بطاقة المادة
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الدفاع عن عقيدتنا ضد الخوارج المعاصرين | العربية |
الخوارج الجدد | العربية |
فكر الخوارج الأسباب والعلاج (1) | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسإلى الله المُشتكَى .. من نابتةٍ أغرار، وشِرذمةٍ أغمار .. حُدثاء الأسنان، سُفهاء الأحلام، ركِبُوا رؤوسَهم، وافتَاتُوا على وُلاة أمرهم وعلمائِهم، وهامُوا زهوًا وتِيهًا وغرورًا، فأحدثُوا فتنًا وفواجِع وشُرورًا.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، سبحانه وبحمده تفضَّل علينا بمِنَنٍ جلَّت حصرًا وتعدادًا، وهدانا شِرعةً انتظَمَت صلاحًا ورشادًا، وفلاحًا وإسعادًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعَّد من رامَ شرًّا وإفسادًا، في هذه الدنيا نفيًا وإبعادًا، وفي الآخرة سقرَ وبئسَت مهادًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه عمَّ العالمين رحمةً ووِدادًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الذين كانوا في الإعمار والإصلاح رُوَّادًا، ولحِياضِ الرُّقِيِّ وُرَّادًا، ومن اقتفَى آثارَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا لا يبلغُ البحرُ له مِدادًا.
أما بعد: فإن خيرَ ما يُوصَى به ويُدَّكَر، ويُوعَظُ به ويُزدَجَر: تقوى الإله الذي عزَّ واقتدَر. ألا فاتقوا الله – عباد الله -، واحذَروا سوء العُقبَى والرَّدَى، واجتنِبُوا الغفَلات فإنها للطاعات مُدَى، واسعَوا لأُخراكم كأنَّكم تنقلِبُون غدًا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18].
أيها المسلمون: توارُدًا على حِقَب التأريخ وطُرُوسِه، واستِكناهًا لثمَدٍ من حقائقِه ودروسِه، وسطَرًا لما التَأمَ عليه من سُننٍ وعِبَرٍ قبل عفائِه ودُرُوسِه، يُلفِي المُستقرِئُ دون لُغوبٍ أن من سُنن الله الشرعية والكونية ما يكونُ بين الحقِّ والباطل من نزاع، وبين الهُدى والضلال من صِراع، ولكلٍّ أنصارٌ وأتباع، وذادَةٌ وأشياع.
وكلما سمَقَ الحقُّ وازداد تلألؤًا واتِّضاحًا، ازداد الباطلُ ضراوةً وافتِضاحًا، وهكذا بعد المِحَن المُطوِّحة، وصُروف الدُّهم المُصوِّحة، يذهبُ النورُ بذُيولِ أهل الفجور.
فلا تسَلْ عبر التأريخ عن فِعال أهل الكفر الشَّنعاء، أو رزايا التتار الشَّعواء، أو بلايا المغول البلوَاء، أو فتنة القرامِطة الدَّهياء، الذين سعَوا لقمع أهل الإسلام وغيرهم سلَفًا وخلفًا، ممن ضجَّت الخضراءُ والغبراءُ لجُرمهم الكَفور، وحقدِهم الطامِي بالفُجور والشرور.
كلُّ أولئك وغيرُهم أين آثارُهم؟! لقد بادوا بعد أن عاثُوا في الأرض وأبادُوا، وكادوا للمسلمين ما كادوا. فلم يتَّخذهم التأريخ إلا مِثالاً قاتِمًا للطُّغيان الغَشُوم، ومسرَدًا للاستِبداد الظَّلُوم، وصمَدَ دينُ الله في شُموخِه وإبائِه، وعزَّته وعلائِه، وسيدُومُ – بإذن الله – بقوَّته الذاتية الإلهية، وخصائصِه الرَّبَّانيَّة، ولم ولن يزدَد به المُسلِمون إلا استِعصامًا، وبسِراجِه المُنير إلا اهتِداءً والتِحامًا، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].
إخوة الإيمان: وها هو التأريخُ يُعيدُ نفسَه. فما أشبَه الليلة بالبارِحة! وكما لم تسلَم خيرُ القرون من نزَغَات الشياطين، فظهرَت أولُ بدعةٍ في الإسلام في نهاية الخلافة الرَّاشِدة، فإن فِئامًا من الخوارِج سارُوا على درب أسلافِهم ممن قصُرَت أفهامُهم، وطاشَت أحلامُهم.
ففهِموا النصوصَ الشرعية فهمًا خاطئًا، مُخالفًا لفهم الصحابة والسلَف الصالح – رضي الله عنهم أجمعين -، فشوَّهوا صورةَ الإسلام بنقائِه وصفائِه وإنسانيَّته، وانحرَفُوا بأفعالِهم عن سماحته ووسطيَّته.
يفعلون ذلك باسم الدين، وينشُرونَه على مرأى ومسمعٍ من العالمين، وكل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظنُّ أن ما يصدُرُ عن هؤلاء الغُلاة خوارِج العصر هو الإسلام، والإسلامُ الحقُّ منهم براء.
رأينا من الأحداث ما يبعثُ الأسَى***فمن هولِها أكبادُنا تتفطَّرُ
ضلالٌ، وإرجافٌ، وطيشٌ، وفتنةٌ***وزيغٌ، وفهمٌ كالِحُ الوجه أغبرُ
إخوة الإسلام: إن الغُيُر من أهل الإيمان ليعجَبُون من هؤلاء المارِقين وأشباهِهم من كل دعِيٍّ مُؤدلَج، في غيابات التأويل الباطل قد أدلجَ، يسلُكون طرائِقَ الباطل الصُّراح، وينهلُون من مشارِب العُنف والبطش القَراح، أُرخِصَت لديهم الأعمار، فقامُوا بسفك الدماء، وقتل الأبرياء، وجلب الدمار، وإلحاق العار والشَّنار، وخرابِ الأوطان، والإساءة إلى خُلاصة الشرائع والأديان.
ولا يكادُ عجبُ الغيور يأخذ بالأفول من ضلال تلك العقول، التي اتخذَت وراءَها ظهريًّا المعقولَ والمنقولَ، حتى يتساءَل بأسَى: ما بالُ هؤلاء يرتكِسُون في حمئَة الجهل الوَبيل، ولا يُصِيخون إلى النداء العلويِّ الجليل، الذي عظَّم حُرمةَ الإنسان، ونأَى به عن مساقِط الغلُوِّ والإجرام والطُّغيان؟!
ما لهؤلاء القوم قد افترسَتهم أفكارُ الضلال، واستقطَبَتهم موجاتُ الوَبال، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ(12)﴾ [البقرة: 11، 12].
يقول الإمام الطبريُّ – رحمه الله -: "والإفسادُ في الأرض العملُ فيها بما نهَى الله – جلَّ ثناؤُه – عنه، وتضييعُ ما أمرَ الله بحفظِه".
ويقول شيخُ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله -: "الفسادُ إما في الدين وإما في الدنيا؛ فأعظمُ فسادِ الدنيا: قتلُ النفوس بغير الحق، ولهذا كان أكبرَ الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر".
ويقول الإمام الشاطبيُّ – رحمه الله -: "يجبُ على كل ناظرٍ في الدليل الشرعيِّ مُراعاة ما فهِم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرَى بالصواب، وأقومُ في العلم والعمل".
يا أمةً أخطَأَت دربَ الهُدى فأتَى*** حصادُها يوم رِبح الناس خُسرانُ
عُودِي إلى منهجٍ كُنتِي به علَمًا ***يعلُو الرؤوسَ كما تعلُوه تيجانُ
معاشر المسلمين: إن هذه الدعوات المُغرِضة التي تستهدِفُ المُجتمعات الإسلاميَّة عامَّة، وتختطِفُ عقولَ الشباب خاصَّة، ليس وراءَها إلا هدمُ المُجتمع وتفكُّكه، وإخلالُ أمنه واستِقراره.
والمُصطلحاتُ الشرعيَّة التي يستخدمُها هؤلاء لجرِّ شبابنا إلى الويلات باتَت واضحةً مكشوفةَ الأهداف لكل ذي عينين، ولا تزالُ أفعالُهم الباطلةُ الرديئة، وأقوالُهم المُنمَّقة الوبيئة تفضحُ مكنونَ ضمائرهم، وتكشِفُ مضمونَ سرائرهم؛ لأنهم اتخذُوا الدين لرخيص مآربِهم مطيَّةً وذريعةً، ومسلَكًا لأهوائِهم الشَّنيعة، والتضليل والخديعة.
وإلى الله المُشتكَى .. من نابتةٍ أغرار، وشِرذمةٍ أغمار .. حُدثاء الأسنان، سُفهاء الأحلام، ركِبُوا رؤوسَهم، وافتَاتُوا على وُلاة أمرهم وعلمائِهم، وهامُوا زهوًا وتِيهًا وغرورًا، فأحدثُوا فتنًا وفواجِع وشُرورًا.
ونبرأُ من دين الخوارِج إذ غلَوا *** بتكفيرِهم بالذنبِ كلَّ مُوحِّدِ
وظنُّوه دينًا من سفاهَة رأيِهم*** وتشديدِهم في الدين أيّ تشدُّدِ
ومن كل دينٍ خالفَ الحقَّ والهُدَى*** وليس على نهجِ النبي محمدِ
صلى الله عليه وسلم ألا فلتُفيقُوا يا شباب الأمة! ألا فلتُفيقُوا يا شباب الأمة! ولا تغترُّوا بالشِّعارات الزائفة البرَّاقة، والمناهج الضالَّة المرَّاقة. ولتحذَروا ممن يُريد التغريرَ بكم، والزجَّ بكم بإسراع في مواطِن الفتن وبُؤر الصراع، وليَسَعكم ما وسِعَ سلفَكم الصالحين، وعلماءَكم الربَّانيين.
فماذا جنينَا من حماقات ثُلَّةٍ *** تزيَّت بزيِّ الدين في الدين تنحَرُ
أفاعيلُ طيشٍ تحتسِي الأرضُ سُمَّها***ودربُ الهُدى منها كئيبٌ مُعثَّرُ
وإن على العلماء والمُفكِّرين .. والدعاة والمُربِّين .. أن يستنهِضُوا العزائِم والهِمَم، ويطَّرِحوا عن أنفسِهم التوانِيَ والصمتَ والوهَن، وأن يقولوا كلمةَ الحقِّ دون مُوارَبَة، لا يخشَون في الله لومةَ لائمٍ. ينفُون عن دين الله تحريفَ الغالِين، وانتِحالَ المُبطِلين، وتأويل الجاهِلين.
فأمَّتُنا تمرُّ اليوم بمرحلةٍ تأريخيةٍ حرِجة، وسيكون التأريخُ شاهدًا على من كانوا الأداة الطيِّعة التي استغلَّها الأعداءُ لتمزيقِ الأمة، وتفريق كلمتِها، وتشويه صُورة الإسلام النقيَّة، وألا يُؤثِروا منهجَ السلامة على سلامة المنهَج، وأن يُرسِّخوا العقيدة الإيمانية السلفية الصحيحة لدى النشء والأجيال، في تمازُجٍ بين الوحدة الدينية، واللُّحمة الوطنية، وفقَ الضوابط الشرعية والمقاصديَّة، التي يُعانِقُ فيها الوطنُ الإسلام تعانُق الألف واللام. في ارتِكازٍ على العلم المتين، والفِكر المُتأصِّل المتين.
أمة الإسلام: وأمام تلك الفتنِ الهوجاء؛ فإن الواجبَ الوقوفُ صفًّا واحدًا في وجه كلِّ من يُحاول اختِطافَ وتشويه الإسلام. وإنه لمن المَعيب والعار أن يُمارِسَ القتلةُ المُجرمون طُغيانَهم وإرهابَهم وإجرامَهم باسم الدين، والدينُ منهم براء. ويُقدِّمونه للعالَم بأنه دينُ الغلُوِّ والكراهية، والإرهاب والدموية، في تشويهٍ مُتعمَّد لشعيرة الجهاد الحقِّ، ذروة سَنام الإسلام.
إلى جانبِ ذلك كلِّه، نرى دماءَ إخواننا في فلسطين وغزَّة، وفي بلاد الشام تُسفَك في مجازِر جماعيَّة لم تستثنِ أحدًا، في جرائِم حربٍ ضدَّ الإنسانيَّة دون وازِعٍ دينيٍّ، أو إنسانيٍّ، أو أخلاقيٍّ. حتى أصبح للإرهاب أنماطٌ مُختلفة، سواءٌ أكان من جماعاتٍ، أم مُنظَّماتٍ، أم دُول، وهي الأخطرُ شأنًا بإمكانياتها، وخُططها، ومكائدِها.
كلُّ ذلك يحدثُ تحت سمع وبصر المُجتمع الدوليِّ بكل مُؤسَّساته ومُنظَّماته، مما يُخشَى معه أن يُوجِدَ ذلك جيلاً لا يُؤمنُ إلا بالعُنف والإرهاب، ويُوقِنُ بصراع الحضارات، لا بحوارِها وتناغُمها. والمُتخاذِلون اليوم سيكونون أولَ الضحايا.
فالصمتُ من المُجتمع الإسلاميِّ والدوليِّ ليس له أيُّ مُبرِّرٍ، أو مُسوِّغٍ دينيٍّ أو قِيَميٍّ.
فلنحرِص – يا رعاكم الله – على وأْد الفتن في مهدِها، واجتِثاثها من أصولها، وتجفيفِ منابِعِها. فقد وجدَت لها أرضًا خصبةً في العالَم الإسلاميِّ، وسهَّل لها الحاقِدون المُغرِضون على أمَّتنا كلَّ أمرٍ، عبر تحالُفاتٍ خفيَّة، ومُنظَّماتٍ إرهابيَّة.
فالمُتخاذِلون عن أداء مسؤوليَّاتهم التأريخية ضدَّ الأعمال الإرهابيَّة، من أجل مصالِح وقتيَّة، أو مُخطَّطات مشبوهة، سيندَمون حيث لاتَ ساعة مندَم.
وحتى لا تُصابَ الأمةُ بخيبَة أملن لعدم تفاعُل المُجتمعات الدولية والإسلامية في ذلك، فإنه يجبُ تفعيلُ المشروعات الحضاريَّة ضدَّ كل ما يُخالِفُ منهجَ الإسلام الحقَّ، في برامِج عمليَّة موثوقة، تُحقِّق التوازُن والوسطيَّة والاعتِدال، وتُعزِّزُ الأمنَ والسِّلمَ والاستِقرار.
والحاجةُ مُلِحَّةٌ؛ بل ضروريَّة إلى وضعِ ميثاق شرفٍ عالميٍّ يُؤدِّي فيه القادةُ والعلماءُ رسالتَهم، ويُؤمِّلُ الشبابُ فيه فِكرَهم، ويُضبَطُ فيه مسارُ الإعلام الجديد قبل أن يقضِيَ على ما بقِيَ من دين الأمة، وعقولِ أبنائِها وأمنها ووحدتها.
وأخيرًا:
فعليك بالوحيَين لا تعدُوهما***واسلُك طريقَهما بفهمٍ جيِّدِ
فإذا تعذَّرَ فهمُ نصٍّ غامضٍ***فاستَفتِ أهلَ الذِّكرِ كالمُسترشِدِ
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال: 25].
بارَك الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ التوفيق والمِنَن، ونسألُه – جل وعلا – درءَ الشرور والفتن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من اعتصمَ به وُقِيَ الغِيَر وأمِن، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من هدانا إلى أزكَى السَّنَن، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلهِ وصحبِه المُستمسِكين بنور الوحيِ والسُّنَن، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله -، واستدرِكوا سوابِق الحوبات بلواحِق التوبات؛ يكن العزُّ رديفَكم، والنصرُ والتمكينُ حليفَكم.
معاشر المؤمنين: وإن من عجائب الأمور، ومما يحارُ فيه ذوو العقول: أن يُوجِّه أصحابُ السِّهام المسمومة، والأنفس الضيِّقة المحمومة أسَلاتهم المشؤومة إلى دُرَّة الأوطان، ومهبِط الوحي ومأرِز الإيمان: بلاد الحرمين الشريفين .. بلاد التوحيد والوحدة، والقرآن والسنَّة التي جعلَها الله مثابةً للناس وأمنًا وقبلةً.
أمة الإسلام: وجماعُ الخير كلِّه، وأقومُ سبيلٍ وأهدَى طريقٍ للنجاة من الفتن الحوالِك، والكُرَب الهوالِك: هو الحذرُ من الفتن ودُعاتها، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: 191]، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: 217].
ولزومُ الجماعة، وحُسن السمع للإمام والطاعة، وتركُ التفرُّق والتحزُّب، والطائفيَّة والتعصُّب، كما قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
روى الإمام مسلمٌ من حديث حُذيفة بن اليمان – رضي الله عنه -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من خرجَ عن الطاعة، وفارقَ الجماعة، فماتَ ماتَ ميتةً جاهليَّة، ومن قاتلَ تحت رايةٍ عُمِّيَّة يغضبُ لعصبيَّة، أو يدعُو إلى عصبيَّة، أو ينصرُ عصبيَّة فقُتِل فقِلتُه جاهليَّة، ومن خرجَ على أمتي يضربُ برَّها وفاجرِها، لا يتحاشَى من مؤمنها، ولا يفِي بعهدِ ذي عهدٍ فليس مني ولستُ منه».
وفي حديث حُذيفة في الفتن، قال – صلى الله عليه وسلم – مُبيِّنًا سبيلَ النجاة منها: «تلزَمُ جماعةَ المُسلمين وإمامَهم»؛ متفق عليه.
وروى ابنُ أبي شيبة في "مصنفه" عن ابن مسعودٍ – رضي الله عنه -، أنه خطبَ الناسَ فقال: "إن الذي تكرَهون في الجماعة خيرٌ من الذي تحبُّون في الفُرقة".
إن الجماعةَ حبلُ الله فاعتصِموا *** منه بعُروته الوُثقَى لمن دانا
كم يدفعُ الله بالسُّلطان مُعضِلةً *** في دينِنا رحمةً منه ودُنيانا
لولا الإمامُ لم تُؤمَن لنا سُبُلٌ *** وكان أضعفُنا نهبًا لأقوانًا
وإننا لنسألُ المولى – جلَّ في عُلاه – أن يحفظَ على بلادنا بلاد الحرمين الشريفين، وسائر بلاد المسلمين عقيدتَها وقيادتَها، وأمنَها، وأمانَها، واستِقرارَها، وأن يُسدِّد ويُوفِّق عيونَنا الساهِرة رِجالَ أمنِنا المُجاهِدين إلى كل خيرٍ وفلاح، وأن يحفظَ أمَّتنا الإسلامية عامَّة، وبلادنا خاصَّة من كيد الأعداء المُتربِّصين، ويجعلَها عزيزةً صامِدةً، مجيدةً رائِدةً، في الحق قائدةً وسائدةً، إن ربي سميعٌ مُجيبُ الدعاء.
هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على نبيِّ المرحمة، وقائِد الملحَمة: سيِّد ولد آدم غيرَ مُدافَع، وخير من ذبَّ عن الدين ودافَع، كما أمرَكم بذلك المولى العزيزُ الحميد، في كتابه المجيد، فقال تعالى قولاً كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
وقال – صلى الله عليه وسلم – قال: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
يا قومَنا صلُّوا عليه فتظفَروا*** بالبِشرِ والعيش الهنِيِّ الأرغَدِ
صلَّى عليه الله جلَّ جلالُه*** ما لاحَ في الآفاق نجمُ الفرقَدِ
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الكفرةَ والظالمين، وسائر أعداء الدين والمُلحِدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبِرين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانة الصالِحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع وُلاة أمر المسلمين لتحكيم كتابِك، وسُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم – اللهم اجعلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ الأرض وربُّ العرش الكريم، إلهَنا عظُمَ الخطبُ واشتدَّ الكربُ على إخواننا المُسلمين في فلسطين وغزَّة، اللهم فانصُرهم يا ناصِر المُستضعَفين، ويا وليَّ المؤمنين.
اللهم إنهم ضُعفاءُ فقوِّهم، اللهم إنهم فُقراءُ فأغنِهم، اللهم إنهم حُفاةٌ فاحمِلهم، وجِياعٌ فأطعِمهم، ومظلومون فانصُرهم، ومظلومون فانصُرهم، ومظلومون فانصُرهم، يا ناصِر المُستضعَفين، ويا وليَّ المؤمنين.
اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرهم، اللهم تقبَّل شُهداءَهم يا ذا الجلال والإكرام، واشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم يا قوي يا عزيز.
اللهم احفَظ بلادنا وبلاد المُسلمين من شرِّ الأشرار، وكيد الفُجَّار، ومن شرِّ طوارِق الليل والنهار، اللهم اصرِف عنَّا كيدَ الكائِدين، وعُدوانَ المُعتدِين، ومكرَ الماكِرين، وحقدَ الحاقِدين يا ربَّ العالمين.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].
اللهم يا كريمُ يا وهاب، اصرِف عن بلاد المُسلمين وعن العالمين شُرورَ الإرهاب والعُنف والقتل والبَطش يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احفَظ بلاد المُسلمين عامَّةً من الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، اللهم احفَظنا وبلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالِدِينا وجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين. سبحان ربِّك ربِّ العزة عما سيصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
المؤلف | عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الدفاع عن عقيدتنا ضد الخوارج المعاصرين | العربية |
الخوارج الجدد | العربية |
فكر الخوارج الأسباب والعلاج (1) | العربية |