اليمن
اليَمَنُ
بالتحريك، قال الشرقي: إنما سميت اليمن لتيامنهم إليها، قال ابن عباس: تفرّقت العرب فمن تيامن منهم سمّيت اليمن، ويقال إن الناس كثروا بمكة فلم تحملهم فالتأمت بنو يمن إلى اليمن وهي أيمن الأرض فسميت بذلك، قلت: قولهم تيامن الناس فسمّوا اليمن فيه نظر لأن الكعبة مربعة فلا يمين لها ولا يسار فإذا كانت اليمن عن يمين قوم كانت عن يسار آخرين وكذلك الجهات الأربع إلا أن يريد بذلك من يستقبل الركن اليماني فإنه أجلّها فإذا يصحّ، والله أعلم، وقال الأصمعي: اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشّحر حتى يجتاز عمان فينقطع من بينونة، وبينونة: بين عمان والبحرين وليست بينونة من اليمن، وقيل: حدّ اليمن من وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء وما قاربها إلى حضرموت والشحر وعمان إلى عدن أبين وما يلي ذلك من التهائم والنجود، واليمن تجمع ذلك كله، والنسبة إليهم يمنيّ ويمان، مخففة، والألف: عوض من ياء النسبة فلا تجتمعان، وقال سيبويه: وبعضهم يقول يمانيّ، بتشديد الياء، قال أمية بن خلف الهذلي:
يمانيّا يظلّ يشدّ كيرا، وينفخ دائبا لهب الشّواظ
وقوم يمانية ويمانون مثل ثمانية وثمانون، وامرأة يمانية أيضا، وأيمن الرجل ويمّن ويامن إذا أتى اليمن وكذلك إذا أخذ في مسيره يمينا، قال الحسن بن أحمد ابن يعقوب الهمذاني اليمني: صفة يمن الخضراء، سميت اليمن الخضراء لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها والبحر مطيف بها من المشرق إلى الجنوب فراجعا إلى المغرب، يفصل بينها وبين باقي جزيرة العرب خطّ يأخذ من حدود عمان ويبرين إلى حد ما بين اليمن واليمامة فإلى حدود الهجيرة وتثليث وكشبة وجرش ومنحدرا في السراة إلى شعف عنز، وشعف الجبل: أعلاه، إلى تهامة إلى أم جحدم إلى البحر إلى جبل يقال لهكرمل بالقرب من حمضة وذلك حد ما بين كنانة واليمن من بطن تهامة، قلت أنا: هذا الخط من البحر الهندي إلى البحر اليمني عرضا في البريّة من الشرق إلى جهة الغرب، قال: وأما إحاطة البحر باليمن من ناحية دما، قلت أنا: دما من أوائل بلاد عمان من جهة الشمال، قال: فطنوى فالجمحة فرأس الفرتك فأطراف جبال اليحمد فما سقط منها وانقاد إلى ناحية الشحر فالشحر فغبّ الخيس فغب العبب بطن من مهرة فغب القمر بطن من مهرة، بلفظ قمر السماء، فغب الغفار بطن من مهرة فالخيرج فالأشفار، وفي المنتصف من هذا الساحل شرقيّا بين عدن وعمان ويسوف، وقد ذكرت في مواضعها، ثم ينعطف البحر على اليمن مغربا وشمالا من عدن فيمر بساحل لحج وأبين وكثيب برامس وهو رباط وبسواحل بني مجيد من المندب فساحل العميرة فالعارة فإلى غلافقة ساحل زبيد فكمران فالعطية فالجردة إلى منفهق جابر، وهو رأس عزيز كثير الرياح حديدها، إلى الشّرجة ساحل بلد حكم فباحة جازان إلى ساحل عثر فرأس عثر، وهو كثير الموج، إلى ساحل حمضة، فهذا ما يحيط باليمن من البحر، وقال أبو سنان اليماني: في اليمن ثلاثة وثلاثون منبرا قديمة وأربعون حديثة، وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة، فوال على الجند ومخاليفها وهي أدناها، وقال الأصمعي: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن: الورس والكندر والخطر والعصب، قال: وافتخر إبراهيم بن مخرمة يوما بين يدي السفّاح باليمن وكان خالد بن صفوان حاضرا، فلما أطال عليه قال خالد بن صفوان: وبعد فما منكم إلا دابغ جلد أو ناسج برد أو سائس قرد أو راكب عرد، دلّ عليكم هدهد وغرّقتكم جرذ وملكتكم أمّ ولد! فسكت وكأنما ألجمه، قال واجتمع زياد بن عبيد الله الحارثي خال السفّاح بابن هبيرة الفزاري فقال لزياد:؟ فمن الرجل؟ فقال: من اليمن، فقال: أخبرني عنها، فقال: أما جبالها فكروم وورس وسهولها برّ وشعير وذرة، فتغير وجه ابن هبيرة وقال: أليس أبو اليمن قردا؟ قال: إنما يكنى القرد بولده وهو أبو قيس فيوجب ذلك أن يكون أبا قيس عيلان، وكان ابن هبيرة قيسيّا، قال: فاصفرّ وجهه وعرق جبينه من عظم ما لقيه به، ولليمن أخبار ولبلادها أقاصيص ذكرت في مواضعها من هذا الكتاب، وقد يحنّ بعض الأعراب إلى اليمن فيقول:
وإنى ليُحيينى الصَّبا ويُميتنى إذا ما جرت بعد العشيّ جنوب وأرتاح للبرق اليماني كأنني له حين يبدو في السماء نسيب وأرتاح أن ألقى غريبا صبابة إليه كأني للغريب قريب
وقال آخر:
أما من جنوب تذهب الغلّ ظلّة يمانية من نحو ليلى ولا ركب يمانون نستوحيهم عن بلادهم على قلص يذمى بأحسنها الجدب
وقال آخر:
خليليّ إني قد أرقت ونمتما لبرق يمان فاقعدا علّلانيا خليليّ مدّا لي فراشي وارفعا ... وسادي لعلّ النوم يذهب ما بياخليليّ طال الليل والتبس القذى ... بعينيّ واستأنست برقا يمانيا خليليّ لو كنت الصحيح وكنتما سقيمين لم أفعل كفعلكما بيا
يَمْنٌ
بالفتح ويروى بالضم ثم السكون، ونون: ماء لغطفان بين بطن قوّ ورؤاف على الطريق بين تيماء وفيد، وقيل: هو ماء لبني صرمة بن مرّة، وسماه بعضهم أمن، وينشد قول زهير:
عفا من آل فاطمة الجواء فيمن فالقوادم فالحساء
اليمن
بلاد واسعة من عمان إلى نجران، تسمى الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها، تزرع في السنة أربع مرات، ويحصد كل زرع في ستين يوماً، وتحمل أشجارهم في السنة مرتين.
وأهلها أرق الناس نفوساً وأعرفهم للحق، سماهم الله تعالى الناس حيث قال: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، وقال، صلى الله عليه وسلم: إني لأجد نفس الرحمن من صوب اليمن. أراد به نصرة الأوس والخزرج. وقال أيضاً: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
قال الأصمعي: أربعة أشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن: الورس والكندر والخطر والعقيق.وبها الأحقاف وهي الآن تلال من الرمل بين عدن وحضرموت، وكانت مساكن عاد أعمر بلاد الله وأكثرها عمارة وزرعاً وشجراً، فلما سلط الله تعالى عليهم الريح طمها بالرمل، وهي إلى الآن تحت تلك الأحقاف، جعلها الله تعالى عبرة للناظرين وخبرة للغابرين، كما قال تعالى: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أكثر منهم وأشد قوة، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها.
وبها قصران من قصور عاد، ولما بعث معاوية عبد الرحمن بن الحكم إلى اليمن والياً، بلغه أن بساحل عدن قصرين من قصور عاد وان في بحرها كنزاً، فطمع فيه وذهب في مائة فارس إلى ساحل عدن إلى أقرب القصرين فرأى ما حولهما من الأرض سباخاً بها آثار الآبار، ورأى قصراً مبنياً بالصخر والكلس، وعلى بعض أبوابه صخرة عظيمة بيضاء مكتوب عليها:
غنينا زماناً في عراضة ذا القصر بعيشٍ رخيٍّ غير ضنكٍ ولا نزر يفيض علينا البحر بالمدّ زاخراً وأنهارنا بالماء مترعةٌ تجري خلال نخيلٍ باسقاتٍ نواضرٍ تأنّق بالقسب المجزّع والتّمر ونصطاد صيد البرّ بالخيل والقنا وطوراً نصيد النّون من لجج البحر ونرفل في الخزّ المرقّم تارةً وفي القزّ أحياناً وفي الحلل الخضر يلينا ملوكٌ يبعدون عن الخنا شديدٌ على أهل الخيانة والغدر يقيم لنا من دين هودٍ شرائعاً ويؤمن بالآيات والبعث والنّشر إذا ما عدوّ حلّ أرضاً يريدنا برزنا جميعاً بالمثقّفة السّمر نحامي على أولادنا ونسائنا على الشّهب والكمت المعانيق والشّقر نقارح من يبغي علينا ويعتدي بأسيافنا حتى يولّون بالدّبر
ثم مضى إلى القصر الآخر وبينهما أربعة فراسخ، فرأى حوله آثار الجنانوالبساتين. قال: فدنونا من القصر فإذا هو من حجارة وكلس غلب عليه ماء البحر ورأينا على بابه صخرة عظيمة عليها مكتوب:
غنينا بهذا القصر دهراً فلم يكن لنا همّةٌ إلاّ التّلذّذ والقصف يروح علينا كلّ يومٍ هنيدةٌ من الإبل يعشو في معاطنها الطّرف وأضعاف تلك الإبل شاءٌ كأنّها من الحسن آرامٌ أو البقر القطف فعشنا بهذا القصر سبعة أحقبٍ بأطيب عيشٍ جلّ عن ذكره الوصف فجاءت سنونٌ مجدباتٌ قواحلٌ إذا ما مضى عامٌ أتى آخرٌ يقفو فظلنا كأن لم تغن في الخير لمحةٌ فماتوا ولم يبق خفٌّ ولا ظلف كذلك من لم يشكر الله لم تزل معالمه من بعد ساحته تعفو
قال: فعجبنا من ذلك، ثم مضينا إلى الساحل الذي ذكر أن فيه كنزاً، فأمرنا الغواصين فغاصوا وأخرجوا جراراً من صفر مطبقة بصفر، فلم نشك انه مال حتى جمعت جرار كثيرة، ففتحنا بعضها فخرج منها شيطان وقال: يا ابن آدم إلى متى تحبسنا؟ فبينا نحن نتعجب من ذلك إذ رأينا سواداً عظيماً أقبل من جزيرة قريبة من الساحل، ففزعنا فزعاً فاقتحم الماء وأقبل نحونا، فإذا هي قردة قد اجتمع منها ما لا يعلم عددها إلا الله.
وكانت تلك الجزيرة مأواها، وأمامها قرد عظيم في عنقه لوح حديد معلق بسلسلة، فأقبل إلينا ورفع اللوح نحونا، فأخذنا اللوح من عنقه فإذا فيه كتابة بالسريانية، وكان معنا من يحسن قراءتها فقرأها فإذا هي: بسم الله العظيم الأعظم. هذا كتاب من سليمان بن داود رسول الله لمن في هذه الجزيرة من القردة، إني قد أمرتهم بحفظ هؤلاء الشياطين، المحبسين في هذه الناحية في هذه الجرار الصفر، وجعلت لهن أماناً من جميع الجن والإنس، فمن أرادهن أو عرض لهن فهو بريء مني، وأنا بريء منه في الدنيا والآخرة.فأردنا أن نمضي باللوح إلى معاوية لينظر إليه، فلما ولينا وقفت القردة كلها أمامنا وحاصرتنا، وضجت ضجة فرددنا اللوح إليها، فأخذته واقتحمت الماء وعادت إلى الجزيرة
ومن عجائب اليمن ما ذكر ابن فنجويه أن بأرض عاد تمثالاً على هيئة فارس. ومياه تلك الأرض كلها ملحة، فإذا دخلت الأشهر الحرم يفيض من ذلك التمثال ماء كثير عذب، لا يزال يجري إلى انقضاء الأشهر الحرم، وقد تطفحت حياضهم من ذلك الماء فيكفيهم إلى تمام السنة؛ قال الشاعر:
وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة قدرها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين السّافح
وبها جبل الشب، وعلى رأس هذا الجبل ماء يجري من كل جانب، وينعقد حجراً قبل أن يصل إلى الأرض، والشب اليماني الأبيض من ذلك.
وبها جبل شبام؛ قال محمد بن أحمد بن إسحاق الهمذاني: إنه جبل عظيم بقرب صنعاء، بينها وبينه يوم واحد، وهو صعب المرتقى ليس إليه إلا طريق واحد، وذروته واسعة فيها ضياع كثيرة مزارع وكروم ونخيل، والطريق إليها في دار الملك، وللجبل باب واحد مفتاحه عند الملك، فمن أراد النزول إلى السهل استأذن الملك حتى يأذن بفتح الباب له، وحول تلك الضياع والكروم جبال شاهقة لا تسلك ولا يعلم أحد ما وراءها إلا الله. ومياه هذا الجبل تنسكب إلى سد هناك، فإذا امتلأ السد ماء فتح ليجري إلى صنعاء ومخاليفها.
وبها جبل كوكبان، إنه بقرب صنعاء عليه قصران مبنيان بالجواهر يلمعان بالليل كالكوكبين ولا طريق إليهما. قيل: إنهما من بناء الجن.
وبها نهر اليمن؛ قال صاحب تحفة الغرائب: بأرض اليمن نهر عند طلوع الشمس يجري من المشرق إلى المغرب، وعند غروبها من المغرب إلى المشرق.وبها العلس، وهو نوع من الحنطة حبتان منه في كمام لا يوجد إلا باليمن، وهو طعام أهل صنعاء.
وبها الورس، وهو نبت له خريطة كما للسمسم، ذكروا انه يزرع سنة ويبقى عشرين سنة.
وبها الموز وهي ثمرة شبيهة بالعنب إلا أنه حلو دسم، لا تحمل شجرتها إلا مرة واحدة.
وبها نوع من الكمثرى، من أكل منها واحدة يطلق عشر مرات، وان أكل اثنتين يطلق عشرين مرة، وإن أكل ثلاثاً يطلق ثلاثين. ويتخذ منه عسل يلعق منه صاحب القولنج فينفتح في الحال.
ويجلب منها سيوف ليس في شيء من البلاد مثلها، ويجلب منها البرود اليمانية، وقرودها أخبث القرود وأسرع قبولاً للتعليم.
وبها الغدار، وهو نوع من المتشيطنة يوجد بأكناف اليمن، يلحق الإنسان ويقع عليه، فإذا أصيب الإنسان منه يقول أهل تلك النواحي: أمنكوح هو أم مذعور؟ فإن قالوا منكوح أيسوا منه، وإن كان مذعوراً سكن روعه وشجع، ومن الناس من لم يكترث به لشجاعة نفسه.
وحكي عن الشافعي أنه قال: دخلت بلدة من بلاد اليمن فرأيت فيها إنساناً من وسطه إلى أسفله بدن امرأة، ومن وسطه إلى فوقه بدنان متفرقان بأربع أيد ورأسين ووجهين، وهما يتلاطمان مرة ويصطلحان أخرى، ويأكلان ويشربان. ثم غبت عنهما سنين ورجعت، فسألت عنها فقيل لي: أحسن الله عزاءك في أحد الجسدين! توفي فربط من أسفله بحبل حتى ذبل ثم قطع، والجسد الآخر تراه في السوق ذاهباً وجائياً.
ومنها أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني افتخار اليمن، كان من أعلم الناس بالحلال والحرام، له نسل بقزوين مشايخ وعلماء إلى الآن، وهو جدي من قبل الأم، ذكر يوسف بن اسباط أن طاووساً مر بنهر سلطاني، فهمتبغلته أن تشرب منه فمنعها. وذكر بشر بن عبد الله أن طاووساً مر بالسوق فرأى رؤوساً مشوية بارزة الأسنان فلم ينعس تلك الليلة، وقال إن الله تعالى يقول: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
وقال منعم بن ادريس: صلى طاووس اليماني صلاة الفجر بوضوء العتمة أربعين سنة. توفي سنة ست ومائة بمكة قبل يوم التروية عن بضع وتسعين سنة. وكان الناس يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن، حج أربعين حجة وصلى عليه هشام بن عبد الملك، وهو خليفة حج تلك السنة.
ومنها أويس بن عامر القرني. روى أبو هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لله تعالى من خلقه الأصفياء الأحفياء، الشعثة شعورهم الغبرة وجوههم الخمصة بطونهم، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذنوا، وإن خطبوا المنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.
قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: ذاك أويس القرني! قالوا: وما أويس القرني؟ قال: أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين الكتفين معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع بيمينه على شماله، يتلو القرآن، يبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه! الا وان تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء، الا وانه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، وقيل لأويس: قف واشفع! يشفعه الله، عز وجل، في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمرو ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما. فكانا يطلبانه عشرين سنة، فلما كان سنة هلك فيها عمر قام على أبي قبيس ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من اليمن، أفيكم أويس؟ فقام شيخ كبير وقال: إنا لا ندري ما أويس، لكن لي ابن أخ يقال له أويس، هو أخمل ذكراً وأقلمالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك! وإنه ليرعى إبلنا حقين بين أظهرنا! فقال له عمر: إن ابن أخيك هذا عزمنا! قال: نعم. قال: فأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات.
فركب عمر وعلي سراعاً إلى عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فأقبلا إليه وقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته! فرد عليهما جواب السلام. قالا له: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم! قالا: ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: اسمك الذي سمتك أمك به؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أويساً القرني وقد عرفنا الصهوبة والشهولة، أخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء أوضحها لنا. فأوضح منكبه، فإذا اللمعة فابتدرا يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني! فاستغفر لنا يغفر الله لك! فقال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم، ولكنه من في البحر والبر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان، قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب!
فاستوى أويس وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وعليك يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً! قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيراً! فقال له عمر: مكانك يرحمك الله، حتى أدخل مكة وآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك. فقال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك، لا أراك بعد اليوم تعرفني، ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً ورداء من صوف متى تراني أبليهما؟ أما ترى أني أخذت رعائي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين، إن بيتي يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول! فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم قال بأعلى صوته: يا ليت عمر لم تلده أمه! يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها! قال: يا أميرالمؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا؛ فولى عمر نحو ناحية مكة وساق أويس إبله، فأتى القوم بإبلهم وخلى الرعاية وأقبل على العبادة.
وحكي أن أويساً إذا خرج يرميه الصبيان بالحجارة، وهو يقول: إن كان لا بد فبالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني من الصلاة. وحدث عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه نادى يوم صفين رجل من أهل الشام: أفيكم أويس القرني؟ قلنا: نعم! ما تريد منه؟ قال: إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته ودخل مع أصحاب علي فنادى مناد في القوم: أويس! فوجد في قتلى علي، كرم الله وجهه.
ومنها أبو عبد الله وهب بن منبه، وكان الغالب عليه قصص الأنبياء وأخبار القرون الماضية والوعظ؛ قال: قرأت في بعض الكتب أن منادياً ينادي من السماء الرابعة كل صباح: أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده! أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم؟ أبناء الستين لا عذر لكم! ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا. قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم؛ قال منعم بن ادريس: إن وهب بن منبه صلى أربعين سنة صلاة الفجر بوضوء العشاء. مات سنة أربع عشرة ومائة.
هذا آخر ما عرفناه من الإقليم الأول.
اليمن
وهو الزاوية الجنوبية الغربية لجزى العرب، ولم يكن محدودا في القديم بما معروف اليوم من اليمن الشمالي والجنوبي فقد يدخل جنوب السعودية فيما يسمى اليمن: فالعرب كانت تطلق على ما كان من جهة الجنوب: «اليمن» ، وعلى ما هو من الشمال: «الشام» ، وأهل الحجاز خاصة يعدون كل ما هو جنوب مكة يمنا.
يمن
بفتح أوله، ويروى بضمه: ماء لغطفا بين تيماء وفيد، كانت إليه سرية سنة سبع من الهجرة.
اليمن - Yemen
اليَمَن ورسمياً الجُمْهُوْرِيَّةُ اليَمَنِيَّة هي دولة تقع جنوب غرب شبه الجزيرة العربية في غربي آسيا. تبلغ مساحتها حوالي 527,968 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها 26,687,000 نسمة حسب الإسقاط السكاني لعام 2015، يحد اليمن من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الشرق سلطنة عمان لها ساحل جنوبي على بحر العرب وساحل غربي على البحر الأحمر. ولدى اليمن أكثر من 200 جزيرة في البحر الأحمر وبحر العرب أكبرها جزيرتي سقطرى وحنيش. ينص الدستور اليمني على ديمقراطية الدولة وإقرارها التعددية الحزبية والسياسية وتبنيها نظام اقتصادي حر والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع. اليمن عضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة التجارة العالمية.
يبدأ تاريخ اليمن القديم من أواخر الألفية الثانية ق.م، حيث قامت مملكة سبأ ومَعيَّن وقتبان وحضرموت وحِميَّر وكانوا مسؤولين عن تطوير أحد أقدم الأبجديات في العالم المعروفة بخط المسند، عدد النصوص والكتابات والشواهد الأركيولوجية في اليمن أكثر من باقي أقاليم شبه الجزيرة العربية، أطلق عليها الروم تسمية العربية السعيدة. وقامت عدة دول في العصور الوسطى مثل الدولة الزيادية الدولة اليعفرية والإمامة الزيدية والدولة الطاهرية وأقواها كانت الدولة الرسولية. استقل ماعُرف بشمال اليمن عن الدولة العثمانية عام 1918 وقامت المملكة المتوكلية اليمنية إلى إسقاطها عام 1962 وقيام الجمهورية العربية اليمنية، بينما بقي جنوب اليمن محمية بريطانية إلى العام 1967 وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. تحققت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990.
يعتمد اقتصاد اليمن على موارد محدودة من النفط والغاز لم تستغل جيداً ولا يزال هذا القطاع رغم أنه يشكل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي غير مطور. تاريخياً، كان اليمن بلداً زراعياً ويعتمد على مداخيل ممراته البحرية وموانئه. تمر البلاد بأوضاع سياسية واقتصادية صعبة نتيجة الفساد والصراعات المسلحة التي تعيق مسيرة التنمية. اليمن دولة نامية ومن بين البلدان الأقل نماءً واحتلت المرتبة الثامنة في قائمة الدول الأكثر هشاشة حول العالم لعام 2014.