عناصر الخطبة
- الزنا من أفحش الفواحش
- مضار الزنا وعواقبه
- غض البصر وقاية من الزنا
- مضار إطلاق البصر
- السلف وغض البصر.
اقتباس ما هو نازل اليوم بالأمة من كثرة الحروب والإرهاب, والفيضانات والزلازل, والأمراض والأدواء المعضلة, كل ذلك بسبب الزنا والإعلان به وشيوعه. فمن أجل عدم الوقوع في هذه الفاحشة النكراء, والجريمة الشنعاء؛ وضع الله -عز وجل- ضوابط وحواجز شرعية, تمنع فتنة أحد الجنسيين بالأخر, وتسد كل طرق وأبواب الفاحشة. فمن هذه الضوابط والحواجز التي وضعها الله -عز وجل-؛ لتكون سياجًا بين الرجل والمرأة لعدم وصول كل منها للأخر, هو غض البصر…
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادى له, واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى, وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثة بدعه, وكل بدعه ضلالة’ وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: مما لا شك فيه أن الزنا هو من أفحش الفواحش؛ لما فيه من تمزيق للأعراض واختلاط للأنساب, من أجل ذلك نهانا الله من الاقتراب منه فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32], وفي مسند الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود قال: "قال رسول الله: ما تقولون في الزنا؟, قالوا: هو حرام حرمه الله -عز وجل- ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة" ولذلك فإن المؤمنين أصحاب النفوس السوية والفطرة السليمة لا يحبون هذا الأمر.
أيها المؤمنون: من استخف بأوامر الله وتعد حدوده ووقع فيما نهاه عنه؛ فقد استحق عقاب الله, فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي قال: "ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل". وقول النبي في الحديث الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم في المستدرك من حديث ابن عمر وهو حديث طويل وفيه: "يا معشر المهاجرين: خمس إن ابتليتم لهن وأعوذ بالله أن تدركوهن؛ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا".
إخوة العقيدة: ما هو نازل اليوم بالأمة من كثرة الحروب والإرهاب, والفيضانات والزلازل, والأمراض والأدواء المعضلة, كل ذلك بسبب الزنا والإعلان به وشيوعه في كل مكان وناد.
فمن أجل عدم الوقوع في هذه الفاحشة النكراء, والجريمة الشنعاء؛ وضع الله -عز وجل- ضوابط وحواجز شرعية, تمنع فتنة أحد الجنسيين بالأخر, وتسد كل طرق وأبواب الفاحشة.
فمن هذه الضوابط والحواجز التي وضعها الله -عز وجل-؛ لتكون سياجًا بين الرجل والمرأة لعدم وصول كل منها للأخر, هو غض البصر. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ(31)﴾ [النور: 30، 31].
وغض البصر معناه: الخفض وإطباق الجفن على العين, بحيث يمنع الرؤيا, وقد يكون بمجرد صرف البصر عن المنهي عنه. قال ابن باز: "فأمر الله -عز وجل- في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار, وحفظ الفروج, وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا, وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين؛ ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب, ووقوع الفاحشة, وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك".
وقال السيوطي في تفسير هذه الآية: "في الآية تحريم النظر إلى النساء وعورات الرجال وتحريم كشفها". وقال ابن القيم: "فلما كان غض البصر أصلاً لحفظ الفروج بدأ بذكره, فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته, وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب. شهوته وإرادته؛ لأن العين مرآة القلب".
أيها الأحبة: فهناك ربط بين غض البصر وحفظ الفرج؛ لأن الوقوع في الفواحش إنما يكون بمقدمات, يأخذه الشيطان خطوة خطوة, ولذلك قال ربنا: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168].
نظرة, خطرة, فكرة, إرادة, عزيمة, فعل، فالشيطان يستدرجه دركة دركة. قال بعض أشياخ الشام: "من أعطى من نفسه أسباب الفتنة أولاً؛ لم ينجو منها وإن كان جاهدًا". وكما روي عن النبي كما عند الحاكم في المستدرك والطبراني: "النظرة سهم من سهام إبليس", فإن السهم شأنه أن يسرى في القلب؛ فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولابد". فغض البصر استعفاف وهو وسيلة لحفظ الفرج والقلب فالعين رائد القلب كما قال بعضهم:
ألم تر أن العين للقلب رائد *** فما تآلف العينان فالقلب آلف
ويقول ابن القيم عن الزنا: "ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدمًا على حظ الفرج, فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر تكون نظرة, ثم تكون خطرة, ثم خطوة, ثم خطيئة فإما اللحظات فهي رائدة الشهوة ورسولها, وحفظها أصل حفظ الفرج, فمن أطلق نظرة أورد نفسه موارد الهلاك, والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ومن آفاته: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات؛ فيرى الإنسان ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه وهذا من أعظم العذاب".
أيها الموحدون: قال الله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19], فإذا عرفوا ذلك فيجب أن يكونوا على تقوى وحذر منه في كل حركة وسكون, وينبغي على العبد أن يستحي من الله أن يراه علي معصية. قال ابن الجوزي: "إنما بصرك يا آخي نعمة فلا تعصي الله بنعمة".
ومعلوم أن إطلاق البصر زنى العينين أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما النظر, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناهما البطش، والرجل زناها الخطأ, والقلب يهوي ويتمني ويصدق ذلك الفرج ويكذبه".
فبدأ الرسول بزنى العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج, وهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصى بالنظر وأن ذلك زناها.
وقد كان السلف الصالح أشد إيمانا وأكثر عملا ومع هذا فإنهم لا يأمنون على أنفسهم فتنة النساء، فكان أنس يقول: "إذا مرت بك امرأة فغض عينك حتى تجاوزك"، وكان الربيع ابن خثيم: "يمشى فمر به نسوة فغض بصره وأطرق؛ حتى ظن النسوة أنه أعمى, فتعوذن بالله من العمى"، وقال وكيع: خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا"، وخرج حسان بن أبي سنان يوم عيد, فلما عاد قالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال: "والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك إلى أن رجعت إليك".
الله اكبر إنها قلوب غفت عن الحرام؛ فعوضها الله خيرا وأذاقها حلاوة الإيمان.
أين هؤلاء ممن يطلقون البصر ليل نهار؟ أين هؤلاء ممن يتابع مشاهد الفجور في التلفاز والفضائيات؟ أين هؤلاء ممن يجلسون على المقاهي والطرقات ينظرون إلى الغاديات والرائحات؟.
سئل الجنيد بما يستعان على غض البصر؟ قال: "بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه". قال الإمام أحمد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب