عناصر الخطبة
- تعظيم الأشهر الحرم
- الصوم في شهر المحرم
- فضل صيام عاشوراء
- حكم صوم عاشوراء ومراتبه
- أمور غير صحيحة في عاشوراء.
اقتباس وليعلم المسلم أن تكفير السيئات لمن يصوم هذا اليوم إنما هي صغائر الذنوب، وليست الكبائر، أما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبة من الذنوب، وعزم على عدم العودة لهذه الكبائر، فعلينا أن نستغل الشهر الحرام في الأعمال الصالحة، وأن نبتعد عن الذنوب،…
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
فإنَّ شهر الله الحرام شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحرام التي قال الله فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[التوبة: 36]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات ذو القعدة، ذو الحجة والمحرم ورجب، وسُمِّي المحرم بذلك تأكيدًا لتحريمه” (أخرجه مسلم).
وقال الله -تعالى- في هذه الأشهر الحرم: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾، إنَّ الذنب في هذه الأشهر أعظم إثمًا، وأكثر إثمًا من غيره من الشهور الأخرى، والعمل الصالح في هذه الأشهر الحرم أكثر أجرًا، وقد قال قتادة: “الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا من الظلم في سواها“، وإن كان الظلم في الأشهر عظيمًا، ولكنَّ الله يُعظِّم من أمره ما يشاء.
أما فضل الصيام في هذا الشهر؛ فإن له فضلاً عظيمًا، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- “فضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل“.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يومٌ نَجَّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى. قال: “فأنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر أصحابه بصيامه” (رواه البخاري).
وفي رواية مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: “هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله تعالى فنحن نصومه” (رواه الإمام أحمد). وزاد فيه “وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا“. لذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بصيامه فقال: “أنتم أحق بموسى منهم فصوموا“.
وصيام عاشورا كان معروفًا حتى على أيام الجاهلية قبل البعثة النبوية؛ فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه“.
قال القرطبي “لعل قريشًا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم -عليه السلام-، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة؛ فلما هاجر إلى المدينة وجد اليهود يحتفلون به، فسألهم عن السبب؛ فأجابوه كما تقدم في الحديث.
وقد ثبت في فضل صيام عاشوراء أنه يُكَفِّر سنة كاملة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: “صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله” (رواه مسلم)، ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة اليهود في صيامه؛ وذلك بصيام يوم قبله أو بعده، حيث قال: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” (رواه مسلم).
وليعلم المسلم أن تكفير السيئات لمن يصوم هذا اليوم إنما هي صغائر الذنوب، وليست الكبائر، أما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبة من الذنوب، وعزم على عدم العودة لهذه الكبائر، فعلينا أن نستغل الشهر الحرام في الأعمال الصالحة، وأن نبتعد عن الذنوب، نسأل الله أن يُوَفِّقنا لكل خير، ويجنبنا كل شر، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروا الله؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
اتفق العلماء على أن صيام عاشوراء مستحب، وليس من الواجبات؛ لما روت عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صامه، وأمر بصيامه حتى فُرِضَ رمضان، فكان هو الفريضة، وأصبح عاشوراء من باب الاستحباب، وفي صيامه خير كثير وأجر؛ فهو يكفِّر ذنوب سنة ماضية من صغائر الذنوب.
أما صيامه فهو على مراتب؛ حيث ذكر ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد أن صيام عاشوراء على ثلاث مراتب حسب الأفضلية:
الأولى: صوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أفضل المراتب.
الثانية: صوم التاسع والعاشر.
المرتبة الثالثة: صوم العاشر وحده.
كما أنه ذكر بعض الأمور التي لا صحة لها في عاشوراء، فمنهم من قال: إن يوم عاشوراء كانت توبة آدم عندما أكل من الشجرة، ورد يوسف على يعقوب -عليهما السلام-، وفداء إسماعيل بالكبش، وكسوف الشمس لمقتل الحسين -رضي الله عنه-، وحديث: “مَن وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر السنة“، وحديث “من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام“، وكل ذلك لا أصل له، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56]، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة.