الأحاديث:
أحاديث نبوية عن الرياح والزلازل
- عن أُبَيُّ بن كَعْبٍ -رضي الله عنه- مرفوعاً: «لا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نَسْأَلُكَ مِن خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمِرَتْ به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أُمِرَتْ به» . شرح وترجمة الحديث
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « الرِّيحُ من رَوْحِ الله، تأتي بالرَّحمة، وتأتي بالعَذَاب، فإذا رَأَيْتُمُوهَا فَلاَ تَسُبُّوهَا، وسَلُوا الله خَيرها، واسْتَعِيذُوا بالله من شرِّها». شرح وترجمة الحديث
عناصر محتوى المفردة:
المقدمة
- المقدمة
- الريح خلق من خلق الله تعالى , وهي الهواء المتحرّك المعروف، وتأتي بالرحمة وبالعذاب فمن الرِّيحِ : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [القمر : 19]، ﴿فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا﴾ [الأحزاب : 9]، وقال في الرحمة : ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ﴾ [الحجر : 22]، ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ﴾ [الروم : 46].
المادة الأساسية
- (من أحكام الريح وآدابها ): مما يستشعره المسلم في هبوب الريح : 1/ أن الله قد عظمها وأقسم بها تشريفا لها في مواضع مثل : ﴿والذاريات ذروا﴾ [الذاريات : 1], ﴿والمرسلات عرفا (1) فالعاصفات عصفا (2) والناشرات نشرا(3)﴾ [المرسلات : 1-3].
وهي آية من آيات الله تعالى، قال سبحانه : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة : 164].
2/ أنها من مظاهر رحمة الله تعالى، ولذلك صور : أ - منها : إنزال المطر بها، قال تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان : 48].
ب - ومنها : أنها تكون نصرا لأنبيائه وأوليائه سبحانه كما سخَّرها الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ .
[الأحزاب : 9] ج - ومنها : أن الله يسيِّر بها السفن في البحار، قال تعالى : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور(33)﴾ [الشورى : 32-33]. الجَوار : السفن الجارية، في البحر، كالجبال أو القصور العالية . 3/ قد تكون الرياح عقوبة لأقوام وقد عاقب الله بها قوما مضوا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور » [رواه البخاري ومسلم ].
وأهلك الله بها عادًا قوم هود عليه السلام قال تعالى : ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات : 41]، ومعنى عقيم : لم تأت بخير . قال ابن الجوزي : «وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة، لا تُلْقِح شجرًا ولا تَحْمِل مطرًا، وإنما هي للإهلاك ».
وقد توعد الله بها عباده فقال سبحانه : ﴿أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ(18)﴾ [الملك : 17] حاصبا : ريحا من السماء فيها حصباء .
(موقف المسلم عند هبوبها ): 1/ لا يذم ولا يسب الرياح فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ».
[رواه الترمذي ] لأن السب إنما يكون متوجها إلى خالقها ومصرفها وهذا من أعظم الذنوب وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «لا تلعنْها فإنها مأمورةٌ، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهلٍ رجعتِ الَّلعنةُ عليه ».
[رواه أبو داود ] 2/ استشعار الخوف عند هبوبها من أن تكون عقوبة يعاقب الله بها بعض عباده على شيء من الذنوب كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : وكان إذا رأى غيما ، أو ريحا عرف في وجهه، قالت : «يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال : يا عائشة ما يُؤمِنِّي أن يكون فيه عذاب ,عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : ﴿هذا عارض ممطرنا﴾ ».
[رواه البخاري ] 3/ أن يدعو بما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم : وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث : أ - عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا عصفت الرّيح قال : «اللّهمّ إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها ، وشرّ ما فيها، وشرّ ما أرسلت به » [رواه مسلم ]. ب ) عن سلمة بن الأكوع رفعه إن شاء الله أنه كان إذا اشتدت الريح يقول : «اللهم لقحا لا عقيما ». [أخرجه الحاكم في المستدرك ] ومعنى لقحًا : أي ريحا بها ماء ، والعقيم : بعكسها .
ج ) عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بــــ ﴿أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿أعوذ برب الناس﴾، ويقول : «يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ». قال : وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة .
[رواه أبو داود ] (الزلازل ): عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال : قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم -: «لا تقوم السّاعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزّمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج -وهو القتل - حتى يكثر فيكم المال فيفيض ».
[رواه البخاري ] الزلازل من العذاب الذي يرسله الله على من يشاء من خلقه، فقد كانت الزلزلة والرجفة عذاب قوم شعيب والعياذ بالله، قال الله عز وجل عنهم : ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [سورة الأعراف : 78]. أي : هلكوا عن آخرهم . ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ [الأعراف : 155]. عند ذلك ابتهل موسى إلى الله . قال المفسرون : «كانوا لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل، هؤلاء السبعين، لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل، ولا نهوهم، فكان هذا من أسباب أخذهم بالرجفة ».
الزلازل آية يخوف الله بها عباده، وكون الزلازل لها أسباب يشرحها علماء الأرض، أي : علماء طبقات الأرض، هذه الأسباب لا تنفي كون هذه الزلازل آيات يخوف الله بها عباده، مثل الكسوف له سبب، وله حكمة، السبب معروف، وهو من وقوع الكواكب الثلاثة : الأرض، والشمس، والقمر، في مسافات معينة، في ترتيب معين، فيكون كسوفًا، أو خسوفًا، لكن الحكمة : يخوف الله بها عباده، فينبغي أن لا يخلط المسلم، بين السبب، والحكمة، وينبغي أن لا يشغله السبب عن الحكمة .
هل الزلازل ابتلاء أم عقوبة، وما الفرق بينهما؟ ما هو الفرق بين أن تكون ابتلاءً أو عقوبة؟ إذا كانت ابتلاء فهي لتكفير ذنوب، أو رفع درجات، أو زيادة حسنات، فقد تكون لأتقى خلق الله، فالابتلاء قد يكون لأتقى خلق الله، ولو لم يعمل معصية، يزيد الله في حسناته، ويرفع في الجنة درجاته .
أما إذا كانت عقوبة فإنها تكون للمعصية؛ كالشرك، والتوسل إلى الأموات، والطواف بالأضرحة والقبور، وترك الشريعة، والكفر بالله، وشرب الخمور، وارتكاب الموبقات، والمحرمات بأنواعها، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، ونحو ذلك، فهذه من أسباب العقوبة .
هل يمنع أن يكون الحدث ابتلاءً , وعقوبة في نفس الوقت؟ الجواب : كلا، فإنه ابتلاء للمؤمنين، فكل مؤمن أصابه من البلاء ما أصابه , وهو طائع لله، يدعو إلى الله، متمسك بدين الله، موحد لله غير مشركٍ به، فإنه ابتلاء في حقه، فإذا مات، أو سقط عليه البناء، أو جرح، أو كسر، أو مات له أولاد، أو زوجة، أو أقرباء، وانهدم بيته، وتهشمت سيارته، وعدم أثاثه، ونحو ذلك، هذا في حقه ابتلاء، يزيد الله في حسناته، ويرفع في درجاته .
أما إذا كان من المتولين عن الله، المعادين لدين الله، الخارجين عن طاعة الله، فهذا في حقه عقوبة، وشر مستطير نزل به، قد يرجع إلى الله فيتوب، وهذا هو المرجو، فالله عز وجل يذكرنا : ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام : 42]، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران : 72]، ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة : 221]، وقد لا يحدث له إلا الزيادة في الكفر، والزيادة في المعاصي : ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء : 60].
(من الحِكم في حدوث الزلازل ): 1/ تذكير الأقوام، وتخويفهم، وتذكير من حولهم : ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ﴾ [الرعد : 31]. وكل ذلك : ﴿لعلهم يعقلون﴾، ﴿لعلهم يرجعون﴾ .
وقد تكون العقوبة انتقاما من الله لأهل الباطل، وهذا أمر آخر، غير التذكير والتخويف : ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود : 102]. 2/: إشغال أهل الباطل بأنفسهم، عن الكيد لأهل الحق، فقد يكونون مندفعين في الكيد لأهل الحق، ومحاربة المصلحين، ومحاربة الدعاة إلى الله، فيشغلهم الله بأنفسهم .
3/: اصطفاء شهداء لله، إذا كان الإنسان تقيًا مقبلاً على الله، فأصابه زلزال، فقبضت روحه، أو حصلت له جراح، وكسور، وابتلي في ماله، وأهله، فماذا يكون؟ إذا مات في مثل الزلازل، فهو داخل بإذن الله في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : «... وصاحب الهدم شهيد ». [رواه النسائي ]
ماذا نفعل بعد ذلك
- أن نستشعر رحمة الله، ولطفه، بإرساله الرياح مبشرات للمطر .
- أن نخاف أن تكون هذه الرياح للأخذ والعذاب .
- أن نرجع إلى الله ونستغيث به في حلول الزلازل .