بطاقة المادة
المؤلف | توفيق الصائغ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
سنة الأضحية بين العادة والعبادة | العربية |
العبادة الذاتية | العربية |
مفهوم العبادة في الإسلام | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسهرج هنا وهناك، قتل هنا وهناك، رايات مختلطة وأوراق مختلطة، لا يدري القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل.. “فِتَن كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا قليل”.. كان الحسن -رحمه الله تعالى- يقول في هذا الحديث: “يمسي المرء محرِّمًا لدين أخيه وماله ودمه، ويصبح مستحلاً له، ويمسي مستحلاً له ويصبح محرِّمًا له”.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ(23)﴾ [الأحزاب: 23]، طائفة من المؤمنين اختصهم الله –تعالى- بالزمان والمكان، أدركوا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في هجرته، تركوا المال والأهل والوطن من أجل اللاحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة مأرز الإيمان، هؤلاء الطائفة كانوا محل ثناء الله -جل وعلا-، قدّمهم في الذِكْر وأثنى عليهم في آي القرآن ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ (100)﴾ [التوبة:100].
هؤلاء السابقون لا يساويهم في الفضل أحد ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: 10]، تركوا أموالهم، ومنهم من تمت مساومته في ماله كله فتركه مرخصًا إياه ليلحق بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فنزل الوحي بالثناء على هذا الشخص وأمثاله كثير ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [البقرة:207].
أدرك هذا الفضل من أدرك من صحابة أحمد -رضوان الله عليهم وصلوات الله وسلامه عليه-، حتى إذا فتح الله على نبيه مكة، ووضع السيف أعلنها -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية".
اسمحوا لي أن أفتح لنفسي وإياكم بابًا لنلج فيه هذا الفضل الذي سبقنا إليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وأصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لنكون في زمرتهم وفي معيتهم.
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من حديث معقل بن يسار كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنه قال: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ".
ما هو الهرج؟ اسمعوا رعاكم الله إلى حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث عن الفتن فيقول: "يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح ويكثر الهرج"، قالوا: يا رسول الله ما الهرج؟ قال -صلى الله عليه وسلم- "الهرج القتل".
لا أعتقد أن ما يقع بالمسلمين في المشارق والمغارب اليوم يحتاج إلى تفصيل، لا أعتقد أن الدماء النازفة شرقًا وغربًا تحتاج إلى تفصيل؛ لأن الصورة أبلغ من الكلمة، ولأن ما تصبحون به وتمسون من الأخبار أبلغ من خطبة الخطيب.
ليست نفسًا واحدة هي التي تتفلت ولا عشرات الأنفس بل مئات النفوس والآلاف هي التي تذهب كل يوم "فِتَن كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمنًا، ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا قليل".
كان الحسن -رحمه الله تعالى- يقول في هذا الحديث: "يمسي المرء محرِّمًا لدين أخيه وماله ودمه، ويصبح مستحلاً له، ويمسي مستحلاً له ويصبح محرِّمًا له".
هرج هنا وهناك، قتل هنا وهناك، رايات مختلطة وأوراق مختلطة، لا يدري القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل.
إذاً والحالة هذه مع كثرة الهرج كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- يحلو لنا معاشر المؤمنين بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- نبيًّا يحلو لنا أن نلج مولج المهاجرين الأول فنستمسك بالحصن المتين والطريق القويم لعبادة رب العالمين.
عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ"، زاد أبو داود في سننه قيل: يا رسول الله "أجر خمسين رجلاً منا أو منهم" قال: "بل أجر خمسين منكم".
إذًا هذه زيادة على الزيادة، وفضل على الفضل، "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ" يقول -صلى الله عليه وسلم-، العبادة التي تعرّف بنا أنّا عباد لله تعالى، من نحن إلا محل الابتلاء بالأمر والنهي ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، بالعبادة يبلغ الإنسان درجات السابقين، بالعبادة يُوقى شح نفسه ويُوقى المكاره، قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: 36].
وقال السلف -رحمهم الله-: "على قدر العبودية تكون الكفاية"، نجّى الله -تبارك وتعالى- أنبياءه بعباداتهم، قال الله في شأن يوسف الصديق: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف:24].
وأهل الكهف أووا إلى ركن شديد عبدوا الله –تعالى- ودعوه -سبحانه وتعالى- قائلين ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 10]، فنجّاهم الله -جل ثناؤه-، أثنى الله على الأنبياء على الأولياء فقال: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].
أول أبواب العبادات أن يجعل المرء بينه وبين الله بينه وبين عذاب الله وقاية، وصية الله التي أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: 1]، أوصى بها الأولين والآخرين ولا تزال الوصية قائمة إلى يوم الدين، تقوى الله تعالى ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [آل عمران:186].
﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾[الأنفال: 29]، قال طلق بن حبيب: "اتقوا الفتن بالتقوى"، باب عظيم وعنوان كبير يدخل تحته صنوف العبادات كلها الأوامر الممتثلة والنواهي المجتنبة إنما تدخل ضمن قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[البقرة: 189].
عباد الله: من أعظم العبادات في الهرج والفتن كثرة الاستغفار والتوبة والإنابة والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12]، ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾ [هود:52].
والمستغفرون على ضمان وأمن أن يلحقهم العذاب ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- من قال الله فيه: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: 2]، يستغفر ويتمتم بالاستغفار حتى يعد له الأصحاب سبعين مرة يستغفر.
من أي شيء تستغفر يا رسول الله؟! ونحن أحق بالاستغفار منك، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة وفي بعض المجالس يُعَدّ له -صلى الله عليه وسلم- يعد له أكثر من مائة مرة، يقول "أستغفر الله وأتوب إليه".
ولما نزل قول الحق جل ثناءه (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 1- 3])، جعلها -صلى الله عليه وسلم- في ركوعه يتأول القرآن.
ما أولانا بالاستغفار، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله وأتوب إليه أن يصبح نشيدًا في مجالسنا إذا نحن قمنا أو قعدنا.
ضمانة وأمانة، وهي الواجب الذي لا يسقط عن المؤمن، قال الله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
قال بعض السلف: "لما فقد قوم يونس نبيهم يونس -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف الله في قلوبهم التوبة؛ لبسوا المسوح ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب"، ﴿فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس:98].
رأس العبادات البدنية: الصلاة، صلة العبد بالله -تبارك وتعالى-، الصلاة التي ينصب الله وجهه فيها قِبَل المصلي، فلا ينبغي للمصلي أن يلتفت، ولا ينبغي له إلا أن ينظر تلقاء وجهه؛ لأن الله ينصب وجهه قِبَل المصلي، الصلاة التي فرضها الله من فوق سبع طباق باب من أبواب العبادة كبير، خير يستكثر منه العبد ما استطاع ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ [البقرة: 45] شعار المؤمن ودثاره في الفتن.
استيقظ نبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم- ذات ليلة فزعًا يقول: "سبحان الله، سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن، ماذا أنزل الله من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات" يعني أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن أجمعين- "من يوقظ صواحب الحجرات لكي يصلين ربّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".
أما ليلة بدر حين بلغت الروح الحلقوم حين فزع الناس يقول علي بن أبي طالب: "لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ويدعو حتى أصبح" لم يكن هذا بدعًا من فعله -صلى الله عليه وسلم-، ليلة الأحزاب أشد من ليلة بدر بلغت الروح الحلقوم ودارت العيون في الحماليق، بقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما يقول حذيفة "رجعت إلى النبي ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي وكان إذا حَزَبَهُ أمر -صلى الله عليه وآله وسلم- فزع إلى الصلاة، يقول: أرحنا بها يا بلال".
أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه قد أفلح المستغفرون..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إنعامه والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.
أما بعد: هنا تظهر تربية المرء لنفسه؛ الذين وطّنوا أنفسهم على العبادات في السراء يعبدون الله وأشد ما يكونون عبادة له في الضراء، الذين وطّنوا أنفسهم على التربية الخاصة الأوراد الخاصة، الصلوات الخفية، صدقات السر، يجعل الله لهم من ذلك وقودًا يستعينون به في أوقات الأزمات والفتن.
إن من اقتراح العبادات التي بُلي به البعض -وما أبرئ نفسي- الاشتغال بما يسمى النفع المتعدى عن العبادات الخاصة، نبيكم -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الأمرين، وكان خير جامع لهما، ورد خاص، وعبادات خاصة ينقلب في حنادس الظلم، يقوم إذا جنَّ الليل يستغفر ويتوب، يصلي وينيب، يتفقد ويعس المدينة صلى الله وسلم عليه.
وله في جلاء النهار عبادات عامة من التي نتعلق بها ونترك العبادات الخاصة، ألا إنها دعوة للنفس وللإخوان جميعًا إلى العبادات القلبية الخاصة التي تهذّب المرء وتربيه، التي تعينه ونبيكم -صلى الله عليه وآله وسلم- حين نزل عليه أبجديات الوحي، أوليات التنزيل قال الله تبارك وتعالى له ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا(2)﴾ [المزمل: 1- 2]، قال أهل العلم: "لأن المشاق والمهام التي سيتلقاها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة لا يمكن أن يصبر على مثلها إلا بمثل هذا الزاد وذلك الوقود".
صنوف العبادات كثيرة، ليس من أقلها الصيام الذي قال الله تعالى فيه: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، ترك الجزاء على الصوم مبهمًا ليذهب الذهن في أودية الفضل والجزاءات كل مذهب ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:17].
ولذلك المختارين من عباد الله المخلصين كعائشة أُمنا -رضي الله عنها وأرضاها- حين توفي الحبيب المحبوب -صلى الله عليه وسلم- لم توقف الصوم أبدًا، كانت تواصل الصوم لا تفطر إلا في فطر أو في أضحى، رضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين.
وكذلك كانت حفصة التي شهد لها جبريل ورب العزة، "راجع حفصة فإنها صوامة قوامة"، وسودة ليست ببعيدة عن ذلك، وأمهات المؤمنين وأصحاب النبي صلوات الله عليه ورضوان الله عليهم أجمعين.
ألا إن من أبواب العبادات التي تلزم في الهرج: عبادة الصدقة وأحلاها وأوفاها وأعلاها صدقة السر، صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدق السر تطفئ غضب الرب، كما أخرج الطبراني.
قال ابن أبي الجعد: "إن الصدقة لتدفع سبعين باب من السوء".
من العبادات السهلة اليسيرة التي ينبغي أن تجري على ألسنتنا: ذِكْر الله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأنفال: 45]، ما استكثر الله من عبادة ما استكثر من الذكر: "ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله تعالى".
لا إله إلا الله .. ذِكْر الله التي متى ما ذكرت الله في نفسك ذكرك الله في نفسه، أي في أجل نفس وأقدس نفس وأعظم ليس كمثله شيء وهو السميع العليم.
حرّك بالذكر شفتيك ليذكرك الله –تعالى- في عليائه، وإذا ما ذكرته في ملأ فأبشر بالذكر الأعظم يذكرك الله في جبريل وميكائيل، يذكرك الله في الآلاف المؤلفة الذين لا يعرف عدهم إلا الله ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
أبواب العبادات كثيرة، لكن البدار البدار في الأخذ بنواصيها:
بادر شبابك أن يهرما *** وصحة جسمك أن يسقما
وأيام شيبك قبل الممات *** فما دهر من عاش أن يسلما
ووقت فراغك بادر به *** ليالي شغلك في بعض ما
وقدم فكل امرئ قادم *** على بعض ما كان قد قدما
اللهم إنا ندعوك ونرجوك ونتوسل إليك، ونسألك وأنت الله لا إله إلا أنت لا نستعين عليك إلا بك، ولا نستعين على طاعتك إلا بك، أهل أنت أن تُحمد وأهل أنت أن تُعبد وأهل أنت أن يُثنى عليك الثناء الحسن، يا الله جل جلاله يا الله عظم سلطانك، يا الله تبارك اسمك، يا الله تعالى جدك، يا الله لا إله غيرك، لا نثني إلا عليك ولا نتوجه إلا إليك، جل جلاله عظم سلطانك تبارك اسمك تعالى جدك لا إله غيرك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، نور السماوات والأرض، قيوم السماوات والأرض، العلي فوق كل علي، الكبير فوق كل كبير، يا الله نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا وتعفو عنا وترحمنا..
المؤلف | توفيق الصائغ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
سنة الأضحية بين العادة والعبادة | العربية |
العبادة الذاتية | العربية |
مفهوم العبادة في الإسلام | العربية |