عناصر الخطبة
- وقفة مع آية جامعة
- من أنواع العدل ما يكون بين العبد وبين الله
- صرف إبليس كثير من الناس عن هذا العدل
- أهمية شكر الله على الاستقامة
- من أنواع العدل
- الأمر بالإحسان
- الفحشاء والمنكر ضد العدل والإحسان
- سبب إعراض الناس عن الحق
اقتباس والعدل المأمور به -أيضاً- توحيدُ الله -عز وجل- بأفعاله؛ باعتقاد أنه المدبر لخلقه المتصرف في ملكه، المعز المذل، المحيي المميت، الخالق الرازق، بيده الخير كله، لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئاتِ إلا الله وهو على كل شيء قدير، لا شريكَ له في خلقه، ولا شريك له في تدبيره وأفعاله؛ فمن اعتقد أن ملَكاً أو نبياً أو ولياً أو مخلوقاً من أي المخلوقات فوَّض الله إليه التدبيرَ والتصريف والأمور في ملكه وخلقه، فقد كفر برب العالمين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى: فربكم -جل وعلا- له عليكم أن يُطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يكفر، واعلموا -عباد الله- أن خير ما وُعِظت به القلوب، وخير ما قوِّمت به الأخلاق، وخير ما هذبت به النفوس آياتٌ من كتاب الله -تعالى- وأحاديثُ من كلام سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-.
ألا وإن في كتاب الله -عز وجل- آيةً جامعةً أمرت بكل خير، ونهت عن كل شر، وأرشدت إلى مكارم الأخلاق، وزجرت عن مساويء الصفات، ألا وهي قوله -عز وجل-: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].
قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "هذه الآية آيةٌ جامعة لكل خير، وناهية عن كل شر، وجامعة للأخلاق"، وقال الحسن البصري: "إن الله -تعالى- قد جمع لكم في هذه الآية الخيرَ كلَّه والشر كله، فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة لله شيئاً إلا جمعته، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه".
والعدل هو الحق والقسط والاستقامة على الصراط المستقيم.
والعدل يكون بين العبد وربه، وأوجبُ العدلِ المأمورِ به وأعظمُه عبادة الله -عز وجل- وحده لا شريك له؛ بتخصيص الرب -سبحانه- بالدعاء وحده، والاستغاثة والاستعانة، والذبح والنذر، والاستعاذة والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادة، قال الله -تعالى-: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [النساء:36].
والعدل المأمور به -أيضاً- توحيدُ الله -عز وجل- بأفعاله؛ باعتقاد أنه المدبر لخلقه المتصرف في ملكه، المعز المذل، المحيي المميت، الخالق الرازق، بيده الخير كله، لا يأتي بالحسنات إلا الله، ولا يدفع السيئاتِ إلا الله وهو على كل شيء قدير، لا شريكَ له في خلقه، ولا شريك له في تدبيره وأفعاله؛ فمن اعتقد أن ملَكاً أو نبياً أو ولياً أو مخلوقاً من أي المخلوقات فوَّض الله إليه التدبيرَ والتصريف والأمور في ملكه وخلقه، فقد كفر برب العالمين، قال الله -تعالى-: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:54]
وقال -تبارك وتعالى-: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ(5)﴾ [الأحقاف:4-5]
وقال -تبارك وتعالى-: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ﴾ [يونس:31] وقال -عز وجل-: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة:5]
والعدل المأمور به مما يكون بين العبد وربه هو -أيضاً- وصفُ الله -سبحانه وتعالى- بما وصف به نفسه ووصفه به رسولُه -صلى الله عليه وسلم- كما وصف نفسه -تبارك وتعالى- في آية الكرسي، التي هي أعظم آية؛ قال -عز وجل-: (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ) [البقرة:255].
وكما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "اللهمَّ إني أعوذُ برضَاك مِنْ سخطِك، وبمعافاتِكَ من عقوبتِك، وبكَ منْك، لا أُحصِي ثناءً عليك، أنتَ كمَا أثنيْتَ على نفسِك"، فما وصف الله به نفسه هو الحق الذي يجب اعتقاده، لا يُحرَّف ولا يغير، ولا يبدل ولا يُؤَوَّل، ولا يخالف فيه ما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-.
والعدل المأمور به -أيضاً- مما يكون بين العبد وربه تنزيهُ الله وتقديسُه عما لا يليق به، ونفيُ ما نفى الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180- 182].
وقال -تبارك وتعالى-: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(92)﴾ [المؤمنون:91-92] وقال -عز وجل-: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:74] ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22] فإثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تشبيه ولا تمثيل، ونفي ما نفى الله عن نفسه من غير تعطيل وتأويل هو العدل الذي أمر الله به.
وقد مكر إبليسُ بأكثر بني آدمَ وخدعهم، واستدرجهم واستزلهم فاتبعوه واستجابوا للشياطين، وتركوا التوحيد الذي بعث الله به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وخاتمهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- وعادَوُا التوحيد الذي انحرفوا عنه، وعادوا أهله وصدوا عن هذا العدل الذي أمر الله به، قال الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(21)﴾ [سبأ:20-21]
وقال -عز وجل-: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام:116]..
فمن بني آدم من جحد أسماء الله وصفاته، وعطَّل الرب عن صفات كماله، وحرف الأسماء والصفات، وألحد في ذلك، وخالف الصحابة والتابعين وسلك طريق الهالكين، ومن بني آدم من أشرك بالله الكواكب فعبدها ورجا نفعها وخاف ضرها.
ومنهم من عبد الأصنام والأوثان من دون الله، ومنهم من عبد الجن والملائكة، ومنهم من عبد الأنبياء والصالحين من دون الله، ومنهم من عبد قبور الصالحين والأولياء، وسألهم تفريجَ الكربات وقضاءَ الحاجات، وطلب منهم الشفاعةَ وهم أموات، كما قال -تبارك وتعالى-: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ) [يونس:18] والدعوة والاستغاثة والشفاعة لا تطلب من الميت والغائب، وإنما تطلب من الحي الحاضر في الآخرة، وفي الدنيا يطلب منه الدعاء.
ومن بني آدم من استزله الشيطان حتى عبد الأشجار والأحجار وبعض المخلوقات، ومنهم من نسب إلى الله الولد، كما قال -تبارك وتعالى- عن مشركي العرب: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ؟ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف:19].
وقال الله -عز وجل- عن أهل الكتاب المشركين الذين ابتعدوا عما جاءت به الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة:72].
وقال -عز وجل-: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة:73] وقال -تعالى- في سورة التوبة: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [التوبة:30].
ورد الله -سبحانه- على كل من نسب إلى الله الولد، وأبطل قولهم وتوعَّدهم بأشدِّ العذاب، فقال -عز وجل-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ(4)﴾ [الإخلاص:1-4].
وقال -تعالى-: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(91)﴾ [المؤمنون 90-91] ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(94)﴾ [مريم:88-94].
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن شَهدَ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله، وكلمتُه ألقَاها إلى مريمَ وروح منه، والجنةُ حق، والنارُ حق، أدخلَه الله الجنةَ على ما كانَ مِنَ العمَل" رواه البخاري ومسلم.
ومن بني آدم من يؤمن ببعض الأنبياء ويكفر ببعض، ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وفيهم يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) [النساء:150-151].
ومن بني آدم مَلاحدةٌ لا يؤمنون بدين، ولا يحرمون حراماً، ولا يحلون حلالاً، والشياطين تفرح بكل طريق يبعد الناسَ عن الحق ودخول الجنة، وتقوده إلى كل طريق باطل يدخل به النار، ولا ينجو من النار إلا الحنيفُ المسلم.
فاشكر الله -أيها المسلم- على ما مَنَِّ به عليك من الهداية، وتمسك بهذا القرآن وتدبرْ آياته آيةً آيةً؛ فإن الله أنزله للتدبر، واشكر الله على أنه لم يجعلْك مع طوائفِ بني آدمَ الخاسرين المعذَّبين الذين ابتعدوا عن الحق والعدل، وأوقعهم الشيطان في الفحشاء والمنكر والبغي، قال الله -تعالى-: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)﴾ [الأنعام:161-163]
ومن العدل ما يكون بين الولاة ورعيتهم، قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ [النساء:58]
ومن العدل ما يكون بين الوالد وولده، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا الله واعدِلُوا بين أولادِكُم"، وما يكون بين الرجل ونسائه، قال الله -تعالى-: ﴿فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء:129].
ومن العدل ما يكون بكلمة الحق، قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام:152] ومن العدل ما يكون بين الناس في التعامل قال -صلى الله عليه وسلم-: "فمَنْ أحبَّ أنْ يُزحزحَ عن النارِ ويدخلَ الجنةَ فلْتأتِه منيَّته وهوَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر، ولْيأتِ إلى النَّاسِ الذي يُحبُّ أنْ يُؤتَى إليه بِه" رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أي ليعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به.
والإحسان المأمور به في هذه الآية يعم الطاعات وعبادةَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ويعم بذل الخير بالإنفاق والنفع وكفِّ الشر عن الخلق، وإيتاء ذي القربى من الإحسان وذكر الله إعطاءهم لتأكيد حقهم،
وقوله -تعالى-: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل:90] فكل ما نهى الله عنه هو ضد العدل والإحسان. والفحشاء كل معصية قبحت وعظمت في العقل وفي الفطرة وحرمت في الشرع؛ كالزنا واللواط والقتل والمنكر، وعقوق الوالدين، وكل معصية ظاهرة وباطنة، قال -تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام:151] كالكبر والحسد والحقد؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كانَ في قلبِهِ مثقالُ ذرَّةٍ من كِبْر"، وفي الحديث -أيضاً-: "لا يدخلُ الجنةَ قاطعُ رحمٍ".
والمنكر كل ما حرمه الله في الشرع، والبغي هو العدوان والظلم والاستطالة على الخلق تكبرا واحتقارا لحقهم قال الله -تعالى-: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله القوي المتين، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، بعثه الله بالهدى واليقين؛ لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله: إنكم في آجال محدودة؛ فاقدموا على ربكم بالأعمال الصالحات؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال -تعالى-: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ [الأنعام:160]
وإن الله أنزل لكم هذا القرآن؛ لتتدبروا آياته، قال -عز وجل-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص:29] وقال -عز وجل-: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد:24]؛ فإن الله أنزل القرآن للتلاوة وللعمل به، فمن عمل به كان من المفلحين، ومن تدبر آياته كان من الفائزين.
فيا عباد الله: إن كثيراً من الناس يصده عن اتباع الحق هذه الحياةُ الدنيا والهوى؛ فإن هذه الحياة فانية، وإنها ذاهبة زائلة، فإنكم في آجال قد كتبها الله لا تزيد ولا تنقص، وهي منقضية؛ فاقدموا على الله بالأعمال الصالحات، قال -تبارك وتعالى-: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى(36)﴾ [النازعات:35-36].
وكفى بالموت واعظا، اذكروا هاذم اللذات فإن ما ذكر في شيء، ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا ذكر في قليل إلا كثره، وإنه آتٍ وإن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، وتذكر يوم يعطى المرءُ كتابَه إما بيمينه وإما بشماله، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول له: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء:14].
ويقول الرسول – صلى الله عليه وسلم- عن ربه: "يا عبادِي إِنَّما هيَ أعمالُكُم أُحْصِيها لكم، فمنْ وجدَ خيراً فلْيحْمدِ الله، ومَنْ وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه"، ولا يؤتى المرء إلا من أعماله ومن نفسه، والله -تبارك وتعالى- لا يظلم أحداً.
عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -عز من قائل-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب:56] فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم وارض عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحب والآل أجمعين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك ورحمتك ياأرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين يا رب العالمين. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. اللهم وأعذنا من شر كل ذي شر يا رب العالمين. اللهم أعذنا وذريتنا من إبليس وذريته وشياطينه، وأعذ المسلمين من إبليس وذريته وشياطينه يا رب العالمين.
اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا يارب العالمين. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. اللهم غيثا مغيثا، نافعا غير ضار يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ بيت المقدس يا رب العالمين. اللهم احفظ بيت المقدس من كيد المعتدين وعدوان الظالمين، واجعله يا رب العالمين دائما محفوظاً لأن تُعبد فيه من العباد الصالحين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اجعل جميع ولاة أمور المسلمين يارب العالمين عملهم خيرا لشعوبهم وأوطانهم . اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى. اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك. اللهم أعنه على أمور الدنيا والدين. اللهم انصر به دينك، وأعل به كلمتك، وانصر به الإسلام، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وأصلح بطانته. اللهم أصلح بطانته. اللهم أصلح بطانته، إنك على كل شيء قدير. اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى، ولما فيه عز الإسلام، إنك على كل شيء قدير. اللهم وفق النائب الثاني لما تحب وترضى، ولما فيه عز الإسلام، إنك على كل شيء قدير.
عباد الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90] اللهم يارب العالمين اغفر لنا ذنوبنا.
عباد الله: اذكروا الله كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، واشكروا الله على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.