مع التقوى والمتقين

عناصر الخطبة

  1. معنى التقوى
  2. كيف يكون العبد متقيًّا
  3. معاني التقوى عند السلف الصالح
  4. وصية الله للأولين والآخرين
  5. السلف والتواصي بتقوى الله
  6. من فوائد التقوى وثمارها
  7. التقوى سبب لتكفير السيئات والعفو عن الزلات
  8. متى نصل إلى التقوى؟
اقتباس

إن تقوى الله إذا استقرَّت في القلوب وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال أثمرت من الفضائل والفوائد والثمار ما تصلح به الدنيا والآخرة، وما يشحذ همم أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار. وكل من أراد العز في الدين والدنيا والبركة في الرزق والوقت والعمل فعليه بتقوى الله؛ فإنها من أعظم ما استُنزلت به الخيرات واستُدفعت المكروهات ..

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أُمتنا وله الحمد خير أمة، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويُعلمنا الكتاب والحكمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له شهادةً تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة وخصَّه بجوامع الكلم فربما جمع أشتات الحِكَم والعلم في كلمة أو شطر كلمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تكون لنا نوراًً من كل ظلمة وسلم تسليماً كثيرًا.

أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة:281]، اتقوا يومًا الوقوف فيه طويل والحساب فيه ثقيل.

وبعد:

عباد الله: مع التقوى سيكون حديثنا, مع صفات المتقين سنعيش في هذه الدقائق بإذن الله عز وجل. والتقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.

قال ابن عباس –رضي الله عنهما- : "المتقون هم الذين يحذرون من الله وعقوبته".

وقال طلق بن حبيب – رحمه الله تعالى-: "التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران:102]. "تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر".

وعرّف علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- التقوى فقال: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

فاحرص يا أخي الكريم على تقوى الله عز وجل لتعيش سعيداً في الدنيا وفي الآخرة. نتكلم عن التقوى لأن التقوى هي التي تصحبنا إلى قبورنا فهي المؤنس لنا من الوحشة والمنجية لنا من عذاب الله العظيم.

دخل علي –رضي الله عنه- المقبرة فقال: "يا أهل القبور ما الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قُسِّمت، وأن بيوتكم قد سُكنت، وأن زوجاتكم قد زُوجِّت، ثم بكى، ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى".

التقوى هي خير ضمانة نحفظ بها أولادنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً﴾ [النساء:9].

وتأملوا عباد الله:

كيف أن الله سبحانه سخّر نبياً هو موسى -عليه السلام- وولياً هو الخضر -عليه السلام- لإقامة جدار في قرية بخيلة فاعترض موسى -عليه السلام-: ﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ [الكهف:77].

ثم يخبر الخضر -عليه السلام- سبب فعله بالغيب الذي أطلعه الله عليه في هذا الأمر، فيقول: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾ [الكهف:82]. وقال ابن عباس: حُفظا بصلاح أبيهما، وكان الأب السابع، والله أعلم.

والتقوى وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾[النساء:132].

قال القرطبي – رحمه الله تعالى-: "الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم"، وقال بعض أهل العلم: "هذه الآية هي رحى آي القرآن كله؛ لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرزٌ متين وحصنٌ حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره".

فالتقوى أصلح للعبد وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وهي الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، الكافية لجميع المهمات.

التقوى وصية النبي –صل الله عليه وسلم- لأمته فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه: قال: صلى بنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الصبح فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [سنن الدارمي وغيره].

وكان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».

والتقوى هي وصية الرسل الكرام لأقوامهم، قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)﴾ [الشعراء:124].

﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)﴾ [الشعراء:141-142]. ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)﴾ [الشعراء:161].

والتقوى وصية السلف الصالح رضوان الله عليهم, كان أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته: "أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله"، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر رضي الله عنه دعاه فوصاه بوصيته قائلاً: "اتق الله يا عمر". وكتب عمر رضي الله عنه إلى ابنه عبد الله :"أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل فإنه من اتقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجِلاء قلبك".

وكتب عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى- إلى رجل:" أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يُقبل غيرها، ولا يُرحم إلا أهلها، ولا يُثاب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل"، ولما ولي خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل فإن، تقوى الله خَلَف من كل سعي، وليس من تقوى الله خلف".

وقال رجل لرجل أوصني، قال: "أوصيك بتقوى الله، والإحسان، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون, فيكفي المتقون شرفاً أن الله معهم برعايته وحفظه".

ومن وصايا الرسول – صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – : «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» [رواه الترمذي وقال حسن صحيح.] ماذا نفهم من وصية النبي – صلى الله عليه وسلم- لمعاذ رضي الله عنه بالتقوى؟

نفهم أن المرء محتاج للتقوى ولو كان أعلم العلماء، وأتقى الأتقياء، يحتاج إلى التقوى؛ لأن الإنسان تمر به حالات يضعف فيها إيمانه وينقص، يحتاج إلى التقوى للثبات عليها، يحتاج إلى التقوى للازدياد منها. اتق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، في الشدة والرخاء، في الخلوة والجلوة.

أتبع السيئة الحسنة تمحها، بادر إذا أخطأت أو قصرت بفعل الحسنات، فالحسنات يُذهبن السيئات. وخالق الناس بخلقٍ حسن..، هناك أشياء بين العبد وخالقه وبينه والناس، ودخول الجنة معلَّق بخطين، العلاقة مع الله بالتقوى والعلاقة مع الناس بحسن الخلق، وهذه هي وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث..

والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد، قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف:62].

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تقلب عرياناً وإن كان كاسيا وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصياً

والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد، قال تعالى: ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة:197].

وبها الطريق إلى الجنة، فقد سئل النبي – صلى الله عليه وسلم- ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: "تقوى الله وحسن الخلق" [رواه أحمد].

وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثٌ مهلكات، شحٌ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا" [رواه أنس في صحيح الجامع].

والنبي – صلى الله عليه وسلم- كان يسأل الله التقوى في دعائه فيقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» [رواه مسلم].

وفي دعاء السفر كان يقول – صلى الله عليه وسلم- : «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى».

والنبي – صلى الله عليه وسلم- أوصى مسافراً فقال: «أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شَرَف». إذاً فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يخشى فضيحة لو عُرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جداً. وعلى كل حال الإنسان يسأل الله التقوى في السفر والحضر.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب

عباد الله:

إن تقوى الله – إذا استقرَّت في القلوب وارتسمت بها الأقوال والأعمال والأحوال- أثمرت من الفضائل والفوائد والثمار ما تصلح به الدنيا والآخرة، وما يشحذ همم أولي الأبصار إلى صراط العزيز الغفار.

أيها المؤمنون:

إن من فوائد التقوى وثمارها أنها سبب لتيسير العسير، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ [الطلاق:4].

وتقوى الله تعالى سبب لتفريج الكروب وإيجاد المخارج والحلول عند نزول الخطوب، وهي سبب لفتح سبُل الرزق، قال تعالى: ( مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) [الطلاق:3]. تقوى الله سبب لنجاة العبد من الهلاك والعذاب والسوء، قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر:61].

وهي سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات والفوز بالغرف والجنات قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ﴾ [الطلاق:5].

فاتقوا الله عباد الله: فإن تقوى الله تعالى هي أكرم ما أسررتم، وأعظم ما ادخرتم وأزين ما أظهرتم. وقال تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد ﴾ [آل عمران: 15].

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى *** ندمت على أن لا تكون كمثله ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا *** وأنك لم تُرصد كما كان أرصدا

وكل من أراد العز في الدين والدنيا والبركة في الرزق والوقت والعمل فعليه بتقوى الله؛ فإنها من أعظم ما استُنزلت به الخيرات واستُدفعت المكروهات.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف:96]. إن تقوى الله تعالى أعظم جُنّة يحتمي بها العبد يوم القيامة.

قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر:61].. اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل همٍ فرجاً، اللهم فرّج هم المهمومين، واقضِ الدين عن المدينين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمسلمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد:

اعلموا أنّ التقوى سببٌ في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل ومعرفة كل منهما: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال:29].

وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ [الحديد:28].

التقوى سبب لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران:120].

التقوى سبب لنزول المدد من السماء عند الشدائد ولقاء الأعداء: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران:123].

التقوى سبب لتعظيم شعائر الله، قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج:32].

التقوى سبب لنيل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة: قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:156]. التقوى سبب للإكرام عند الله عز وجل: قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13].

وسُئِل النبي – صلى الله عليه وسلم- من أكرم الناس؟من أرفعهم حسباً؟ فقال: الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا ليس عن هذا نسأل، بيّن لهم بعد ذلك، فقال عندما سُئِل من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم لله» [رواه البخاري].

فأكرم الناس وأفضل الناس وخير الناس عند الله أتقاهم، التقي النقي، ولذلك فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ *** وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

وذُكِر أن سلمان رضي الله عنه كان يقول: أبي الإسلام لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ

التقوى سبب للفوز والفلاح، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون ﴾ [النور:52].

إنها سبب للنجاة يوم القيامة من عذاب الله: قال تعالى: ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ) [مريم:72]. وقال تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴾ [الليل:17].

إنها سبب لقبول الأعمال، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة:27]. التقوى طريق لميراث الجنة قال تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم:63]. إن المتقين لهم في الجنة غرفٌ مبنية من فوقها غرف: قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر:20].

وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» [رواه الترمذي وأحمد].

فلا يفعل هذه الأعمال المباركة إلا المتقين.

إنهم بسبب تقواهم يكونون فوق الذين كفروا يوم القيامة: في محشرهم، ومنشرهم، ومسيرهم، ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [البقرة:212].

إنها سبب في دخولهم الجنة: وذلك لأن الجنة أعدت لهم، قال تعالى: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران:133].

وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم ﴾ [المائدة:65].

إن التقوى سبب لتكفير السيئات والعفو عن الزلات: قال جل شأنه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق:5].

إن التقوى سببٌ لنيل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، قال جل شأنه: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ [النحل:31].

إن التقوى سبب لعدم الخوف والحزن وعدم المساس بالسوء يوم القيامة، وقال تعالى: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [يونس:62].

إنهم يحشرون يوم القيامة وفدًا إليه تعالى، والوفد هم القادمون ركبانًا، وهو خير موفود، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ﴾ [مريم:85].

إن الجنة تقرب لهم، قال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الشعراء:90]. وقال تعالى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق:31].

عباد الله:

متى نصل إلى التقوى؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس» [رواه الترمذي وضعفه الألباني في بلوغ المرام: «178»]. اللهم اجعلنا من الذين يتّقونك، حتى نجني من ثمار التقوى ما يُفرحنا يوم نلقاك، وأنت عنا راض.. يا حبيب المتقين.. يا رب!

جاء رجل إلى الجنيد – رحمه الله تعالى – وقال له: "إن الشيطان عارضني في صلاتي الليلة. فقال له الجنيد: لأنك لم تتق الله".

جاء رجل إلى بشر الحافي، فقال له: إني أخاف ألا يَقبل الله أعمالي، قال له بشر: إن كنت تخافه حقاً فاتق الله.

قال حكيم: لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلا أن يكون بحيث لو جعل ما في قلبه في طبق، فطيف به في السوق لم يستحِ منه!

قال داود لابنه سليمان: "يا بني! إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكّله على الله فيما نابه، وبحسن رضاه فيما آتاه، وبحسن زهده فيما فاته"، وقال أيضاً عليه السلام: "لو أن رجلاً اتقى مائة شيء، ولم يتق شيئاً واحداً لم يكن من المتقين". قال معروف الكرخي – رحمه الله تعالى – : "إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتْك امرأة ولم تغضَ بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك".

قال ابن المعتمر:

خلّ الذنوبَ صغيرها *** وكبيرها فهو التُّقى واصنع كماشٍ فوق *** أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرنّ صغيرة إن *** الجبال من الحصى

وسأل عمر –رضي الله عنه- كعباً فقال له: ما التقوى؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقًا فيه شوك؟ قال: نعم. قال: فماذا فعلت؟ فقال عمر رضي الله عنه: أشمر عن ساقي، وانظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال كعب: تلك هي التقوى. تشمير للطاعة، وترك للمعصية، وورع من الزلل، ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه.

عبد الله كيف تكون تقيّاً؟ أولاً: أن تحب الله أكثر من أي شيء. ثانياً: أن تستشعر مراقبة الله دائماً. ثالثاً: البعد عن المعاصي والأوزار.

تفنى اللذاذة ممن نال لذتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء من مغبّتها *** لا خير في لذة من بعدها النار

رابعاً: أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه. خامساً: أن تدرك مكائد الشيطان ووساوسه.

أسال الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده المتقين، هذا وصلوا -رحمكم الله – على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك، فقال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].