عناصر الخطبة
- المعاصي سبب لحلو ل العقوبات
- حتى يغيروا ما بأنفسهم
- خطورة القنوات الهابطة
- واجبنا نحو المجتمع
- حال المؤمن مع الطاعة
- ذكرى للمؤمن
اقتباس وظهرت المترجلات من النساء والمستخنثين من الرجال في أسواق المسلمين وميادينهم، شباب يبالغ في التزين والتحلي والتخنث في الكلام والتفني في المشي، والتسكع في الأسواق والتمايل في مجامع النساء، وفتيات يمشين بتكسر وأزياء منكره وملابس فاتنة توجب سخط الله وعذابه وصور تفضي إلى الفاحشة والجريمة والبلاء العظيم ..
الحمد لله ذي العرش العلي والبطش القوي والعز الأبدي، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له .. شهادة نرجو بها النجاة يوم لا ينجو إلا التقي ..
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله النبي الأمي .. من أطاعه فقد فاز ومن عصاه فهو الذليل الشقي ..
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الصراط السوي والمهذب النقي وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله واخشوا نقمته وعقابه وحاذروا سخطه وعذابه؛ فهو الحفيظ العليم الشهيد الرقيب القائم على كل نفس بما كسبت .. يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر .. لا يغالبه غالب ولا يفوته هارب ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الـرعد: 6].
أيها المسلمون: من أعرض فقد اغتر أكبر الغِرة وأعوز أشد العوز، ومن عصا الله وخالف أمره وشرعه سلط الله عليه من مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وشدتها جزاء وفاق بما كسبت يداه .. ولا يظلم ربك أحدا، قال بعض السلف: " كل ما أحدثتم ذنباً أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة ".
والله من تمام عدله وقسطه في حكمه لا يغير من نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [ الأنفال: 53]،وقال تعالى:﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بعض الذي عملوا لعلهم يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]
أي بان النقص في الأموال والأنفس والزروع والثمرات بسبب المعاصي ابتلاء من الله واختبارًا ومجازاةً على ما أحدث الناس من المنكرات لعلهم يتعظون، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف:130]..
فابتلاهم الله بالجدب سنة بعد سنة، وحبس عنهم المطر فنقصت ثمارهم وغلت أسعارهم لعلهم يذكرون ..
وقال تعالى:﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى:30].
وقال تعالى: ﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدا ً﴾ [ النساء: 79] ..
قال القرطبي -رحمه الله-: " أي ما أصابكم يا معشر الناس من خصب واتساع رزق فمن تفضل الله عليكم، وما أصابكم من جدب وضيق رزق فمن أنفسكم؛ أي من أجل ذنوبكم وقع ذلك بكم " ..
وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: " ما من رجلٍ يكون في قومٍ يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يتوبوا " .. أخرجه أبو داود ..
وعن عدي بن عميرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه؛ فإذا فعلوا ذلك عذَّب الله الخاصة والعامة " أخرجه أحمد ..
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " أخرجه الطبراني والحاكم ..
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " أخرجه ابن ماجه.
يمحق الله الربا ويربي الصدقات، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279)﴾ [البقرة: 278-279] ..
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لن ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " أخرجه أبو داود ..
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، ويُضرب على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعلُ منهم قردة وخنازير " رواه ابن ماجه.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، قيل: يا رسول الله ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور " أخرجه الترمذي ..
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما– قال: أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن -وأعوذ بالله أن تدركوهن-: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " أخرجه ابن ماجه.
ويقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: " إنه لم يظهر المنكر في قوم قط ثم لم ينههم أهل الصلاح بينهم إلا أصابهم الله بعذاب من عنده أو بأيدي من يشاء من عباده، ولا يزال الناس معصومين من العقوبات والنقمات ما قمع أهل الباطل واستخفي فيهم بالمحارم ".
ويقول القرطبي -رحمه الله تعالى-: " قيل كل بلدة يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلاء: إمام عادل لا يظلم، وعالم على سبيل الهدى، ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحرضون على طلب العلم والقرآن، ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".
أيها المسلمون: وليس شيء أدعى إلى الشجن وأحق بالأسى مما نراه من ظهور المنكرات ومكن القنوات التي ترغب في الفجور وتهيج القلوب إلى الشر، وتثير النفوس إلى الفسوق والجريمة وتمكنها وظهور آثارها المدمرة على الشباب والفتيات والعامة والخاصة.
فكم من فتاه كانت ناعمة البال قريرة العين رغيدة العيش متقلبة في آطاف الحشمة والستر والحياء أصبحت ضحية للظهور والبروز في الأسواق وبيوت التجارة يدفعها التأثر بما يعرض في تلك القنوات، وكم من شاب كان في حشمة ووقار وعزة سقط في الزنا والخمور والمخدرات وولج في المجون والفسوق؛ فوهت قوته وسقطت كرامته وتبددت صحته وشقي وأشقى أهله ومجتمعه ..
وظهرت المترجلات من النساء والمستخنثين من الرجال في أسواق المسلمين وميادينهم، شباب يبالغ في التزين والتحلي والتخنث في الكلام والتفني في المشي، والتسكع في الأسواق والتمايل في مجامع النساء، وفتيات يمشين بتكسر وأزياء منكره وملابس فاتنة توجب سخط الله وعذابه وصور تفضي إلى الفاحشة والجريمة والبلاء العظيم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله -أيها الأولياء- وقوموا بما أوجب الله عليكم من رعاية أولادكم وصيانتهم وتربيتهم، وعلى وسائل الإعلام وعلى رجال التربية والتعليم وأهل الحسبة واجب عظيم في رعاية النشء وصناعة الجيل ومنع ضياعه وسقوطه في أوهاق الفاحشة والرذيلة والجريمة والمنكرات التي توجب حلول العقوبات ونزول النقمات ..
وقانا الله وإياكم وذريتنا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار…
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ..
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فياأيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه .. يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين..
يا عبد الله: لا تأمن سوى ما اقترفت الخطايا والآثام .. يقول عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار" أخرجه البخاري ..
وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: " المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن ".
ياعامر ما يقطن .. يا هالك ما يفطن .. يا ساكن الحجرات مالك غير قبرك مسكن .. أحدث لربك توبة وسبيلها لك ممكن .. فكأن شخصك لم يكن في الناس ساعة تدفن .. وكأن أهلك قد بكوا سرا ً عليك وأعلنوا .. فإذا مضت بك ليلة فكأنهم لم يمزنو..
الناس في غفلاتهم ورحى المنية تطحن .. ما دون دائرة الردى حصن لمن يتحصن .. مالي رأيتك تطمئن للحياة وتركن .. وجمعت ما لا ينبغي وبنيت ما لا تسكن .. وسلكت فيما أنت به في الدنيا متيقن .. أظننت أن حوادث الأيام لا تتمكن ؟!.
قال تعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ(45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ (47)﴾ [النحل: 45- 46].
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه فقال قولا كريما: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56]. ..
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد صلاة وسلام ممتدين دائمين إلى يوم الدين .. اللهم وزده ثناء وتعظيما وتشريفا وتكريما .. اللهم وأرض عن آله الأطهار وصحابته الأبرار المهاجرين منهم والأنصار وعنا معهم بمنك وكرمك يا رحيم يا غفار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين ..
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه يارب العالمين ..
اللهم انصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين .. اللهم كن لإخواننا في غزة ناصراً ومعينا ومؤيداً وظهيرا ..
اللهم أنزل عذابك ورجزك وسخطك على من حاصرهم يا قوي يا عزيز يارب العالمين .
اللهم اشف مرضانا وفك أسرانا وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا .. اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئا سائغاً مسبغاً مجللا نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل برحمتك يا أرحم الراحمين ..
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم اسقنا واسق المجدبين، وفرج عنا وعن أمة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين ..
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]..
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.