عناصر الخطبة
- قلة الخشوع في الصلاة وسببها
- من أخبار السلف الصالح في الخشوع
- صلاتنا صلاة بلا روح
- الخشوع من صفات المؤمنين
- وجوب الإنابة والعودة إليه سبحانه وتعالى
- من أقوى أسباب الخشوع في الصلاة
اقتباس لذلك استقامت حياة القوم وصلحت، وسيطرت عليهم صلاتهم تلك، في جميع حياتهم، فوجهتها إلى تقوى الله ومراقبته، فقدموا إرضاء ربهم على رغبات نفوسهم وشهواتها، فكان مجتمعهم مضرب المثل، في النزاهة والنظافة والاستقامة، وحتى من كان مقيماً على منكر أو فاحشة، نهته صلاته الخاشعة، وصدته عن تلك الفاحشة
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: هناك مشكلة يعاني منها كثير من الناس، وأكثر من يعاني من هذه المشكلة المصلون، نعم، إن الذين يصلون، ويحافظون على صلاتهم، في المساجد، يعانون هذه المشكلة أكثر وأكثر؛ لأن هذه القضية تتعلق بصلاتهم. ألا وهو الخشوع في الصلاة.
إننا نسمع كثيراً من الناس يشتكي من عدم خشوع قلبه في الصلاة، يشتكون من أنهم لا يتذكرون حوائجهم إلا إذا شرعوا في الصلاة؛ فماذا يا ترى السبب في هذه المشكلة؛ لماذا كان السلف الصالح، من الصحابة وتابعيهم يخشعون في صلاتهم، ولا نخشع نحن؟
إن أول سبب لهذه المشكلة "المعاصي" هذه المعاصي التي يرتكبها الناس، ويرون أنها بسيطة ويسيرة، هي سبب عدم اطمئنان القلب في الصلاة، كيف يجتمع في رجل يؤدي الصلاة في جماعة، في جميع أوقاتها، مع ارتكابه للمعاصي، وقد قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]؛ فما بال هذا لم تنهاه صلاته عن فحشائه ومنكره، وقد أكد -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ)؟!.
إذاً فصلاته هذه، ليست هي الصلاة التي عناها -سبحانه وتعالى-، والتي هي الصلة بين العبد وربه، هي الخشوع والخضوع بين يدي الله، ومتابعة الإمام، وعدم موافقته أو مسابقته، الصلاة التي عناها الله -عز وجل-، هي الصلاة التي صلاها نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصلاها أصحابه من بعده، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وإليكم شيئاً من أخبار السلف الصالح، الذين اقتدوا بنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، فقد ورد في الحديث عن أحد الصحابة أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يباسطنا ويحادثنا، حتى إذا حانت الصلاة، فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه. وليس أحد أعرف بالله من رسوله ونبيه.
وقد روي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، أنه كان في صلاته، كأنه وتد من الثبات والخشوع، وكان إذا جهر فيها بالقراءة، خنقته عبرته من البكاء.
وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه إذا قرأ، لم يكد يسمع من خلفه من الشهيق والبكاء.
وكان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-، إذا قام إلى الصلاة، كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل الطيور على ظهره لا تحسبه إلاّ جذع حائط، وصلى يوماً في الحجر، فسقط أمامه حجر كبير، فلم يتحرك -رضي الله عنه-.
وكان علي -رضي الله عنه-، إذا حان وقت الصلاة، يضطرب ويتغير، فلما سئل -رضي الله عنه-، قال: "لقد آن أوان أمانتي، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها".
وقال بن مهران: -متحدثا عن مسلم بن يسار وهما من التابعين، رضي الله عنهما-، قال: "ما رأيته ملتفتاً في صلاته قط -والمقصود بالالتفات هنا: دوران العبد يميناً وشمالاً-، ولقد انهدت ناحية من المسجد، ففزع أهل السوق لهدمها، وإنه لفي المسجد يصلي، فما تحول بعده عن موضع سجوده" رحمه الله تعالى.
هكذا كانت صلاة القوم؛ فهل تشبهها صلاتنا نحن اليوم، يأتي أحدنا إلى المسجد، وقلبه مشحون بمشاغل الدنيا، فيدخل المسجد جرياً على العادة، دون أن يشعر أنه دخل بيت جبار السماوات والأرض، بيت مالك يوم الدين.
ولو دخل بيت مسئول، له مكانة في نفسه، لاضطرب، ولحسب ألف حساب للمقابلة، ولأحس بقلبه يعتصر، وأحضر كل حواسه، ونسي كل مشغلة ومشكلة، وحصر تفكيره في المقابلة وما يقال فيها. ثم يقف بين يدي ربه بعد ذلك، لاهياً غافلاً، فيؤدي حركات آلية، لا روح فيها ولا حياة، ثم ينصرف لا يدري ماذا قرأ الإمام، فضلاً عن أن يدري ماذا صنع، أو ماذا دعا، بل إن كثيراً منا ليتذكر في صلاته ما نسيه قبلها؛ لأن قلبه وفكره يصولان ويجولان في الدنيا وفي مشاكلها، وما ذلك إلا لضعف الإيمان، وقلة اليقين.
ولقد سئل بعض الصالحين: "هل تذكر شيئاً في الصلاة؟، فقال: وهل شيء أحب إلي من الصلاة، فأذكره فيها؟!" سبحان الله؛ لقد أحب أولئك القوم صلاتهم، فشغلتهم عن دنياهم، وأحببنا دنيانا، فشغلتنا عن صلاتنا.
تلك هي حقيقة الوضع -أيها الناس- حركات لا روح فيها، وصورة بلا حقيقة، ولم تكن الصورة يوماً من الأيام، في قوة الحقيقة، وإن انخدع بها الناظر من الناس؛ فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولذلك انقطعت الصلة، بين هذه الصلاة، وبين السلوك في الحياة؛ لأنها -كما قلنا- صورة الصلاة لا حقيقتها.
وليس غريباً أن تجتمع صورة الصلاة مع المعصية، ومع الإثم والانحراف، أما إذا كانت الصلاة حقيقة حية، يبدأ الشعور بها عند البدء بالوضوء، فتشعر بهيبتها من القيام بين يدي ربك ومولاك، ثم تأتي إليها خاشعاً القلب ذاكراً، ثم تدخل بيت مولاك، بقلب راجف خائف، شاكراً لفضله، معترفاً بعظمته، معترفاً بكثرة معاصيك، ذاكراً تقصيرك في حقه، ثم تقف بين يديه خاضعاً، خاشع القلب والجوارح، فتقول: "الله أكبر" وتشعر نفسك فعلاً أنه أكبر من كل شيء، فلا ينصرف قلبك إلى غيره، ولا يلتفت إلى سواه، وتثبت عينيك في موضع سجودك.
ثم تقرأ آياته بتدبر، وتفكر في معانيها، فتسأل عند آية النعمة، وتستعيذ عند آية العذاب والوعيد، ثم تركع وتسجد بذل وانكسار، داعياً متضرعاً، متذكراً فضله ونعمه التي لا تحصى، مقارناً ذلك بتقصيرك وتهاونك، وتستمر في صلاتك على هذا النحو.
فقد جاء عن مسلم بن يسار: "أنه إذا دخل في الصلاة لم يسمع حساً من صوت ولا غيره، تشاغلاً بالصلاة، وخوفاً من الله -عز وجل-".
وجاء عن أحد السلف أنه قال: "لأن تختلف الخناجر بين كتفي أحب إلي من أن أتذكر في شيء من أمر الدنيا، وأنا في الصلاة".
لذلك استقامت حياة القوم وصلحت، وسيطرت عليهم صلاتهم تلك، في جميع حياتهم، فوجهتها إلى تقوى الله ومراقبته، فقدموا إرضاء ربهم على رغبات نفوسهم وشهواتها، فكان مجتمعهم مضرب المثل، في النزاهة والنظافة والاستقامة، وحتى من كان مقيماً على منكر أو فاحشة، نهته صلاته الخاشعة، وصدته عن تلك الفاحشة.
فقد ورد أن شاباً من الأنصار، ما ترك منكراً إلا وقد فعله، إلا أنه كان يحضر الصلاة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل له فيه، فقال: "أما إن صلاته ستنهاه يوماً"، ولم يلبث هذا الشاب طويلاً، حتى كان من أعبد الناس وأصلحهم.
عباد الله: وما أشد خوفي -أيها الأخوة-، أن ينطبق علينا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليصلي الصلاة، لا يكتب له نصفها، ولا ثلثها، ولا ربعها، ولا خمسها، ولا سدسها، ولا عشرها"، وكان -عليه الصلاة والسلام- يقول: "إنما يكتب للعبد من صلاته، ما عَقلَ منها"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن العبد إذا افتتح الصلاة، استقبله الله -عز وجل- بوجهه؛ فلا يصرفه عنه، حتى يكون هو الذي ينصرف، أو يلتفت يميناً وشمالاً".
فرحم الله من أقبل على صلاته خاضعاً خاشعاً، ذليلاً لله -عز وجل-، خائفاً داعياً، وجعل أكبر همه في صلاته لربه تعالى، ومناجاته إياه، وانتصابه قائماً.
فإنك -والله- لا تدري هل تصلي الصلاة التي بعدها، أو يعاجلك الأجل قبل ذلك؟، وإنك والله لا تدري مع ذلك -يا أخي-، هل قبل الله منك صلاة قط أم لا؟ هل قبل منك حسنة قط أم لا؟ هل غفر لك سيئة قط أم لا؟
وأنت -مع هذا- تضحك بملء فمك وتغفل، وقد جاءك اليقين، وإنك والله وارد على النار كما قال تعالى: ﴿وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً﴾ [مريم:71]، فلا أحد أحق بالبكاء والحزن منا، حتى يتقبل الله منا صلاتنا، ومع هذا -يا عباد الله-، والله لا ندري إذا أصبحنا هل نمسي، وإذا أمسينا هل نصبح؟، أنحن من الذين بشر بالجنة، أم بشر بالنار؟
عباد الله: إن الله -عز وجل- بدأ بوصف المؤمنين الصالحين، بصفة الخشوع في الصلاة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]، وقال تعالى: ﴿وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة:238]، وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].
فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا منهم، وأن يجعلنا من الذين إذا صلوا خشعت قلوبهم، وخشعت جوارحهم، وقبلت صلاتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
عباد الله: فقد آن الأوان أن نعود إلى الله، آن الأوان أن ننيب إلى الله، (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ وَلاَ يَكُونُواْ كَلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]
عباد الله: لقد آن الأوان أن تنيب القلوب إلى خالقها، لقد آن الأوان أن تعود النفوس الشاردة إلى ربها، لقد آن الأوان أن نقف بين يدي الله وقفة أخرى، أن نقف بين يدي الله وقفة الخاشعين الخاضعين، أن نتوب إلى الله من كل ذنب وخطيئة، أن نكفر ما فات من اللهو والغفلة، أن نصلي صلاة حقيقية تنهانا عن الفحشاء والمنكر، صلاة حقيقية تخشع فيها قلوبنا للخالق العظيم، وتتأثر حياتنا بصلاتنا تلك، فننتهي عن الفحشاء والمنكر، وننتهي عن الزيغ والانحراف، ونذرف الدموع بين يدي ربنا في كل ركعة، وفي كل سجدة، وتخبت قلوبنا لخالقها.
فوالله لا فائدة من الغفلة والبعد عن الله، ووالله ما فاز من ابتعد عن ربه، وما أفلح من ذهب بعيداً عن مولاه؛ فإن الذي يبتعد عن مولاه يتولاه الشيطان، يودي به إلى المهالك، ويودي به إلى طرق الهلاك والردى، إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فلا نكن في مكان قاصي عن الله.
ولنكن بين يديه في خشوع وخضوع، ولنكن بين يديه في ذلة وانكسار، نكبره ونحمده ونسبحه، ونعي ما نقول، ونفكر في ذكره، ونتدبر آياته، ماذا تعني، وعلى ماذا تدل، لننتهي عن الفحشاء والمنكر.
يكفينا -أيها الأخوة-، يكفينا بعداً عن الله، ويكفينا شروداً عن منهج الله؛ فما لقينا في الحياة إلا الشقاء، ولن نلقى في الآخرة إلا الهلاك.
فلا سعادة في حياة يبتعد فيها المرء عن الله، ويعتقد أنه سعيد بمال، أو سعيد بمنصب أو سعيد بأعوان، فسرعان ما يخبو ذلك النور، وسرعان ما يتلاشى ذلك السراب، ويبقى ذلك المسكين وحده، في قبر موحش، بين يدي الله، لا معين ولا نصير إلا العمل الصالح، والصلاة الخاشعة الصادقة، ورحمة الله -عز وجل-؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتبع الميت إلى قبره ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله".
لن يبقى معك -يا أخي- في هذا القبر الموحش، بين هذين الجدارين الضيقين، وبين أطباق التراب، إلا عملك الصالح، فإن كانت صالحة ومن أهمها صلاتك، فإن كانت خاشعة صادقة، فإنه يوسع لك في قبرك، وتكون لك روضة من رياض الجنة، وتلقى عملك الصالح، وإن أضعت صلاتك، فأنت لما سواها أضيع، فيضيق عليك قبرك، وتختلف أضلاعك، ويأتيك عذاب القبر، وبعدُ عذاب الجحيم؛ والعياذ بالله.
فاتقوا الله -عباد الله-، حافظوا على صلاتكم لا تضيعوها، واخشعوا فيها، فهي لب الأعمال، وعمود الدين، ومنها تنطلق الصالحات، ومنها ينطلق سلوك الإنسان، فيصلح حياته، فإن كانت صالحة، صلح عمله، وإن كانت فاسدة فسد عمله.
فلنتق الله -يا عباد الله-، ولا يكن نصيبنا من صلاتنا، المشقة والتعب، والوقوف بين يدي الله، بدون خشوع وخضوع، فلا نجني من وراء ذلك عملاً صالحاً، ولا نجني من وراء ذلك أجراً عند الله؛ لأن الصلاة اللاهية الغافلة لا يقبلها رب العالمين؛ فالله طيب لا يقبل من العمل إلا طيباً.
أيها المسلمون: لا أظن أنه بإمكاني في هذه العجالة أن أتعرض وأفصل كل الأسباب التي تؤدي للخشوع، ولا ذكر جميع الموانع التي تمنع الخشوع، فبسط الموضوع يحتاج إلى وقت أطول من هذه الخطبة.
لكن أعطيك سبباً واحداً لو حققته -أخي المسلم-؛ فستجد بإذن الله الخشوع وهو: أن تغير منهج حياتك، ويكون همك الدار الآخرة، وأن تسخر حياتك كلها لخدمة هذا الدين، يكون قيامك وقعودك وذهابك وإيابك في سبيل الله.
كن من هذا الصنف من الناس، ثم انظر هل تخشع أو لا؟ سيكون حتى خواطرك وشواردك في الصلاة تكون خواطر شرعية، ولهذا ثبت عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "والله إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة".
حدثوني من منا إذا قام يصلي، صار يفكر في أمور دينية شرعية؟ قليل منا نسأل الله العافية.
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه *** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
فلو كان هم الإنسان وحياته الآخرة، والدعوة، والعبادة، والأعمال الصالحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تغيير واقع الناس، إصلاح المجتمع، لو كان هذا هو هم الواحد منا، لتغيرت صلاتنا وخشعت قلوبنا.
مثل هذا الإنسان -حتى وهو في أعمال الدنيا، وهو في وظيفته- يكون أحياناً شارد الذهن لو سألته بماذا تفكر؟ لأجاب؛ أفكر في هموم المسلمين، أفكر في علماء المسلمين، أفكر في تسلط اليهود على المسلمين وغيرها من القضايا الشرعية التي تهم أصحاب الهمم العالية.
كن من هذا الصنف تكن -بإذن الله- من الخاشعين. أما وأنت تحشر نفسك مع عوام الناس يكون همك كهمهم، زوجة وبيت وعمل وسيارة، وغيرها من الأمور الحياتية المعيشية التي هي الشغل الشاغل للناس.
أما وأنت تنازع طلاب الدنيا على الدنيا؛ فمن أين يأتي الخشوع؟ ولقد صدق الشافعي -رحمه الله- عندما قال:
ومن يذق الدنيا فإني طعمتها *** وسيق إلينا عذبها وعذابها
فما هي إلا جيفة مستحيلة *** عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها
اللهم…