عناصر الخطبة
- أصناف الناس وقت صلاة الفجر
- مكانة صلاة الفجر وعظيم منزلتها
- اهتمامه صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر وأصحابه
- صور من تعظيم السلف لصلاة الفجر
- وقفة مساءلة للمتخلفين عن صلاة الفجر
- عطايا نفسية وفضائل كريمة للمحافظين على صلاة الفجر
اقتباس وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُؤْسِفِ جِدًّا وَالْمُخْزِي أَبَدًا أَنْ تَجِدَ شَبَابًا فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِمْ وَأَقْوَى نَشَاطِهِمْ وَتَمَامِ صِحَّتِهِمْ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَيْنَمَا تَجِدُ مُسِنًّا قَدِ احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ وَسَقَطَ حَاجِبَاهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ لَا تَقْوَى رِجْلَاهُ عَلَى حَمْلِهِ مُتَوَكِّأً عَلَى…
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَقْوَى اللَّهِ -تَعَالَى- طَرِيقُ كُلِّ فَلَاحٍ، وَمُرَاقَبَتُهُ -سُبْحَانَهُ- سَبِيلُ كُلِّ نَجَاحٍ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، تَفُوزُوا بِعَفْوِهِ وَرِضَاهُ، وَيَقِيكُمْ نَارَهُ وَيُكْرِمْكُمْ بِرُؤْيَاهُ؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2)﴾ [الْحَجِّ: 1-2].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مَا إِنْ تَبْدَأْ حُلْكَةُ اللَّيْلِ بِالِانْتِهَاءِ وَظُلْمَتُهُ بِالِانْقِشَاعِ وَسَوَادُهُ بِالِانْجِلَاءِ حَتَّى يَرْفَعَ اللَّيْلُ سِتَارَهُ وَيَنْشَرَ النَّهَارُ نُورَهُ وَضِيَاءَهُ؛ فَسُبْحَانَ مُقَلِّبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمُولِجِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ؛ ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ﴾ [الْحَجِّ: 61]، فَيَبْدَأُ الْفَجْرُ حِينَهَا بِالْإِسْفَارِ، وَالصُّبْحُ بِالتَّنَفُّسِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الْأَنْعَامِ: 96].
وَفِي هَذَا الْوَقْتِ الْفَضِيلِ كَثِيرًا مَا تَجِدُ النَّاسَ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ- فِي نَوْمِهِمْ يَغُطُّونَ فِي سُكُونِ لَيْلٍ وَسُبَاتِ نَوْمٍ.
وَصِنْفٌ آخَرُ لَمْ يَنَمْ لَيْسَ لِأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي أَوْ سَاجِدًا يُنَاجِي؛ بَلْ قَضَى لَيْلَهُ سَهَرًا فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَأَمْضَى وَقْتَهُ سَمَرًا فِيمَا لَا فَائِدَةَ مِنْهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ جُرْمًا حِينَ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَمَّا تَغَشَّاهُ النَّوْمُ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَدَاعَبَهُ النُّعَاسُ فَمَالَ إِلَيْهِ؛ فَكَانَتِ الْمُصِيبَةُ نَوْمَهُ عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَأَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.
أَمَّا الطَّائِفَةُ الْمَحْظُوظَةُ، ذَاتُ الْقُلُوبِ التَّقِيَّةِ وَالْأَرْوَحِ الطَّيِّبَةِ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لِلنَّوْمِ وَلَوْ غَلَبَهُمْ وَلَا لِلْفُرُشِ الْوَثِيرَةِ وَلَوْ أَعْجَبَتْهُمْ، وَلَا لِآثَارِ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْهَكَتْهُمْ؛ فَلَهُمْ مَوْعِدٌ وَلِقَاءٌ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَشَرَفُ قُرْبٍ بِرَبِّ الْبَرِيَّةِ؛ فَنُفُوسُهُمْ تَاقَتْ لِلِقَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقُلُوبُهُمْ حَنَّتْ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ.
وَفِي هَذَا الْوَقْتِ الشَّرِيفِ الَّذِي يَسْبِقُهُ التَّنَزُّلُ الْإِلَهِيُّ وَالتَّشْرِيفُ الرَّبَّانِيُّ لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا، يَصْدَحُ نِدَاءُ الرَّحْمَنِ مُجَلْجِلًا بِصَوْتِ الْأَذَانِ، يُسَبِّحُ فِي الْهَوَاءِ مُدَوِّيًا وَيُعَانِقُ السَّمَاءَ صَادِحًا، يَمْتَدُّ بَيْنَ كَوْنِ اللَّهِ الْفَسِيحِ وَهَوَائِهِ النَّقِيِّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عُمُومًا مِنْ أَهَمِّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُمَيِّزُ الْمُسْلِمَ مِنَ الْكَافِرِ، فَإِنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْمُنَافِقِ وَالصَّالِحَ مِنَ الطَّالِحِ؛ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ “أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صِلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ” (الْبُخَارِيُّ (657)، وَمُسْلِمٌ (651) وَاللَّفْظُ لَهُ).
لِتَعْلَمُوا -يَا مُسْلِمُونَ- أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ أَوَّلُ الصَّلَاةِ إِقَامَةً، وَأَفْضَلُهَا مَنْزِلَةً، وَأَعْلَاهَا رُتْبَةً، أَلَمْ يُقْسِمِ اللَّهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ؛ فَقَالَ: ﴿وَالْفَجْرِ﴾ [الْفَجْرِ: 1]؟ أَلَيْسَ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ فَيَجْتَمِعُ لَهَا أَطْهَارُ السَّمَاءِ وَأَطْهَارُ الْأَرْضِ وَأَبْرَارُهَا وَخِيَارُهَا فِي مَحْفِلٍ كَرِيمٍ وَمَجْمَعٍ رَحِيمٍ؛ ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 78]؟
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ“(الْبُخَارِيُّ (7486) وَاللَّفْظُ لَهُ، وَمُسْلِمٌ (632).
صَلَاةُ الْفَجْرِ -يَا أَفَاضِلُ- الْفَاصِلُ بَيْنِ الْإِيمَانِ الْخَالِصِ وَالنِّفَاقِ الْمَحْضِ؛ فَهِيَ دَلِيلُ التَّقْوَى وَبُرْهَانُ الْإِحْسَانِ، وَهِيَ عَلَامَةُ الِاتِّبَاعِ، وَمِحَكُّ الْإِذْعَانِ؛ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: “كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءَ أَسَأْنَا الظَّنَّ بِهِ“(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ).
أَرَأَيْتُمْ حِينَ غَابَ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنْهَا كَيْفَ كَانَتْ أَجْوَاءُ الصَّبَاحِ صَافِيَةً وَهَوَاؤُهُ نَقِيًّا! وَلَيْسَ ذَلِكَ بِغَرِيبٍ؛ فَهِيَ لَمْ تَتَلَوَّثْ بِأَنْفَاسِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا الَّذِينَ لَا يَأْتُونَ مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَّا كُرْهًا، وَلَا يُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ إِلَّا رِيَاءً؛ قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[النِّسَاءِ: 142]، وَكُلُّ الَّذِي يَدْفَعُهُمْ لِذَلِكَ إِمَّا ثَنَاءُ النَّاسِ لَهُمْ، أَوْ خَوْفُهُمْ عَلَى سُمْعَتِهِمْ، أَوْ خَشْيَتُهُمْ فَوَاتَ مَصَالِحِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: صَلَاةُ الْفَجْرِ حَسَنَةٌ تَتْبَعُهَا حَسَنَاتٌ، كَمَا أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْهَا سَيِّئَةٌ لَهَا أَخَوَاتٌ؛ فَمَنْ أَقَامَ صَلَاةَ الْفَجْرِ جَمَاعَةً كَانَ مِنْ جَزَائِهَا وَأَعْظَمِ نَفْعِهَا إِدْرَاكُهُ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ أَشَدُّ مُحَافَظَةً، وَمَنْ فَرَّطَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ كَانَ مِنْ عُقُوبَتِهَا وَأَعْظَمِ أَضْرَارِهَا تَفْرِيطُهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ لِغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ أَشَدُّ تَضْيِيعًا.
لَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُولِي هَذِهِ الصَّلَاةَ اهْتِمَامًا بَالِغًا، وَيُعْطِيهَا مُتَابَعَةً فَرِيدَةً، وَكَانَ ذَلِكَ وَاضِحًا جَلِيًّا مَعَ نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِهِ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَقُولُ: “الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[الْأَحْزَابِ: 33](رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ 4/393: يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ).
وَعَلَى ذَلِكَ نَهَجَ خُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَتَابِعُوهُمْ؛ حَيْثُ كَانُوا يَحُثُّونَ النَّاسَ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَيُوقِظُونَهُمْ لَهَا؛ فَكَانَ عُمَرُ إِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ نَادَى فِي النَّاسِ: “الصَّلَاةَ عِبَادَ اللَّهِ”، وَمِثْلُهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-.
وَوَصَلَ مِنْ تَعْظِيمِ السَّلَفِ لِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ فِي فَوْتِ صَلَاةِ الْفَجْرِ جَمَاعَةً أَمْرًا جَلَلًا يَسْتَحِقُّ مُضَيِّعُهَا الْعَزَاءَ؛ فَهَذَا حَاتِمٌ الْأَصَمُّ قَالَ: “فَاتَتْنِي صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، فَعَزَّانِي أَبُو إِسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ وَحْدَهُ، وَلَوْ مَاتَ لِي وَلَدٌ لَعَزَّانِي أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ؛ لِأَنَّ مُصِيبَةَ الدِّينِ أَهْوَنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ مُصِيبَةِ الدُّنْيَا“.
وَاشْتَكَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَيْنَهُ فَقَالُوا لَهُ: “لَوْ خَرَجْتَ إِلَى الْعَقِيقِ فَنَظَرْتَ إِلَى الْخُضْرَةِ، لَوَجَدْتَ لِذَلِكَ خِفَّةً -يَدْعُونَهُ لِلتَّنَزُّهِ فِي ضَوَاحِي الْمَدِينَةِ حَيْثُ الْخُضْرَةُ وَالْجَوُّ الطَّلْقُ-؛ فَقَالَ لَهُمْ: “فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِشُهُودِ الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ“؟!
وَيُذْكَرُ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا دَخَلَتْ جُيُوشُ الْإِسْلَامِ مَدِينَةَ “تَسْتُرَ” عِنْدَ أَذَانِ الْفَجْرِ، وَظَلَّتِ الْمَعْرَكَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْفُرْسِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي وَقْتِهَا؛ فَكَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يَتَأَلَّمُ وَيَقُولُ: “وَاللَّهِ لَقَدْ ضُيِّعَتْ عَلَيْنَا صَلَاةُ الصُّبْحِ، لَصَلَاةُ الصُّبْحِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ فَتْحٍ“.
وَكَانَ حِرْصُ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِصْرَارُهُمْ عَلَيْهَا نَاتِجًا مَنْ إِدْرَاكِهِمْ جَلَالَةَ قَدْرِهَا وَسُوءَ عَاقِبَةِ الْمُتَهَاوِنِ بِهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَا الَّذِي حَمَلَ أُولَئِكَ الْمُتَكَاسِلِينَ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ جَمَاعَةً؟ كَيْفَ طَابَتْ نُفُوسُهُمْ أَنْ يَنَامُوا عَنْهَا وَقَدْ شَهِدَهَا أَطْهَارُ السَّمَاءِ وَخِيَارُ الْأَرْضِ؟ بِأَيِّ مِزَاجٍ سَيَفْتَتِحُونَ يَوْمَهُمْ؟ وَبِأَيِّ نَفْسِيَّةٍ سَيُبَاشِرُونَ أَعْمَالَهُمْ؟! وَعَلَى أَيِّ خَاتِمَةٍ سَيُوَدِّعُونَ دُنْيَاهُمْ إِنْ أَدْرَكَتْهُمُ الْمَنَايَا؟!
أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ: أَرَأَيْتَ لَوْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كَيْفَ سَيُصَلَّى عَلَيْكَ وَأَنْتَ لَمْ تُصَلِّ؟! كَيْفَ يَسْتَحِقُّ صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَبْدٌ لَمْ تَكُنِ الصَّلَاةُ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِهِ؟! كَيْفَ سَيُطَهِّرُ جَسَدَهُ الْمَاءُ وَيَفُوحُ كَفَنُهُ طِيبًا وَهُوَ قَبِيحُ الذَّاتِ خَبِيثُ النَّفْسِ؟! كَيْفَ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةٌ وَهُوَ لَمْ يَرْحَمْ نَفْسَهُ أَوَّلًا فَأَوْبَقَهَا بِنَوْمِهِ عَنِ الصَّلَاةِ وَغَفْلَتِهِ عَنْهَا؟! رُبَّمَا مُتَّ -أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُ- فَلَا تَجِدُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؛ لِأَنَّهُمْ نَائِمُونَ، أَوْ بِأَعْمَالِهِمْ مُنْشَغِلُونَ!
ذَلِكَ الصِّنْفُ وَأَضْرَابُهُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مُسْتَعِدٌّ لِأَنْ يَقُومَ مِنْ نَوْمِهِ لِلرَّدِّ عَلَى اتِّصَالِ صَدِيقٍ حَمِيمٍ، وَأَنْ يَنْهَضَ مِنْ سُبَاتِهِ إِذَا حَانَ وَقْتُ الْمُبَارَاةِ أَوْ جَاءَ وَقْتُ مُسَلْسَلٍ؛ يَصْحُو سَرِيعًا لِشَهْوَةِ بَطْنِهِ وَفَرْجِهِ، وَيَقُومُ نَشِيطًا لِمُتْعَةِ فِكْرِهِ وَنَفْسِهِ؛ يَضَعُ مُنَبِّهَهُ لِمَوْعِدِ وَظِيفَتِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَّخِذُ أَيَّ خُطْوَةٍ لِإِيقَاظِ نَفْسِهِ لِصَلَاتِهِ؛ لِلْأَسَفِ يَسْمَعُ مُنَادِيَ الصَّلَاةِ يُنَادِي: “اللَّهُ أَكْبَرُ” فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ، وَيَرْتَخِي جَسَدُهُ وَيَشْتَكِي رَهَقَهُ.
عَنْ مِثْلِ هَذَا الصِّنْفِ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ يُمَثَّلُ لَهُ عَمَلُهُ عَلَى هَيْئَةِ رَجُلٍ فِي قَبْرِهِ فَيَسْأَلُهُ: “مَنْ أَنْتَ؟” فَيَقُولُ: “أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَوَاللَّهِ مَا عُلِمْتَ إِلَّا كُنْتَ بَطِيئًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، سَرِيعًا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا، ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ! لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ بِهَا تُرَابًا… “(الْأَلْبَانِيُّ، أَحْكَامُ الْجَنَائِزِ 198).
وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُؤْسِفِ جِدًّا وَالْمُخْزِي أَبَدًا أَنْ تَجِدَ شَبَابًا فِي رَيْعَانِ شَبَابِهِمْ وَأَقْوَى نَشَاطِهِمْ وَتَمَامِ صِحَّتِهِمْ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَيْنَمَا تَجِدُ مُسِنًّا قَدِ احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ وَسَقَطَ حَاجِبَاهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ لَا تَقْوَى رِجْلَاهُ عَلَى حَمْلِهِ مُتَوَكِّأً عَلَى عَصَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، مُدَاوِمًا عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُ تَخَلُّفٌ عَنْهَا، وَلَمْ يَجِدْ لِنَفْسِهِ عُذْرًا لِيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ… نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ وَالْعَافِيَةَ.
قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَا فَوْزَ الْمُسْتَغْفِرِينَ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِطَاعَتِهِ وَصَرَفَنَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَوَفَّقَنَا لِشُكْرِهِ وَأَلْهَمَنَا ذِكْرَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ وَخَاتَمِ رُسُلِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خُصَّتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ بِمَزَايَا عَدِيدَةٍ وَهِبَاتٍ نَفْسِيَّةٍ؛ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا كَافِيَةٌ فِي تَثْبِيتِ عَزِيمَةِ الْمُحَافِظِ عَلَيْهَا وَإِيقَاظِ هِمَّةِ الْمُتَخَلِّفِ عَنْهَا، وَكَفِيلَةٌ بِأَنْ يَتْرُكَ الْمُتَقَاعِسُ نَوْمَهُ وَيَطْوِيَ فِرَاشَهُ وَيَهْرَعَ شَوْقًا لِمُلَاقَاةِ رَبِّهِ بِهِمَّةٍ عَالِيَةٍ وَحَمَاسٍ مُتَّقِدٍ، وَتِلْكَ الْمَزَايَا كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا هُوَ دُنْيَوِيٌّ وَمِنْهَا أُخْرَوِيٌّ؛ سَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا:
فَالدُّنْيَوِيَّةُ: سَلَامَةُ صَاحِبِهَا مِنَ النِّفَاقِ؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ“.
وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: “وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يَتَهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ 654).
وَمِنْ فَوَائِدِهَا الدُّنْيَوِيَّةِ أَيْضًا: أَنَّ صَاحِبَهَا فِي ذِمَّةِ اللَّهِ مَحْرُوسًا، وَفِي رِعَايَتِهِ مَأْمُونًا؛ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ 657).
كَذَلِكَ مَنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً كُتِبَ لَهُ أَجْرُ قِيَامِ لَيْلَةٍ كَامِلَةٍ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ“(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ (1/130) (633).
وَإِنَّهُ لَا أَطْيَبَ نَفْسًا وَلَا أَنْشَطَ جِسْمًا وَلَا أَسْعَدَ قَلْبًا مِنْ رِجَالِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ “(الْبُخَارِيُّ (1142)، وَمُسْلِمٌ (776).
وَأَمَّا الْأُخْرَوِيَّةُ: فَأَهَمُّ الْمَزَايَا نَيْلًا، وَأَعْظَمُ الْعَطَايَا هِبَةً رُؤْيَةُ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ؛ رَوَى جَرِيرٌ الْبَجَلِيُّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: “كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ: “إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾[طه: 130]” (الْبُخَارِيُّ (554)، وَمُسْلِمٌ (633).
يَلِيهَا فَضْلًا وَيَتْبَعُهَا مِنْحَةً دُخُولُ صَاحِبِهَا الْجَنَّةَ؛ فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ“(الْبُخَارِيُّ (574)، وَمُسْلِمٌ (635).
وَكَوْنُ الْمُحَافِظِ عَلَيْهَا جَمَاعَةً يَقِي نَفْسَهُ نَارَ جَهَنَّمَ فَتِلْكَ نِعْمَةٌ -وَاللَّهِ- عَظِيمَةٌ، وَمَكْرُمَةٌ نَفِيسَةٌ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عِمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: “لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا“(رَوَاهُ مُسْلِمٌ 634).
وَلَئِنْ كَانَ الْمُنَافِقُونَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ فِي ظَلَامِهِمْ يَتَخَبَّطُونَ، وَفِي الْجَحِيمِ يَتَسَاقَطُونَ فَإِنَّ أَهْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي نُورٍ تَامٍّ وَسِرَاجٍ مُبِينٍ، وَإِلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ يُزَفُّونَ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ“(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/130) (633).
تِلْكَ هِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ يَا سَادَةُ، وَتَلْكُمُ هِيَ ثِمَارُهَا وَذَلِكُمْ هُوَ جَزَاؤُهَا، أَلَا فَهَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ وَعَازِمٍ عَلَيْهَا؟ فَكَمْ ضَيَّعَ الْمُفَرِّطُ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ مَنْ أُجُورٍ عَظِيمَةٍ، وَهَلِ الْمُتَهَاوِنُ بِهَا فِي رِبْحٍ وَغَنِيمَةٍ؟ وَكَمْ خَسِرَ النَّائِمُونَ عَنْهَا مَنَازِلَ عَالِيَةً كَانَتْ أُعِدَّتْ لَهُمْ؟
أَلَا فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَعُلَمَاءَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا.
اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَنَصِيرًا.
اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَاخْذُلِ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلَ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ…