عناصر الخطبة
- الدنيا دار فتن وغرور
- فضائل ذكر الله جل وعلا
- مفاسد قلة الذكر
- كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لربه
- الحث على الإكثار من ذكر الله
- ثمرات الذكر في الدنيا والآخرة.
اقتباس الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، الحمد لله المذكور بكل لسان، المسبح له في جميع الأماكن والأزمان، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ [الإسراء: 44].
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، الحمد لله المذكور بكل لسان، المسبح له في جميع الأماكن والأزمان، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾ [الإسراء: 44].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تنعمُ بذكره النفوس، وتطمئن القلوب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكثر الناس لربه ذكرًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه..
أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، واذكروه بأفئدتكم وألسنتكم، وكونوا من الشاكرين.
معاشر المسلمين: إن هذه الدنيا بطبعها غرارة تصدّ العبد عن الطاعة، وتلهيه عن ذكر ربه، وتصرفه عن الطاعات، والمسابقة إلى الخيرات إلا من رحم الله.
ولقد حذرنا منها ربنا بقوله: ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: 33]، وحتى لا يكون العبد من الغافلين حثنا ربنا سبحانه على ذكره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب: 42].
وأخبر أن ذكره -جل وعلا- أكبر من كل شيء ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45].
وأخبر أن ذكره من الأعمال الصالحة التي يحبها ولهذا اصطفى من خلقه ملائكة فطرهم على العبادة، ومنها الذكر، وذكر ذلك في صفاتهم ليقتدي بهم الناس ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(20)﴾ [الأنبياء: 19- 20].
وحض على ذكره وجعل ذكره بمثابة الشكر لنعمه ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: 198]، وعلق سبحانه الفلاح والنجاح بذكره فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)﴾ [الأعلى: 14- 15].
وأخبر أنه -جل في علاه- يذكر من يذكره؛ جزاء وفاقًا ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152].
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"؛ فلتبشر أيها الذاكر لربك؛ فإن الله معك، ومن كان الله معه فهو الموفَّق المسدَّد والمحاط بحفظ الله ورعايته.
وأخبر سبحانه أن ذكره ينبه الغافلين ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: 24]، ومدح سبحانه الذاكرين له على كل حال ووصفهم بأنهم هم أولو الألباب ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾ [آل عمران: 190- 191].
وأمر سبحانه عبده أن يفتتح يومه بذكره، وأن يختم يومه بذكره ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: 130]، ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الإنسان: 25].
وأخبر سبحانه أن ذِكره ينجِّي من العذاب ويفرِّج الهم ويكشف الغم ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]، فلما وقع في ظلمات بطن الحوت جهر بالتسبيح والاستغفار، فشفع له عند ربه أنه كان قبل ذلك من المسبحين، لا كمن لا يذكر الله إلا في الشدة (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات: 143- 144].
وأجزل المولى أجر الذاكرين وأعلى ذكرهم ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: 35].
أيها المؤمنون: إن ذكر المولى -جل وعلا- سلاحٌ للمؤمن، وهو نور عينيه، وصفاء روحه، بل هو صلته العظيمة بربه، فمن أعرض عن ذكر ربه كانت فيه صفة من صفات المنافقين، إن سلم منه، ومن أكثر من ذكر الله سلم من النفاق؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يذكروا الله في كل وقت، وعلى كل حال، كيف لا وفيه حياة قلوبهم، ولهم في ذلك أجر عظيم.
عباد الله: إن الذكر يسهِّل الطاعات والقُرَب، ويعين على أدائها، أخرج الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن بسر أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به فقال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله".
فانظر كيف عبر عن ملازمة اللسان للذكر بالرطوبة التي تجف بسرعة إذا غفل العبد فدل على المداومة الدائمة المستمرة.
ومن فضائل الذكر: أنهم لا يسبقهم أحد يوم القيامة إلا من ذكر الله مثلهم أو زاد عليهم؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبق المفردون"، قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات".
ومن فوائد الذكر أنه يعين العبد على أمور دنياه، ويقويه عليها ويسهلها له، أخرج البخاري من حديث فاطمة أنها وعليّ زوجها سألا النبي -صلى الله عليه وسلم- خادمًا، فقال: "أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؛ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ"، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعنيه من شغل ولا غيره". اهـ.
أيها المؤمنون: إن من ضاقت عليه الدنيا ولم يجد ما يتصدق به؛ فإن ذكر الله –تعالى- ينوب عن الصدقة؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر قال: جاء الفقراء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العلا؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يتصدقون ولا نتصدق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوليس الله قد جعل لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تحميدة صدقة……."، الحديث.
عباد الله: من أراد الحياة الحقيقية فليذكر ربه، وليداوم على ذلك، أخرج البخاري من حديث أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت".
اللهم أحينا بذكرك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أقول قولي….
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرع لنا أفضل الشراع والأحكام، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه العظام ونعمه الجسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله…
أما بعد فيا أيها المؤمنون: إن ذكر الله -تعالى- هو زاد المسلم في حياته وهو أحوج إليه من الماء والهواء، ولقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لا يفتر لسانه عن ذكر الله وهو من هو في الخشية والعبادة!!؛ أخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة".
وأخرج البخاري من حديث الأغر المزني قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة"، وأخرج النسائي من حديث أبي موسى مرفوعًا: "ما أصبحت قط إلا استغفرت الله مائة مرة"، وأخرج الإمام أحمد والأربعة من حديث ابن عمر قال: "إن كنا لنعد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد مائة مرة يقول رب اغفر لي وتب عليَّ؛ إنك أنت التواب الرحيم" رواه أحمد والأربعة.
فإذا كانت هذه حال مَن غُفرت له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر؛ فما الحال بمن أثقل كاهله بالذنوب والأوزار؟!
عباد الله: إن العبد المؤمن ليعد مسكنه في الجنة من الآن وذلك بذكر الله -تعالى-، فأعظم الذكر الصلاة، أخرج مسلم من حديث أم حبيبة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعًا بنى الله له بيتا في الجنة"، وذكر ابن القيم -رحمه الله- أن دُور الجنة تُبنَى بالذكر، فإذا أمسك العبد عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.
وإن العبد ليغرس جنته من الآن بذكر المولى العلي المنان، أخرج الترمذي من حديث جابر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرست له بها نخلة في الجنة".
وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رآه يغرس فسيلاً، فقال له: "ألا أدلك على غراس هو خير من هذا؟" قلت: بلى، قال تقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ يُغرَس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة".
معاشر المسلمين: إن ذكر الله -تعالى- يمحو الله به الخطايا ويغفر الذنوب؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زيد البحر"، يعني صغار الذنوب، كما أن الذكر يلين القلب القاسي، فيا مَن كان يشكو قسوة في قلبه عليك بذكر الله تعالى، جاء رجل إلى الحسن البصري، فقال: أشكو إليك قسوة في قلبي، فقال أذِبْه بالذِّكْر.
إذا مرضنا تداوينا بذكركمُ *** فنترك الذكر أحيانا فننتكس
أيها المسلمون: إن مما يوضح فضل الذكر ما أخرجه الترمذي من حديث أبي الدرداء مرفوعا: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ ذكر الله".
قال عبيد بن عمير: "إن أعظمكم الليل أن تكابدوه، وبخلتم بالمال أن تنفقوه، وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه، فأكثروا من ذكر الله -عز وجل-".
عباد الله: إن اللسان اعتاد على ذكر ربه انقاد وقاد الجوارح على كل خير
عود لسانك قول الحق تحظ به *** إن اللسان لما عودت معتادُ
اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك، راهبين لك مطواعين، إليك مخبتين، إليك أوهين منيبين..
اللهم أعنا على ذكرك…. اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة…
اللهم آمنا في أوطاننا وأيد بالحق إمامنا واجعل ولايتنا.. اللهم أنج المستضعفين..
اللهم عليك بأعداء الملة.. سبحان ربك رب العزة..