عناصر الخطبة
- فضل العشر من ذي الحجة.
- التكبير في أيام العشر
- فضل يوم عرفة
- فضل يوم العيد
- حكم صلاة العيد
- من سنن وآداب العيد
- الأضحية وأحكامها
اقتباس ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، صيام يوم عرفة، اليوم التاسع من هذا الشهر، فهو يوم عظيم، فيه كمل الدين، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار، وفيه يدنو الله -جل جلاله- يباهي بعباده الملائكة، وصيامه يكفر سنتين، سنة قبله وأخرى مثلها بعده، بذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”. فصوموا…
الخطبة الأولى:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار, أعاذني الله وإياكم من النار.
أيها الإخوة المؤمنون: تعلمون -رحمني الله وإياكم- بأننا نعيش في هذه الأيام، أياماً فاضلة، أياماً من أفضل الأيام، العمل فيها ليس كالعمل في غيرها. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر". قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟, قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
أيها الإخوة المؤمنون: في هذه الأيام يشرع التكبير، فهو من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذه الأيام، والتكبير -أيها الإخوة- عبادة من أعظم العبادات، أمر الله به، وحث عليه، فقال -عز وجل-: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111], ويقول سبحانه: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185], ويقول أيضاً في سورة المدثر: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبّرْ﴾[المدثر:3].
فالتكبير عبادة، يروى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "قول العبد: الله أكبر، خير من الدنيا وما فيها". يقول البخاري -رحمه الله- كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيراً. وقال أيضاً: كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما-ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
فأحيوا سنة التكبير -يا عباد الله- قولوا: الله أكبر، قولوها بألسنتكم، واستشعروا معناها في قلوبكم، فإن الله أكبر من كل شيء. ثبت عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء -الماء الذي فوقه العرش- خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم". لا يخفى عليه شيء من أعمالكم!.
عبد الله! يا مسلم: إن قولك: الله أكبر، ليست بشيء بجانب عظمة العظيم -سبحانه-، فقلها واصدع بها، ولا تأخذك في الله لومة لائم.
أيها الإخوة المؤمنون: ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، صيام يوم عرفة، اليوم التاسع من هذا الشهر، فهو يوم عظيم، فيه كمل الدين، وفيه يعتق الله ما شاء من عباده من النار، وفيه يدنو الله -جل جلاله- يباهي بعباده الملائكة، وصيامه يكفر سنتين، سنة قبله وأخرى مثلها بعده، بذلك أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
فصوموا ذلك اليوم -يا عباد الله- فإن صيام يوم تطوعاً، قد يكون سبباً لنجاة صاحبه من النار، ففي الحديث: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفاً".
أيها الإخوة المؤمنون: وفي ختام هذه الأيام العشر، سيكون عيد الأضحى، فاليوم العاشر من هذه الأيام هو أول أيام العيد، ويوم عيد الأضحى يوم عظيم، قد رأى بعض أهل العلم، أنه أفضل أيام السنة، رأى بعضهم أنه أفضل حتى من يوم عرفة، يقول ابن القيم -رحمه الله-: خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، كما في السنن لأبي داود عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر"، ويوم القر: هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر. وبعض العلماء قالوا: يوم عرفة أفضل، لأن صيامه يكفر سنتين، وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة، فعليك أيها المسلم أن تحرص على ما يقربك إلى الله -عز وجل- في ذلك اليوم.
ومما يقرب إلى الله في يوم العيد: الحرص على صلاة العيد، وحضورها مع المسلمين، فاحرص -أخي المسلم- على صلاة العيد، وإياك أن تكون من الذين يثبطهم الشيطان، فيفضلون النوم على هذه الشعيرة العظيمة . فقد رجح بعض أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية بأن صلاة العيد واجبة، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2]، ولا تسقط صلاة العيد عن أحد إلا بعذر شرعي، حتى النساء، عليهن أن يصلين العيد، ويشهدن صلاة العيد مع المسلمين، بل حتى الحيض والعواتق، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى.
فاتق الله -يا عبد الله- وصل العيد ولا تكن من الذين قال الله عنهم: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة: 46].
أيها الإخوة المؤمنون: ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عنها في صلاة العيد: الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب، بدون إسراف ولا إسبال، وأما حلق اللحى الذي يعتقد بعض الناس أنه يتزين به، فهو والله ليس بزينة، وكيف تكون الزينة بما حرم الله، فلنحذر مخالفة السنة -يا عباد الله-.
ومنها -أيها الإخوة- أنه من السنة لمن كان له أضحية أن يذبحها بعد صلاة العيد، من السنة أن لا يطعم شيئاً قبل صلاة العيد حتى يذبح أضحيته فيأكل منها بعد الصلاة، فهذا من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان صلوات ربي وسلامه عليه لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
أسأل الله لي ولكم علماً نافعاً، وعملاً خالصاً، وسلامة دائمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: وفي يوم العيد تكون شعيرة عظيمة من شعائر الدين، وهي الأضحية.
والأضحية، مشروعة باتفاق المسلمين، فلا خلاف بينهم في مشروعيتها، حكمها سنة مؤكدة، فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ضحى بنفسه، وحث أمته على التضحية، وهي مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته، وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات.
ولا تجوز الأضحية إلا من بهيمة الأنعام: الإبل أو البقر أو الغنم، أما الإبل فالواحدة عن سبعة، وكذلك البقر، الواحدة عن سبعة، أما الغنم فالشاة عن مضح واحد، ويضحي الرجل بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، يقول أبو أيوب: "إن الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-". فالشاة الواحدة كافية عن أهل البيت الواحد، وإن كثر عددهم، وإن تفاوتت درجة قرابتهم.
أيها الإخوة المؤمنون: ولفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- كلام قيم عن الأضحية أنقله لكم بنصه عسى الله أن ينفع به، يقول -رحمه الله-: "الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء, كما كان رسول الله وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء، مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم، تنفيذاً لها، وأصل هذا قوله تعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181].
الثالث: أن يضحى عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت، وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهن ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض الناس، يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها أضحية الحفرة، ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك. أهـ.
أسأل الله لي ولكم الفقه في الدين، والتمسك بالكتاب المبين، والاقتداء بسيد المرسلين، والسير على نهج أسلافنا الصالحين.