بطاقة المادة
المؤلف | غالي مساعد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
حرص السلف على الثبات وخوفهم من النفاق | العربية |
الثبات على الدين (2) | العربية |
الثبات في زمن المتغيرات | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسالناس في سيرهم إلى الله -تعالى- يحتاجون إلى الثبات على دين الله -جل وعلا-، حتى يخرجوا من هذه الدنيا بسلام، ليدخلوا الجنة دار السلام، وهم محتاجون كذلك وهم يعيشون على ظهر هذه الأرض أن يساهموا في نصرة دين الله -تبارك وتعالى-، وفي تحقيق التمكين لدين الله -جل وعلا- في المشارق والمغارب، والذي..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -جل وعلا- من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام: 134].
فيا أيها المؤمنون -عباد الله-: فعنوان الخطبة: "إشارات للسالكين على طريق الثبات والتمكين".
الناس مسافرون إلى الله -تبارك وتعالى-، فعليهم أن يلتزموا الطريق الذي توصلهم إلى ﴿جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(55)﴾ [القمر: 54 – 55].
الناس في سيرهم إلى الله -تعالى- يعيشون على ظهره هذه الأرض، محتاجون إلى الثبات على دين الله -جل وعلا- حتى يخرجوا من هذه الدنيا بسلام، ليدخلوا الجنة دار السلام، وهم محتاجون كذلك وهم يعيشون على ظهر هذه الأرض أن يساهموا في نصرة دين الله -تبارك وتعالى-، وفي تحقيق التمكين لدين الله -جل وعلا- في المشارق والمغارب، والذي ينبغي أن يكون هذا الهم، هو هم كل مسلم يعيش على ظهر هذه الأرض، أن يكون همه الأول: أن ينتشر دين الله -تبارك وتعالى-، وأن يمكن لدين الله -عز وجل- في الأرض؛ كما قال ربعي بن عامر -رضي الله عنه وأرضاه- لما قال له رستم قائد الفرس: "ما الذي جاء بكم؟" قال: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
كانت هذه الكلمات وأمثالها تخرج من أفواه الصحابة الكرام، وتتكلم بها ألسنتهم، يعبر فيها عن مدى حبهم، وصدق انتمائهم لدين الله -تبارك وتعالى-.
كانت هذه الكلمات وأمثالها تخرج من أفواه الصحابة الكرام، وتتكلم بها ألسنتهم، يعبر فيها عن مدى حبهم، وصدق انتمائهم لدين الله -تبارك وتعالى-.
هذا أبو بكر الصديق الخليفة الأولى -رضي الله تبارك عنه وأرضاه- كان آخر ما قال في وصيته لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- قال كلمات رائعات خلدها التاريخ وهو يوصي الأمة بضرورة الاهتمام بالدين، وأن يجعل هم الدين هو الهم الأول، قال رضي الله عنه لعمر بن الخطاب: "يا عمر اسمع ما أقول لك، واعمل بما أقول لك، إني لأرجو أن ألقى الله -تبارك وتعالى- في هذا اليوم"، وكان هذا اليوم يوم الاثنين قال: "إني لأرجو أن ألقى الله" أي أموت في هذا اليوم، قال: "فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى" أي حتى تخرج الناس المثنى بن حارث في الجهاد في سبيل الله: "فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، ولا تشغلن مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم -جل في علاه-".
كانت هذه الوصية وأبو بكر الصديق ينام على فراش الموت، وهو قبيل أن يدخل في سكرات الموت كلمات تنبض بحب الله -جل وعلا-، كلمات تنبض بمحبة هذا الدين، وبأنهم عاشوا من أجل هذا الدين، وهم يودعون الحياة، كذلك يوصون من ورائهم على أن يتمسكوا بهذا الدين، وعلى أن يعملوا من أجل هذا الدين.
لذلك -عباد الله- كانت هذه الإشارات إشارات على الطريق للسالكين لكل من أراد أن يثبت على طريق الله -تبارك الله-، ولكل من أراد أن يساهم في تحقيق التمكين لدين رب العالمين -جل جلاله-، وتقدست أسماؤه-، من أول أمور -عباد الله- التي تعيننا بإذن الله -تبارك وتعالى- على الثبات على هذا الدين الذي كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، هو أول من يحرك حلق الجنة بيديه، وأول من يدخل الجنة صلوات الله وسلامه عليه، كان يقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- على جلالة قدره يقول هذه الكلمات، فكيف بنا -عباد الله-؟!
نحن -والله- محتاجون أشد الاحتياج إلى أن نثبت على طريق الله -تبارك وتعالى- فإلى من يريدون الثبات على الدين، والذي هو أصل الثبات أنت محتاج إلى أن تثبت على الدين أنت محتاج إلى أن تلقى الله -عز وجل- وأنت على هذا الدين، فينبغي أن تبذل كل ما في وسعك لتثبت على طريق الله -تبارك وتعالى-، فإذا أردت الثبات فلتزم الإخلاص لله -عز وجل- في القول والعمل، ولتلزم الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال، قال الله -جل وعلا-: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23].
محتاج أنت لتثبت على طريق الله -تبارك وتعالى-، أن تخلص أعمالك لله تبارك وتعالى- أن تكون أعمالك كلها خالصة لوجه الله -جل وعلا-، وكذلك أن تكون عندك العزيمة التي تتحرك بها، صدق العزيمة الذي يدفعك إلى الأمام لتنال أعلى الدرجات في الدنيا وفي الآخرة، في مرضات الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
محتاجون -عباد الله- لنثبت على طريق الله -جل وعلا-، ولنساهم في تحقيق التمكين لدين الله -تبارك وتعالى-، محتاجون كذلك إلى حركة قوية في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، إلى أن ننطلق بكل قوة نحو تحقيق الدعوة إلى الله -جل وعلا- في كل مكان على ظهره، هذه الأرض، ولنستمع إلى هذه الآيات العظيمات البينات التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول أمر النبوة نزل قول الله -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7)﴾ [المدثر: 1 – 7].
كانت الآيات في أول سورة المزمل تحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الاجتهاد في العبادات، وعلى تزكية القلب بقيام الليل وغيره.
ثم جاءت آيات سورة المدثر لتحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الانطلاق في واقع الحياة، على الانطلاق في دنيا الناس ليخرج الناس من ظلمات الكفر والشرك والجهالة، إلى نور التوحيد والإيمان.
هذه الآيات التي هي رسائل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي كذلك رسائل لكل من اتبع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليحقق هذه الآيات في واقع عملي.
واسمع إلى هذا النداء: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ المدثر والمزمل بمعنى واحد: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر:1] ﴿قُمْ﴾ أي قم الآن ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ بلغ دعوة ربك -تبارك وتعالى- إلى الناس أجمعين، قم لا تتأخر، لا تتراجع إلى الوراء، قم الآن وتحمل هذه المسئولية: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3)﴾ [المدثر:1 – 3]، وأنت تدعو الناس إلى دين الله -جل وعلا- ينبغي أن يكون عنوانك تعظيم الله -جل وعلا- في نفسك، وأن تنقل هذا التعظيم إلى من تدعوه إلى الناس؛ لأن حياة الناس لم تصلح إلا إذا قاموا بالتعظيم لله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4)﴾ [المدثر: 1 – 4]، طهر ثيابك من النجاسات، وطهر أعمالك كذلك من المخالفات: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5)﴾ [المدثر: 4 – 5]، اهجر الأصنام، اهجر الأوثان، اهجر المذاهب الفاسدة، والآراء الباطلة، وتمسك بالمنهج الحق الذي هو منهج الإسلام الذي هو كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
بهذا المنهج سوف تنصلح الحياة جميع الحياة -بإذن الله -تبارك وتعالى-، الكون لن ينصلح على مستوى الأفراد والجماعات إلا إذا كان المنهج الذي ينتهجه الناس هو منهج الإسلام هو كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لتعلموا -عباد الله- أن التغير لن يحصل في المجتمع بالدساتير والقوانين هذه ربما تكون عوامل مساعدة أم التغير على الحقيقة، فلن يتحقق على ظهر هذه الأرض إلا بالعمل الدعوي التربوي، إلا بمنهج سليم وهو كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينها سوف يتغير الأفراد، وحينها سوف تتغير الجماعات -بإذن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ(6)﴾ [المدثر: 1- 6]، إياك أن تمن على الناس بما تسديه إليهم من الإحسان، إياك أن تمن على الناس بدعوتك لهم إلى طريق الله -تبارك وتعالى-.
بل ابذل وقتك وجهدك ودعوتك لتنال رضا الله -تبارك وتعالى-، لا تريد من أحد جزاءً، ولا شكوراً، هذه هي القلوب التي تستحق أن يُمكن لها بإذن الله -تبارك وتعالى-، أما القلوب التي تبذل من أجل تحصل على مكاسب، ومن أجل أن تحصل على مال، ومن أجل أن تحصل على سلطان وجاه، فلست جديرة بالنصر والتمكين.
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7)﴾ [المدثر: [المدثر:3 – 7] الصبر ينبغي أن يكون ملازماً لكل من صار في طريق الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه حتما ولا بد سوف تأتيه أقدار مؤلمة قدرها الله -تبارك وتعالى- عليه، فلا بد أن يصبر عليها، وأن يقابل هذه الأقدار المؤلمة كالموت والمصائب والأمراض، وغيرها ينبغي أن يقابل ذلك بحسن الأدب، بالرضا عن الله -تبارك وتعالى- والحمد لله -تبارك وتعالى- على السراء والضراء.
وكذلك هو محتاج أن يصبر كذلك على الطاعات، وهو يؤديها، فالطاعات فيها مشقة على النفس التي تميل إلى الراحة، وتريد الكسل، وتريد النوم، فإن لم تصبر أنت إلى الطاعات، وخلدت إلى الراحة، ضيعت من نفسك خيرات عظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذه المعاصي والمنكرات والفواحش التي تنتشر إن لم تكن صابرًا عنها، مبتعداً عنها، فسوف تقع فيها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لذلك الصبر ينبغي أن يكون أمام عينيك؛ لتثبت على طريق الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، لتؤدِ دورك وواجبك في الدعوة إلى الله -جل وعلا-، لتصل إلى أعلى الدرجات بهذه الأوامر، وهذه المهام التي حددها ربنا -تبارك وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.
محتاجون نحن -عباد الله- إلى انطلاقة قوية في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، لتعم الدعوة جميع أركان المعمورة، لا تترك أحدا مسلما كان أو غير مسلم، لا تترك أحدًا برًا كان أو فاجرًا، لا تترك أحدًا رجلاً أو امرأة، لا تترك أحدًا شيخًا أو شابًا، أو حتى طفلاً صغيراً.
ادع إلى الله -تبارك وتعالى-، ابذل وقتك، ابذل مالك، ابذل جهدك، لتنال هذا المجد في أن تساهم في تغيير هذه الحياة، ولن تتغير إلا بعمل دعوي تربوي إيماني، يبذل على أرض الواقع، ويعيشه الناس واقعاً ملموساً.
ولك في صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم- قدوة حسنة، هذا أبو بكر الصديق، وما أدراكم ما أبو بكر الصديق، أبو بكر الصديق كان سيد من سادات قريش، كان نسابة العرب، كان تاجر من التجار العظماء، كان واحد ممن يشار إليهم بالبنان في مكة المكرمة، أي كان معروف عند العرب، وكان بيته بنو تيم منتسباً إلى قبيلة قريش، لكن يوم أن تكلم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بكلمة الإسلام، ودعا الناس إلى الدخول في دين الله -تبارك وتعالى-، كان هو أول المسارعين في مكة والمسلمين قليل، والمشركون كثير، كان المسلمون 38 فقط عدد قليل، بجانب العدد الكثير الذي كان هو عدد المشركين في مكة.
وأبو بكر الصديق يلح على الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يظهر الإسلام، وأن يخرج مع المسلمين عند البيت الحرام، ليظهر الإسلام، ونحن على الحق، فلماذا لا نظهر هذا الحق؟
صار حب الدين في دمائه، واختلط بدمه ولحمه وعظمه، صدق في إيمانه بالله -تبارك وتعالى-.
أبو بكر الصديق يأتي يوم القيامة وفي ميزان حسناته خمسة من العشرة المبشرين بالجنة -رضي الله تعالى عنه-.
اسمع إلى هذا الموقف العجيب لما ألح على الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- ليخرج هو والمسلمون ليأتوا البيت الحرام، لينشروا، وليظهروا دين الله -تبارك وتعالى-، فألح على الرسول -صلى الله عليه وسلم- والرسول يقول: إنا قليل، فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق، فلما وصلوا إلى البيت رفع أبو بكر -رضي الله عنه- صوته يدعو إلى الله -تبارك وتعالى-، ويخبرهم برسالة الرسول -عليه الصلاة والسلام- فكان أول خطيب في الإسلام، أول داع إلى الله -تبارك وتعالى- في الإسلام -رضي الله عنه-.
فما كان جزاؤه؟
اجتمع عليه المشركون السفهاء، وغيرهم، وجعلوا يضربونه ضرباً عنيفاً، حتى أتاه عتبة بن ربيعة -لعنة الله عليه-، وأمسك نعله، وجعل يضربه بحرف النعل، على وجهه ضرباً شديداً، حتى ما كان يعرف وجهه من قفاه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
أبو بكر الصديق نسابة العرب، سيد من سادات قريش، وهو ثاني اثنين، وهو الصديق الأكبر، وهو أفضل الأمة بعد رسولها، يضرب على وجهه بالنعال؛ من أجل تبليغ رسالة الإسلام، فماذا قدمت أنت لدين الله -تبارك وتعالى-؟
ثم اعجب إذا أردت أن تعجب؛ لما حدث بعد ذلك؛ ينقل أبو بكر إلى بيته، وبنو تيم لا يشكون أن أبا بكر الصديق ميت الآن؛ فقالوا: لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، وجعل أبو قحافة يكلمه، وجعل بنو تيم يكلموه، حتى أفاق أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، فلما أفاق كان أول كلمة تلفظ بها: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
انظر وتأمل إلى المحبة الحقيقية لدين الله -تبارك وتعالى-، انظر وتأمل إلى المحبة الحقيقة لربنا -تبارك وتعالى-، انظر وتأمل إلى المحبة الحقيقية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
محتاجون نحن إلى مثل هذه الروح في واقع الحياة، لننشر الخير، لندعو إلى الله -تبارك وتعالى.
بهذه الدعوة سوف تتغير الأرض -بإذن الله جل وعلا-، بهذه الدعوة سوف تفتح البلاد، وقلوب العباد -بإذن الله تبارك وتعالى-.
لا تظن أن الدساتير والقوانين سوف تحقق التغير المنشود على ظهر هذه الأرض، إنما التغير المنشود، يتحقق بمنهج الأنبياء، بالدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، بالتحرك العظيم في كل مجال في كل مكان في كل زمان، مع كل فئة، مع كل أحد تبذل الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
انظر إلى هذا السلطان -رحمة الله عليه- السلطان جمال الدين وابنه رشيد الدين أحد سلاطنة المسلمين الذين كانوا يعيشون في بخارى التي هي في بلاد آسيا، والتي وصلها الإسلام بفضل الله -تبارك وتعالى- بسبب خلق التجار المسلمين لم تفتح بسيف، لم تفتح بحرب، إنما فتحت بالدعوة إلى الله -جل وعلا-.
سل بلاد آسيا كيف دخلها تنبيك بأن الإسلام إنما دخلها بسلوك التجار المسلمين الذين وصلوا إلى تلك البلاد، فدعو إلى الله -تبارك وتعالى- فاخضرت البلاد من حولهم بدين الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
البخاري ومسلم وغيرهما من ثمرات الصحابة والتابعين الذين تحركوا في المشارق والمغارب، وفتحوا المشارق والمغارب بلا إله إلا الله.
السلطان جمال الدين تأمل كان سبباً في خير عظيم، عما على البشرية كلها، انظر وتأمل إن هذا السلطان وابنه رشيد الدين كانا سبباً في دخول التتار إلى دين الإسلام، التتر الذين جاؤوا ودخلوا بغداد عاصمة الخلافة، وقتلوا الخليفة العباسي، وقتلوا مليونا من المسلمين، وخربوا البلاد، وظن الناس أن لا قيام للإسلام بعد هذا اليوم، بعد أن دخل التتار، وعاثوا في الأرض الفساد.
والمسلمون لا جيش، لا سيف، لكن معهم دين عظيم، ومنهج قويم، يفتح قلوب العباد قبل البلاد، بفضل الله -تبارك وتعالى-، السلطان في رحلة صيد، فيدخل يوماً من الأيام حدود بلاد تسمى: كشغر، وهذه كان يحكمها تغلق تيمور خان، وكان سلطان تتري، كان يحكم هذه البلاد السلطان جمال الدين، يدخل يوماً حدود هذه البلاد في رحلة صيد، فيقبض عليه، ويذهب به إلى تغلق تيمور خان، وهو حاكم تلك البلاد، فيقول: كيف سولت لكم أنفسكم أن تدخلوا حدود بلادي؟ وكيف دخلتم حدود بلادي؟ فقال له الأمير جمال الدين: لو لم نكرم بهذا الدين الحق، فسوف تكون الكلاب أفضل منا.
فظل الأمير التتري ينظر إلى الكلمات، يأملها في رأسه، يقلبها، حتى تفكر فيها، فاستدعي هذا السلطان جمال الدين، فكلمه الأمير جمال الدين عن الإسلام، وعن عظمة الإسلام، وحذره من الكفر، حتى قذف الله -تبارك وتعالى- في قلب هذا الأمير الذي كان أميراً وسلطاناً من سلاطين التتر، ثم أشار عليه الأمير جمال الدين أن لا يدخل في الإسلام الآن، حتى يدخل معه قومه وقبل أن يموت الأمير جمال الدين أوصى ولده رشيد الدين، قال: بأن هذا السلطان تغلق تيمور خان سوف يكون يوماً حاكماً وسلطاناً كبيراً، فإذا علمت أنه تولى الحكم، فاذهب إليه، وذكره بوعده لي أنه سوف يعتنق الإسلام، فلما سمع بأنه تولى الملك، ذهب إليه رشيد الدين، وأخبره بما قاله أبوه جمال الدين، أنه عليه أن يعتنق الإسلام، وأن يدعو قومه، فاعتنق الإسلام، ودخل قومه كلهم في دين الله -تبارك وتعالى-.
فعلت بالدعوة إلى الله -تبارك وتعالى باللسان- والقول، ما لم تفعله السيوف والخيول.
تأملوا -عباد الله- الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- لا ينبغي لصاحبها أن يمل أو أن ييأس من أي أحد يدعوه إلى دين الله -تبارك وتعالى-.
محتاجون إلى أن ننطلق في هذه الحياة، لننشر دعوة الله -تعالى-، في المشارق والمغارب، فالناس محتاجون إلى الإسلام أشد من احتياجهم إلى الماء والهواء.
فنسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدون إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: فتاريخ الإسلام ملآن بالنماذج الرائعة التي صدقت في انتمائها لدين الله -تبارك وتعالى-، والتي تحركت لتنشر دين الله -عز وجل- في المشارق والمغارب.
هذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- يقول عنه عبد الله بن مسعود فيما رواه البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده عن ابن مسعود، قال: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر".
الله أكبر! كان إسلام عمر -رضي الله تبارك وتعالى- فتحاً، كانت هجرته نصراً، كانت إمارته رحمة بأمة محمد -صلوات الله وسلامه علي نبينا محمد-.
فانظر إلى الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- كيف ترفع أصحابها، إلى الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- كيف تخلد ذكرى أصحابها؛ لأنهم كما عملوا على رفع راية الله -تبارك وتعالى-، وعلى أن يعبد الله -عز وجل- وحده، لا شريك له، فكذلك سوف يخلد ذكرهم في الخالدين -بإذن رب العالمين جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
فبالحركة القوية، بالدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، والعمل الدؤوب المستمر، في بناء الشخصية المسلمة المتكاملة المتوازنة، عقيدة علماً إيماناً عملاً، في العقيدة، في الأخلاقيات، في السلوكيات، في الآداب، وغيرها، هذا هو الطريق -بإذن الله تبارك وتعالى- لبناء المجتمعات التي سوف تكون جديرة بأن يحقق لها التمكين -بإذن رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
ليعلم الجميع أننا لن ثبت على هذا الطريق -عباد الله- فلا بد لنا كذلك من التعاون بيننا، من الاجتماع، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، وأنت محتاج لتشارك الجميع، ولتتعاون مع الجميع، حتى ينتصر دين الله -تبارك وتعالى-.
شعورنا بأننا متعاونون، وكأننا كالرجل الواحد، هذا يحقق لنا القوة -بإذن الله- في واقع الحياة، انس نفسك لا تقل أين أنا؟ لا، إنما عملك يكون خالصا لوجه الله -تبارك وتعالى-، لا يهمك هل أثنى الناس عليك أم لا، إنما المهم أن تكون معروفا عند الله -تبارك وتعالى-.
ابذل وقتك وجهدك في سبيل الله -جل وعلا- ولا تبحث عن ذاتك، ولا تبحث عن أن تكون لك الشهرة والثناء، وأن يكون لك المنصب والجاه، لا، تحرك في الأرض، ما ضر مؤمن آل فرعون أننا لا نعلم اسمه، ما ضر مؤمن آل يس أننا لا نعلم اسمه، لكنه قد خلد ذكره في القرآن الكريم بفضل الله -تبارك وتعالى-.
فلتكن أمثال هؤلاء القوم، فلتكن أمثال صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين- الذين ما كانوا يبحثون عن ذواتهم، إنما كانوا يبحثون عن نصرة دين الله -تبارك وتعالى-، فلهذا عملوا، ومن أجل هذا تقدموا، لم يقل: لماذا تقدم فلان؟ أو لماذا تولى فلان؟ خالد بن الوليد كان فارساً لا يشق له غبار، لم يهزم لا في جاهلية ولا في إسلام، قائماً بدين الله -تبارك وتعالى- مجاهداً في سبيل الله -جل وعلا- يأتيه الأمر من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- بعزله، وأن يتولى أبو عبيدة بن الجراح قيادة جيش المسلمين، فهل تراجع؟ هل اعترض؟ هل أحدث فجوة في صفوف المسلمين؟ لا، بل استجاب في التو وفي اللحظة، وانطلق عاملاً في سبيل الله -تبارك وتعالى-.
هذا حال المخلصين لدين الله -تبارك وتعالى-، هذا حال المخلصين في سعيهم إلى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
نحتاج كذلك -عباد الله- لنثبت على هذا الطريق، ولنساهم في تحقيق التمكين، أن نكثر من الدعاء، ولنلجأ إلى الله -تبارك وتعالى-، والقرب من الله -تبارك وتعالى-: ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17].
الدعاء سلاح تتغير به الموازين، بإذن رب العالمين، دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر الكبرى، حتى سقط رداءه، فكان النصر والتمكين والمدد من رب العالمين.
فلا تنس نفسك من الدعاء، ادع لنفسك ولإخوانك في مشارق الأرض ومغاربها، وليكن سعيك أكثر في أن تحقق نصراً وتمكيناً لدين رب العالمين -سبحانه تبارك وتعالى-.
ساهم بنفسك، بجهدك، بمالك، بوقتك، حتى ينتشر الإسلام، وحتى تنتشر الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- في المشارق والمغارب.
نسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء.
المؤلف | غالي مساعد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
حرص السلف على الثبات وخوفهم من النفاق | العربية |
الثبات على الدين (2) | العربية |
الثبات في زمن المتغيرات | العربية |