بطاقة المادة
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الخيانة بئست البطانة، وأمانة المعلم والمتعلم | العربية |
الخيانة وأنواعها | العربية |
صفات أهل المكر والخيانة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسالْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ صِفَتَانِ ذَمِيمَتَانِ خَسِيسَتَانِ، لَا يَتَّصِفُ بِهِمَا إِلَّا أَحْقَرُ النَّاسِ وَأَضْعَفُهُمْ وَأَذَلُّهُمْ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ مُوَاجَهَةِ خُصُومِهِ غَدَرَ بِهِمْ فِي الْخَفَاءِ، وَطَعَنَهُمْ مِنَ الْخَلْفِ، وَخَانَهُمْ وَهُمْ يَأْمَنُونَهُ، كَمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِقِينَ عَبْرَ الْأَزْمَانِ.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ –تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: جَاءَتِ الشَّرَائِعُ الرَّبَّانِيَّةُ بِمَدْحِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى التَّخَلُّقِ بِهَا، وَذَمِّ الْأَخْلَاقِ الْقَبِيحَةِ وَتَحْذِيرِ النَّاسِ مِنْهَا وَمِمَّنِ اتَّصَفَ بِهَا. وَمِنْ أَخْطَرِ الْأَخْلَاقِ الْفَاسِدَةِ مَا كَانَ نَاتِجًا عَنْ فَسَادِ الْقَلْبِ بِالنِّفَاقِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَكُونُ سَيِّئَ النِّيَّةِ، خَبِيثَ الطَّوِيَّةِ؛ وَلِذَا حَذَّرَ الْقُرْآنُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَمِنَ الِاتِّصَافِ بِصِفَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ غَدْرٍ وَخِيَانَةٍ ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: 4].
وَالْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ صِفَتَانِ ذَمِيمَتَانِ خَسِيسَتَانِ، لَا يَتَّصِفُ بِهِمَا إِلَّا أَحْقَرُ النَّاسِ وَأَضْعَفُهُمْ وَأَذَلُّهُمْ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ مُوَاجَهَةِ خُصُومِهِ غَدَرَ بِهِمْ فِي الْخَفَاءِ، وَطَعَنَهُمْ مِنَ الْخَلْفِ، وَخَانَهُمْ وَهُمْ يَأْمَنُونَهُ، كَمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِقِينَ عَبْرَ الْأَزْمَانِ.
وَلِخِسَّةِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، وَحَقَارَةِ مَنِ اتَّصَفَ بِهِمَا نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُمَا، مُحَذِّرَةً مِنْهُمَا فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ؛ فَمِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ" وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ".
وَلِأَنَّ الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ وَصْفَانِ مَذْمُومَانِ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- نَهَى عَنْهُمَا، حَتَّى مَعَ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْغَدْرُ وَالْخِيَانَةُ، فَيَنْبِذُ إِلَيْهِ عَهْدَهُ، وَلَا يَغْدِرُ بِهِ ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الْأَنْفَالِ:58] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ [النِّسَاءِ:107] وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْمُلَاحَظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِيَانَةَ حَاضِرَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ كُلِّهِمْ؛ فَالْغَادِرُ خَائِنٌ، وَمَنْ بَاعَ حُرًّا فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ لَمْ يُوَفِّ الْأَجِيرَ حَقَّهُ فَهُوَ خَائِنٌ لَهُ؛ فَكَانَتْ هَذِهِ أَفْعَالَ الْخَوَنَةِ الْغَدَّارِينَ.
وَلَمْ يُرَخِّصِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَدْرِ حَتَّى فِي حَالِ الْحَرْبِ، وَمِنْ وَصَايَاهُ فِي ذَلِكَ: "اغْزُوَا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَحِينَ زَكَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى بَيَّنَ مَا يَقَعُ بَعْدَهُمْ مِنَ انْتِشَارِ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ فَقَالَ: "ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ…" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَأَهْلُ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ مَفْضُوحُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ" رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَمَهْمَا ظَنَّ الْخَائِنُ الْغَدَّارُ أَنَّهُ يُدْرِكُ بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ غَايَتَهُ، وَيُحَقِّقُ هَدَفَهُ؛ فَهُوَ مُخْطِئٌ؛ إِذْ يَرْتَدُّ عَلَيْهِ سُوءُ عَمَلِهِ، وَيَخُونُهُ مَنْ خَانَ لِأَجْلِهِمْ، وَيَغْدِرُونَ بِهِ كَمَا غَدَرَ هُوَ بِغَيْرِهِ لَهُمْ، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ مِنَ التَّارِيخِ وَمِنَ الْوَاقِعِ الْمُشَاهَدِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَالْأَصْلُ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ أَنَّهُمْ يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَغْدِرُونَ وَلَا يَفُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا دِينَ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَسِيرُونَ مَعَ مَصَالِحِهِمُ الْآنِيَّةِ حَيْثُ سَارَتْ؛ وَلِذَا سَادَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَنَّ الْغَايَةَ تُسَوِّغُ الْوَسِيلَةَ، وَأَنَّ مَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ يُفْعَلُ وَلَوِ انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ. وَالسِّيَاسَةُ الْمُعَاصِرَةُ مَبْنَاهَا عَلَى هَذَا الْفِكْرِ الْمُنْحَرِفِ، وَبِسَبَبِهِ سُفِكَتِ الدِّمَاءُ، وَشُرِّدَتِ الشُّعُوبُ، وَانْتَشَرَ الْخَوْفُ وَالْفَقْرُ فِي أَرْجَاءِ الْأَرْضِ.
وَلِتَخَلُّقِ الْكُفَّارِ بِالْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ حَذَّرَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ(56)﴾ [الْأَنْفَالِ: 55- 56] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ [الْأَنْفَالِ: 71]. وَقَالَ الْمُلْهَمُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِيهِمْ: "لَا تَأْتَمِنُوهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".
وَالْأَصْلُ فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ يُخَوَّنُ وَلَا يُؤْتَمَنُ وَلَوْ عَاشَ فِي بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- الْأَمْثَالَ بِذَلِكَ؛ حَتَّى يَحْذَرَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُوا لِكَافِرٍ مَهْمَا أَظْهَرَ مِنَ الْوُدِّ وَالتَّعَاطُفِ وَالنُّصْحِ ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التَّحْرِيمِ: 10] فَكَانَتَا تَتَجَسَّسَانِ عَلَى النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، وَتُفْشِيَانِ أَسْرَارَهُمَا لِلْكُفَّارِ لِيَنَالُوا مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- حَفِظَهُمَا وَأَهْلَكَ قَوْمَهُمَا، وَفَضَحَ زَوْجَتَيْهِمَا الْخَائِنَتَيْنِ.
وَقَدْ دَلَّ التَّارِيخُ الْقَدِيمُ وَالْمُعَاصِرُ عَلَى كَثْرَةِ خِيَانَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَكَثِيرًا مَا يُعَاهِدُونَهُمْ ثُمَّ يَغْدِرُونَ بِهِمْ، وَيُؤَمِّنُونَهُمْ ثُمَّ يَخُونُونَهُمْ، وَجَمِيعُ طَوَائِفِ الْيَهُودِ فِي الْمَدِينَةِ خَانَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَفِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِعَهْدِهَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَانَتْ عَاقِبَةُ خِيَانَتِهِمُ الْقَتْلَ وَالْجَلَاءَ عَنِ الْمَدِينَةِ؛ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُمْ عَلَى غَدْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ.
وَكُفَّارُ مَكَّةَ لَمَّا عَقَدُوا الصُّلْحَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَمْكُثُوا عَلَى عَهْدِهِمْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَقَضُوهُ، فَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ مُكَافَأَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى وَفَائِهِمْ، وَعُقُوبَةً لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى غَدْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ.
وَفِي الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ احْتَمَى أُلُوفٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَأَغْلَقُوا الْأَبْوَابَ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّنَهُمُ الصَّلِيبِيُّونَ، فَلَمَّا فَتَحُوا لَهُمُ الْأَبْوَابَ غَدَرُوا بِهِمْ، فَأَبَادُوهُمْ رِجَالًا وَنِسَاءً وَأَطْفَالًا.
وَفِي وَاقِعِنَا الْمُعَاصِرِ حَوَادِثُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ بِالْمُسْلِمِينَ فَعَلَهَا الْكُفَّارُ، وَخِيَانَةُ الصِّرْبِ وَالْكُرْوَاتِ لِمُسْلِمِي الْبَلْقَانِ، وَغَدْرُهُمْ بِهِمْ لَيْسَتْ عَنَّا بِبَعِيدٍ.
وَأَطْوَلُ قَضِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ مُعَاصِرَةٍ هِيَ قَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ الَّتِي نَكَثَ فِيهَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْعُهُودِ، وَغَدَرُوا بِمَنْ وَثِقُوا بِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ كَرَّاتٍ وَمَرَّاتٍ، وَلَا زَالُوا يَغْدِرُونَ وَيَخُونُونَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا زَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَثِقُ فِي وُعُودِهِمْ، وَيَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَحْفَظَنَا وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الْخَوَنَةِ الْغَدَّارِينَ، وَأَنْ يَهْتِكَ سِتْرَهُمْ، وَيُظْهِرَ أَمْرَهُمْ، وَيَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ…
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حِينَ تَنْحَرِفُ بَعْضُ النُّفُوسِ عَنْ هُدَى مَوْلَاهَا، وَتَعْمَى عَنِ الْحَقِّ بَصَائِرُهَا، يَسْتَمِيتُ أَصْحَابُهَا فِي نَشْرِ بَاطِلِهِمْ، وَيَرْكَبُونَ كُلَّ سَبِيلٍ لِتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ كُلَّ مُحَرَّمٍ فِي الْوُصُولِ إِلَى غَايَاتِهِمْ، وَتَكُونُ الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي دَلَّ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَاجِبَاتٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُنْحَرِفِينَ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْغَدْرَ وَالْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ وَنَقْضَ الْعَهْدِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُنَافِقُونَ؛ لِأَنَّ نُفُوسَهُمُ الْمَرِيضَةَ جَعَلَتْهُمْ يَعِيشُونَ بِشَخْصِيَّتَيْنِ مُزْدَوِجَتَيْنِ، فَهُمْ فِي حَالِ ضَعْفِهِمْ يُخْفُونَ نِفَاقَهُمْ، فَإِذَا اسْتَقْوَوْا بِالْكُفَّارِ أَظْهَرُوهُ وَغَدَرُوا بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَالْأُمَّةُ الْبَاطِنِيَّةُ هِيَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ غَدْرًا بِالْمُسْلِمِينَ، وَخِيَانَةً لَهُمْ، حَتَّى أُسْقِطَتْ دُوَلٌ بِخِيَانَتِهِمْ، وَقُوِّضَتْ عُرُوشٌ بِغَدْرِهِمْ، كَمَا سَقَطَتْ دَوْلَةُ الْعَبَّاسِيِّينَ بِخِيَانَةِ الرَّافِضِيِّ الْبَاطِنِيِّ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ.
وَفِي الدَّوْلَةِ الصَّفَوِيَّةِ كَاتَبَ عَبَّاسٌ الصَّفَوِيُّ قَائِدَ الصَّلِيبِيِّينَ الْبُرْتُغَالِ يُحَالِفُهُ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ، وَوَعَدَهُ بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ فِلَسْطِينَ إِذَا قَبِلَ حِلْفَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ قَائِدُ الصَّلِيبِيِّينَ قَائِلًا: "إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْقَضَّ عَلَى بِلَادِ الْعَرَبِ أَوْ تُهَاجِمَ مَكَّةَ فَسَتَجِدُنِي بِجَانِبِكَ فِي الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ، أَمَامَ جُدَّةَ أَوْ فِي عَدَنَ أَوْ فِي الْبَحْرَيْنِ أَوِ الْقَطِيفِ أَوِ الْبَصْرَةِ، وَسَيَجِدُنِي الشَّاهُ بِجَانِبِهِ عَلَى امْتِدَادِ السَّاحِلِ الْفَارِسِيِّ، وَسَأُنَفِّذُ لَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ".
وَغَدَرَ النُّصَيْرِيُّونَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الشَّامِ أَيَّامَ الِاسْتِعْمَارِ وَخَانُوهُمْ، فَكَانُوا مَعَ الصَّلِيبِيِّينَ ضِدَّ الْمُسْلِمِينَ. وَهُمُ الْآنَ فِي الشَّامِ يُصَالِحُونَ وَيُعَاهِدُونَ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ وَيَخُونُونَ، وَيَرْتَكِبُونَ الْمَجَازِرَ الْبَشِعَةَ بِأَهْلِ الشَّامِ، فَقَتَلُوا مِئَاتِ الْأُلُوفِ، وَشَرَّدُوا الْمَلَايِينَ.
وَفِي الْيَمَنِ غَدَرَ الْحُوثِيُّونَ الْبَاطِنِيُّونَ بِالشَّعْبِ الْيَمَنِيِّ وَانْقَلَبُوا عَلَى حُكُومَتِهِ، وَارْتَكَبُوا الْمَجَازِرَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِذَا أَحَسُّوا بِالضَّعْفِ وَالْهَزِيمَةِ عَاهَدُوا فَتَمْتَدُّ إِلَيْهِمُ الْحِبَالُ الْخَارِجِيَّةُ فَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ، وَيَخُونُونَ أَمَانَاتِهِمْ، وَيَسْتَمِرُّونَ فِي انْتِهَاكَاتِهِمْ. فَهُمْ لَا يُعَاهِدُونَ إِلَّا لِيَسْتَقْوُوا ثُمَّ يَنْقُضُونَ مَا عَاهَدُوا.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرُدَّ كَيْدَهُمْ إِلَى نُحُورِهِمْ، وَأَنْ يَقْطَعَ الْحِبَالَ الْمَمْدُودَةَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْ يُخَلِّصَ الْيَمَنَ مِنْ رِجْسِهِمْ، وَأَنْ يَنْصُرَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْمُرَابِطِينَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُعِيدَهُمْ إِلَى ذُلِّهِمْ وَهَوَانِهِمْ كَمَا كَانُوا. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الخيانة بئست البطانة، وأمانة المعلم والمتعلم | العربية |
الخيانة وأنواعها | العربية |
صفات أهل المكر والخيانة | العربية |