بطاقة المادة
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الإنفاق في سبيل الخير: فوائده، آدابه، مجالاته | العربية |
الإنفاق في سبيل الله | العربية |
الإنفاق في سبيل الله | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسينفق الناس أموالهم بشتى الطرق وفي مختلف الأغراض، فتتعدد نواحي الإنفاق وتتباين أغراضه وتختلف أهدافه، فالمؤمن مثلاً لا ينفق ماله لهواً وعبثاً وابتغاء لذات محرمة، لأنه يدرك أن المال مال الله وأن الله يرزق من يشاء بغير حساب وأن الله خير الوارثين، ولذلك فهو ينفق أمواله ابتغاء مرضاة الله وحسب أوامر الله وحباً لله -سبحانه- وتعالى وثمناً لجنة…
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد بالملكوت والقدرة، المتعالي في سلطانه ومجده، لا يقدر أحد من خلقه قَدْرَه، أحمده -سبحانه- وأشكره، كم أسبغ من نعمة! وكم أقال من عثرة! وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تنفع قائلها يوم الحسرة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، الفوز والعز لمن أطاعه، والذلة والصغار لمن عصاه وخالف أمره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، استجابوا لربهم، وأطاعوا نبيهم في المنشط والمكره، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله وأنيبوا إليه، واستغفروه من جميع الذنوب، ثم توبوا إليه، فإنه الودود الغفور لمن لجأ إليه، وتعرفوا إليه بمعرفة أسمائه وصفاته، وتحببوا إليه بطاعته والثناء عليه وذكر آلائه.
عباد الله: الكرم والإنفاق من أسمى الصفات المحمودة، فالنفوس الشريفة طبعها البذل والإنفاق والعطاء؛ فهي تعطي الله الطاعة والتقوى، وللرسول -صلى الله عليه وسلم- دوام الاقتداء، وتنفق أجود المال، وأجمل الأخلاق، وأحسن القول، وقد مدح الله المؤمنين بأنهم: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3]، وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 262]، وقال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 274].
والله -تبارك وتعالى- له ملك السموات والأرض، وله خزائن السموات والأرض، وميراث السموات والأرض ملكه وراجع إليه, وقد استخلف الله عباده فيما أعطاهم من الأموال، ووجههم لصرفها في سبيل الله فيما يرضيه وفيما يحبه.
عباد الله: إن تصور المسلم أنه وهو الفقير الضئيل يقرض ربه كفيل بأن يطير به إلى البذل طيراناً, إن الناس يتسابقون عادة إلى إقراض الثري الملي منهم؛ لأن السداد مضمون، ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري الملي، فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد، الذي له ما في السموات وما في الأرض؟ ولا يكلهم الله -سبحانه- إلى هذا الشعور وحده، ولكنه يعدهم عليه الأضعاف الكثيرة، والأجور الكبيرة، والنعيم المقيم: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الحديد: 12].
ولعظم أجر الإحسان إلى الخلق والإنفاق عليهم، الله -تبارك وتعالى- يوجه عباده دائماً إلى الإحسان والإنفاق في سبيل الله كما قال -سبحانه- لعباده المؤمنين: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التغابن: 16]، فالله -سبحانه- يأمرهم أن ينفقوا الخير لأنفسهم، فيجعل ما ينفقونه كأنه نفقة مباشرة لذواتهم، ويعدها الخير لهم حين يفعلون، ويريهم شح النفس بلاء ملازماً، السعيد من يخلص منه ويوقاه، والوقاية منه فضل من الله يعقبه فلاح، وترغيباً للمؤمنين في البذل، وتحبيباً لهم في الإنفاق، يسمي إنفاقهم قرضاً له يضاعفه لهم، ويغفر به ذنوبهم، ويشكر المقرض ويحلم عليه حين يقصر في شكره: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [التغابن: 17].
إن هذه الآفاق العليا من الإيمان والصلاة والزكاة، والجهاد والإنفاق والإحسان، مفتوحة دائماً لكل مسلم، ليتطلع هذا المخلوق ويدرج إلى الكمال المستطاع، ويحاول الارتفاع درجة بعد درجة حتى يحقق كمال العبودية لمولاه، ويلقاه بما يحبه ويرضاه، فيجازيه بما يحبه ويتمناه: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]، وكثيراً ما يجمع الله تعالى في القرآن بين الصلاة والإنفاق؛ لأن الصلاة متضمنة للقيام بحق المعبود، والنفقة متضمنة للإحسان إلى المخلوق، كما قال -سبحانه- في وصف المتقين: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3].
فعنوان سعادة العبد طاعته وإخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع المخلوق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان, كما قال -سبحانه-: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7)﴾ [الماعون: 4 – 7].
وكل ما أنفقه المسلم من نفقة واجبة أو مستحبة، مع قريب أو جار أو مسكين أو يتيم أو محتاج أو غير ذلك، فالله تعالى يخلفه على من أنفقه، فالإنفاق لا ينقص الرزق، بل يزيده، وقد وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر بقوله: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39].
والله غفور رحيم جواد كريم، ومن مغفرته وبرحمته عفا عن العاجزين، وأثابهم بنيتهم الجازمة ثواب القادرين الفاعلين كما قال -سبحانه-: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 91].
وأهل الإحسان المتعدي هم: العلماء والدعاة إلى الله, وأئمة العدل, وأهل الجهاد في سبيل الله, وأهل الصدقة وبذل الأموال في مرضاة الله, فهؤلاء هم الملوك في الدنيا والآخرة، وصحائف حسناتهم متزايدة، تكتب فيها الحسنات وهم في بطون الأرض ما دامت آثارهم في الدنيا.
والأيدي ثلاث: يد الله الجواد الكريم العليا, ويد المعطي التي تليها, ويد السائل السفلى، واليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.
وأشرف المال وأفضله ما اختاره الله لرسوله، وهو ما أخذه العبد في الجهاد في سبيل الله برمحه وسيفه من أعداء الله الذين كان مال الله بأيديهم ظلماً وعدواناً. فإن الله خلق المال ليستعان به على طاعته وعبادته وفعل ما يحب، فإذا رجع إلى أوليائه وأهل طاعته فاء إليهم ما خلق لهم؛ لأنهم هم أهله الذين يتعبدون الله به، ويشكرونه عليه, كما قال -سبحانه-: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [الحشر: 6].
وقد جمع الله -سبحانه- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بين أعلى أنواع الغنى، وأشرف أنواع الفقر، فهو أغنى الناس بربه، وأعظمهم افتقاراً إليه، وبهذا أكمل الله له مراتب الكمال فصلوات الله وسلامه عليه عدد كل ذرة في الكون.
وقد أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- بالإنفاق من الطيب من الأموال والأشياء والثمار، شكراً لله على سهولة تحصيله، وتطهيراً للأموال، وتزكية للنفوس، وأداء لحقوق العباد، ومواساة للفقراء والمساكين، ونهانا من الإنفاق من الرديء ومن الخبيث من الأموال والمطاعم؛ لأنه غني عنا وعن صدقاتنا وأعمالنا، ونفع ذلك عائد علينا, كما قال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: 267].
وفي حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا” [مسلم(1015)]، ومع هذا فهو حميد على ما يأمر به من الأوامر الحميدة والأخلاق الكريمة، فعلينا أن نمتثل أوامره؛ لأنها قوت القلوب، وحياة النفوس، ونعيم الأرواح.
والله -عزَّ وجلَّ- عليم بكل شيء، يعلم بجميع نفقات العباد واجبها ومستحبها، قليلها وكثيرها، طيبها ورديئها، فلا يخفى عليه شيء منها، ويعلم ما صدرت عنه هل هو الإخلاص أم غيره؟ فإن صدرت عن إخلاص وطلب لمرضاة الله، جازى عبده عليها بالثواب العظيم، وإن لم ينفق العبد ما وجب عليه من النفقات، أو قصد بذلك رضا المخلوق، فإنه ظالم قد وضع الشيء في غير موضعه، واستحق العقوبة البليغة كما قال -سبحانه-: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: 270].
أيها الإخوة: وصدقة السر على الفقير أفضل من صدقة العلانية، وأما إذا لم تؤت الصدقات الفقراء فالسر ليس خيراً من العلانية، فيرجع في ذلك إلى المصلحة، فإن كان في إظهارها إظهار شعائر الدين، وحصول الاقتداء ونحوه فهو أفضل، وإلا فالسر أفضل؛ لحماية الإخلاص كما قال -سبحانه-: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 271].
عباد الله: والإنفاق في السراء والضراء من أعظم صفات المتقين كما قال -سبحانه-: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)﴾ [آل عمران: 133، 134]، وقد أمر الله رسوله أن يأمر المؤمنين ويرغبهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم، وهو طاعة ربهم بإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والإحسان إلى الخلق والإنفاق في سبيل الله قبل الموت كما قال -سبحانه-: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾ [إبراهيم: 31].
وفي الصدقات دفع للعقاب، وتكفير للسيئات، ومضاعفة الأجر إذا كانت طيبة، وابتغى بها وجه الله.
ومن صفات عباد الرحمن أنهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]؛ فإذا أنفقوا النفقات الواجبة والمستحبة لم يسرفوا فيدخلوا في قسم التبذير، وإهمال الحقوق الواجبة، ولم يقتروا فيدخلوا في باب البخل والشح، فإنفاقهم وسط بين الإسراف والتقتير، يبذلون في الواجبات من الزكوات، والكفارات، والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار.
وقد بذل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أموالهم في سبيل الله، وأنفقوها من أجل إعلاء كلمة الله، كما بذلوا أنفسهم كما قال -سبحانه-: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(89)﴾ [التوبة: 88، 89].
فالإنفاق في سبيل الله والجهاد في سبيل الله من أعظم علامات الإيمان، وهؤلاء بذلوا أموالهم وأنفسهم في ساعة العسرة في فترة الشدة قبل فتح مكة، حين كان الإسلام غريباً محاصراً من كل جانب، مطارداً من كل عدو، قليل الأنصار والأعوان، وكان هذا البذل خالصاً لله، لا تشوبه شائبة من طمع في عوض من الأرض ولا رياء.
إن الذي ينفق ويقاتل في سبيل الله والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا رحمة سلطان، ولا رخاء ولا أمن، غير الذي ينفق ويقاتل والعقيدة آمنة، والأنصار كثرة، والنصر والغلبة قريبة المنال، ذلك متعلق بالله مباشرة، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، لا يجد على الخير أعواناً، وهذا له على الخير أنصار، فدرجات هؤلاء متفاوتة كما أشارت آية الحديد: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: 10]؛ فقد أحسنوا جميعاً على تفاوت ما بينهم في الدرجات، ورد ذلك التفاوت وهذا الجزاء بالحسنى للجميع إلى ما يعلمه الله من تقدير أحوالهم، وما وراء أعمالهم من قوة عزائمهم، وحسن نواياهم، ومعرفته تعالى بحقيقة ما يعملون.
وتلك لمسة موقظة للقلوب في عالم النوايا المضمرة، وراء الأعمال الظاهرة، وهي التي تناط بها القيم، وترجح بها الموازين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُم وَأَعْمَالِكُمْ” [مسلم (2564)]، فالسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم أول من اعتنق الدين، وعمل بالدين، وعلَّم الدين، ودعا إلى الدين، وأنفق على الدين، وجاهد من أجل الدين، ففضلهم على الأمة عظيم، وحقهم عليها كبير، ومكانتهم عند الله عظيمة، وجزاؤهم عند الله عظيم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 100].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَلَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ” [البخاري (3673)، واللفظ له، ومسلم (2541)]، والله -جل جلاله- يحرك القلوب للإحسان والبذل بقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، إنه هتاف مؤثر آسر، إن الله الغني الحميد يقول للعباد الفقراء المحاويج: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245].
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المنفقين في سبيله ، ونسأله -سبحانه- أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل في سِيَر الصالحين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وجعل في الصادقين منهم أسوة وقدوة للمقتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عباد الله: والإنفاق في مرضاة الله يثاب عليه العبد سواء كان قليلاً أو كثيراً، محبوباً للنفس أم غير محبوب، لكن الكثير المحبوب أكثر أجراً، وأعظم ثواباً، والله يثيب على الكل حسب النية والنفع، وهو بكل شيء عليم.
ينفق الناس أموالهم بشتى الطرق وفي مختلف الأغراض، فتتعدد نواحي الإنفاق وتتباين أغراضه وتختلف أهدافه، فالمؤمن مثلاً لا ينفق ماله لهواً وعبثاً وابتغاء لذات محرمة، لأنه يدرك أن المال مال الله وأن الله يرزق من يشاء بغير حساب وأن الله خير الوارثين، ولذلك فهو ينفق أمواله ابتغاء مرضاة الله وحسب أوامر الله وحباً لله -سبحانه- وتعالى وثمناً لجنة عرضها كعرض السماوات والأرض.
وشتان بين إنفاق المؤمن وإنفاق الكافر والمنافق، بين الخلود والفناء بين ضيق الدنيا وسعة الآخرة، فالمؤمن يعطي والكافر يعطي ولا فرق في الظاهر، بل قد يزيد عطاء الكافر كمّاً على عطاء المؤمن، ولكن الفرق كبير والبون شاسع بين عطاء الكافر الذي هو ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ﴾ [إبراهيم: 18]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور: 39].
بينما عطاء المؤمن: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: 261] و ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: 24]، وكما يكمن السر في الحبة مميزاً لها عن غيرها، فهناك أسرار كامنة في الأعمال وفي الأقوال تجعل منها مصدراً ومنبعاً للخير العميم، أو تجعلها هباء منثوراً وسراباً خادعاً لا وجود له.
عباد الله: والمنفقون قسمان: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وطاعته، ويحفظونها مما يبطلها أو يفسدها أو ينقصها وهؤلاء: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 262]، الثاني: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولكن يبطلونها بالمن والأذى وإليهم الإشارة بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: 264].
والمؤمنون ينفقون أموالهم في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله، منشرحة له صدورهم، سخية به نفوسهم كما قال -سبحانه-: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: 265].
أما الكفار فينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، ليبطلوا الحق وينصروا الباطل، وتخف عليهم هذه النفقة لشدة تمسكهم بالباطل، وتكون عليهم حسرة، ويغلبون في الدنيا، ويعذبون في الآخرة بأشد العذاب كما قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]، والله -سبحانه- يريد من المؤمنين أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله ابتغاء وجه الله، وأجر ذلك عائد على المنفق بركة وزيادة في ماله في الدنيا، وأجراً وثواباً في الآخرة في الجنة.
والناس منهم من ينفق ماله في سبيل الله, ومنهم من يبخل بماله، فالمؤمن حقاً يبذل ماله، وينفقه في سبيل الله، ومرضاته عن سرور وفرح بالبذل والعطاء، ومن الناس من يبخل بماله لشدة حرصه على الدنيا، وهذا إنما يبخل على نفسه كما قال -سبحانه-: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]، فما يبذله الناس إنما هو رصيد مذخور لهم في الآخرة، يجدونه أحوج ما كانوا إليه، يوم يحشرون مجردون من كل ما يملكون، فلا يجدون إلا ما أنفقوه، فإذا بخلوا بالبذل فإنما يبخلون على أنفسهم، وإنما يقللون من رصيدهم، وإنما يحرمون أنفسهم بأيديهم.
فالله -عزَّ وجلَّ- لا يطلب منهم البذل إلا وهو يريد لهم الخير، ويريد لهم الوفر، ويريد لهم الكنز والذخر، وما يناله شيء مما يبذلون، وما هو في حاجة إلى ما ينفقون، فالله الغني وهم الفقراء، فهو الذي أعطاكم أموالكم، وهو الذي يدخر لكم عنده ما تنفقون منها، وهو الغني عما أعطاكم في الدنيا، الغني عن أجوركم المذخورة في الآخرة، وأنتم الفقراء في الدارين وفي الحالين.
أيها الناس: أنتم الفقراء إلى الله في الدنيا فقراء إلى رزقه في الدنيا, فما لكم من قدرة على شيء من الرزق إلا أن يهبكم إياه, وأنتم الفقراء إلى أجره في الآخرة، فهو الذي يتفضل به عليكم, وما أنتم بموفين شيئاً مما عليكم, ففيم البخل إذاً؟ وفيم الشح؟ وكل ما في أيديكم، وكل ما ينالكم من أجر على ما تنفقون، هو من عند الله، ومن فضل الله -عزَّ وجلَّ-.
وكذلك الإنفاق في جميع أنوع الطاعات والقربات، والله يجازي كل منفق على حسب نيته وإخلاصه، وكثرة نفقته وقلتها، وشدة الحاجة إليها، وعظم وقعها ونفعها، وفي ذلك يقول -سبحانه-: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 215]، وكما لا يستوي من أنفق قبل فتح مكة وقاتل في سبيل الله بمن أنفق بعد ذلك وقاتل، فكذلك لا يستوي العبد المملوك الذي لا يملك من المال والدنيا شيئاً بالحر الغني الذي رزقه الله رزقاً حسناً، فهو ينفق منه سراً وجهراً: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 75].
وأولى الناس بالإنفاق عليه وأحقهم بالتقديم، أعظمهم حقاً عليك، وهم الوالدان الواجب برهما والمحرم عقوقهما، ومن بعد الوالدين الأقربون على اختلاف درجاتهم الأقرب فالأقرب، على حسب القرب والحاجة، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة، واليتامى وهم الصغار الذين لا كاسب لهم، فهم في مظنة الحاجة، والمساكين وهم أهل الحاجات وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة، فينفق عليهم لدفع حاجاتهم وإغنائهم، وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به في غير بلده، فيعان بالنفقة التي توصله إلى مقصده.
وأفضل جهات الإنفاق في سبيل الله: الإنفاق من أجل الدين ونشره والجهاد في سبيل الله، ثم الإنفاق على النفس والأهل والأولاد، والأقارب المحتاجين, ثم مواساة الفقراء والمساكين من عموم المسلمين بما يحتاجونه من المال.
والمسلم إذا أنفق ماله في سبيل الله، في طاعة الله ومرضاته كالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، وسائر القربات والطاعات فالله يخلف عليه ما أنفق، ويضاعف له الأجر والمثوبة، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فالله واسع العطاء، لا ينقصه نائل، ولا يحفيه سائل، وهو عليم بمن يستحق هذه المضاعفة ممن لا يستحقها كما قال -سبحانه-: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261]، وفي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ، إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ! أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا” [البخاري (1442)، ومسلم (1010)، واللفظ له].
أيها الإخوة: ومن بخل عن الإنفاق في سبيل الله، فإنما يمنع عن نفسه الأجر والثواب ببخله، وإذا بخل المسلمون بالإنفاق في سبيل الله تغلب العدو عليهم، وقهرهم أهل الباطل، وذهب عزهم وأموالهم وربما أنفسهم. أما عقوبة التولي عن الإيمان والتقوى وترك الإنفاق في سبيل الله فهي: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38].
أيها الإخوة: وانحراف الإنسان في ماله يكون بأحد أمرين أو بهما معاً:
الأول: إنفاقه في الباطل الذي لا يجدي عليه نفعاً، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض كإنفاقه في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله.
الثاني: إمساك ماله وكنزه وعدم بذله وإنفاقه في سبيل الله كمن يمنع الزكاة والنفقات الواجبة للزوجات والأقارب والنفقة في سبيل الله، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35)﴾ [التوبة: 34، 35].
أيها الإخوة: إن الإنفاق في سبيل الله من أبرز علامات الموقنين، وأجدى وسائل قياس منسوبه في القلب، ذلك أنك حين تنفق مالك تشتري به الجنة؛ وهي غيب لم تره، جاءك خبرها على لسان رسول كريم؛ وهو أيضًا غيب لم تره، ومبعوث لك من إله جليل لكنك أيضًا لم تره، ومع ذلك آمنت وأيقنت، وصدق فعلك قولك، وأثبتَّ إيمانك وثقلَّت ميزانك بإخراجك مالك، لتقدِّم بذلك الدليل الظاهر على صدق الإيمان الباطن.
نسأل الله أن يجعلنا من المنفقين في سبيله في اليسر والعسر وفي السراء والضراء، ونسأله -سبحانه- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يعلي دينه وشريعته وسُنة نبيه، آمين والحمد لله رب العالمين.
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الإنفاق في سبيل الخير: فوائده، آدابه، مجالاته | العربية |
الإنفاق في سبيل الله | العربية |
الإنفاق في سبيل الله | العربية |