عناصر الخطبة
- محاولات العلمانيين لتغريب التعليم
- صور من مواضيع التعليم في المناهج اليهودية
- سيطرة العلمانيين على وسائل الإعلام
- مجالات تخريب الإعلام وهدم الثوابت
- نتائج سيطرة العلمانيين على الإعلام
- أثر الفضائيات على الشباب
- حقيقة حرية الرأي التي يزعمونها.
اقتباس الحرية التي يريدها العلمانيون هي الحرية اللادينية, هي حرية الفرد في أن يقول أو يفعل ما يشاء ولو كان مخالفاً لشرع الله, وفي أن يذيع على الناس في الكتب والصحف ما يشاء دون أن يكون للشرع سلطان عليه. لقد اتخذوا من شعار حرية الرأي التي لا تتقيد بحدود الدين وسيلة لهدم القيم والأخلاق وتغيير المفاهيم والتصورات وفرض أنماط الحياة الغربية على المجتمع, فباسم الحرية يدعون إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في كل شيء
الخطبة الأولى:
الحمد لله …
وبعد:
تحدثنا في خطبة سابقة عن التكتيك والاستراتيجية التي يتبعها العلمانيون لفرض التغريب على المجتمع السعودي, وذكرنا أن ذلك يتم عبر ثلاثة محاور: المرأة والتعليم والإعلام .وتطرقنا إلى المحور الأول ـــ محور المرأة ــــ وبينا حقيقة الدعوة إلى حرية المرأة المزعومة وأنها مدخل إلى إفساد المرأة بزجها في أتون التبرج والسفور والاختلاط. واليوم نكمل الحديث عن المحورين الآخرين : التعليم والإعلام. أما التعليم: فقد سعوا جاهدين إلى اختراقه لأنه يصوغ العقول ويحدد السلوك, ولا يخفى أن التعليم عندنا بما يحويه من مناهج رصينة مستنبطة من الكتاب والسنة يبني في الناشئة عقيدة الإسلام وأخلاقه وقيمه, مما يفشل أي مشروع علماني يسعى لفرض النموذج الغربي فكراً وسلوكاً على مجتمعنا, لكن هؤلاء لم يرق لهم الحال, فسعوا إلى تخريب المناهج من خلال السعي إلى تنفيذ توصيات لجنة الكونغرس المكلفة بدراسة وفحص أكثر من تسعين كتاباً مقرراً في مختلف المراحل الدراسية في السعودية, حيث جاء ضمن فقرات التقرير ما يلي:
أولاً: إن التعليم السعودي يقوم على الإسلام، والدراسات الإسلامية تشكل جزءاً رئيساً في هذه المقررات حتى الكتب العلمية تشير إلى الإسلام.
ثانياً: السعوديون يقولون: إن الإسلام هو أساس الدولة والمجتمع والقضاء والتعليم والحياة اليومية.
ثالثاً: إنهم يصفون المسيحيين واليهود بأنهم كفار، وأنهم أعداء الإسلام.
رابعاً: المناهج السعودية لا تعترف بأي حق لليهود في فلسطين وأرض إسرائيل.
خامساً: في المناهج السعودية تركيز على فصل النساء عن الرجال، وحجاب المرأة.
سادساً: هناك آيات قرآنية كثيرة عن حجاب المرأة، وأهمية الالتزام به، وما تقوم به بعض النساء من كشف أجسامهن لرجال غرباء هو ذنب كبير.
سابعاً: حديث نبوي أثار كثيراً من النقاش عن اليهود، يقول: "لن يأتي يوم القيامة حتى يقاتل المسلمون اليهود.. حتى يختفي وراء شجر أو حجر". (انظر مجلة البيان العدد (188) 4/1424هـ).
وقالوا: يجب تغيير ذلك كله؟. قال المنصِّر الشهير ﴿تكلي﴾: يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيراً من المسلمين قد تزعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية، وتعلموا اللغات الأجنبية. وقديماً قال زعيم المنصِّرين (زويمر) مهنئاً تلامذته المنصرين: لقد قبضنا في هذه الحقبة من ثلث القرن التاسع عشر على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، وإنكم أعددتم نشئاً في ديار الإسلام لا يعرف الصلة بالله، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار المسيحي، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف هِمّة في دنياه إلا في الشهوات؛ فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات. (انظر: مخطط تدمير الإسلام, لنبيل المحيش)، وأيضاً (قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله, لجلال العالم).
فتطوع العلمانيون وسعوا إلى تنفيذ هذه التوصيات عبر إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني من خلال:
أولاً: بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية. حيث يطالب أحدهم بـــ " تدريب الناشئة على موقف عقلاني من الحياة في القضايا الإنسانية والطبيعية".
ثانياً: المطالبة بتقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن. بل إن أحد مثقفيهم أوصى بحذف مادة التوحيد كلها من المناهج. وانتقد آخر وثيقة سياسة التعليم الحالية, ويأخذ عليها أنها جعلت من غايات التعليم: "تكوين الفكر الإسلامي المنهجي لدى الأفراد, ليصدروا عن تصور إسلامي موحد يتعلق بالكون والإنسان والحياة… ". ويتابع منتقداً: " أما الغاية من تدريس العلوم فقد دفنت في طيات كمٍ هائل من الخطابة التي تبين فضل المسلمين على العلوم, وأن القصد من دراسة العلوم هو التأمل في عظيم خلق الله, و بيان الانسجام التام بين العلم والدين في شريعة الإسلام. ويقول: وتساعد المناهج نفسها هؤلاء على أن يكونوا دعاة, فقد اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية. ومن وسائلهم لتخريب المناهج".
ثالثاً: انتقاص الأساتذة المتمسكين بدينهم وتشويه صورتهم باختلاق الأكاذيب والقصص الوهمية, وعبر التندر والتفكه بهم عبر المسلسلات وغيرها.
إن مسلسل الهجوم على المناهج كبير والمقالات كثيرة, والعجب كل العجب من هؤلاء الذين ساءهم أن تكون عملية تربية النشء على شريعة الله تعالى, فيطيلون المقالات والكتابات في ضرورة تغيير المناهج بحجة أنها تفرخ الإرهاب وتؤطر له, بينما لم نقرأ لأحدهم سطراً واحداً يطالب اليهود بتغيير مناهجهم التي تنضح بسب الله تعالى وسب نبيه -صلى الله عليه وسلم- وسب عيسى -عليه السلام- وتربي النشء على التعاليم اليهودية والتلمودية المحرفة, وتزرع الكراهية والحقد والبغضاء ضد كل ما هو عربي ومسلم. جاء في القانون التعليميّ الرسميّ للدولة اليهودية ما يلي: "إن الهدف من التعليم الرسمي هو إرساء الأسس التربوية على أسس الثقافة اليهودية ومنجزات العلم, وعلى محبة الوطن والولاء للدولة وللشعب اليهودي".
وجاء في المؤتمر اليهودي للتربية والتعليم: أنه يقر بأن التربية اليهودية والصهيونية يجب أن تكون قائمة على أساس القيم اليهودية والتراث والتقاليد اليهودية, وأنها سوف تتولى كافة المجالات التربوية بكل فروعها الرسمية والغير رسمية لتربية الأطفال والشبيبة والطلبة الأحداث. ويخضع الطفل اليهودي لعملية غسيل دماغ منذ اليوم الأول الذي يدخل فيه المدرسة، وترتسم في ذهنه صورة قبيحة عن العربي المسلم, فلا يلبث تحت وطأة هذه التربية العنصرية أن يتحول إلى محارب لكل ما هو عربي أو إسلامي. هذا فضلاً عما تنضح به المناهج اليهودية من استهزاء وسخرية بالعربي وإظهاره بمظهر المغفل, كما في إحدى القصص التي يدرسها الأطفال. تقول القصة: تقدم اليهودي الطيب ( شمعون ) بهدية مهمة ومناسبة لصديقه العربيّ ﴿ أحمد ﴾ الذي يقيم الليلة حفلة عرسه وزفافه. كانت هدية اليهودي الطيب ( شمعون ) لصديقه ﴿ أحمد ﴾ عبارة عن " صابونة ". لقد أحضر شمعون تلك " الصابونة " لإدخال السرور على قلب صديقه وأسرته, لقد فرح العربيّ كثيراً بهذه الهدية القيمة, فقام وفتحها أمام الحضور وابتلع منها قطعة وناول المتبقي منها إلى زوجته العربية. لكن شمعون بادر إلى صديقه موضحاً له أن الهدية ليست قطعة حلوى بل " صابونة " للاستحمام وإزالة النجس والقذارة عن جسده المتسخ.
وقصة أخرى جاء فيها الكثير من العداء تجاه العرب ومن ذلك هذا النص: ( أي نوع من الرجال هؤلاء العرب؟, لا يقتلون إلا العزل من الأطفال والنساء والشيوخ!, لماذا لا يقتلوننا نحن الجنود ؟ ). كل ذلك لزرع الكراهية والبغض وتشويه صورة العربي المسلم في ذهن الطفل اليهودي.
وقد أثمرت هذه التربية العنصرية الحاقدة وآتت أكلها, ففي عدة دراسات إسرائيلية علمية عن صفات وطبائع العربي في ذهن الناشئة اليهود, جاءت نتائج الاستبانات كما يلي: قاس وظالم ومخادع وجبان وكاذب ومتلون وخائن وطماع ولص ومخرب وقناص قاتل ومختطف للطائرات ويحرق الحقول… إلخ.
وفي دراسة تناولت كتب الأطفال الأدبية والقصصية جاءت مواصفات العربي فيها كما يلي: أحول العينين – وجهه ذو جروح – أنفه معقوف – ملامحه شريرة – شاربه مبروم – ذو عاهة – أسنانه صفراء متعفنة – عيونه تبعث الرعب… إلخ . يقول الباحث الإسرائيلي يشعيا هوريم: "الصورة النمطية للشخصية العربية تتشكل في وجدان الأطفال اليهود منذ الصغر ".
وفي دراسة أجراها يهود في معهد فان لير استهدفت معرفة رأي الشبيبة الإسرائيلية في العرب ووجودهم في فلسطين والعلاقة معهم, وهذه الأسئلة وجهت للشريحة التي في عمر (15 – 18) فكانت النتيجة: – 92% منهم يرون أن لليهود الحق الكامل في فلسطين. 50% منهم يرون ضرورة تقليص الحقوق المالية للعرب في داخل فلسطين. 56% منهم يرفضون المساواة بالعرب كليا, و37% يريدون فقط مساواة العرب لهم في خدمة الجيش. 40% منهم أبدوا تأييدهم لأي حركة سرية تنتقم من العرب. 30% منهم أيدوا حركة ( كاخ ) الإرهابية. 60% منهم وافقوا على طرد كل عربي من فلسطين.
هكذا يربون ناشئتهم في ظل هذه الظروف الحرجة، والصراعات الحادة، وبنو علمان يريدوننا أن نتوارى بديننا, ونستحي من بيان عقيدتنا؛ بل نحرفها أو نحذفها لإرضاء أسيادهم, مصاب جلل أن يخجل البعض من عقيدة الولاء والبراء التي جاء بها كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-, في زمن يشهد تكتلات ضخمة على أسس دينية وحروب طاحنة على دوافعها دينية, وإننا حين نستجيب لمطالب القوم، ونرضخ لهم نكون قد أطلقنا على أنفسنا رصاصة الإعدام, لأنه سيستمرون في الاتهام وسنستمر نحن بالتنازل والتغيير لإرضائهم حتى لا يبقى لنا من ديننا شيء ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].
وأما الإعلام: فإنهم قد أحكموا سيطرتهم على وسائله المقروءة والمرئية لما له من دور كبير في صياغة التفكير وتشكيل المفاهيم ورسم الرؤى والتصورات. فالإعلام يجب أن يكون ممثلاً للمجتمع، ناطقاً بمصالحه, معالجاً لمشكلاته, لكن المشكلة الكبرى إذا سيطر على هذا الثغر شرذمة قليلة لا تمثل المجتمع، ولا يهمها من القضايا إلا ما يخدم أهدافها ولو كان ذلك على حساب تهميش قضايا المجتمع الأساسية, وجعل القضايا الجزئية بل والضارة في كثير من الأحيان أموراً مهمة لا لشيء إلا لأنها تخدم الفكر الليبرالي. إن المتابع للشأن الصحفي يفجؤه التناقض الصارخ بين الصحافة وأساس الشرعيّة الذي قامت عليه الدولة.
فهذه الدولة قامت على الإسلام, وهذا ما يردده حكامها في كل مناسبة, وهو ما يعرفه من درس نشأة الدولة وأساس الشرعية فيها. فهذه الدولة لم تقم على سواعد العلمانيين, ولم توحّد على أساس ليبرالي تغريبي, والأدهى والأمر أن هذه الشرذمة القليلة تريد أن تصبغ المجتمع بصبغة مخالفة لصبغة الله التي فطر الناس عليها والتي تأسس عليها هذا المجتمع. لقد علم العقلاء وأدرك الحكماء أن أرومة هذه البلاد هو دينها الذي لا يمكن التنازل عنه لأي سبب كان, لكن بني علمان لم يدركوا هذا ولم تسعفهم ثقافتهم المزعومة على فهمه, فحشوا أعمدتهم وزواياهم بسيل جارف من المقالات التي تصف بالإرهاب كل عمل دعوي إسلامي مثل المناهج الدينيّة, وحلقات التحفيظ, والجمعيات الخيرية، والمخيمات الدعوية, والتسجيلات الإسلامية وغيرها من الأنشطة الدعوية المباركة التي تملأ البلاد طولا وعرضاً.
وأما الإعلام المرئي فإنه يشكو ويئن من انتهاكهم لثوابته ومخالفتهم أسسه والتي من أهمها:
أولاً: البعد الأخلاقي.
ثانياً: المسؤولية الاجتماعية.
ثالثاً: الحرية المسؤولة.
رابعا: الهدف من الممارسة الإعلامية, هل هو الذوبان في الآخر أم التنشئة الاجتماعية أم تكريس الوضع الراهن من الذل والانحطاط والضعف أم التهميش والإقصاء ؟.
ولقد كان لهذه الفضائيات أكبر الأثر في إفساد المرأة والشباب, أما المرأة فقد سعت الفضائيات إلى إخراجها من بيتها بكل وسيلة ممكنة, فصورت لها أن البيت سجنها, وكبت لحريتها، يجب تحطيم قيوده، والخروج منه بصورة دائمة لحاجة ولغير حاجة؛ ولذا كثر خروج النساء من بيوتهن بعد ظهور القنوات الفضائية, وهجرت المرأة بيتها, تحضر المهرجانات، وتغشى المنتديات، وتشارك في الاحتفالات، وترتاد الأسواق بكثرة، وتذهب للمنتزهات، وتجلس على الشواطئ في أوضاع يندى لها الجبين، وتؤلم كل رشيد، وتوجع كل لبيب، وتحزن كل غيور، وتفرح كل عدو ظاهر وباطن، كما استجدت الدعوات المتبادلة بين الفتيات في المطاعم، واللقاءات في محلات القهوة "كوفي شوب" وفي الأندية النسائية سواء كانت أندية صحية أو غيرها من تجمعات نسائية تؤدي في غالبها رسالة فكرية محددة، وقد نتج عن خروجها غيابها عن رقابة الأسرة، وأدى إلى اختلاطها مع فتيات ذات مذاهب وأفكار شتى؛ لتكون لقمة سائغة لموجات التغريب في أخلاقها أو فكرها.
وركزت الفضائيات بشكل كبير على خدش الحياء الذي عده النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه من شعب الإيمان فقال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة, فأفضلها لا إله إلا الله, وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان", وقال صلى الله عليه وسلم: "الحياء خير كله" رواه مسلم, وقال صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير" رواه البخاري. وإذا كان الحياء في الرجال جميلاً فهو في النساء أجمل.
لكن الفضائيات عملت على نزع الحياء منهن، وهونت من شأنه في نفوسهن، فبدأنا نرى ونسمع عن مظاهر مخالفة للشرع منها: ما اعترى علاقة المرأة بالرجال الأجانب عنها من تساهل وتهاون. فحديثها وكلامها مع الرجال الأجانب في لحن وإيماء وخضوع في القول، ولين في الكلام مع دعابة، ومزاح وهزل بشكل لم يكن معهوداً قبل وجود القنوات الفضائية, والله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32], قامت إحدى قنواتنا بعرض فلم غربي سينمائي في خطوة جريئة وسابقة فريدة لأول مرة منذ تأسيس وزارة الإعلام. وقبله عرضت أفلام كرتون لأطفال عراة بدت عوراتهم المغلظة. وقناة أخرى تنافس مذيعاتها الممثلات في الدراما كما نشرت إحدى الصحف خبراً بعنوان ( القناة الفلانية تنافس العنصر النسائي في الدراما السعودية ). وتم تعين أحداهن مستشارة إعلامية وعضو تطوير إحدى القنوات وزميلة لها في قناة أخرى, وما زال مسلسل توظيف النساء وتعيين الفتيات مستمراً كما صرحت بذلك إحدى الصحف من اختيار إحدى الشابات في مجال الإعداد والتقديم.
ولا زالت هذه القنوات تنفث سمومها حتى تهاونت كثير من النساء بالحجاب, فبدأت تظهر الألبسة العارية، بموديلات متنوعة، وأنواع مختلفة من ثياب شفافة وقصيرة وضيقة وذات فتحات علوية وسفلية. وخاصة في حفلات الأعراس ونحوها، وكان لانتشار هذه النوعية من الملابس أسباب عدة من أبرزها: القنوات الفضائية، ففي تحقيق لمجلة الدعوة عن العري في ملابس النساء ومن المسئول؟ جاء فيه أن "القنوات الفضائية أهم عامل تقريباً، فالبرامج التي تبث فيها كلها سموم ذات مفعول قوي"(انظر مجلة الدعوة العدد 1519).
وأما أثر الفضائيات على الشباب, فيكمن في أنها تفننت في تكريس التقليد الأعمى للغرب, وإن كان ذلك على حساب المتاجرة بشرف المهنة وأهدافها النبيلة, بحجة تقديم ما يتفق مع أذواق وحاجات الجمهور, معرضة عن أن الشباب في هذه المرحلة يحتاج إلى إعلام هادف يقوم على نشر القيم والخصال الحميدة وعلى تقديم مادة هادفة تساعده على بناء شخصيته وخدمة دينه وقضايا أمته, وتمكينه من فهم ما يدور حوله وما يخطط له وما يراد به.
لقد رضيت بعض الفضائيات, المحسوبة علينا والتي يملكها أناس منا، لنفسها أن تتحول إلى دكاكين ومقاه للغزل والمعاكسات على الهواء ومباشرة, من أجل تحقيق الربح السريع والسهل وحتى ولو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأخلاق, بحجة أن هذا ما يريده الشباب !!. فمن الذي أباح لهم تذويب شبابنا في ثقافة الغير؟ ومن الذي سمح لهم بتهميش أصالتنا وثقافتنا وهويتنا وشخصيتنا؟ وهل يحق لهم تغريب شبابنا وسلخه من جذوره الحقيقية ومن قيمه الإسلامية؟ وهل يسوغ لوسائل الإعلام أن تنحرف وتنجرف وتسيء للأخلاق ولكرامة الإنسان وهي التي تدخل مجالس الناس بدون استئذان؟.
أيها الأحبة: إن كل ما ذكر إنما يمرَّر ويفرض على المجتمع بدعوى حرية الرأي, ولكن ما هي الحرية التي يدعون إليها؟. إنهم يطالبون بحرية تسمح لمن في قلوبهم مرض بمخالفة الثوابت الدينية والأحكام الشرعية, بل وتسمح لهم بالمجاهرة بفسقهم وفجورهم ونشر الفوضى وتفريق الجماعة بالتشكيك فيما يلتقي عليه الناس من عقائد وقيم, وتطلق للشهوات العنان, ولأن كثيراً من الناس يصدقون الشعارات البراقة, فقد انخدع البعض بدعوى الحرية وتحمسوا لها, دون أن يدركوا أغوارها البعيدة وما تنطوي عليه من مخاطر ومفاسد.
الحرية التي يريدها العلمانيون هي الحرية اللادينية, هي حرية الفرد في أن يقول أو يفعل ما يشاء ولو كان مخالفاً لشرع الله, وفي أن يذيع على الناس في الكتب والصحف ما يشاء دون أن يكون للشرع سلطان عليه. لقد اتخذوا من شعار حرية الرأي التي لا تتقيد بحدود الدين وسيلة لهدم القيم والأخلاق وتغيير المفاهيم والتصورات وفرض أنماط الحياة الغربية على المجتمع, فباسم الحرية يدعون إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في كل شيء, وباسم الحرية يدعون إلى السفور والاختلاط, وباسم الحرية يدعون إلى تغيير المناهج الدينية, وباسم الحرية يدعون إلى إفساد الشباب…
لقد فات القوم أن حرية الرأي مضبوطة بعدم الطعن والذم بالآخرين, وأن حرية الرأي مضبوطة بعدم بحث وتناول المسائل الشرعية دون علم, وأن حرية الرأي مضبوطة بعدم وجود أجندة خاصة وتكتل لتحقيق هذه الأجندة, وأنه لا بد في حرية الرأي من تكافؤ الفرص بالسماح للرأي الآخر من طلاب العلم والدعاة بنشر ما يرونه في الصحافة. وهذا ما لم يفعله القوم. نعم, إنهم دعاة حرية لكنها حرية لطرف واحد يريد تشويه مقومات المجتمع الأساسية وهي الدعوة والقضاء والإفتاء ومؤسسات العلم الشرعي وغيرها, ويريد تطبيق قائمة من الأفكار والأوضاع الاجتماعية ولو بتمزيق وحدته وصنع الكراهة فيه. يقول أحدهم داعياً إلى الحرية التي يريدها القوم: إن إسبانيا أول دول العالم في الدخل السياحي, والحرية هي بضاعة إسبانيا ففي أسبانيا أنت حر تفعل ما تشاء, عريان….سكران….سهران, ولم يحدث أن داهم رجال الشرطة منزلا للقبض على سائح لأنه يفعل كذا أو كذا كما يحدث في إحدى العواصم العربية.
ومن أمثلة الحرية التي يريدونها ما نشرته إحدى الصحف من دعوة صريحة لفاحشة الزنا حيث نشرت صورة على شاب مكتوب عليها MAKE LOVE وتعني ﴿ الزنا ﴾ وباسم الحرية وجهت نفس الجريدة دعوة الناس للشعوذة حيث نشرت خبراً بعنوان (مشعوذن يساعدون امرأة على كشف غموض اغتصاب وقتل ابنتها ).
لقد ساءهم أن يكون الشرع هو الحاكم في المجتمع يوجه الناس في شتى مناحي الحياة الفكرية و الاجتماعية والسلوكية, يقول أحدهم: الذنب هو في القبول بصبغ الحياة الاجتماعية كلها بالصبغة الإسلامية. وتقول أخرى: أنا أستغرب منك ومن آخرين يناوئون كل جديد ويحاولون إقحام الدين في كل أمر. ويقول ثالث عن المجتمع: صَمَّ أذنيه ووقع تحت هيمنة النقل وابتعد عن تفعيل العقل. كما ساءهم أن يكون خطاب الدين وحده هو السائد في المجتمع فقالوا: لماذا هذه الأحادية, أحادية الرأي وأحادية الفكر وأحادية الخطاب فأخذوا ينادون بسماع الرأي الآخر, مرددين: إلى متى نكون أسرى لرأي واحد في قضايانا الاجتماعية والتعليمية, وقضايا المرأة, ويقصدون بالرأي الواحد حكم الشرع الذي يدين به المجتمع ويؤمن به ويتحاكم إليه, فأطلقوا ألسنتهم وأقلامهم بمهاجمة أحكام الشرع تحت مسمى مهاجمة الرأي الواحد. وقالوا لماذا نلتزم في هذه الأمور وغيرها برأي واحد, أفسحوا المجال للرأي الآخر كائناً ما كان ولو كان مخالفاً.
إن الدعوة إلى قبول الرأي الآخر إنما هي في حقيقتها دعوة إلى قبول غير الإسلام, لأنها تؤسس لإضفاء شرعية على وجوده في المجتمع. فإذا كان للمسلم أن يرفع صوته بالمحافظة على الحجاب على اعتبار أن الحجاب حكم إسلامي. فللآخر أن يطالب بضد ذلك. وإذا طالب المسلم بمنع الاختلاط لأنه يتعارض مع الشرع, فللآخر أن يطالب بالاختلاط لأنه يتوافق مع الفكر الليبرالي.
والنتيجة: أن الإسلام والفكر العلماني والفكر الليبرالي كلها أطياف فكرية, وكل طيف من هذه الأطياف له الحق في التعبير عن نفسه والدعوة إلى أفكاره: فنحن والآخر ينبغي أن نتعايش ويقبل كل منا بالآخر, هذه هي حقيقة الدعوة إلى قبول الآخر.
فالعلمانيون يؤمنون بأنه ليس هناك حق مطلق في مجال التشريع والقيم والمبادئ والأخلاق, وأنه ليس لأحد الحق أن يدعي بأن ما معه هو الحق المطلق ولو كان الإسلام. وليس لدعاة الإسلام أن يقولوا بأن الإسلام هو الحق المطلق. وليس لدعاة الإسلام أن يصفوا الطيف العلماني ﴿ الآخر ﴾ بأنه على ضلال.
وإن تعجب فعجب من تعامي القوم وقصور ثقافتهم عن فهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾, وقوله تعالى ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾, وقوله جل شأنه ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾. وللحديث عن مخططات القوم تكملة في خطبة قادمة إنشاء الله تعالى حيث سنتكلم عن أساليبهم في إضعاف مناعة المجتمع.
والحمد لله رب العالمين.