الاستغفار (2) جلب الأرزاق ورفع العذاب

عناصر الخطبة

  1. ذنوب العباد سببُ كلِّ المصائب والمشكلات
  2. الاستغفار سببٌ لمحو الذنوب ورفع العذاب ونزول الأرزاق والأمان من الفتن
  3. فتنة الخروج على الحكام وإصابة الدم الحرام
اقتباس

إنَّ ذنوبَ العباد هي سببُ كُلِّ المشكلات والأزَمات، وإنَّ استغفارَهم وتوبتَهم مؤْذِنٌ برفع العذابِ، وحصولِ الأرزاقِ، ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ ..

الحمد لله ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ﴾ [غافر:3]، أحمده وأشكره فهو أهل الثناء والحمد، وأتوب إليه وأستغفره، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(26)﴾ [الشُّورى: 25-26].

وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ففتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صُمَّاً، وقلوباً غُلْفَاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوه يجعل من أمركم يسراً، واتقوه يكفر عنكم سيئاتكم ويعظم لكم أجراً.

أيها الناس: إذا تتابعت الكروب، وتراكمت الأحزان والهموم، واشتدت المحن، وتفاقمت الفتن، وعظمت الأزمات، واستحكمت المشكلات؛ فإن الناس يتداعون لبحثها، ويخوضون في أسبابها وعلاجها، ويودون حسمها ونهايتها.

والمسلمون في هذا العصر قد نزلت بهم أزمات عظيمة، وابتلوا برزايا كبيرة، ومشكلات معقدة؛ أذهبت هيبتهم، وفرقت جمعهم، وأشغلتهم في أنفسهم، وقد ضُيقت عليهم أرزاقهم في كثير من الديار، فمنعوا القطر من السماء، وعم القحط والجدب كثيراً من أراضيهم.

ومعرفة أدوائهم، وعلاج مشكلاتهم لن يجدوه في فلسفات المتفلسفين، وترَّهات المتخرصين، وآراء الجاهلين؛ بل سيجدون ذلك في كتاب ربهم الذي جعله الله -عز وجل- تبياناً لكل شيء ﴿مَّا فّرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ﴾ [الأنعام:38]. قال قتادة -رحمه الله تعالى-: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم فذنوبكم، وأما دواؤكم فالاستغفار. رواه البيهقي.

إن ذنوب العباد هي سبب كل المشكلات والأزمات، وإن استغفارهم وتوبتهم مؤذن برفع العذاب، وحصول الأرزاق، ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33]، ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود:52].

فالذنوب سبب للمصائب في الأنفس والأموال والأولاد والأرزاق، كما أنها سبب للعذاب إذا تكاثرت، ولم يكن في الناس من ينكرها، وينهى عنها.

والاستغفار سبب لمحو الذنوب، وينتج عنه رفعُ العذاب، ونزول الأرزاق؛ وقد روى الشعبي رحمه الله تعالى: أن عمر -رضي الله عنه- خرج يستسقي، فما زاد على الاستغفار، فقيل له: ما رأيناك استسقيت! قال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر. رواه عبدالرزاق وقال النووي: إسناده صحيح لكنه مرسل.

وأمة بني إسرائيل عُذِّبوا بأنواع العذاب بسبب ذنوبهم واطراحهم لدينهم؛ حتى حبست عنهم الأرزاق -نسأل الله العافية-، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة:66]. أي: لو أطاعوا الله تعالى، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه؛ لَيَسَّرَ الله تعالى لهم الأرزاق، وأرسل عليهم الأمطار، وأخرج لهم ثمرات الأرض.

وجاء في القرآن ما يدل على أن ذلك ليس خاصاً بقوم بني إسرائيل؛ بل هو عام في كل زمان ومكان، ولكل البشر؛ فنوح -عليه السلام- دعا قومه للاستغفار من ذنوبهم: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10-12].

وجاء عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- أن رجلاً شكا إليه الجدب، فقال: اِستغفِرِ الله، وشكا إيه آخر الفقر، فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر عدم الولد، فقال: استغفر الله، ثم تلا عليهم هذه الآية.

والخَلق مجبولون على محبة الخيرات العاجلة في الدنيا من بسط الأمن، وحلول الرزق، فإن أرادوا ذلك؛ فسبيله التقوى والتوبة والاستغفار، كما بيَّن نوح -عليه السلام- أن ثمرة الاستغفار ستكون الأمطار، والإمدَادَ بالبنين والأموال، وإنبات الأرض، وجعلها أنهاراً من كثرة الخيرات، وقال هود -عليه السلام- لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود:52].

والأمة المسلمة في هذا العصر تحتاج إلى الأرزاق التي سببها الأمطار، وهي في أمس الحاجة إلى القوة التي ترد بها بأس أعدائها، ولا سبيل إلى ذلك إلا التوبة والاستغفار.

بل جاء في القرآن ما يدلُ صراحة على أن هذه الأمة إن لزمت التوبة والاستغفار حفظها الله -عز وجل- من العذاب، ومن تسلط الأعداء، وبسط لها الأرزاق، ومتعها متاعاً حسناً في الحياة الدنيا؛ وذلك في قول الله -عز وجل- يحكي أمره بمخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود:3].

وهذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله تعالى مَن فعل ذلك متاعاً حسَناً إلى أجل مسمى؛ لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء على شرطه، والظاهر أنَّ المرادَ بالمتاع الحسَنِ سَعَةُ الرزق، ورغدُ العيش، والعافية في الدنيا.

وجاء عن الحسن بن علي أنه وفد على معاوية -رضي الله عنهم- أجمعين فقال له بعض حُجَّابه: إني رجل ذو مال ولا يولد لي، علمني شيئاً لعل الله يرزقني ولداً، فقال الحسن: عليك بالاستغفار، فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحدٍ سبعمائة مرة، فولد له عشرون، فبلغ ذلك معاوية رضي الله عنه فقال: هلاَّ سألته مم قال ذلك؟ فسأله الرجل، فقال: ألم تسمع قول هود -عليه السلام-: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود:52] ، وقول نوح -عليه السلام-: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ [نوح:12].

إن الله -عز وجل- إذا انعم على العباد فلم يشكروا كانوا حقيقين بسلب النعمه، وحلول النقمة، وإذا ابتلاهم فصبروا واتقوا واستغفروا؛ رفع سبحانه بلواهم، وأغدق عليهم نعمه ظاهرة وباطنة؛ كما قال الله تعالى في اتباع موسى لما مكنهم ورزقهم وأغرق فرعون ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف:137].

فحقيق بكل عبد رزقه الله تعالى نعمةً أن يشكر الله تعالى عليها، وجدير بكل مبتلى أن يصبر ويستغفر؛ حتى يُكْشَفَ بلاؤه؛ فإن الاستغفار سبب لرفع البلاء؛ كما أخرج أبو نعيم في الحلية أن جعفر بن محمد اجتمع بسفيان الثوري -رحمة الله عليهما-، فقال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني، قال جعفر: أما إني أحدثك، وما كثرة الحديث لك بخير، يا سفيان: إذا أنعم الله عليك بنعمةٍ فأحببت بقاءها ودوامها فأكثِرْ مِن الحمد والشكر عليها؛ فإن الله -عز وجل- قال في كتابه: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم:7]، وإذا استبطأتَ الرزق فأكثِرْ من الاستغفار؛ فإن الله تعالى قال في كتابه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) [نوح: 10-12].

وكان الحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: أكْثِرُوا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم وأينما كنتم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة.

وقال أعرابي: من أقام في أرضنا فلْيُكْثِرْ من الاستغفار؛ فإن مع الاستغفار القطار. والقطار هو السحاب العظيم القطر.

وحَبْسُ المطر، وجَدْبُ الأرض ما هو إلا نوع من أنواع العذاب، وسببه المعاصي والذنوب، وقد أخبر الله تعالى عن قوم سبقوا كان عذابهم بذلك، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96]. وبركات السماء هي الأمطار، وبركات الأرض هي النبات.

أسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يغيث البلاد والعباد بالأمن والإيمان والأمطار، وأن يرزقنا شكر نعمته، وحسن عبادته، إنه سميع قريب.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه…

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه، وكم في الأمة من مصائب وأدواء لا مخرج منها إلا بتقوى الله عز وجل! ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ(3)﴾ [الطَّلاق: 2-3].

أيها المسلمون: الاستغفار سبب لرفع العذاب، سواء كان العذاب سماوياً كحبس الأمطار، وقلة الأرزاق، الذي ينتج عنه ما ينتج من الفقر والجوع والضعف، وغيرها من المحن والفتن، أو يكون العذاب من قبيل تسلط الأعداء على المسلمين، أو تسليط المسلمين بعضهم على بعض باختلاف كلمتهم، وتشعُّب آرائهم، الذي ينتج عنه التفرق، ثم الاقتتال، نسأل الله العافية والسلامة.

فالاستغفار يرفع ذلك كله، وهو أمان للعباد من كل أنواع الفتن والعذاب، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية تعليقاً على قول الله -عز وجل-: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33]، يقول: والكلام عليها من وجهين: أحدهما في الاستغفار الدافع للعذاب، والثاني: في العذاب المدفوع بالاستغفار، أما الأول: فإن العذاب إنما يكون على الذنوب، والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب فيندفع العذاب… وأما العذاب المدفوع فهو يعم العذاب السماوي، ويعم ما يكون من العباد، وذلك أن الجميع قد سماه الله تعالى عذاباً؛ كما قال تعالى في النوع الثاني: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ [البقرة:49].

وإذا كان كذلك فقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام:65]، مع ما ثبت في الصحيحين عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما نزل قوله -عز وجل-: ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعوذ بوجهك!"، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾، قال: "أعوذ بوجهك!"، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾، قال: "هاتان أهون" رواه البخاري وغيره.

يقتضي أن لبسنا شيعاً وإذاقة بعضنا بأس بعض هو من العذاب الذي يندفع بالاستغفار؛ كما قال تعالى ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال:25]، وإنما تُنفَى الفتنة بالاستغفار من الذنوب، والعمل الصالح" أهـ ملخصاً من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

أيها الإخوة: ومن أعظم الظلم أن يقتل المسلمون بعضهم بعضاً، ومن أشَدِّ الفِتَنِ أن تعلن جماعةٌ مِن المسلمين ضلَّت عن الصراطِ المستقيمِ الخروجَ على السلطان المسلم، وتتبع ذلك بأفعال منافية لنصوص الكتاب والسنة، من ترويع الآمنين، وقتل المستأمنين والمعاهدين، بل والمسلمين، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:59]. وقال سبحانه ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:93].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصيب دماً حراماً" رواه البخاري، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً" رواه أبو داود، والحاكم وابن حبان وصحَّحاه.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لَزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" أخرجه النسائي والترمذي، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" أخرجه الترمذي وغيره وصححه الألباني.

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن حمل علينا السلاح فليس منا" أخرجه الشيخان، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حلِّه" أخرجه البخاري.

نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين بحفظه، وأن يُديمَ علينا نعمته، وأن يكفينا شر أنفسنا وشر ذنوبنا، وشر كل ذي شر من خلقه؛ وأن يقطع دابر المفسدين، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا وأرزاقنا وعافيتنا، إنه سميع مجيب.

نستغفرك اللهم لذنوبنا وذنوب إخواننا المسلمين، فلا تعذبنا ولا تعذبهم بما كسبت أيدينا وأيديهم، ولا تسلط علينا بذنوبنا وذنوبهم من لا يخافك ولا يرحمنا، وعافنا وعافهم، واعف عنا وعن المسلمين أجمعين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيب.