بطاقة المادة
المؤلف | عمر القزابري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
من أسرار سورة الكهف | العربية |
خطر العين استلهامًا من سورة الكهف | العربية |
سورة الكهف | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسالعين حق لا شك فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وبالوقائع المتكررة، يقول الله عز وجل لنبيه: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)﴾ [القلم: 51- 52] أي يعينونك بأبصارهم. قال ابن كثير رحمه الله: “وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌّ بأمر الله عز وجل” ..
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
معاشر الصالحين: نواصل سياحتنا الماتعة في ظلال سورة الكهف السورة العظيمة الكريمة؛ نستجلب الأنوار ونستخرج ما تيسر من الأسرار، ولا ندعي الإحاطة بأسرارها أو التمكن من أخبارها فأنى لنا ذلك.. ولكن نطرق أبوابها ونستعطف مُنَزِّلها أن يأذن لنا بالاقتراب من حياضها ورياضها، وذلكم والله هو غاية المنى وعين الشرف، فالتعاطي مع الكتاب من أعظم الأسباب للاقتراب من رب الأرباب، والتعاطي مع الكتاب يزيل الغشاوة عن الأعين العليلة الكليلة التي غطتها المحن وأعمتها الفتن التي عمت وطمت من منكرات وشهوات وعداوات وإعجاب كل ذي رأي برأيه حتى صدق فينا قول أبو العلاء المعري:
فكأننا في فلاة ضل راكبها *** نهج الطريق وما في القوم خريت
والخريت هو الدليل الذي له علم بطرق الصحراء ومسالكها..
والمؤسف أن الدليل بين أيدينا، دليل النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، ولكن الناس في غفلة عن هذا النور وهذه الهداية إلا من رحم الله.
نقف اليوم عن أمر عظيم أشارت إليها السورة، وقد يمر أغلبنا عليه في هذه السورة فلا يلتفت إليه، قال الله في سورة الكهف حكاية عن الرجل الصالح في قصة صاحب الجنتين ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا﴾ [الكهف: 39]، هذه الآية الكريمة إذا عرج عليها الكثير من المفسرين يتحدثون عن العين وضررها وخطورتها؛ لأن الله حكى عن هذا الرجل المؤمن قوله لصاحبه: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: 39] أي أنه يندب ويستحب للمسلم إذا رأى ما يعجبه في ماله أو لده أو مركبه أو في نفسه أو في غيره من إخوانه المؤمنين أن يقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استُغسلتم فاغسلوا» رواه مسلم في صحيحه.
والعين من الغيب الذي نؤمن به ولا ندرك حقيقته؛ لأنها تقع من غير إحساس منا، بمعنى أن الإنسان لا يرى ذلك الأمر، وإنما يرى أثر عين العائن على المعيون.
إنها سهم من السهام المسمومة عياذًا بالله، وقد عرف العلماء الإصابة بالعين على أنها نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر.
وقال آخرون: قد تصيب العين بحسد، وقد تصيب بغير حسد بمجرد الإعجاب إذا لم يبّرك هذا الناظر، يعني يقول ما شاء الله أو تبارك الله.
ولقد أصيب بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية التي هي حصون مكينة فتناثرت جثث، وتهالكت أجساد، وتردت نفوس، وتعطلت مواهب من جرائها..
ولقد صدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين» رواه البخاري في تاريخه والبزار في مسنده.
وقال عليه الصلاة والسلام في العين: «تورد الرجل القبرَ، وتُدخل الجمل القدر» رواه أبو نعيم في الحلية وحسنه الشيخ الألباني.
عباد الله: العين حق لا شك فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وبالوقائع المتكررة، يقول الله عز وجل لنبيه: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)﴾ [القلم: 51- 52] أي يعينونك بأبصارهم. قال ابن كثير رحمه الله: "وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حقٌّ بأمر الله عز وجل".
ومما يدل كذلك على أن العين حق قول ربنا: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ(5)﴾ [سورة الفلق]، قال قتادة: "أي من شر عينه ونفسه"، وقال ابن القيم رحمه الله: "كل عائن حاسد".
ومن لطائف هذه السورة أن بعض العامة اليوم يقولون للحاسد إذا نظر إليهم "الخمس على عينك" أو ما شابه ذلك، ويشيرون بالأصابع الخمسة، وهذا مخالف للسنة، فالمراد بالخمس آيات سورة الفلق؛ إذ كلها خمس آيات، وهي تُقرأ ويُتحصن بها.
معاشر الأحباب: لقد جاءت السنة مؤكِّدة للقرآن ومفسِّرة له، ولقد قال المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "العين حق".
وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: "اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار [ وهو وادٍ من أودية المدينة]، فنزع جُبّة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر إليه، قال: وكان سهل رجلاً أبيض، حسن الجلد، فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، قال: فوُعِكَ سهل مكانه، واشتد وعكه وسقط.. فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه، فقيل له: ما يرفع رأسه؟ فقال محتجًّا: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت ألا برّكت اغتسل له» فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاريه في قدح، ثم صُب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته. رواه مالك والنسائي وأحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وأنا أريد أن أقف عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعامر رضي الله عنه محتجًّا عليه: «علام يقتل أحدكم أخاه»؟ فقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم العين بآلة القتل والنظرة الصادرة منها بالقتل.
إننا -أيها الأحباب- أمة الأدب أمة الأخلاق، أمة الذوق، في كل حركاتنا وسكناتنا وأقوالنا وأفعالنا، ولكن مع الأسف الكثير من المسلمين لا يتأدبون بآداب الإسلام، ولا يختارون الألفاظ المناسبة إذا رأوا عند أحد نعمة من النعم فيشرّحونه بالقول، وربما يستكثرون عليه نعمة الله..
كأن يروا عند أحد قوة فيقولون له: "ما هذه القوة"؟! دون أن يباركوا، أو سيارة أو بيت أي مظهر من مظاهر نعمة الله وربما يتضايقون، ويظهر ذلك جليًّا في أعينهم وفي أقوالهم، والمفروض في المؤمن الطاهر الصادق الموصول بالله أن تكون نفسه رحيمة بإخوانه المؤمنين وأن يكون شفيقًا عطوفًا عليهم كما وصف الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29].
والمفروض في المؤمن أن يكون خفيفًا سهلاً ليّنًا حسن القول، كالنسمة الباردة في حر الصيف لا أن يكون ثقيلاً تكرهه النفوس إذا رأيته قرأت قول الله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ [الدخان: 12].
إذًا هذا الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن من أعظم العلاج للعين بعد وقوعها أن يغتسل العائن ثم يسكب على جسد المعيون.
وقال صلى الله عليه وسلم مرة لأسماء بن عميس: «ما لي أري أجسام بني أخي ضارعة؟ -أي نحيفة- تصيبهم الحاجة»؟! يعني عندهم فقر حاجة، قالت: لا ولكن العين تسرع إليهم قال: «ارقيهم»، قالت: فعرضت عليه، يعني عرضت عليه رقيتهم، فقال: «ارقيهم» رواه مسلم.
إن الله تعالى هو خالق الأسباب، وهو الذي جعل لتلك الأسباب مسببات، وهو قادر على أن يمضيها، قادر على أن يمنعها، فلا يقع شيء في الكون إلا بعلمه، ولا يخرج شيء عن قدرته وإرادته.
جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وإخوانه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
معاشر الصالحين: ثم اعلموا رحمكم الله أن العين عينان، عين إنسية وعين جنية، وقد « كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان، ثم من أعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك» رواه الترمذي وابن ماجه.
وقد يصيب الإنسانُ نفسَه بالعين إذا رأى منها ما يعجبه، واستقى بعض أهل العلم ذلك من قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه﴾ [الكهف: 39] وهي الآية التي عليها مدار خطبتنا اليوم..
ولقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن مَن عُرف بالعين، يعني عُرف بأنه يضرّ الناس بعينه أو يؤذي الناس بعينه، فإن ولي الأمر يحبسه، ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت، قال ابن القيم رحمه الله: "وهذا هو الصواب قطعًا".
وما ذاك يا عباد الله إلا لعظم هذا الأمر وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به، وهدم الأسر والبيوت.
أيها الأحباب: لقد ظهرت طوائف من المعنيين بالثقافة والطب، ممن قل نصيبهم من نصوص الكتاب والسنة، فأبطلوا أمر العين، وادعوا أنها مجرد أوهام وأطياف خيال.
إن الإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسعت علومه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والتسليم لنصوصه أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظم نعمة الدين الصحيح والعقل الصريح، فلا دين بلا عقل، ولا عقل بلا دين.
إن المستنكَر يا عباد الله حقًّا هو طريقة التعاطي مع العين، فقد ظن بعض السذج أن ليس للعين سبيل إليهم بمجرد أن يعلق أحدهم تميمة أو ودعة أو نابًا أو تعاويذ ورقى ملفقة ينسجها لهم أدعياء الكهانة والشعوذة الذين يخدعون الناس، ويدّعون أنهم يعالجون، وأن لهم خصوصية في نفع رقاهم وتعاويذهم؛ لأنهم أخذوها عن شيوخهم مما يخالف سنة رسول الله وكل ذلك لا أصل له في الدين، بل هو بدعة وضلال مبين.
بل إن الأمر فيه خطر عظيم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» رواه أحمد وأبو داود.
فكثير من الناس يعلقون التمائم على أولادهم وعلى أنفسهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلق شيئًا وُكل إليه» رواه أحمد والترمذي.
والتعلق يكون تارة بالقلب كالاعتقاد في رقية فلان، أو التعلق بها من دون الله وأنها تشفيه، ويكون التعلق كذلك بالفعل كم يعلق تميمة أو خيطًا، أو ما يوضع اليوم على السيارات من الأشياء الغريبة التي يعتقد أصحابها أنها تدفع العين..
فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به والتجأ إليه وفوض أمره إليه كفاه وآواه، وهداه ونجاه، ومن تعلق بغير الله أو سكن إلى رأيه وعقله وتميمته ودوائه، وكله الله إلى ضيعة وخسار..
إن العجب كل العجب حين يترك الناس الرقى الشرعية ويستبدلونها بالرقى الشركية جاهلين خطورة هذا المسلك والهوة السحيقة التي يقذفون أنفسهم فيها.
قال القرافي رحمه الله في كتابه "الفروق" قال عن ألفاظ الرقى: "وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين، ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهما، وربما كان كفرًا، ولذلك نهى الإمام مالك وغيره عن الرقى العجمية غير المفهومة؛ لاحتمال أن يكون فيها محرم" انتهى كلامه رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نهى علماء الإسلام عن الرقى التي لا يفقه معناها لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله ! كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك» رواه مسلم.
إن المسلم الحق المنتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمل ولا يليق أن يسلم نفسه إلى المشعوذين الدجالين الأفاكين الذين يخدعون الناس، ويرقصون على جراحهم ويدعون قدرتهم على العلاج..
إن القاصد لهؤلاء وأمثالهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، ويقصد فيهم قول القائل: "وداوني بالتي كانت هي الداء".
كم عرفنا من الناس ممن قصدوا هؤلاء الذئاب البشرية، فزادوهم مرضًا إلى مرضهم، واقتلعوا أطناب حياتهم الهانئة فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم..
وإجمالا فإن كل من عنده شك في علاج القرآن، وفي قدرة القرآن على العلاج فهذا يحتاج إلى إعادة النظر في إيمانه، قال الله ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت: 44] ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82].
إذًا عباد الله يستخلص من ذلك كله أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروط ثلاثة: أولها: ألا يكون فيها شرك ولا معصية كدعاء غير الله والاستغاثة والإقسام بغير الله.. وثانيها: أن تكون بالعربية وما يُعرف معناه. وثالثها: ألا يعتقد في كونها مؤثرة بنفسها، بل يعتقد المريض بأن الله هو الشافي.
قال ابن أبو العز الدمشقي: "واتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله- فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم".
بقي لنا مسألة الوقاية من العين، فقد قال العلماء رحمهم الله: "إن الإنسان يتقي العين بطريقتين: طريقة شرعية، وطريقة قدرية، وكلاهما جائز، الطريقة الشرعية أن يقرأ على نفسه ويحصن نفسه وأولاده بآيات القرآن كالفاتحة وآية الكرسي، والإخلاص والمعوذتين، وغيرها من آيات القرآن، وكذا بالأدعية النبوية الثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم..
فقد كان عليه الصلاة والسلام يعوّذ الحسن والحسين يقول: «أعوذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن عين لامة»، ويقول: «هكذا كان إبراهيم يعوّذ إسماعيل وإسحاق عليهما السلام»، رواه البخاري وأصحاب السنن.
وكرقية جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمَنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أوَ عَيْنٍ حاسد، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ».
والوقاية القدرية أن الإنسان يحتاط في لباسه وكلامه وفي الشيء الذي يُميَّز به، فلا يُظهِره للناس على أكمل وجه، وهذا مأخوذ من قول نبي الله يعقوب كما حكى الله عنه وقال ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ(67)﴾ [يوسف: 67].
عباد الله: إذا كان أمر العين ثابتًا، فإن من الأخطاء الشائعة والبلايا المعقدة أن يصبح المرض بالعين شبحًا مروعًا أو هاجسًا متدليًا إلى الذهن عند كل وخذة ألم أو نكسة نفس؛ حتى يصل الأمر إلى درجة الوهم، فإذا عطس أحد قالوا العين، وإذا فشل في أمرٍ لأنه لم يأخذ بالأسباب قالوا العين.. حتى تصبح العين شماعة يعلق عليها الناس فشلهم ونكساتهم، وهذا هو الداء العضال؛ إذ لا يزيد الوهم إلا وهنا..
فاتقوا الله عباد الله، وبادروا بالرقى والأذكار الشرعية إصابات العين، وليتقِ الله العائن وليُذهب من قلبه الحسد إن استطاع، وإلا فليطفئ نار إعجابه بالشيء بذكر الله سبحانه وليدفع شر عينيه بقوله: "اللهم بارك عليه".
ولنصحح علاقتنا مع الله توحيدًا وتجريدًا، ومع المسلمين محبة وتوطيدا، وبدل أن نشتغل بالناس وبكسبهم وبأموالهم وبأحوالهم وبأولادهم، فلنشتغل بالله وبذكر الله، وبالاستعداد ليوم الميعاد؛ فإن الأمر أعجل من ذلك.
اللهم أشغلنا بك عمن عاداك، وبذكرك عمن سواك..
المؤلف | عمر القزابري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
من أسرار سورة الكهف | العربية |
خطر العين استلهامًا من سورة الكهف | العربية |
سورة الكهف | العربية |