للأمة أن تعيشَ في أمنٍ واستقرار وراحةِ بال، لا يرضيهم ذلك بل يحبّون أن تكونَ بلادُ الإسلام دائمًا بلادَ فِتَن واضطراباتٍ وانقسامات، فهم يُذكون كلَّ بلاء، ويشعِلون النزاعَ الطائفي والنزاعَ القَبلي إلى غير ذلك مِن كلّ ما يمكِنهم من تفريقِ الأمّةِ وضربِ بعضِها ببعض.
وإعلانهم المعادي للإسلام وأهله وأعمالهم المشينة الخطيرة من تكفيرٍ وتفجير وتبديعٍ وتضليلٍ وإحداثِ فوضى في الأمّة وراءَها أعداءُ الإسلام، يذكون نارَها، وإنَّ أهلَ هذه البلادِ -بلادِ الحرمين- وهم يعيشون نِعَمًا عُظمى وخيراتٍ جُلَّى فهم محسودُون من أعداء الإسلام والمسلمين، لذا حَريٌّ بأهلها وحريٌّ بأهل الإسلام في كلِّ مكان الاجتماعُ على السنّة والهدى والتعاونُ على البرّ والتقوى.
وواجبٌ على المسلمين في هذه البلاد أن يكونوا يدًا واحدةً مع ولاةِ أمورهم ومع علمائهم لتحقيقِ المنافعِ الخيِّرة والمصالح المرجوَّة، وأن يحذَر الجميع أسبابَ التدابرُ والتباغض وطرقَ التنازع والتفرُّق؛ حتى يسلمَ للناسِ دينهم، وتسلمَ لهم دنياهم، ويعيشوا في ظلِّ أمن وأمان ورغدٍ ورَخاء. فكونوا على حَذَر من أعدائكم، فهم ـ والله ـ الأعداءُ وإن أظهَروا لكم المحبّةَ والنصيحة.
أيها الآباءُ والأمهات: واجبُكم تقوى الله في أبنائكم، رَبّوهم التربيةَ الصالحة، راقبوا سلوكَهم وتصرّفاتهم، حذِّروهم من مجالسِ السّوء ومن دعاةِ الباطل والضلال الذين يسعَونَ لتَلويثِ أفكارهم وإدخالِ أمور في أفكارهم هي بعيدةٌ كلَّ البُعد عن دينهم وعن مصالحِ دُنياهم.
أيّها المربّون، رجالَ التربية والتعليم: واجبُ الجميعِ الأخذُ على أيدي أبنائنا، وتوجيهُهم التوجيهَ السليم، وتحذيرهم من كلِّ أمر فيه ضررٌ عليهم في دينهم ودنياهم، فهم أمانةٌ في أعناقِكم، فعلِّموهم الخيرَ ووجِّهوهم للخير، وحذِّروهم من مبادئ الشرِّ على اختلافها وتلوُّن عباراتها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا نساءَ المسلمين: إنّ الله رفعكنَّ وشرّفكنّ، وأعلى قدركنّ ومكانتَكنّ، وحفِظ حقوقكنّ، فاشكُرنَ النعمة، واذكُرن المنَّة، فما ضُرِب الحجابُ ولا فُرِض الجِلباب ولا شُرع النقاب إلاّ حمايةً لأغراضِكن وصيانةً لنفوسِكن وطهارةً لقلوبكنّ، وعصمةً لكنّ من دواعي الفتنة وسُبُل التحلُّل والانحِدار. فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضنَ من أبصاركنّ واحفظن فروجَكنّ، واحذَرن ما يلفِت الأنظارَ ويُغري مرضَى القلوبِ والأشرار، ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب:33].
استُرن وجوهكنّ وزينتكنّ ومحاسنكنّ عن الرّجال الأجانب عنكنّ. ولتحذَر المرأةُ المسلمة الرقيقَ من الثيابِ الذي يصِف ويشفّ، والضيِّقَ الذي يبين عن مفاتِنها وتقاطيعِ بدنها وحجمِ عظامها، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجت استشرَفها الشيطان، وأقرَب ما تكون من ربِّها إذا هِي في قعرِ بيتِها" (أخرجه ابن حبان).
أيّها المسلمون: تقبَّل الله طاعاتِكم وصالحَ أعمالكم، وقبِل صيامَكم في الأيام العشر وصدقاتكم ودعاءَكم، وضاعف لكم الأجر، وجعل عيدَكم مباركًا وأيّامَكم أيامَ سعادةٍ وهناء وفضلٍ وإحسان وعمل.
العيدُ المبارك لمن عمَر الله قلبَه بالهدى والتُّقى، في خُلُقٍ كريم وقلبٍ سليم، غنيٌّ محسن وفقير قانِع ومبتلًى صابِر، تعرِفهم بسيماهُم، رجالٌ صدَقوا ما عاهَدوا الله عليه. توبوا إلى الله -يا عباد الله- من جميع ذنوبكم وابدؤوا صفحة جديدة ملؤها الأعمال الصالحة.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَـالِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
اللهم اجعل عيدنا سعيدًا، اللهم أعده علينا أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، اللهم أعده على الأمة الإسلامية جمعاء وقد تحقق لها ما تصبو إليه من عز وكرامة وغلبة على الأعداء. أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يبارك لي ولكم في القرآن، وينفعنا بما فيه من الآيات والهدى والبيان، وأن يرزقنا السير على سنة المصطفى من ولد عدنان.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله يمنّ على من يشاء من عباده بالقبول والتوفيق، أحمده تبارك وتعالى وأشكره على أن منّ علينا بحلول عيد الأضحى وقرب أيام التشريق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا لأكمل شريعة وأقوم طريق، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ذو المحْتِد الشريف والنسب العريق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والتصديق، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما توافد الحجيج من كل فج عميق، آمِّين البيت العتيق، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المسلمون: زينوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- : "أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى". وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، ولا تنفقوا أموالكم أيام العيد فيما حرم الله، يقول علي: "كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله: إن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، وهو عيد الأضحى والنحر، ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام الأضاحي، يقول عز وجل: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 37] ، والتي ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وهي سنة أبينا إبراهيم المؤكدة، ويكره تركها لمن قدر عليها، كما أن ذبحها أفضل من التصدق بثمنها، وتجزئ الشاة عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة.
ثم اعلموا أن للأضحية شروطًا ثلاثة:
أولها: أن تبلغ السن المعتبر شرعًا، وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة كاملة في المعز، وستة أشهر في الضأن.
والشرط الثاني: أن تكون سالمة من العيوب التي نهى عنها الشارع، وهي أربعة عيوب: العرجاء التي لا تعانق الصحيحة في الممشى، والمريضة البين مرضها، والعوراء البين عورها، والعجفاء وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، وكلما كانت أكمل في ذاتها وصفاتها فهي أفضل.
والشرط الثالث: أن تقع الأضحية في الوقت المحدد، وهو الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث بعد العيد، فصارت الأيام أربعة.
ومن كان منكم يحسن الذبح فليذبحها بنفسه، ومن لا يحسنه فليوكل غيره ممن يحسنه، وليرفق الجميع بالبهيمة، وليرح أحدكم ذبيحته، وليحد شفرته، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، حتى في ذبح البهيمة، ثم ليسمّ أحدكم عند ذبحها ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذه عن فلان أو فلانة، ويسمي صاحبها. والسنة نحر الإبل قائمة معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الأيسر متوجهة إلى القبلة، ويقول عند الذبح: بسم الله وجوبًا، والله أكبر استحبابًا، اللهم هذا منك ولك، ويستحب أن يأكل ثلثًا ويهدي ثلثًا ويتصدق بثلث، لقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36], ولا يعطي الجزار أجرته منها.
فكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا، وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل، وإذا عجزت عن الأضحية فاعلم أن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته.
وإنني أدعوكم ونفسي إلى اتباع السنة لا إلى اتباع العاطفة، أدعوكم ونفسي إلى أن نترسم خطى إمامنا وقدوتنا وأسوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأن لا نتجاوز ما فعل، وأن لا نسرف فإن الله لا يحب المسرفين. إن بعض الناس يعتمدون على حديث ضعيف وهو أن الأضحية في كل شعرة منها حسنة، وهذا لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أهم شيء في الأضحية أن نظهر الدم ابتغاء وجه الله وتعظيما لله عز وجل، هذا هو المهم، ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37], هذا الذي يناله الله أن نتقي الله عز وجل في التقرب إلى الله تعالى بذبحها وذكر اسم الله عليها، وأن نتمتع بالأكل منها نحن وأولادنا وجيراننا وإخواننا وفقراؤنا.
واحذروا الإسراف في الأضاحي، فالأضحية الواحدة تكون للرجل عنه وعن أهل بيته كافية، ومن كان عنده فضل مال وأراد أن ينفع أمواته فليتصدق به على من كانوا في بلاد أخرى محتاجين للصدقة أكثر ممن كانوا في بلادنا. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وجعلها خالصة لوجهه الكريم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
واعلموا -عباد الله- أن التكبير المقيد لغير الحاج يبدأ من فجر يوم عرفة إلى آخر عصر أيام التشريق، وأما الحاج فيبدأ من ظهر يوم النحر، وأما التكبير المطلق فيكون في عشر ذي الحجة.
اللهم إنّا خرجنا في هذا المكان نرجو رحمتَك وثوابَك، فتقبّل مساعيَنا وزكِّها، وارفع درجاتِنا وأعلها. اللهمّ آتنا من الآمالِ منتهاها، ومن الخيرات أقصاها. اللهم تقبّل ضحايانا وصدقاتنا. اللهمّ تقبّل دعاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهم أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد…
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود:88].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.