الأحاديث:
أحاديث نبوية عن عام الوفود
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول : قال رسول الله ﷺ : «بينا أنا نائم أتيتُ بخزائنِ الأرضِ، فوُضِعَ في كفِّي سِوارانِ من ذهبٍ، فكبُرا عليَّ، فأوحى الله إلي أن انفُخْهما، فنفختُهما فذهبا، فأوَّلتُهما الكذَّابيْنِ اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة ».
عناصر محتوى المفردة:
المقدمة
- المقدمة
- (عام الوفود ): هو العام التاسع الهجري الموافق سنة 631م، عُرف بذلك لكثرة الوفود التي قدمت المدينة المنورة مسلمة للنبي محمد ﷺ، والتي يزيد عددها على سبعين وفدًا، وكان ذلك بعد غزوة تبوك في رجب 9 هـ .
المادة الأساسية
- (عام الوفود ): في هذا العام جاء إلى المدينة وفود كثيرة من أنحاء الجزيرة تعلن إسلامها أمام الرسول وكان نصرًا كبيرًا للمسلمين .
وبدأ الإسلام ينتشر وينتشر في كل الجزيرة العربية، حتى نزلت السورة الكريمة، قال تعالى ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّأبًا (3)﴾ [النصر : 1-3].
(ذكر أهم الوفود إجمالا ):1/ وفد عبد القيس : - كانت لهذه القبيلة وفادتان : الأولى سنة خمس من الهجرة أو قبل ذلك، والوفادة الثانية كانت في سنة الوفود، وكان عددهم فيها أربعين رجلا، وكان فيهم الجارود بن العلاء العبدي، وكان نصرانيًّا فأسلم وحسن إسلامه .
2/ وفد دوس : - كانت وفادة هذه القبيلة في أوائل سنة سبع، ورسول الله ﷺ بخيبر، وقد أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي، ورسول الله ﷺ بمكة، ثم رجع إلى قومه، فلم يزل يدعوهم إلى الإسلام، ويبطئون عليه، حتى يئس منهم، ورجع إلى رسول الله ﷺ، فطلب منه أن يدعو على دوس، فقال : «اللهمَّ اهدِ دوسًا ». ثم أسلم هؤلاء، فوفد الطفيل بسبعين أو ثمانين بيتًا من قومه إلى المدينة في أوائل سنة سبع ورسول الله ﷺ بخيبر فلحق به .
3/ رسول فروة بن عمرو الجذامي : - كان فروة قائدًا عربيًّا من قواد الرومان، عاملًا لهم على من يليهم من العرب، وكان منزله معان وما حوله من أرض الشام، أسلم بعدما رأى من جلاد المسلمين وشجاعتهم، وصدقهم اللقاء في معركة مؤتة سنة 8 هـ .
ولما أسلم بعث إلى رسول الله ﷺ رسولا بإسلامه، وأهدى له بغلة بيضاء، ولما علم الروم بإسلامه أخذوه فحبسوه، ثم خيروه بين الردة والموت، فاختار الموت على الردة، فصلبوه بفلسطين على ماء يقال له : عفراء، وضربوا عنقه .
4/ وفد صداء : - جاء هذا الوفد عقب انصراف رسول الله ﷺ من الجعرانة سنة 8 هـ، وذلك أن رسول الله ﷺ هيأ بعثا من أربعمائة من المسلمين، وأمرهم أن يطئوا ناحية من اليمن فيها صداء، وبينما ذلك البعث معسكر بصدر قناة علم به زياد بن الحارث الصدائي، فجاء إلى رسول الله ﷺ فقال : جئتك وافدا على من ورائي، فاردد الجيش وأنا لك بقومي، فرد الجيش من صدر قناة، وجاء الصدائي إلى قومه فرغبهم في القدوم على رسول الله ﷺ، فقدم عليه خمسة عشر رجلا منهم، وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى قومهم، فدعوهم، ففشا فيهم الإسلام، فوافى رسول الله ﷺ منهم مائة رجل في حجة الوداع . 5/ وفد عذرة : - قدم هذا الوفد في صفر سنة 9 هـ . وهم اثنا عشر رجلا فيهم حمزة بن النعمان .
قال متكلمهم حين سئلوا من القوم : نحن بنو عذرة، أخوة قصي لأمه، نحن الذين عضدوا قصيا، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، لنا قرابات وأرحام، فرحب بهم النبي ﷺ، وبشرهم بفتح الشام، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها . أسلموا وأقاموا أياما ثم رجعوا .
6/ وفد بلي : - قدم في ربيع الأول سنة 9 هـ، وأسلم وأقام بالمدينة ثلاثًا، وقد سأل رئيسهم أبو الضبيب عن الضيافة هل فيها أجر؟ فقال رسول الله ﷺ : نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة، وسأل عن وقت الضيافة، فقال : ثلاثة أيام، وسأل عن ضالة الغنم فقال : هي لك أو لأخيك، أو للذئب، وسأل عن ضالة البعير، فقال : ما لك وله؟ دعه حتى يجده صاحبه .7/ وفد ثقيف : - كانت وفادتهم في رمضان سنة 9هـ . بعد مرجع رسول الله ﷺ من تبوك .
وقصة إسلامهم أن رئيسهم عروة بن مسعود الثقفي جاء إلى رسول الله ﷺ بعد مرجعه من غزوة الطائف في ذي القعدة سنة 8 هـ قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم عروة، ورجع إلى قومه، ودعاهم إلى الإسلام - وهو يظن أنهم يطيعونه، لأنه كان سيدًا مطاعًا في قومه، وكان أحب إليهم من أبكارهم - فلما دعاهم إلى الإسلام رموه بالنبل من كل وجه حتى قتلوه، ثم أقاموا بعد قتله أشهرًا، ثم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب - الذين كانوا قد بايعوا وأسلموا - فأجمعوا أن يرسلوا رجلًا إلى رسول الله ﷺ، فكلموا عبد ياليل بن عمرو، وعرضوا عليه ذلك فأبى، وخاف أن يصنعوا به إذا رجع مثل ما صنعوا بعروة، وقال : لست فاعلًا حتى ترسلوا معي رجالًا، فبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك، فصاروا ستة فيهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، وكان أحدثهم سنًّا، فلما قدموا على رسول الله ﷺ ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول الله ﷺ، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول الله ﷺ قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيها بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم طاغيتهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبى رسول الله ﷺ أن يقبل شيئًا من ذلك، فخلوا وتشاوروا، فلم يجدوا محيصًا عن الاستسلام لرسول الله ﷺ، فاستسلموا وأسلموا، واشترطوا أن يتولى رسول الله ﷺ هدم اللات، وأن ثقيفًا لا يهدمونها بأيديهم أبدًا، فقبل ذلك، وكتب لهم كتابًا، وأمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص الثقفي، لأنه كان أحرصهم على التفقُّه في الإسلام وتعلم الدين والقرآن .
وذلك أن الوفد كانوا كل يوم يغدون إلى رسول الله ﷺ، ويخلفون عثمان بن أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وقالوا بالهاجرة عمد عثمان بن أبي العاص إلى رسول الله ﷺ، فاستقرأه القرآن، وسأله عن الدين، وإذا وجده نائمًا عمد إلى أبي بكر لنفس الغرض، (وكان من أعظم الناس بركة لقومه في زمن الردة، فإن ثقيفا لما عزمت على الردة قال لهم : يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلامًا، فلا تكونوا أول الناس ردة، فامتنعوا على الردة، وثبتوا على الإسلام )، ورجع الوفد إلى قومه فكتمهم الحقيقة، وخوفهم بالحرب والقتال، وأظهر الحزن والكآبة، وأن رسول الله ﷺ سألهم الإسلام وترك الزنا والخمر والربا وغيرها وألا يقاتلهم، فأخذت ثقيفًا نخوة الجاهلية، فمكثوا يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، وقالوا للوفد : ارجعوا إليه فأعطوه ما سأل، وحينئذ أبدى الوفد حقيقة الأمر، وأظهروا ما صالحوا عليه، فأسلمت ثقيف، وبعث رسول الله ﷺ رجالًا لهدم اللات، أمَّر عليهم خالد بن الوليد، فقام المغيرة بن شعبة، فأخذ الكرزين وقال لأصحابه : والله لأضحكنكم من ثقيف .
فضرب بالكرزين، ثم سقط يركض، فارتجَّ أهل الطائف، وقالوا : أبعد الله المغيرة، قتلته الربة، فوثب المغيرة فقال : قبحكم الله، إنما هي لكاع حجارة ومدر، ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا أعلى سورها، وعلا الرجال فهدموها وسوَّوْها بالأرض حتى حفروا أساسها، وأخرجوا حليها، ولباسها، فبُهتت ثقيف، ورجع خالد مع مفرزته إلى رسول الله ﷺ بحليها وكسوتها، فقسمه رسول الله ﷺ من يومه، وحمد الله على نصرة نبيه وإعزاز دينه .
8/رسالة ملوك اليمن : - وبعد مرجع النبي ﷺ من تبوك قدم كتاب ملوك حمير، وهم الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان بن قيل ذي رعين، وهمدان ومعافر، ورسولهم إليه ﷺ مالك بن مرة الرهاوي، بعثوه بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، وكتب إليهم رسول الله ﷺ كتابا بين فيه ما للمؤمنين وما عليهم، وأعطى فيهم المعاهدين ذمة الله وذمة رسوله إذا اعطوا ما عليهم من الجزية، وبعث إليهم رجالًا من أصحابه أميرهم معاذ بن جبل .
9/وفد همدان : - قدموا سنة 9 هـ بعد مرجعه ﷺ من تبوك، فكتب لهم رسول الله ﷺ كتابًا أقطعهم فيه ما سألوه، وأمر عليهم مالك بن النمط، واستعمله على من أسلم من قومه، وبعث إلى سائرهم خالد بن الوليد يدعوهم إلى الإسلام، فأقام ستة أشهر يدعوهم فلم يجيبوه، ثم بعث علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالدًا، فجاء علي إلى همدان، وقرأ عليهم كتابًا من رسول الله ﷺ، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا جميعًا، وكتب علي ببشارة إسلامهم إلى رسول الله ﷺ، فلما قرأ الكتاب خرَّ ساجدًا، ثم رفع رأسه فقال : السلام على همدان، السلام على همدان .
10/ وفد بني فزارة : - قدم هذا الوفد سنة 9 هـ بعد مرجعه ﷺ من تبوك، قدم في بضعة عشر رجلًا جاؤوا مقرين بالإسلام، وشكوا جدب بلادهم، فصعد رسول الله ﷺ المنبر، فرفع يديه واستسقى، وقال : «اللهم اسقِ بلادَك وبهائمَك، وانشر رحمتك، وأحْيِ بلدَك الميت، اللهم اسقنا غيثًا، مغيثًا، مريحًا، مريعًا، طبقًا، واسعًا، عاجلًا، غير آجل، نافعًا غير ضار، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا غرق، ولا محق، اللهم اسقنا الغيث، وانصرنا على الأعداء .
11/ وفد نجران كانت وفادة أهل نجران سنة 9 هـ، وقوام الوفد ستون رجلا، منهم أربعة وعشرون، من الأشراف، فيهم ثلاثة كانت إليهم زعامة أهل نجران، أحدهم العاقب، كانت إليه الإمارة والحكومة واسمه عبد المسيح، والثاني السيد، كانت تحت إشرافه الأمور الثقافية والسياسية واسمه الأيهم أو شرحبيل، والثالث الأسقف وكانت إليه الزعامة الدينية، والقيادة الروحانية، واسمه أبو حارثة بن علقمة .
ولما نزل الوفد بالمدينة، ولقي النبي ﷺ سألهم وسألوه، ثم دعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم القرآن فامتنعوا، وسألوه عما يقول في عيسى عليه السلام، فمكث رسول الله ﷺ يومه ذلك حتى نزل عليه : ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ .
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ : تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾ [آل عمران : 59- 61].ولما أصبح رسول الله ﷺ أخبرهم بقوله في عيسى ابن مريم في ضوء هذه الآية الكريمة، وتركهم ذلك اليوم؛ ليفكروا في أمرهم، فأبوا أن يقروا بما قال في عيسى .
فلما أصبحوا وقد أبوا عن قبول ما عرض عليهم من قوله في عيسى، وأبوا عن الإسلام دعاهم رسول الله ﷺ إلى المباهلة، وأقبل مشتملًا على الحسن والحسين في خميل له، وفاطمة تمشي عند ظهره، فلما رأوا منه الجد والتهيؤ خلوا وتشاوروا، فقال كل من العاقب والسيد للآخر : لا تفعل فو الله لئن كان نبيًّا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، ثم اجتمع رأيهم على تحكيم رسول الله ﷺ في أمرهم، فجاؤوا وقالوا : إنا نعطيك ما سألتنا .
فقبل رسول الله ﷺ منهم الجزية، وصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، ومع كل حلة أوقية، وأعطاهم ذمة الله وذمة رسوله، وترك لهم الحرية الكاملة في دينهم، وكتب لهم بذلك كتابًا، وطلبوا منه أن يبعث عليهم رجلًا أمينًا، فبعث عليهم أمين هذه الأمة أبا عبيدة بن الجراح؛ ليقبض مال الصلح .
ثم طفق الإسلام يفشو فيهم، فقد ذكروا أن السيد والعاقب أسلما بعد ما رجعا إلى نجران، وأن النبي ﷺ بعث إليهم عليا، ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، ومعلوم أن الصدقة إنما يؤخذ من المسلمين .12/وفد بني حنيفة :- كانت وفادتهم سنة 9 هـ .
وكانوا سبعة عشر رجلًا فيهم مسيلمة الكذاب، وهو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث من بني حنيفة - نزل هذا الوفد في بيت رجل من الأنصار، ثم جاؤوا إلى النبي ﷺ فأسلموا، واختلفت الروايات في مسيلمة الكذاب، ويظهر بعد التأمل في جميعها أن مسيلمة صدر منه الاستنكاف والأنفة والاستكبار والطموح إلى الإمارة، وأنه لم يحضر مع سائر الوفد إلى رسول الله ﷺ، وأن النبيّ ﷺ أراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل أولا، فلما رأى أن ذلك لا يجدي فيه نفعا تفرس فيه الشر .
وكان النبيّ ﷺ قد أري قبل ذلك في المنام أنه أتي بخزائن الأرض، فوقع في يديه سواران من ذهب، فكبرا عليه وأهماه، فأوحى إليه أن انفخهما، فنفخهما، فذهبا، فأولهما كذابين يخرجان من بعده، فلما صدر من مسيلمة ما صدر من الاستنكاف - وقد كان يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته - جاءه رسول الله ﷺ وفي يده قطعة من جريد، ومعه خطيبه ثابت بن قيس بن شماس، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فكلمه فقال له مسيلمة : إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك، فقال : «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، والله إني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني . ثم انصرف .
وأخيرا وقع ما تفرَّس فيه النبي ﷺ، فإن مسيلمة لما رجع إلى اليمامة بقي يفكر في أمره، حتى ادعى أنه أُشرك في الأمر مع النبيّ ﷺ، فادعى النبوة، وجعل يسجع السجعات، وأحل لقومه الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله ﷺ أنه نبي، وافتتن به قومه فتبعوه، وأصفقوا معه، حتى تفاقم أمره .
وكتب إلى رسول الله ﷺ كتابًا قال فيه : إني أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأمر، ولقريش نصف الأمر، فرد عليه رسول الله ﷺ بكتاب قال فيه : ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ .وعن ابن مسعود قال : جاء ابن النواحة، وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبيّ ﷺ، فقاللها : أتشهدان أني رسول الله؟ فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله . فقال النبي ﷺ : «آمنتُ بالله ورسولِه . لو كنتُ قاتلًا رسولًا لقتلتُكما ».كان ادعاء مسيلمة النبوة سنة عشر، وقتل في حرب اليمامة في عهد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه في ربيع الأول سنة 12 هـ، قتله وحشي قاتل حمزة .
وأما المتنبئ الثاني، وهو الأسود العنسي الذي كان باليمن، فقتله فيروز، واحتزَّ رأسه قبل وفاة النبيّ ﷺ بيوم وليلة، فأتاه الوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر من اليمن إلى أبي بكر رضي الله عنه .
13/ وفد بني عامر بن صعصعة :- كان فيهم عامر بن الطفيل عدو الله وأربد بن قيس - أخو لبيد لأمه - وخالد بن جعفر، وجبار بن أسلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم، وكان عامر هو الذي غدر بأصحاب بئر معونة، فلما أراد هذا الوفد أن يقدم المدينة تامر عامر وأربد، واتفقا على الفتك بالنبي ﷺ، فلما جاء الوفد جعل عامر يكلم النبي ﷺ، ودار أربد خلفه، واخترط سيفه شبرا، ثم حبس الله يده فلم يقدر على سله، وعصم الله نبيه، ودعا عليهما النبي ﷺ، فلما رجعا أرسل الله على أربد وجمله صاعقة فأحرقته، وأما عامر فنزل على امرأة سلولية، فأصيب بغدة في عنقه فمات وهو يقول : أغدة كغدة البعير، وموتًا في بيت السلولية .
وفي صحيح البخاري : أن عامرًا أتى النبي ﷺ فقال : أخيرك بين خصال ثلاث :يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء، فطعن في بيت امرأة، فقال : أغدة كغدة البعير، في بيت امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي . فركب، فمات على فرسه .
14/ وفد تجيب :- قدم هذا الوفد بصدقات قومه مما فضل عن فقرائهم وكان الوفد ثلاثة عشر رجلًا، وكانوا يسألون عن القرآن والسنن يتعلمونها، وسألوا رسول الله ﷺ أشياء فكتب لهم بها، ولم يطيلوا الليث، ولما أجازهم رسول الله ﷺ بعثوا إليه غلاما كانوا خلفوه في رحالهم، فجاء الغلام، وقال : والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي في قلبي، فدعا له بذلك، فكان أقنع الناس، وثبت في الردة على الإسلام، وذكر قومه؛ ووعظهم فثبتوا عليه، والتقى أهل الوفد بالنبيّ ﷺ مرة أخرى في حجة الوداع سنة 10 هـ .
15/ وفد طيء - قدم هذا الوفد وفيهم زيد الخيل، فلما كلموا النبيّ ﷺ، وعرض عليهم الإسلام أسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول الله ﷺ عن زيد : ما ذكر لي رجل من لعرب بفضل، ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه، وسماه زيد الخير .
وهكذا تتابعت الوفود إلى المدينة في سنتي تسع وعشر، وقد ذكر أهل المغازي والسير منها وفود أهل اليمن، والأزد وبني سعد هذيم من قضاعة، وبني عامر بن قيس، وبني أسد، وبهراء، وخولان، ومحارب، وبني الحارث بن كعب، وغامد، وبني المنتفق، وسلامان، وبني عبس، ومزينة، ومراد، وزبيد، وكندة، وذي مرة، وغسان، وبني عيش، ونخع - وهو آخر الوفود، توافد في منتصف محرم سنة 11 هـ في مائتي رجل - وكانت وفادة الأغلبية من هذه الوفود سنة 9 و 10 هـ، وقد تأخرت وفادة بعضها إلى سنة 11 هـ .
وتتابع هذه الوفود يدل على مدى ما نالت الدعوة الإسلامية من القبول التام، وبسط السيطرة والنفوذ على أنحاء جزيرة العرب وأرجائها، وأن العرب كانت تنظر إلى المدينة بنظر التقدير والإجلال، حتى لم تكن ترى محيصًا عن الاستسلام أمامها، فقد صارت المدينة عاصمة لجزيرة العرب، لا يمكن صرف النظر عنها، إلا أننا لا يمكن لنا القول بأن الدين قد تمكَّن من أنفس هؤلاء بأسرهم؛ لأنه كان وسطهم كثير من الأعراب الجفاة الذين أسلموا تبعا لسادتهم، ولم تكن أنفسهم قد خلصت بعد ما تأصل فيها من الميل إلى الغارات، ولم تكن تعاليم الإسلام قد هذبت أنفسهم تمام التهذيب، وقد وصف القرآن بعضهم بقوله في سورة التوبة : ﴿الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ .
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة : 97، 98] وأثنى على آخرين منهم فقال :﴿وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ، سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة : 99]، أما الحاضرون منهم في مكة والمدينة وثقيف، وكثير من اليمن والبحرين؛ فقد كان الإسلام فيهم قويا، ومنهم كبار الصحابة وسادات المسلمين .
ماذا نفعل بعد ذلك
- الفرح بانتشار دعوة التوحيد، وما تم من السيطرة على أنحاء جزيرة العرب .
- معرفة ما وصلت إليه المدينة النبوية من مكانة؛ حيث كان ينظر لها نظر التقدير والإجلال .
- ننشر سيرة النبي ﷺ ما استطعنا .