طرسوس

طرسوس


طَرَسُوسُ


بفتح أوله وثانيه، وسينين مهملتين بينهما واو ساكنة، بوزن قربوس، كلمة عجمية رومية، ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن فعلول ليس من أبنيتهم، قال صاحب الزيج: طول طرسوس ثمان وخمسون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة وربع، وهي في الإقليم الرابع، وقالوا: سميت بطرسوس بن الروم بن اليفز بن سام ابن نوح، عليه السلام، وقيل: إن مدينة طرسوس أحدثها سليمان كان خادما للرشيد في سنة نيف وتسعين ومائة، قاله أحمد بن محمد الهمذاني، وهي مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم، قال أحمد بن الطيّب السّرخسي: رحلنا من المصيصة نريد العراق إلى أذنة ومن أذنة إلى طرسوس، وبينها وبين أذنة ستة فرسخ، وبين أذنة وطرسوس فندق بغا والفندق الجديد، وعلى طرسوس سوران وخندق واسع ولها ستة أبواب ويشقها نهر البردان وبها قبر المأمون عبد الله بن الرشيد جاءها غازيا فأدركته منيته فمات، فقال الشاعر:

هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون في عزّ ملكه المأسوس؟
غادروه بعرصتي طرسوسمثل ما غادروا أباه بطوس

وما زالت موطنا للصالحين والزهّاد يقصدونها لأنها من ثغور المسلمين ثم لم تزل مع المسلمين في أحسن حال وخرج منها جماعة من أهل الفضل إلى أن كان سنة 354 فان نقفور ملك الروم استولى على الثغور وفتح المصيصة، كما نذكره في موضعه، ثم رحل عنها ونزل على طرسوس وكان بها من قبل سيف الدولة رجل يقال له ابن الزّيّات ورشيق النسيمي مولاه فسلّما إليه المدينة على الأمان والصلح على أن من خرج منها من المسلمين وهو يحمل من ماله مهما قدر عليه لا يعترض من عين وورق أو خرثيّ وما لم يطق حمله فهو لهم مع الدور والضياع، واشترط تخريب الجامع والمساجد، وأنه من أراد المقام في البلد على الذمّة وأداء الجزية فعل وإن تنصّر فله الحباء والكرامة وتقرّ عليه نعمته، قال: فتنصّر خلق فأقرّت نعمهم عليهم وأقام نفر يسير على الجزية وخرج أكثر الناس يقصدون بلاد الإسلام وتفرّقوا فيها، وملك نقفور البلد فأحرق المصاحف وخرّب المساجد وأخذ من خزائن السلاح ما لم يسمع بمثله مما كان جمع من أيام بني أميّة إلى هذه الغاية، وحدث أبو القاسم التنوخي قال: أخبرني جماعة ممن جلا عن ذلك الثغر أن نقفور لما فتح طرسوس نصب في ظاهرها علمين ونادى مناديه: من أراد بلاد الملك الرحيم وأحبّ العدل والنّصفة والأمن على المال والأهل والنفس والولد وأمن السبل وصحة الأحكام والإحسان في المعاملة وحفظ الفروج وكذا وكذا، وعد أشياء جميلة، فليصر تحت هذا العلم ليقفل مع الملك إلى بلاد الروم، ومن أراد الزنا واللواط والجور في الأحكام والأعمال وأخذ الضرائب وتملّك الضياع عليه وغصب الأموال، وعد أشياء من هذا النوع غير جميلة، فليحصل تحت هذا العلم إلى بلادالإسلام، فصار تحت علم الروم خلق من المسلمين ممن تنصّر وممن صبر على الجزية، ودخل الروم إلى طرسوس فأخذ كلّ واحد من الروم دار رجل من المسلمين بما فيها ثم يتوكل ببابها ولا يطلق لصاحبها إلا حمل الخفّ فان رآه قد تجاوز منعه حتى إذا خرج منها صاحبها دخلها النصراني فاحتوى على ما فيها، وتقاعد بالمسلمين أمهات أولادهم لما رأين أهاليهنّ وقالت: أنا الآن حرّة لا حاجة لي في صحبتك، فمنهنّ من رمت بولدها على أبيه ومنهنّ من منعت الأب من ولده فنشأ نصرانيّا، فكان الإنسان يجيء إلى عسكر الروم فيودع ولده ويبكي ويصرخ وينصرف على أقبح صورة حتى بكى الروم رقّة لهم وطلبوا من يحملهم فلم يجدوا غير الروم فلم يكروهم إلا بثلث ما أخذوه على أكتافهم أجرة حتى سيروهم إلى أنطاكية، هذا وسيف الدولة حيّ يرزق بميّافارقين والملوك كلّ واحد مشغول بمحاربة جاره من المسلمين وعطّلوا هذا الفرض، ونعوذ بالله من الخيبة والخذلان ونسأله الكفاية من عنده، ولم تزل طرسوس وتلك البلاد بيد الروم والأرمن إلى هذه الغاية، وقد نسب إليها جماعة يفوت حصرهم، وأما أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم الطرسوسي فانه بغداديّ أقام بها إلى أن مات سنة 273 فنسب إليها، وممن نسب إليها من الحفّاظ محمد بن عيسى ابن يزيد الطرسوسي التميمي ثم السعدي، رحّال من أهل المعرفة، سمع بدمشق سليمان بن عبد الرحمن وصفوان بن صالح وسمع بحمص ومكة، وسمع عيسى بن قالون المقري بالمدينة، وبالكوفة أبا نعيم، وبالبصرة سليمان بن حرب، وبميافارقين مسلما ومحمد ابن حميد الرازي، روى عنه أبو بكر بن خزيمة وأبو العباس الدّغولي وأبو عوانة الأسفراييني وهو غير متهم، قال الحافظ أبو عبد الله: وكان من المشهورين بالطلب في الرحلة والكثرة والفهم والثبت، ورد خراسان بعد 250 ونزل نيسابور وأقام بها وكتب عنه من كان في عصره ثم خرج إلى مرو فأقام بها مدة وأكثر أهل مرو عنه بعد الستين ثم دخل بلخ فتوفي بها سنة 276.


موضع بنواحي إفريقية.

طرسوس


مدينة بين انطاكية وحلب. مدينة جليلة سميت بطرسوس بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح، عليه السلام؛ قالوا: لما وصل الرشيد إليها جدد عماراتها وشق نهرها. ولها سور وخندق.
قال محمد بن أحمد الهمذاني: لم تزل طرسوس موطن الزهاد والصالحين لأنها كانت بين ثغور المسلمين، إلى أن قصدها فغفور ملك الروم سنة أربع وخمسين وثلاثمائة في عسكر عظيم، وكان فيها رجل من قبل سيف الدولة يقال له ابن الزيات عجز عن مقاومة الروم، سلم إليهم على الأمان على شرط أن من خرج منها متاعه لم يتعرض، ومن أراد المقام مع اداء الجزية فعل. فلما دخل الكفار المدينة خربوا مساجدها، وأخذوا من السلاح والأموال ما كان جمع فيها من أيام بني أمية، وأخذ كل واحد من النصارى دار رجل من المسلمين، ولم يطلق لصاحبها إلا حمل الخف، واحتوى على جميع ما فيها، وتقاعدبالمسلمين أمهات أولادهم. فمنهن من منعت الرجل ولده واتصلت بأهلها فيأتي الرجل إلى معسكر الروم ويودع ولده باكياً، ولم تزل طرسوس في أيديهم إلى هذه الغاية.
بها موضع زعموا أنه من حمى الجن، نزل به المأمون لما غزا الروم. وكان هناك عين ماؤها في غاية الصفاء، وكان المأمون جالساً على طرفها فرأى في الماء سمكة مقدار ذراع فأمر بإخراجها، فأخرجوها فإذا هي سمكة في غاية الحسن بيضاء مثل الفضة، فوثبت وعادت إلى الماء فوقعت رشاشات الماء على ثياب المأمون، فغضب وأمر بإخراجها مرة أخرى فأخرجوها والمأمون ينظر إليها ويقول: الساعة نشويك! ثم أمر بشيها فأتى المأمون على المكان قشعريرة، فأتى صاحب طبخه بالمكة مشوية وهو لم يقدر على تناول شيء منها، واشتد الأمر به حتى مات. قال الشاعر:

هل رأيت النّجوم أغنت عن المأمون في عزّ ملكه المأسوس
غادروه بعرصتي طرسوسمثل ماغادروا أباه بطوس


طرسوس



ثغر من أهم الثغور الإسلامية في منطقة (كليكيا) بين نهري سيحان وجيحان، ويشقها نهر (البردان) وقد ظلت من أكبر الثغور حتى استولى عليها الروم سنة 354 هـ (965 م) وظلت بيدهم حتى سنة 623 هـ (1226م) . فيها دفن الخليفة المأمون حين وفاته ينسب إليها الحافظ محمد بن عيسى الطرسوسي التميمي المتوفي سنة 276 هـ وغيره من العلماء وطرسوس اليوم من مدن الجمهورية التركية.