المدائن
المدَائِنُ
قال بطليموس: طول المدائن سبعون درجة وثلث، وعرضها ثلاث وثلاثون درجة وثلث، بالفتح جمع المدينة، تهمز ياؤها ولا تهمز، إن أخذت من دان يدين إذا أطاع لم تهمز إذا جمع على مداين لأنه مثل معيشة وياؤه أصلية، وإن أخذت من مدن بالمكان إذا أقام به همزت لأن ياءها زائدة فهي مثل قرينة وقرائن وسفينة وسفائن، والنسبة إليها مدائنيّ وإنما جاز النسبة إلى الجمع بصيغته لأنه صار علما بهذه الصيغة وإلّا فالأصل أن يردّ المجموع إلى الواحد ثم ينسب إليه، والنسبة إلى مدينة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، مدنيّ وربما قيل مدينيّ، والنسبة إلى مدينة أصبهان مدينيّ لا غير وربما نسب إلى غيرها هذه النسبة كبغداد ومرو ونيسابور والمدائن العظام، قال يزدجرد بن مهبندار الكسروي في رسالة له عملها في تفضيل بغداد فقال في تضاعيفها ولقد كنت أفكر كثيرا في نزول فقال في نزول الأكاسرة بين أرض الفرات ودجلة فوقفت على أنهم توسطوا مصبّ الفرات في دجلة هذا ان الإسكندر لما سار في الأرض ودانت له الأمم وبنى المدن العظام في المشرق والمغرب رجع إلى المدائن وبنى فيها مدينة وسوّرها وهي إلى هذا الوقت موجودة الأثر وأقام بها راغبا عن بقاع الأرض جميعا وعن بلاده ووطنه حتى مات، قال يزدجرد: أما أنوشروان بن قباذ وكان أجلّ ملوك فارس حزما ورأيا وعقلا وأدبا فإنه بنى المدائن وأقام بها هو ومن كان بعده من ملوك بني ساسان إلى أيام عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، وقد ذكر في سير الفرس أن أول من اختطّ مدينة في هذا الموضع أردشير بن بابك، قالوا: لما ملك البلاد سار حتى نزل في هذا الموضع فاستحسنه فاختطّ به مدينة، قال: وإنما سميت المدائن لأن زاب الملك الذي بعد موسى، عليه السّلام، ابتناها بعد ثلاثين سنة من ملكه وحفر الزوابي وكوّرها وجعل المدينة العظمى المدينة العتيقة، فهذا ما وجدته مذكورا عن القدماء ولم أر أحدا ذكر لم سمّيت بالجمع والذي عندي فيه أن هذا الموضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانية وغيرهم فكان كلّ واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلهاوسماها باسم، فأولها المدينة العتيقة التي لزاب، كما ذكرنا، ثم مدينة الإسكندر ثم طيسفون من مدائنها ثم اسفانبر ثم مدينة يقال لها رومية فسميت المدائن بذلك، والله أعلم، وكان فتح المدائن كلها على يد سعد بن أبي وقّاص في صفر سنة 16 في أيام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال حمزة: اسم المدائن بالفارسية توسفون وعرّبوه على الطيسفون والطيسفونج وإنما سمّتها العرب المدائن لأنها سبع مدائن بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة، وآثارها واسماؤها باقية، وهي: اسفابور ووه أردشير وهنبو شافور ودرزيندان ووه جنديوخسره ونونيافاذ وكردافاذ، فعرّب اسفابور على اسفانبر، وعرّب وه أردشير على بهرسير، وعرب هنبو شافور على جنديسابور، وعرب درزيندان على درزيجان، وعرب وه جنديوخسره على رومية، وعرب السادس والسابع على اللفظ، فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة والبصرة انتقل إليهما الناس عن المدائن وسائر مدن العراق ثم اختط الحجاج واسطا فصارت دار الإمارة، فلما زال ملك بني أميّة اختط المنصور بغداد فانتقل إليها الناس ثم اختط المعتصم سامرّا فأقام الخلفاء بها مدّة ثم رجعوا إلى بغداد فهي الآن أم بلاد العراق، فأما في وقتنا هذ فالمسمى بهذا الاسم بليدة شبيهة بالقرية بينها وبين بغداد ستة فراسخ وأهلها فلّاحون يزرعون ويحصدون والغالب على أهلها التشيّع على مذهب الإمامية، وبالمدينة الشرقية قرب الإيوان قبر سلمان الفارسي، رضي الله عنه، وعليه مشهد يزار إلى وقتنا هذا، وقال رجل من مراد:
دعوت كريبا بالمدائن دعوة، وسيرت إذ ضمّت عليّ الأظافر فيال بني سعد علام تركتما أخا لكما يدعوكما وهو صابر أخا لكما إن تدعواه يجبكما، ونصركما منه إذا ريع فاتر
وقال عبدة بن الطيب:
هل حبل خولة بعد الهجر موصول، أم أنت عنها بعيد الدار مشغول؟ وللأحبّة أيّام تذكّرها، وللنّوى قبل يوم البين تأويل حلّت خويلة في دار مجاورة أهل المدائن فيها الديك والفيل يقارعون رؤوس العجم ظاهرة منها فوارس لا عزل ولا ميل من دونها، لعتاق العيس إن طلبت، خبت بعيد نياط الماء مجهول
وقال رجل من الخوارج كان مع الزبير بن الماخور وكانوا أوقعوا بأهل المدائن فقال:
ونجّى يزيدا سابح ذو علالة، وأفلتنا يوم المدائن كردم وأقسم لو أدركته إذ طلبته لقام عليه من فزارة مأتم
والمدائن أيضا: اسم قريتين من نواحي حلب في نقرة بني أسد، إليها فيما أحسب ينسب أبو الفتح أحمد ابن علي المدائني الحلبي، قرأت بخط عبد الله بن محمد ابن سنان الخفاجي الحلبي على جزء من كتاب الحيوان للجاحظ: ابتعته من تركة أبي الفتح أحمد المدائني في جمادى الآخرة سنة 459.
المدائن
كانت سبع مدن من بناء الأكاسرة على طرف دجلة، وقيل: إنها من بناء كسرى الخير أنوشروان. سكنها هو وملوك بني ساسان بعده إلى زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وإنما اختار هذا الموضع للطافة هوائه وطيب تربته وعذوبة مائه؛ قال حمزة: هذا الموضع سمته العرب مدائن لأنها كانت سبع مدن، بين كل واحدة والخرى مسافة، وآثارها إلى الآن باقية وهي: اسفابور، به اردشير، هنبو سابور، دوزبندان، به از انديوخسرو، نونياباذ، كردافاذ.
فلما ملك العرب ديار الفرس واختطت الكوفة والبصرة انتقل الناس إليهما، ثم اختط الحجاج واسطاً وكانت دار الامارة فانتقل الناس إليها، فلما اختط المنصور بغداد انتقل أكثر الناس إليها. فأما في وقتنا هذا فالمسمى بالمدائن بليدة شبيهة بقرية في الجانب الغربي من دجلة. أهلها فلاحون شيعة إمامية. ومن عادتهم أن نساءهم لا يخرجن نهاراً أصلاً.
وبها مشهد رفيع البناء لأحد العلويين، وفي الجانب الشرقي منها مشهد سلمان الفارسي، رضي الله عنه، وله موسم في منتصف شعبان، ومشهد حذيفة ابن اليمان مشير رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وكان للأكاسرة هناك قصر اسمه أبيض، كان باقياً إلى زمن المكتفي في حدود سنة تسعين ومائتين، فأمر بنقضه وبنائه التاج الذي بدار الخلافة ببغداد، وتركوا منه الإيوان المعروف بإيوان كسرى. ذكر أنه من بناء انوشروان كسرىالخير، وانه تعاون على بنائه الملوك وهو من أعظم الأبنية وأعلاها، والآن قد بقي منه طاق الإيوان وجناحات وازجة قد بنيت بآجر طوال عراض.
وحكي أن أنوشروان لما أراد بناء هذا القصر أمر بشري ما حوله، وأرغب الناس في الثمن الوافر، ومن جملتهم عجوز لها بيت صغير قالت: لست ابيع جوار الملك بالدنيا كلها! فاستسحسن أنوشروان منها هذا القول وأمر بترك ذلك البيت على حاله، وإحكام عمارته، وبناء الإيوان محيطاً به. وإني رأيت الإيوان، وفي جانب منه قبة محكمة العمارة، يعرفها أهل الناحية بقبة العجوز. وكان على افيوان نقوش وصور بالتزاويق، وصورة مدينة أنطاكية وانوشروان يحاصرها ويحارب أهلها راكباً على فرس أصفر، وعليه ثياب خضر وبين يديه صفوف الفرس والروم، وكانت هذه النقوش على الإيوان باقية إلى زمان أبي عبادة البحتري، فإنه شاهدها وذكرها في قصيدته السينية:
حضرت رحلي الهموم فوجّه ت إلى أبيض المدائن عنسي أتسلّى عن الخطوب وآسى لمحلٍّ من آل ساسان درس حللٌ لم تكن كأطلال سعدى في قفارٍ من البسابس ملس لو تراه علمت أنّ اللّيالي جعلت فيه مأتماً بعد عرس فإذا ما رأيت صورة أنطا كيّة ارتعت بين رومٍ وفرس والمنايا مواثلٌ وأنوشر وان يزجي الصّفوف تحت الدّرفس في اخضرارٍ من اللّباس على اص فر يختال في صبيغة ورس وعراك الرّجال بين يديه في خفوتٍ منهم وإغماض جرس من مشيحٍ يهوي بعامل رمحٍ ومليحٍ من السّنان بترس وكأنّ الإيوان من عجب الصّن ... عة جوبٌ في جنب أرعن جلسلم يعبه أن بزّ من بسط الدّيبا ... ج واستلّ من ستور الدّمقس تصف العين أنّهم جدّ أحياءٍ لهم بينهم إشارة خرس مشمخرٌّ تعلو له شرفاتٌ رفعت من رؤوسٍ رضوى وقدس
وحكي أن غلمان الدار شكوا إلى أنوشروان وقالوا: إن العجوز تدخن في بيتها، ودخانها يفسد نقوش الإيوان! فقال: كلما أفسدت أصلحوها ولا تمنعوها من التدخين!
وكان للعجوز بقرة تأتيها آخر النهار لتحلبها، فإذا وصلت إلى الإيوان طووا فرشه لتمشي البقرة إلى باب قبة العجوز، فإذا فرغت من حلبها رجعت البقرة وسووا البساط. وكان هذا مذهبهم في العدل والرفق بالرعايا، ولولا مخالفة النبوة التي شرفها الله تعالى وشرف بها عباده، كانت معدلتهم تقتضي دوام دولتهم.
مرو الروذ
ناحية بين الغور وغزنة واسعة. ينسب إليها القاضي الإمام العالم الفاضل حسين المروروذي عديم النظير في العلم والورع:
عقرت حوامل أن يلدن نظيره إنّ النّساء بمثله عقم
حكي أن رجلاً جاء القاضي حسيناً وقال له: إني حلفت بالطلاق ثلاثاً ان ليس في هذا الزمان أعلم منك! فماذا تقول وقع طلاقي أم لا؟ فأطرق رأسه ساعة ثم رفع رأسه وبكى وقال: يا هذا لا يقع طلاقك، وإنما ذلك لعدم الرجال لا لوفور علمي!
المدائن
تقع على جانبي دجلة قريبا من بغداد وتتألف من سبعة مدن هي: طيسفون، بهرسير، قصر كسرى (الإيوان) ، الرومية، ساباط، أسبانبر، السلوقية، وكانت المدائن دار ملك الأكاسرة.