التوبة إلى الله تعالى

عناصر الخطبة

  1. الحث على التوبة
  2. فضل التوبة
  3. نعمة استقرار الأوطان
  4. فضل الرباط في سبيل الله.
اقتباس

يا من عصا مولاه .. يا من أصمَّه الهوى وأعماه .. يا من قدَّم دُنياه على أُخراه .. يا من كثُرت خطاياه .. يا من أضاعَ الصلاة .. يا من منَعَ حقَّ الله والزكاة .. يا من جمعَ المالَ وأوعَاه وأوكَاه .. يا من كان ظُلمُ الناس سَلوَاه، وإيذاؤهم عادتَه وسِيمَاه. حتَّامَ وأنت في اللهوِ سادِر .. حتَّامَ لا ترعوِي وأنت راحِلٌ عن الدنيا ومُغادِر .. فبادِر بالتوبةِ بادِر .. بادِر عُمرًا دارِسًا، وموتًا خالِسًا، ومرضًا حابِسًا، وهرمًا لابِسًا. يا من يقولُ: أتوبُ غدًا .. كيف تتوبُ غدًا وغدًا لا تملِكُه؟! وغدًا ربما لا تُدرِكُه؟ قدِّم لنفسِك توبةً مرجُوَّةً قبل المماتِ وقبل حبسَ الألسُنِ، بادِر بها غلقَ النفوسِ فإنها ذُخرٌ وغُنمٌ للمُنيبِ المُحسِنِ…

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله لا أبغِي به بدلاً، حمدًا يُبلِّغُ من رَضوانِه الأملا.

وبعدُ:

إني باليقين أشهَد شهادةَ *** الإخلاصِ ألا يُعبَد

بالحقِّ مألوهٌ سِوَى الرحمنِ ***من جلَّ عن عيبٍ وعن نُقصانِ

وأنَّ خيرَ خلقِه مُحمَّدا *** من جاءنا بالبيِّناتِ والهُدى

صلَّى عليه ربُّنا ومجَّدَا *** والآلِ والصحبِ دوامًا سرمدًا

يا ربِّ فاجمَعنا معًا ونبيَّنا *** في جنةٍ تُثنِي عيونَ الحُسَّدِ

في جنَّةِ الفردوسِ فاكتُبها لنا *** يا ذا الجلال وذا العُلا والسُّؤدَدِ

أيها المسلمون:

اتَّقوا ربَّكم؛ فقد فازَ المُتَّقي، وخسِر المُسرِف الشَّقِي.

وعلى التقِيِّ إذا ترسَّخَ في التُّقَى تاجانِ: تاجُ سكينةٍ وجلالِ..

وإذا تناسَبَت الرِّجالُ فلا أرَى نسَبًا يكونُ كصالحِ الأعمالِ..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119].

يا عبد الله:

اعتبِر بمن مضَى، واخشَ مُفاجَئة القضَا، واحذَر نارَ لظَى

وابكِ على ذنبٍ وقلبٍ قد قسَا كالصخرِ من هواهُ لم يستفِقِ

وكُن خميصَ البطنِ من زادِ الرِّبا وخمرةَ التقوَى اصطبِح واغتبِقِ

ولا تُنقِّص أحدًا فكلُّنا من رجُلٍ وأصلُنا من علَقِ

والخُلدُ قد مزَّق أقوامَ سبَا وهدَّ سدًّا مُحكمَ التأنُّقِ

يا نفسُ تُوبِي لم تُخلَقِي عبَثًا ..

يا نفسُ تُوبي قبل أن تُطيلِي تحت الثَّرى اللَّبَثَا ..

يا نفسُ تُوبي قبل أن تسكُني راغِمةً جدَثًا.

أيا نفسُ بالمأثور عن خيرِ مُرسَلٍ وأصحابِه والتابعين تمسَّكِي

وخافِي غدًا يوم الحسابِ جهنَّمًا إذا لفَحَت نيرانُها أن تمسَّكِي

يا من عصا مولاه .. يا من أصمَّه الهوى وأعماه .. يا من قدَّم دُنياه على أُخراه .. يا من كثُرت خطاياه .. يا من أضاعَ الصلاة .. يا من منَعَ حقَّ الله والزكاة .. يا من جمعَ المالَ وأوعَاه وأوكَاه .. يا من كان ظُلمُ الناس سَلوَاه، وإيذاؤهم عادتَه وسِيمَاه.

حتَّامَ وأنت في اللهوِ سادِر .. حتَّامَ لا ترعوِي وأنت راحِلٌ عن الدنيا ومُغادِر .. فبادِر بالتوبةِ بادِر .. بادِر عُمرًا دارِسًا، وموتًا خالِسًا، ومرضًا حابِسًا، وهرمًا لابِسًا.

يا من يقولُ: أتوبُ غدًا .. كيف تتوبُ غدًا وغدًا لا تملِكُه؟! وغدًا ربما لا تُدرِكُه؟

قدِّم لنفسِك توبةً مرجُوَّةً قبل المماتِ وقبل حبسَ الألسُنِ

بادِر بها غلقَ النفوسِ فإنها ذُخرٌ وغُنمٌ للمُنيبِ المُحسِنِ

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، توبةً تكُفُّكم عن الدناءات، وتحجِزُكم عن الخطايا والسيئات، وتحمِلُكم على أداء الفرائِض والواجِبات، وتدفعُكم إلى التدارُكِ وقضاءِ ما فات.

ومن أساءَ إلى مُسلمٍ، أو ظلمَه، أو لطمَه، أو شتَمَه، أو أكلَ مالَه وهضمَه، أو منعَه حقَّه وحرَمَه، فليأتِه مُستعفِيًا مُتذلِّلاً نادِمًا؛ فإما عفَا وإما استوفَى؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من كانت له مظلَمةٌ لأخيه من عِرضِه أو شيءٍ، فليتحلَّله من اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهَم، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذ منه بقدر مظلَمته، وإن لم يكن له حسنات أُخِذ من سيئات صاحبِه فحُمِل عليه" (أخرجه البخاري).

فيا فوزَ من تدارَك أمرَه ما دامَ في مُكنَته، وبادَر بالتوبة قبل حُلُول ساعتِه، وعمِل في دُنياه ما ينفعُه في آخرتِه، وماتَ على التسع صفاتِ الجميلة، والخِلال الجَليلة، الوارِدة في الآية الكريمة من سورة التوبة العظيمة: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112].

جعلَني الله وإياكم ممن تابَ وأناب، وفازَ بحُسن الثواب، وأُدخِل الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ. أقولُ ما تسمَعون، وأستغفِرُ الله فاستغفِرُوه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ساقَ إلينا الخيرات والأرزاقا، ولم يكِلنا إلى سِواه إطلاقًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعدَّ الجنةَ للمتقين والنارَ للطاغين جزاءً وِفاقًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه نصحَ الأمةَ محبَّةً ورحمةً ورأفةً وخشيةً وإشفاقًا، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه الذين بادَروا إلى الخيرات أسباقًا.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:

إنكم تعيشُون في بلدٍ طاهر، وأمنٍ ظاهر، ورزقٍ وافِر، تحت ولايةٍ مؤمنة، تدينُ بالحُكم لكتاب الله وسُنَّة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ودولةٍ قامَت على أساسٍ متينٍ من الدين والتوحيد، والإيمان والسُّنَّة والشريعة، والوحدة واللُّحمة، والحِكمة والقوَّة.

فاحمَدوا الله على هذه النعمة العظيمة، والمنَّة الجَسيمة، بمُلازمة طاعتِه، والحذَر من معصيتِه.

وصُونوا بلدَكم وأمنَكم ولُحمتَكم من السُّفهاء العابِثين، والخوارِج المارِقين، وأربابِ الفتنةِ الضالِّين، الذين يسعَون إلى نشر الفوضَى في ديارِكم، وزعزَعَة الأمنِ والاستِقرار في رُبُوعِكم.

ونمُدُّ أيديَنا لقائِدنا وإمامِنا ووليِّ أمرنا خادمِ الحرمين الشريفين: الملكِ سلمان بن عبد العزيز، رجُل الحزم والحسم والعزم، ونقولُ: نحن على العهد والوفاء، والولاء والانتِماء، ونحن العُدَّة وقت الشدَّة، ونحن الفِداء لأمن بلادنا ووطنِنا: المملكة العربية السعودية.

ونُبارِك الإنجازات الأمنية في تتبُّع الفئة الضالَّة، ونُبارِك الأوامِر الملكيَّة التي تهدِفُ إلى توطيد الحُكم وإرسائِه، وتثبيتِ بُنيانه وأركانِه.

ونُبايِعُ صاحبَ السُّمُوِّ الملكيِّ: الأميرَ محمدَ بن نايِف بن عبد العزيز وليًّا للعهد.

ونُبايِعُ صاحبَ السُّمُوِّ الملكيِّ: الأميرَ محمدَ بن سلمان بن عبد العزيز وليًّا لوليِّ العهد. واللهَ نسألُ أن يمُدَّهما بالعون والتوفيق والتسديد.

أيها الأبطالُ المساعِير، والأمجادُ المغاوير .. أيها الجُندُ المُوحِّدون .. المُرابِطون على حُدود مملكتِنا الحبيبة: أنتُم فخرُنا وعزُّنا، وحِصنُنا ودرعُنا. هنيئًا لكم شرفُ الدنيا وثوابُ الآخرة.

فعن سلمان – رضي الله عنه -، قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "رِباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيامِ شهرٍ وقيامِه، وإن ماتَ جرَى عليه عملُه الذي كان يعملُه، وأُجرِيَ عليه رِزقُه، وأمِنَ الفتَّان" (أخرجه مسلم).

وعن ابن عباسٍ – رضي الله عنها -، قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "عينانِ لا تمسُّهما النار: عينٌ بكَت من خشيةِ الله، وعينٌ باتَت تحرُسُ في سبيلِ الله" (أخرجه الترمذي).

اللهم احفَظ علينا أمنَنا ووحدتَنا، واستِقرارَنا يا رب العالمين.

اللهم احفَظ جنودَنا المُرابِطين على الثُّغور، اللهم احفَظ جنودَنا المُرابِطين على الثُّغور، اللهم قوِّ عزائِمَهم، وسدِّد سِهامَهم، واكبِت أعداءَهم، وانصُرهم على القومِ المُجرمين، اللهم تقبَّل قتلاهم في الشهداء، واشفِ جرحاهم يا سميع الدعاء.

اللهم من أرادَنا وبلادَنا وبلادَ المسلمين بسُوءٍ، اللهم فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه يا رب العالمين، اللهم اقتُله بسلاحِه، وأحرِقه بناره يا رب العالمين، اللهم اكشِف سِرَّه، واهتِك سِترَه، وأبطِل مكرَه، واكفِ المسلمين شرَّه، واجعَله عبرةً يا رب العالمين.

اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهد ووليَّ وليِّ عهده لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.

اللهم انصُر جُندَ أهل التوحيد، اللهم انصُر جُندَ أهل التوحيد على جُند أهل الشرك والوثنيَّة والتنديد يا رب العالمين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا يا رب العالمين.

اللهم انصُر أهلَنا في فلسطين على اليهود الغاصِبين يا رب العالمين.

اللهم انصُر أهلَنا في الشام، اللهم انصُر أهلَنا في الشام، اللهم انصُر أهلَنا في الشام يا رب العالمين، اللهم حقِّق الأمنَ لأهلنا في اليمَن يا رب العالمين، عاجِلاً غيرَ آجِلٍ يا كريم.

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ بشير الرحمة والثواب، ونذير السَّطوة والعقاب، الشافعِ المُشفَّع يوم الحساب، وعلى جميع الآل والأصحاب.