بطاقة المادة
المؤلف | ناصر بن محمد الأحمد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فتح عمورية وذكر تفاصيلها وما فيها من العبرة والعزة | العربية |
العزة في زمن اليأس | العربية |
أسباب المجد والعزة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسإن إخوانكم في غزة عاشوا مأساة حقيقية. عاشوا خوفاً حقيقياً، رأوا البؤس والشقاء في أعين أطفالهم، وفي عظام أبيهم وأمهاتهم. هل لك أن تتخيل انقطاع الكهرباء ولو لساعة؟! هل لك أن تتخيل الأطفال في الحاضنات بالمستشفيات وقد انقطع الكهرباء؟! هل تخيلت أحوال مرضى الكلى والقلب؟! هل شاهدت الأم وهي تقوم بالتنفس الصناعي لابنها بيدها ويتناوب أهل البيت على إجراء التنفس الصناعي له؟! هل تخيلت شعور الأب أو الأم وهو يقف عاجزاً عن إنقاذ فلذة كبده؟! هل تخيلت أباً يبعث بابنه لشراء الخبز فلا يرجع؟!
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: لا ينبغي أن نفهم قضية فلسطين وما حصل في غزة خلال شهر كامل مهما بلغت حماستنا لها، وغيرتنا عليها، وتألمنا على مسارها إلاّ من منظور الحكم الشرعي، وهذا واجب علينا باعتباره جزءاً من مفهوم متكامل ومنهج شامل للحياة، وعلى ذلك لا تكون نصرتنا لإخواننا في فلسطين باعثها الشفقة، ولا العاطفة الإنسانية، ولا الحماسة الوطنية، ولا المروءة والنخوة العربية والقومية، ولا أواصر الدم أو الجوار، بل يكون باعثها الالتزام والتقييد بالحكم الشرعي الذي تعيّن علينا معرفته، وما يترتب عليه من مسؤولية تجاه المسلمين المظلومين في فلسطين، وهذا الفهم هو الذي يظل يضخّ الحياة في قضايانا الإسلامية المتعددة، ويطبع أعمالنا بطابع التعبد لله سبحانه.
ومعرفة الحكم الشرعي وحدها لا تكفي، بل لا بد من حشد القوة الإيمانية وإيجاد الطاقة التربوية التي تدفع إلى امتثال أمر الله واجتناب نهيه برضا وتسليم وصبر وتضحية. وإلاّ فكم من المسلمين يعرفون أن الربا حرام ويأكلونه، والخمر حرام ويشربونها، والصلاة ركن من أركان الدين ويهدمونه!!
أيها المسلمون: يجب علينا ألاّ نيأس مما يحصل في فلسطين، فإن النصوص الشرعية وشواهد التاريخ تمنع من وقوع اليأس، فإن الأيام دول، والدهر قُلَّب، وإذا كان المؤمن يأوي إلى ركن الله الوثيق ففيم اليأس؟! أليس الله بكافٍ عبده، أليس الله على كل شيء قدير؟ أليس الله هو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وكل يوم هو في شأن سبحانه، ففيم اليأس؟! لكن على المسلم أن يرى أين موقعه من دين الله: هل في الصفوف الأولى، أو هو خارج الميدان؟! لا خوف على الإسلام؛ لأنه دين الله -عز وجل-، لكن الخوف عليّ أنا وأنت ماذا قدمنا لهذا الدين، وأين موقعنا منه؟!
لقد كان اليهود أقوى حصوناً وأمنع قلاعاً وأكثر مالاً من المسلمين في المدينة حتى حملهم هذا على ظنّ أنهم مانعتهم حصونهم وقلاعهم، وظن بعض المسلمين أنهم لن يخرجوا، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فهم حسِبوا حساب جند المسلمين أن يأتوا من الأبواب، أو من فوق الأسوار، فأخذوا حِذرهم، وإذا بالرعب الذي لا تمنع منه حصون ولا أسوار يتسلل إلى قلوبهم ويقذف فيها قذفاً فيستسلمون: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب﴾ [الحشر: 2].
واليهود لا يثقون بأحد، ولو فُرض أن حلفاء اليهود من نصارى ومنافقين وغيرُهم أخلصوا لليهود فإن اليهود لا يخلصون لجنسية أخرى ولا لأهل دين آخر مهما بُذل لهم، وما زالوا يتآمرون على حلفائهم ويتجسسون عليهم، ويسرقون أسرارهم العسكرية، وغير ذلك على رغم كل ما بذلوه لهم. وسيرى الذين تحالفوا مع اليهود في الحرب الأخيرة، كيف سينقلب عليهم يهود.
إن اليهود قد ضرب الله تعالى عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا، واستثنى من ذلك حالتين كما قال سبحانه: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُون﴾ [آل عمران: 112].
وحبل الله -تعالى- هو عقد الذمة لهم، أما حبل الناس فهو الدعم والتأييد الذي يكون من الناس لهم، وهذا يشير إلى أنهم أبداً في حاجة إلى دعم من الناس. وهذا الدعم والتأييد تمثل في عصرنا في القوتين: روسيا وأمريكا.
أما روسيا فقد آلت إلى ضعف وهوان، وأما أمريكا فإنها في الأثر طال الزمان أو قصر. وهذه الصفات التي ذكرت في اليهود من الهوان والذلة والمسكنة، والحاجة إلى دعم غيرهم لهم، تجعلهم غير مؤهلين لإمامة العالم، وقد سُحبت هذه الإمامة منهم ببعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصَلاتُه في بيت المقدس بجميع الأنبياء إشعار بهذا الأمر.
ولهذا لا يجوز للمسلم أن ينسى حقائق القرآن أو يهتز إيمانه بها لعوارض الواقع. فمن حقائق القرآن أن اليهود ضربت عليهم الذلة والمسكنة، ومن عوارض الواقع أنهم يملكون ويبطشون، وأن العالم يستمع لهم وينحني لهم في هذه الأيام.
ومن حقائق القرآن أن الله -تعالى- يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وأنهم كلما أوقدوا ناراً للحرب أو فتنة مؤامرات أطفأها الله. ومن عوارض الواقع أن دولاً عظمى تقف إلى جانبهم، وأن كيدهم ومكرهم مستمر، لكن ينبغي النظر إلى أن هذا الذي يبدو مخالفاً في الظاهر هو أمر عارض سريع التحول، وهو قصير إذا ما قورن بواقع الاضطهاد والذلة في التاريخ اليهودي، فقد تعرض اليهود للقهر في العصر الحديث من قِبَل ألمانيا وفرنسا والنمسا والمجر وأوروبا الشرقية.
إن الأمور بحقائقها لا بظواهرها، وبما تؤول إليه لا بما تبدو عليه، وهذا من أعظم محكَّات الإيمان. ولهذا يجب أن يكون فهمنا للمتغيرات الواقعية والتاريخية في الأمم والجماعات والأفراد أكثر عمقاً، وأدق تصوراً، وأن يكون على ضوء قواعد يقينية مقطوع بها وليس مستنداً إلى أمور ظاهرية آنية.
ومن هذه القواعد: أن للكون إلهًا خالقًا مدبرًا سميعًا بصيرًا حكمًا عدلاً قاهرًا قادرًا، يعز من يشاء ويذل من يشاء، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
ومن القواعد: أن الكون يخلو من العبثية والفوضى والمصادفة. قال جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِين﴾ [الأنبياء: 16].
ومن القواعد: أن الإنس والجن قاطبة مخلوقون لتوحيد الله -تعالى- وطاعته وعبادته، وليس هناك أمة منهم أو فئة لا تجري عليها سنن الله -تعالى- في الخلق عزاً وذلة أو عقوبة ومثوبة، ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً(43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا(44)﴾ [فاطر: 43- 44].
وهنا يرِد سؤال واقعي: هل الحضارة المعاصرة على اختلاف مواطنها لها استثناء من الإهلاك وحصانة من الزوال والعقاب الإلهي؟ هل هي أكبر من أن تنالها قدرة الله؟ أم أن الحضارة المعاصرة بما يمثلها من دول ومجتمعات ما هي إلا حلقة من حلقات التاريخ البشري يجري عليها كل ما يجري على غيرها من حضارات سابقة اتجهت وجهتها وبَغت بَغيها؟!
إن الحضارة المعاصرة ليست نموذجاً فريداً في تاريخ البشرية يُستثنى من العقوبة الإلهية، وليست أكبر من أن تعاقَب، وليست أفضل من غيرها مما سبق من الحضارات. وإن المتتبع لآيات القرآن العظيم المعجز يجد أن أهم الأسباب وأبرز العوامل المؤدية إلى انهيار الحضارات ودمارها وكنسها من التاريخ ثلاثة عوامل: أولاً: الكفر. ثانياً: الظلم والاستكبار. ثالثاً: الفساد الخلقي والاجتماعي.
أما الكفر فقد وردت آيات كثيرة تدل على أن الكفر بالله -تعالى- ونكران توحيده وطاعته من أسباب الدمار، قال الله -تعالى-: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقَاب﴾[غافر: 21].
وأما الهلاك بالظلم والاستكبار فقال جل وعلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَة﴾ [هود: 102]. وقال -تعالى-: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَات(16)﴾ [فصلت: 15- 16].
وأما الفساد في الأرض فقد بيّن القرآن الكريم فساد قوم لوط في آيات متعددة، وكذلك فساد قوم شعيب وما حلّ بهم من عقوبة إلهية، وفساد قوم فرعون وما حصل لهم. وخلاصة ما تقدم توضح لنا الآتي:
أولاً: أن اليهود بدؤوا يقتربون من نهايتهم المحتومة منذ بدؤوا هجرتهم إلى فلسطين؛ وذلك لأنهم انتقلوا من كونهم أهل ذمة ينعمون في ظل دولة الإسلام إلى محاربين مغتصبين ظالمين، وإن انتقالهم وتجمعهم واغتصابهم لفلسطين هو باللغة العسكرية إعلان حرب على الأمة الإسلامية، وقد فعل ذلك من قبل إخوانهم بنو قريظة حينما نقضوا ذمتهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودخلوا الحرب مع قريش والأحزاب.
ثانياً: أن الحائط الذي يستند إليه اليهود، والدعم الذي يعتمدون عليه آيل للسقوط، وقد تهاوى بعضه وبقيته في الأثر، فإن إمبراطورية "الجنس والربا" مصيرها هو مصير من سبقها من إمبراطوريات الفساد في الأرض.
ثالثاً: أن من البلادة وقلة الفهم أن يقرأ المسلم كتاب الله -عز وجل- وما يخبر به خبر اليقين من هلاك الأمم الكافرة المستكبرة الظالمة، ثم يذهب كل فهمه إلى قصر ذلك على أهله، وعلى حقبة تاريخية مضت وحسب. إن سنن الله -تعالى- لا تتغير ولا تتبدل، فهو الذي: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى(52)﴾ [النجم: 50- 52]، وكم أهلك من القرون من بعد نوح!! ولن تتغير سننه فيمن سلك مسلك هؤلاء من أمم الكفر وطواغيت الأرض في كل عصر.
رابعاً: من البلادة أيضاً أن لا يربط المسلم بين ما يحدث في الأرض من كوارث وزلازل وأعاصير وفيضانات وأوبئة وغير ذلك، وبين سنن الله -عز وجل- وهو يقرأ كلام الله الفصل: ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِن دَارِهِم﴾ [الرعد: 31]، ويقرأ مثلاً في دمار سدّ مأرب وتمزيق سبأ: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا﴾ [سبأ: 17]، وغير ذلك من آيات، ولم يدر بِخَلَده أن هذه العقوبات تتجاوز قرونها وأزمانها وأممها إلى أمم علت في الأرض ونازعت الله -تعالى- كبرياءه وعظمته في عصر الأقمار الصناعية، والصواريخ العابرة للقارات، والتبجح العلمي، والعنجهية المادية المغرقة في الضلال، ألم يقرأ قول الله -تعالى-: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾ [الفجر: 14].
فهذه حضارات ثلاث كان لها مكان عظيم في التاريخ، وضربت بجذورها في الأرض، من مدنية وعمران، وبناء مدن صخرية، وتوسع في الأموال والأنعام والزراعة، وعظم في الأجسام وغير ذلك مما يُعدّ مقومات للمدنية والتحضر، فإذا هي تُمحى من الوجود ولا يبقى لها باقية وذلك لأنهم أكثروا في الأرض الفساد. ويمكننا القول استنباطاً مما يشير إليه قوله -تعالى-: ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾ [الفجر: 12] إن هناك خطوطاً حمراء إذا تجاوزتها أي أمة أو فرد نزل به غضب الله -جل وعلا-، ولن تنفعه قوته ولا جبروته شيئاً من عقاب الله -تعالى-، وذلك أن الكبرياء والعظمة لله -تعالى- وحده العظيم المتكبر فمن نازعه فيهما قصمه سبحانه ولم يبالِ به في أي وادٍ هلك.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: لقد شهد العالم شهراً كاملاً إرهاباً عالمياً من أبشع صور الإرهاب في العالم، إرهاب صهيوني يهودي بدعم نصراني وغير نصراني موجّه لأهل غزة في فلسطين، الهدف منه هو الإسلام الذي يقاوم اليهود، اتفق العالم الغربي كله مع منافقي هذه الأمة وأجمعوا على سحق هذا الشعب المسكين، لأنه الشعب الوحيد الذي يقف في وجه ما يسمى بإسرائيل. لقد بلغ عدد الشهداء قرابة الألفي شهيد، والجرحى قرابة العشرة آلاف.
إن إخوانكم في غزة عاشوا مأساة حقيقية. عاشوا خوفاً حقيقياً، رأوا البؤس والشقاء في أعين أطفالهم، وفي عظام أبيهم وأمهاتهم.
هل لك أن تتخيل انقطاع الكهرباء ولو لساعة؟! هل لك أن تتخيل الأطفال في الحاضنات بالمستشفيات وقد انقطع الكهرباء؟! هل تخيلت أحوال مرضى الكلى والقلب؟! هل شاهدت الأم وهي تقوم بالتنفس الصناعي لابنها بيدها ويتناوب أهل البيت على إجراء التنفس الصناعي له؟! هل تخيلت شعور الأب أو الأم وهو يقف عاجزاً عن إنقاذ فلذة كبده؟! هل تخيلت أباً يبعث بابنه لشراء الخبز فلا يرجع؟! هل تخيلت صبرهم وثباتهم رغم كل هذه المأساة، بل هل شاهدت الطائرات الصهيونية وهي تقصف المدنيين، فيجتمع الناس لإنقاذ الجرحى ويمسكون بالأشلاء هاتفين: لا تبكوا على الشهيد، عند الله مولود جديد.
أيها المسلمون: الشعب الفلسطيني تصدي ببطولة للحصار والتجويع، وواجه الموت بعزيمة قوية، وإيمان صلب بعقيدته وهُويته الإسلامية، رغم كل هذا العقوق من قبل المسلمين. صمود هذا الشعب هو الذي أربك الإسرائيليين وفضح صورتهم الهمجية أمام العالم بأسره، وكشف مدى دمويتهم وتعطشهم لقتل الأبرياء وإبادة شعب صغير، وممارسة أبشع أنواع العقوبات الجماعية في حقه.
فصبراً يا أهل فلسطين، فإن أمم الكفر ولو وقفوا ضدّكم بمكرهم وكيدهم فإن معكم الفئة التي لا تُغلب، والمعين الذي لا يَخذُل، ومعكم الملِك الذي لا تنفد خزائنه. صبراً يا أهل غزة، فإنْ منعوا عنكم الدواء والغذاء والماء، فإنهم لا يستطيعون أبداً أن يمنعوا عنكم مدد السماء. قولوا لهم: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّاب * أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَاب * جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَاب) [ص: 9- 11].
صبراً يا أهل الرباط، وأبشروا ببشرى النبي -صلى الله عليه وسلم-. فعن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستجدون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن" قال عبد الله: فقمت فقلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: "عليكم بالشام فإن الله -عز وجل- تكفل لي بالشام وأهله". قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث ويقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه.
نسج العدو بمكره وحصاره أكفان غزّة.
والقدس يصرخ خلف جدران اليهود المستفزّة.
وتواكب الشهداء في ثوب الفدا غرراً أعزّة.
في الشِعب كان نبينا واليوم إخوانٌ بغزّة.
يا ليت شعري من يحرك في ضمير القوم هزّة.
يا رب فابعث في نفوس المسلمين مزيد عزّة.
وأنتم يا أهل غزة: يا حماة الأقصى، اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، فكلما اشتدَّ الظلام قرُب بزوغُ الفجر: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].
لا تهنوا يا أهل فلسطين، لأن الله القدير يؤيِّدكم وينصرُكم ويوهن كيدَ أعدائكم، ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 18]، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 104].
إن النصر يا رجال التضحية والبطولة بيد الله وحده، والقلةُ مع تأييد الله لها لا بد أن تَغلبَ الكثرةَ مهما بلغت من القوة، ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) [الأنفال: 65].
إن وراءَ الحق قوياً ينصر الحق، وهو وحده يملك جنودَ السموات والأرض، أما العدو فقد أخبر الله عنه: ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [آل عمران: 111].
لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، سبحانك ربنا، عز جارك، وجل ثناؤك، وتقدست أسمائك، سبحانك وبحمدك، لا يُهزم جندك، ولا يُخلف وعدك، لا إله إلا أنت، لا إله إلا الله، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، اللهم منك الفرج، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم إنك تعلم ما حل بإخواننا في غزة، اللهم إنك ترى مكانهم وتسمع كلامهم وتعلم حالهم، ولا يخفى عليك شيء من أمورهم، اللهم إنا نشكو إليك أنفساً أُزهقت، ودماءً أريقت، ومساجد هدمت، وبيوتاً دمرت، ونساء أيمت، وأطفالا يتمت. اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم.
اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود ومن عاونهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم أهلكم بالسنين، وأخرجهم من المسجد الأقصى، اللهم أخرجهم أذلة صاغرين، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لغيرهم عبرة وآية. اللهم وأسقط طائراتهم ودمر دباباتهم، اللهم دب الرعب في قلوبهم، وشتت شملهم، وسلط عليهم ما نزل من السماء وما خرج من الأرض، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، ونشّف الدماء في عروقهم.
اللهم نصراً من عندك، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين يا رب العالمين.
المؤلف | ناصر بن محمد الأحمد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فتح عمورية وذكر تفاصيلها وما فيها من العبرة والعزة | العربية |
العزة في زمن اليأس | العربية |
أسباب المجد والعزة | العربية |