كرمان

كرمان


كِرْمَانُ


بالفتح ثم السكون، وآخره نون، وربما كسرت والفتح أشهر بالصحة، وكرمان في الإقليم الرابع، طولها تسعون درجة، وعرضها ثلاثون درجة:
وهي ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقيّها مكران ومفازة ما بين مكران والبحر من وراء البلوص، وغربيّها أرض فارس، وشماليّها مفازة خراسان، وجنوبيّها بحر فارس، ولها في حدّ السيرجان دخلة في حد فارس مثل الكمّ وفيما يلي البحر تقويس، وهي بلاد كثيرة النخل والزرع والمواشي والضرع تشبّه بالبصرة في كثرة التمور وجودتها وسعة الخيرات، قال محمد بن أحمد البنّاء البشاري: كرمان إقليم يشاكل فارس في أوصاف ويشابه البصرة في أسباب ويقارب خراسان في أنواع لأنه قد تاخم البحر واجتمع فيه البرد والحرّ والجوز والنخل وكثرت فيه التمور والأرطاب والأشجار والثمار، ومن مدنه المشهورة جيرفت وموقان وخبيص وبمّ والسيرجان ونرماسير وبردسير وغير ذلك، وبها يكون التوتيا ويحمل إلى جميع البلاد، وأهلها أخيار أهل سنّة وجماعة وخير وصلاح إلا أنها قد تشعثت بقاعها واستوحشت معاملها وخربت أكثر بلادها لاختلاف الأيدي عليها وجور السلطان بها لأنها منذ زمن طويل خلت من سلطان يقيم بها إنما يتولّاها الولاة فيجمعون أموالها ويحملونها إلى خراسان، وكل ناحية أنفقت أموالها في غيرها خربت إنما تعمر البلدان بسكنى السلطان، وقد كانت في أيام السلجوقية والملوك القارونية من أعمر البلدان وأطيبها ينتابها الركبان ويقصدها كل بكر وعوان، قال ابن الكلبي:
سميت كرمان بكرمان بن فلوج بن لنطي بن يافث ابن نوح، عليه السّلام، وقال غيره: إنما سميت بكرمان بن فارك بن سام بن نوح، عليه السّلام، لأنه نزلها لما تبلبلت الألسن واستوطنها فسميت به، وقال ابن الفقيه: يقال إن بعض ملوك الفرس أخذ قوما فلاسفة فحبسهم وقال: لا يدخل عليهم إلا الخبز وحده، وخيروهم في أدم واحد فاختاروا الأترج، فقيل لهم: كيف اخترتموه دون غيره؟ فقالوا: لأن قشره الظاهر مشموم وداخله فاكهة وحمّاضه أدم وحبه دهن، فأمر بهم فأسكنوا كرمان، وكان ماؤها في آبار لا يخرج إلا من خمسين ذراعا، فهندسوه حتى أظهروه على وجه الأرض ثم غرسوا بها الأشجار فالتفّت كرمان كلها بالشجر فعرف الملك ذلك فقال: أسكنوهم الجبال، فأسكنوها فعملوا الفوّارات وأظهروا الماء على رؤوس الجبال، فقال الملك: اسجنوهم، فعملوا في السجن الكيمياء وقالوا: هذا علم لا نخرجه إلى أحد، وعملوا منه ما علموا أنه يكفيهم مدة أعمارهم ثم أحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيمياء، وقد ذكر في بعض كتب الخراج عن بعض كتّاب الفرس أن الأكاسرة كانت تجبي السواد مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم سوى ثلاثين ألف ألف من الوضائع لموائد الملوك، وكانوا يجبون فارس أربعين ألف ألف، وكانوا يجبون كرمان ستين ألف ألف درهم لسعتها وهي مائة وثمانون فرسخا في مثلها، وكانت كلها عامرة وبلغ من عمارتهاأن القناة كانت تجري من مسيرة خمس ليال، وكانت ذات أشجار وعيون وقنيّ وأنهار، ومن شيراز إلى السيرجان مدينة كرمان أربعة وستون فرسخا وهي خمسة وأربعون منبرا كبار وصغار، وأما في أيامنا هذه فقصبتها وأشهر مدنها جواشير، ويقال كواشير، وهي بردسير، وأما فتحها فإن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولّى عثمان بن العاص البحرين فعبر البحر إلى أرض فارس ففتحها ولقي مرزبان كرمان في جزيرة بركاوان فقتله فوهى أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم، فلما سار ابن عامر إلى فارس في أيام عثمان بن عفّان أنفذ مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد، فهلك جيشه بميمند من مدن كرمان، وقيل من رساتيق فارس، ثم لما توجه ابن عامر إلى خراسان ولّى مجاشعا كرمان ففتح ميمند واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا بذلك، وله بها قصر يعرف بقصر مجاشع، ثم فتح مجاشع بروخروه ثم أتي السيرجان مدينة كرمان فتحصن أهلها منه ففتحها عنوة، وقد كان أبو موسى الأشعري وجّه الربيع ابن زياد الحارثي ففتح ما حول السيرجان وصالح أهل بمّ والأندغان ثم نكث أهلها فافتتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوّخها وأتى القفص وقد اجتمع إليه خلق ممن جلا من الأعاجم فواقعهم وظفر عليهم فهربت جماعة من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بسجستان ومكران فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم فعمّروها وأدّوا العشر فيها واحتفروا القنيّ في مواضعها، فعند ذلك قال حمير السعدي:

أيا شجرات الكرم لا زال وابلعليكنّ منهلّ الغمام مطير
سقيتنّ ما دامت بنجد وشيجة،ولا زال يسعى بينكنّ غدير
ألا حبّذا الماء الذي قابل الحمىومرتبع من أهلنا ومصير
وأيامنا بالمالكية، إنّنيلهنّ على العهد القديم ذكور
ويا نخلات الكرخ لا زال ماطرعليكنّ مستنّ السحاب درور
سقيتنّ ما دامت بكرمان نخلةعوامر تجري بينهنّ نهور
لقد كنت ذا قرب فأصبحت نازحابكرمان ملقى بينهنّ أدور

وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق بن عبد الله بن شدّاد بن معاوية بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال الهلالي فارس وكرمان، وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على عبوره فقال: من جازه فله ألف درهم، فجازوه فوفى لهم، وكان ذلك أوّل يوم سميت الجائزة جائزة، وقال الجحّاف بن حكيم:

فدى للأكرمين بني هلالعلى علّاتهم أهلي ومالي
هم سنّوا الجوائز في معدّفصارت سنّة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمانوعشر حين تختلف العوالي

وكرمان أيضا: مدينة بين غزنة وبلاد الهند وهي من أعمال غزنة: بينهما أربعة أيام أو نحوها، وبنيسابور محلة يقال لها مربّعة الكرمانية، ينسب إليها أبو يوسف يعقوب بن يوسف الكرماني النيسابوري الشيباني الفقيهالحافظ المعروف بابن الأخرم، أطال المقام بمصر وكان بينه وبين المزني مكاتبة، سمع إسحاق بن راهويه وقتيبة ابن سعيد ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم، وسمع بالعراق والشام وخراسان والجزيرة ومصر، روى عنه أبو حامد ابن الشرقي وعلي بن جمشاد العدل، توفي سنة 287.

كرمان


ناحية مشهورة، شرقها مكران وغربها فارس وشمالها خراسان وجنوبها بحر فارس. تنسب إلى كرمان بن فارس بن طهمورث. وهي بلاد واسعة الخيرات وافرة الغلات من النخل والزرع والمواشي.
وبها ثمرات الصرود والجروم والجوز والنخل. وبها معدن التوتيا، يحمل منها إلى جميع الدنيا، بها خشب لا تحرقه النار ولو ترك فيها أياماً، ينبت في بعض جبالها، يأخذه الطرقيون ويقولون: انه من الخشب الذي صلب عليه المسيح.
وشجر القطن بكرمان يبقى سنين حتى يصير مثل الأشجار الباسقة، وكذلك شجر الباذنجان والشاهسفرم. وبها شجر يسمى كادي، من شمه رعف، ورقه كورق الصبر إن ألقي في النار لا يحترق.
ومن عجائب الدنيا أرض بين كرمان وجاريح إذا احتك بعض أحجارها بالبعض يأتي مطر عظيم، وهذا شيء مشهور عندهم، حتى ان من اجتاز بها يتنكب عنها كيلا تحتك تلك الحجارة بعضها ببعض فيأتي مطر يهلك الناس والدواب! وبها معدن الزاج الذهبي يحمل من كرمان إلى سائر الآفاق.
وحكى ابن الفقيه أن بعض الملوك غضب على جمع من الفلاسفة، فنفاهم إلى أرض كرمان لأنها كانت أرضاً يابسة بيضاء، لا يخرج ماؤها إلا من خمسين ذراعاً. فهندسوا حتى أخرجوا الماء على وجه الأرض وزرعوا عليه وغرسوا فصارت كرمان أحسن بلاد الله، ذات شجر وزرع. فلما عرفالملك ذلك قال: اسكنوهم جبالها، فعملوا الفوارات وأظهروا الماء على رؤوس جبالها، فقال الملك: اسجنوهم، فعملوا في السجن الكيميا وقالوا: هذا علم لا نخرجه إلى أحد! وعملوا مقدار ما يكفيهم مدة عمرهم، وأحرقوا كتبهم وانقطع علم الكيميا.
وبأرض كرمان في رساتيقها جبال بها أحجار تشتعل بالنار مثل الحطب.
وينسب إلى كرمان الشيخ أبو حامد أحمد الكرماني الملقب بأوحد الدين. كان شيخاً مباركاً صاحب كرامات، وله تلامذة، وكان صاحب خلوة يخبر عن المغيبات، وله أشعار بالعجمية في الطريقة، كان صاحب اربل معتقداً به، بقي عنده مدة ثم تأذى منه وفارقه وهو يقول:

با دل كفتم خدمت شاهي كم كيرجون سر نهاده كلاهي كم كير
دل كفت مرا ازين سخن كمتر كوكردي ودهي وخانقاهي كم كير

مات سنة خمس وثلاثين وستمائة ببغداد.

كرمان



إقليم يقع بين إقليم فارس غربا، وإقليم مكران والمفازة الكبرى شرقآ، والخليح العربي جنوبا، وفيه يمتد رأس هرمز وقاعدة الإقليم مدينة (كرمان) ، ومن مدنها مدينة (بردسير) وكانت عاصمة إقليم أيام بني بويه.