بطاقة المادة
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الأمانة: فضائلها ومجالاتها | العربية |
الأمانة يوم أن فقدناها | العربية |
تضييع الأمانة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسالأمانة شأنُها عظيم، ومكانتُها من الدين جليلَةٌ، والواجبُ على عباد الله أن يَرْعَوا للأمانة حقَّها، وأن يعرِفُوا لها مكانتها، وأن يعتنُوا بها غاية العناية، ويهتمُّوا بها غاية الاهتمام، وقد تكاثرت الأدلة في كتاب الله، والأحاديثُ في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في تعظيم الأمانة، وتَعلِيَةِ شأنها، ورَفْعِ قدْرِها…
الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه –سبحانه- ثناء المنيبين الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون عبادَ الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن منِ اتّقى الله وقاه، وأرشدَه إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله -جلّ وعلا- عِزّ لصاحبها، وتمكين له، ورفعة في الدنيا والآخرة، والعاقبةُ دائمًا وأبدًا لأهل التقوى.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الأمانةَ مسؤوليةٌ عظيمةٌ، وواجبٌ كبير، تحمَّلها الإنسان وتحمَّل تَبِعتَهَا في هذه الحياة، فالإنسان عبدٌ مؤتمَنٌ، أوجده الله من العدم، وخلقه بعد أن لم يكن، وعرَضَ عليه الأمانة فَقَبِلَهَا، قبلها مع تبعاتها وما فيها من مسؤوليةٍ عظيمةٍ، وتبعة كبيرة.
عبادَ الله: إن الأمانة شأنُها عظيم، ومكانتُها من الدين جليلَةٌ، والواجبُ على عباد الله أن يَرْعَوا للأمانة حقَّها، وأن يعرِفُوا لها مكانتها، وأن يعتنُوا بها غاية العناية، ويهتمُّوا بها غاية الاهتمام، وقد تكاثرت الأدلة في كتاب الله، والأحاديثُ في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في تعظيم الأمانة، وتَعلِيَةِ شأنها، ورَفْعِ قدْرِها، وبيانِ ما يترتب عليها في الدنيا والعُقْبى، من ثوابٍ لمن حفظها وحافظ عليها، وعقابٍ لمن أهملها وفرَّط فيها، يقول الله -تبارك وتعالى-: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ [البقرة: ???]، ويقول -جلّ وعلا-: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ﴿الأحزاب: ??﴾، ويقول -جلّ وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ ﴿النساء: ??﴾، وذكر -سبحانه وتعالى- الأمانة وحِفْظَهَا في صفات المؤمنين الكُمّل؛ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ ﴿المؤمنون: ?﴾، ثم قال: ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11)﴾ ﴿المؤمنون: ?? – ??﴾، وقال في سورة أخرى: ﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ ﴿المعارج: ??﴾.
فالعُقبى الحميدةُ، والنهايةُ الرشيدةُ، لمن يُوَفِّي الأمانة حَقَّها، ويرعى لها مكانتها، ثم إن الله -عز وجلّ- ذكر إضاعَةَ الأمانةِ في صفاتِ اليهود، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً﴾ ﴿آل عمران: ??﴾، وذكر -عليه الصلاة والسلام- عدمَ الوفاءِ بالأمانة من صفاتِ أهل النفاق؛ ففي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، وذكر -عليه الصلاة والسلام- أن الأمانة من الإيمان؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- كما في الترمذي وغيره: "لا إيمان لمن لا أمانة له"، وهذا الحديث -عبادَ الله- يدلُّنا على عِظَم شأن الأمانة، وأن الأمانة من الإيمان، فكلَّما زادَ العبدُ أمانة ومحافظةً على الأمانة زادَ إيمانُه، وكلما نقص من الأمانة نقص إيمانه بحسب ذلك.
عبادَ الله: وإن من آيات القرآن العظيمة المبينة لِعِظَم شأن الأمانة وجلالة قدرها ورِفعَةِ شأنها قول الله -عز وجلّ- في آخر سورة الأحزاب: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ﴿الأحزاب: ??﴾، تأمل -عبدَ الله- هذه الآية الكريمة، لتعلم من خلالها عظم شأن الأمانة، فإن الله -جلّ وعلا- قَد أخبرَ في هذه الآية الكريمة، أنه سبحانه عَرَضَ الأمانة على السموات والأرض والجبال، عرض الأمانة عليها عَرْضَ تَخْيِير وليسَ عرضَ أمرٍ وتَحْتيِم، فأَبَيْن أَن يحمِلْنَها، امتنعت الجبال والسموات والأرض مِن تَحَمُّلِ الأمانة، ليس عصيانًا لله -تبارك وتعالى-، ولا زُهْدًا مِنها في ثوابه -جلّ وعلا-، وإنما خوفًا وشفقةً من عِظَمِ المسؤولية؛ ولهذا قال: ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ ﴿الأحزاب: ??﴾، أشفقت الجبال من الأمانة، وأشفقت السموات من حملها، وأشفقتِ الأرضُ من حملها، ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ﴿الأحزاب: ??﴾، مع ظلمِهِ وجهله، تحمَّل الأمانة وقَبِلَ تَحَمُّلَهاَ مع تبعاتِهَا.
إن تبعات الأمانة -عبادَ الله- أن من حفظها نال ثواب الله -عز وجلّ- في الدنيا والآخرة، ومن أضاعَها نال عقَابَهُ -جلّ وعلا- لمضيِّعِ الأمانة في الدنيا والآخرة، ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ﴾: تحمل هذه المسؤولية العظيمة مع ظلمِه وجهلِه، فالعبد -عبادَ الله- يعيشَ مُتَحَمِّلاً مسؤولية الأمانة في حياته كلها، والله -جلّ وعلا- يسأله عنها يوم لقائه.
ثم إذا نظرنا في حال هذا الإنسان، وتحمُّلِه لهذه الأمانة، وكيف قِيامُه بها، نجد أن الناس تجاه تحمُّلِ الأمانةِ على أقسامٍ ثلاثة:
قسمٌ تحمَّلَ الأمانة في الظاهر ولم يتحمَّلْها في الباطن، قام بالأمانة ظاهرًا ولم يقم بها باطنًا، وهؤلاء هم المنافقون والمنافقات، الذين يُظهِرُون ما لا يبطِنُون، ويُعلِنُون ما لا يسِرُّون، إذا جاؤوا لأهل الإيمان أَظْهرُوا الإيمان والأمانة والصدق والوفاء، أظهروا ذلك خوفًا من أهل الإيمان، وإذا لحَِقُوا بركْبِ الكافرين أَظهروا لهم الكفر، فهم يُظهِرُون الإيمان ويبطنون الكفر، يظهرون ما لا يبطنون، فهم في الظاهر متحملون للأمانة، وفي الباطن أهلُ مكرٍ وخديعةٍ وخيانة، وهم في حقيقة أمرهم يخادعون أنفسهم، يظنون أنهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين، وهُم في واقع أمرِهم وحقيقة حالهم، يخادِعُون أنفسَهم ويمكُرون بها ويوصلُونها إلى الهلكة المحقَّقَةِ في الدنيا والآخرة.
والقسمُ الثاني -عبادَ الله- من لم يتحملوا الأمانة لا في ظاهرهم ولا في باطنِهم، وهؤلاء هم الكافرون والكافرات، فهؤلاء في باطنهم وفي ظاهِرهم على السواء، على الكفرِ بالله والإعراضِ عن دين الله والبعدِ عن شرع الله -سبحانه وتعالى-.
والقسمُ الثالثُ -عبادَ الله- هم المؤمنون والمؤمنات الذين تحملوا الأمانة، وقاموا بها وجَدُّوا واجتهدوا في تحقِيقِها، وهؤلاء هم أهلُ الإيمان وأهل كرامة الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، ولهذا -عبادَ الله- لما ذكر الله -جلّ وعلا- في الآية السابقة عرضَ الأمانة على السموات والأرض والجبال، وذِكْرُه -تبارك تعالى- امتناعَها من حملِها وشفقتَها من ذلك، وذكرُهُ -تبارك وتعالى- أن الإنسان تَحمَّلها ورضي بها، ذَكر -جلّ وعلا- عَقِب ذلك أقسامَ الناس اتجاه هذه الأمانة فقال: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ ﴿الأحزاب: ??﴾، فذكر -جلّ وعلا- أن أقسام الناس تجاه الأمانة ثلاثةُ أقسام: قسمان معذبان، وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات، وقسم مُنَعّمٌ، وهم أهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم.
عباد الله: ثم إننا إذا نظرنا إلى الأمانة من حيث متعلّقهَا وعلى من تَجبُ، وما هي مجالاتها، فلنتأمل في ذلك -عباد الله- قول الله -عز وجلّ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿الأنفال: ??﴾، وتأملوها ثانيةً وثالثة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، فهذه الآية -عبادَ الله- تدل دلالة واضحة بينة، على أن الأمانة باعتبار متعلقِها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أمانة تتعلق بحق الله -تبارك وتعالى- على عباده، فالله -عز وجلّ- ائتمنك على حقوقه في هذه الحياة، خلقك لطاعَتِه وأوجدَك لعبادتِه وأمرَكَ ونهاك، لم يخلقْك سُدىً، ولم يتركك هملاً وإنما خلقَكَ لغايةٍ حميدة، وأوجدَك لهدفٍ رشيدٍ، وهو عبادةُ الله، وأنت مؤتمن على هذا الأمر، بل إن الأمانة في أعظم صورها القيام بها فيما يتعلق بحق الله على عباده، ولهذا -عبادَ الله- التوحيدُ أمانةٌ والشركُ خيانة، أعظم الأمانة التوحيد، وأعظم الخيانة الشركُ والتنديدُ، إن من يقوم بحق الله -عز وجلّ-، بإخلاص الدين له، وامتثال أوامره، والبعدِ عن نواهيه، والحذرِ من الإشراك معه -تبارك وتعالى-، فإن من يكون كذلك قد قام بالأمانة في حق الربِّ العظيم -سبحانه وتعالى-، إنَّ معرفتك بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العظيمة ومعرفتَك بجلاله وجماله وعظمته وكماله، ومعرفتك بقدرته -جلّ وعلا- وتمامِ حكمتِه وشمولِ علمه، كلُّ ذلك مما يحقق لك القيام بالأمانة على أبهى صورها وفي أتم حُلَلِهَا.
والقسمُ الثاني -عبادَ الله- الأمانةُ في حقوق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فنحن مؤتمنون على القيام بحقوقه -عليه الصلاة والسلام-، ومن حقوقه -صلى الله عليه وسلم-، محبتُه وتقديم محبتِه على النفسِ والنفيس، وعلى الولد والناس أجمعين، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يُؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، ولما قال عمر -رضي الله عنه-: يا رسول الله: والله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"، فقال عمر: والله يا رسول الله: لأنت الآن أحب إلي حتى من نفسي، فقال: "الآن يا عمر"، فمِنَ الأمانة في حقِّ الرسول -عليه الصلاة والسلام-، محبته -صلى الله عليه وسلم-، محبةً تقتضي امتثال أوامره والبعدَ عن نواهيه، وتصديق أخباره وتعظيمه وتوقيره، والقيام بحقوقه عليه الصلاة والسلام والبعد عن الغلوِّ فيه -صلى الله عليه وسلم-، فكل ذلك أمانةٌ، أمانةٌ علينا تجاه الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
والقسمُ الثالثُ -عبادَ الله- الأمانة فيما يتعلق بحقوق الناس، فهناك أمانة تتعلق بحق الوالدين، وأمانةٌ تتعلق بحق الأبناء، وأمانة تتعلق بحق الجيران، وأمانة تتعلق بحق التجار، والموظفون مؤتمنون والمعلمون مؤتمنون، وكل في مجاله مؤتمن، والله -تبارك وتعالى- سائلٌ كلاًّ عمَّا ائتمنه عليه، وفي الحديث الصحيح يقول -صلى الله عليه وسلم-: "كلم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
عباد الله: وبهذا يتبين لنا أن الأمانة لا تختصُّ بمجال واحدٍ كما يظنُّه بعض عوامِّ المسلمين أن الأمانة إنما تختص بأداء الودائع إلى أهلها، فليس الأمرُ كذلك، وإنما الأمانة مسؤولية عظيمة وواجب كبير، أمانة تتعلق بحقوق الله، وأمانة تتعلق بحقوق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمانة تتعلق بحقوق عباد الله، فاتقوا الله -عباد الله-، وأَعطُوا الأمانة حقَّها، وتحمَّلُوا هذه المسؤولية العظيمة، وأَدُّوا هذا الواجبَ الكبير، واعلموا أن الله -عز وجلّ- سائِلُكُم عن هذه الأمانة حينما تقِفُون بين يديه، حينَ العرضِ الأكبَرِ على الله، ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ ﴿الحاقة: ??﴾، فاتقوا الله -عباد الله- مادمتم في دارِ العمل، وأدُّوا الأمانة على وجْهها، وقومُوا بها في جميع مجالاتها، واستعينوا بالله -تبارك وتعالى- على ذلك، فإنه نعم المولى ونعم المُعِين -سبحانه-.
أسأله -جلّ وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيننا على ما حَمَّلْنَا، اللهم أعنا على أداء الأمانة في حقِّك يا الله، وفي حقّ رسولك -صلى الله عليه وسلم-، وفي حق عبادك المؤمنين، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم إنك إن تكلنا إلى أنفسنا نضِع، اللهم لا تكلنا إلا إليك، اللهم وفقنا لأداء الأمانة -يا ربنا- على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم وفقنا لأدائها على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم جنبنا الخيانَة، اللهم أبعدنا عن الخيانة، اللهم اجعلنا من أهل الأمانة بِمَنِّك وكرمك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى.
عباد الله: إن من الناس من يتعامل بالأمانة في حدودٍ ضيقةٍ وفي مصالحَ محدودةٍ، فهو يتعامل بالأمانة في حدود من يعامله بها، جزاءً له من جنسِ عملهِ، فإذا وجد أمينًا عامَلَه بالأمانة، وإذا وجد خائِنًا عاملَه بالخيانَة، وليس هذا شأن المؤمن -عبادَ الله-، يقول -صلى الله عليه وسلم- كما في المسند وغيره، بإسناد صحيح كما جاء في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، فالأمانة -عباد الله- مطلوبة في كل وقت وحين وفي جميع الأحوال، وهي ممدوحة في جميع أحوالها، والخيانةُ -عبادَ الله- مذمومة في كل وقتٍ وحينٍ، وهي قبيحةٌ في جميع أحوالها، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: "ولا تخن من خانك"، نعم طالِبْهُ بحقِّك، طالبه بحقك لكن لا تعامِلْه بالخيانة؛ فإن الخيانة مذمومةٌ في كل وقت وحين، فاحذَرْ -عبد الله المؤمن- من الخيانة، واحذَرْ أن تكون من الخائنين، وجاهِدْ نفسَكَ على الأمانة في جميع أحوالك، أمانة مع الله، وأمانة في حقوق رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- وأمانة في حقوق عباد الله.
ثم -عبادَ الله- ونحن نعيش على أبواب الامتحانات، أُذكِّرُ بهذه المسؤولية العظيمة تجاه المعلِّمين والمربِّين، وتجاه الطلاب والطالبات، فالكلُ مؤتمن، المعلِّمُ مؤتمن في تصحِيحِه وفي أسئلَتِه وفي مراقبته للطلاَّب، والطالب مؤتمَنٌ في إجابته وفي بُعدِه عن الغِشِّ والخيانة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "من غشّنا فليس منا"، فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله -جلّ وعلا- وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشّهادة، واعلموا أنه سبحانه لا تخفى عليه منكم خافية، واعلموا أنه –سبحانه- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، السر عنده شهادة، والغيب عنده علانية، لا تخفى عليه خافية.
نسأل الله -جلّ وعلا- أن يَرزقنا وإياكم خشيَتَه في الغيب والشهادة، وأن يجعلنا وإياكم من عباده المتقين، وأن يَهديَنا جميعًا سواءَ السبيل، وصلُّوا وسلِّمُوا -رحمكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ ﴿الأحزاب: ??﴾، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبى بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأَذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم واحمِ حوزةَ الدين يا رب العالمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتَنَا فيمن خافك واتقاك واتبعَ رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضَى، وأعنه على البر والتقوى، وسدِّده في أقواله وأعماله، وألبِسهُ ثوبَ الصِحة والعافية، وارزُقه البطانَة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى والعفّة والغِنى، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجِله، ما علمنا منه وما لم نعلم، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا يا رب العالمين.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبُل السلام، وأخرِجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوَّاتنا وأزواجنا وأموالنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا، اللهم اكتب لهم النجاحَ والرفعةَ في الدنيا والآخرة، اللهم وفقهم لكل خيرٍ تحبُّه وترضاه، اللهم واجعلهم قُرَّةَ أعين لوالديهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نسألك أن تُفَرِّجَ همَّ المهمومين من المسلمين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام، ربنا إنا ظلمنا أنفُسَنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنَّ من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
الأمانة: فضائلها ومجالاتها | العربية |
الأمانة يوم أن فقدناها | العربية |
تضييع الأمانة | العربية |