بطاقة المادة
المؤلف | فهد بن عبد الرحمن العيبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
التقوى معاني وآثار | العربية |
إنما يتقبل الله من المتقين (1) تقوى العامل والتقوى في العمل | العربية |
رمضان وتحصيل التقوى | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسشهر رمضان عندهم هو شهر الجد والنشاط والاستعداد للدار الآخرة، فشهر رمضان عندهم هو شهر جميع الطاعات، فهو شهر الصلاة والقيام؛ حيث كانوا يحيون ليله كله قيامًا وتهجدًا، وهو شهر القرآن؛ حيث كانوا يختمون في كل يوم مرة أو مرتين، فكان لبعضهم في رمضان ستون ختمة، وهو شهر الصدقات؛ حيث كانوا يطعمون الطعام ويفطِّرون الصُّوَّام ..
أما بعد:
أيها المؤمنون: قد أظلنا شهر الرحمات والبركات، شهر الطاعات والصدقات، شهر يجازي فيه الله على القليل بالكثير، ويضاعف فيه الحسنات: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب: منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -عزّ وجلّ-: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به". أي إن أجره عظيم، تكفل الله به لعباده الصائمين المخلصين.
عباد الله: شهر رمضان عند سلفنا الصالح ليس شهر النوم والبطالة والبدانة، إنه شهر عظيم، عرفوا قدره ومكانته، وعلموا أن من حرم الخير والرحمة فيه فهو المحروم حقًّا.
شهر رمضان عندهم هو شهر الجد والنشاط والاستعداد للدار الآخرة، فشهر رمضان عندهم هو شهر جميع الطاعات، فهو شهر الصلاة والقيام؛ حيث كانوا يحيون ليله كله قيامًا وتهجدًا، وهو شهر القرآن؛ حيث كانوا يختمون في كل يوم مرة أو مرتين، فكان لبعضهم في رمضان ستون ختمة، وهو شهر الصدقات؛ حيث كانوا يطعمون الطعام ويفطِّرون الصُّوَّام.
ورمضان عندهم هو شهر الجهاد؛ حيث وقعت فيه أعظم فتوحات الإسلام، فيه معركة الفرقان الكبرى -معركة بدر- التي فرق الله فيها بين التوحيد والشرك، وفي رمضان كذلك كان الفتح الأعظم -فتح مكة- الذي فيه أزهق الباطل، وهدمت قلاعه، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
إذًا شهر رمضان عند أسلافنا ليس شهر النوم والكسل والعبث، بل شهر ملؤوا ساعاته ولياليه بالطاعات والعبرات والبكاء والانطراح بين يدي الله، يرجون رحمته ومغفرته، إذا كان هذا حالهم في رمضان فما حالنا في رمضان؟! كيف حال الأمة؟! يدخل عليها هذا الشهر الكريم فهل استعدت للقائه؟! هل عزمت على استثماره واغتنامه؟! هل أعطته حقه من التكريم والتعظيم؟!
نعم، قد استعد سفهاء هذه الأمة لهذا الشهر الكريم بقنواتهم الفضائية وبرامجهم التي يصدون بها عن دين الله -عز وجل-.. نعم، قد استعدت الأمة بأسواقها، لتلقى أفواج الناس الذين تمتلئ بهم الأسواق أضعاف ما يكون في صلاة التراويح، قد استعدت الأمة لإعداد أصناف المأكولات بخاصة في رمضان، بل إنك لتعجب أن يأخذ الطعام في رمضان من الهم والوقت والجهد أكثر مما تأخذه العبادة عند كثير من الناس، وبالأخص النساء.
إن حال الأمة في استقبالها لهذا الشهر حال يرثى له، فصنف منها يستثقل هذا الشهر وقدومه؛ لأنه سيفقد فيه ما اعتاده من الشهوات المباحة وغير المباحة في النهار، ولذا لو تسنى له السفر عن بلاد المسلمين لسافر وتخفف من هذا الشهر وتكاليفه، فتجده يقضي نهاره كله بالنوم وتضييع الصلوات، وليله بالسهر والعبث.
وصنف آخر من هذه الأمة لا يستثقل هذا الشهر الكريم، لكنه أيضًا لم يستعد له بالقيام وتلاوة القرآن وبذل المعروف، فمثل هذا قد استعد ببطنه وجسمه لا بروحه وقلبه.
وصنف آخر من هذه الأمة أولو بقية، قد استقبلوا هذا الشهر الكريم بالفرح والاستبشار وحمد الله أن بلغهم رمضان، قد عقدوا العزم على اغتنام نهاره ولياليه بالطاعات والقربات والبعد عن المحرمات، قد امتلأت بمثل هؤلاء المساجد، وخلت منهم الأسواق، فهؤلاء هم صلة السلف الذين عرفوا لهذا الشهر قدره ومنزلته، فعمّروه بطاعة الله وطلب رضوانه.
أيها المؤمنون: هاتان وقفتان نقفهما عند آية وحديث:
الوقفة الأولى: عند قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، فهذه الآية دلت على أن الغاية الكبرى من هذا الصيام هي حصول تقوى الله، بفعل أوامره واجتناب نواهيه، فالصائم الذي لم يحقق تقوى الله في صيامه قد خسر الثمرة من هذا الصيام الذي لم يشرعه الله لمجرد الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". والمعنى: من لم يترك الكذب والميل عن الحق.
إذًا هل حقق التقوى من يدخل عليه الشهر الكريم ويخرج ولم يحرك فيه ساكنًا، فصلاته مضيعة، ومنكراته مستمرة، فإن لم يزده رمضان بعدًا عن الله فلم يزده قربًا؟! أم هل حقق التقوى ونال ثمرة الصيام من حافظ على الصلوات، وتصدق، وقرأ القرآن، وتخفف من المنكرات، لكنه ما إن يهلَّ شهر شوال حتى يعود كما كان في شعبان؟!
وهل حقق التقوى من يصوم ويصلي ويقرأ القرآن، لكنه لا يتورع عن تضييع ليالي هذا الشهر الكريم في جلسات وسهرات منكرة، قد امتلأت بالغيبة والمشاهد المحرمة؟!
الوقفة الثانية: عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ومعنى قوله: "إيمانًا واحتسابًا". أي مصدقًا بوجوبه، راغبًا في ثوابه، طيبة به نفسه، غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.
ولا نعجب -أيها المؤمنون- ممن يصوم ويصلي مع الناس ومع ذلك لا نجد أثرًا للصيام في أعماله وتصرفاته، بل يوم صومه وفطره سواء، وسر ذلك أن كثيرًا من الناس يصومون ويصلون التراويح مع الناس، لكن فعلهم هذا قد غلبت فيه العادة نية العباد، ولذلك لا نجد للصيام والقيام أثرًا في حياتهم؛ قال جابر -رضي الله عنه-: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء".
فإذًا قوله في صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر: "إيمانًا واحتسابًا"، هو سبب حصول ثمرة الصيام، وهو غفران الذنوب وحصول الرضا من الله، وأما من صام لأن الناس يصومون، وقام لأن الناس يقومون، غافلاً عن إصلاح النية واحتساب الأجر على الله، فهذا قد خسر الخسران المبين.
أيها المؤمنون: هذا الشهر الكريم قد هلّ علينا، وما أسرع ما تنقضي أيامه ولياليه، وصدق الله إذ يقول عن هذا الشهر: ﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 184]، فبادروا فيه بالأعمال الصالحة والتوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، فهو فرصة للتوبة والدعاء والعتق من النيران، فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟! ومن لم يدع فيه المعصية ولم يستجب له فمتى يدعها؟! ومن لم يُعتق من فيه من النار فقد خسر أعظم الخسارة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
بارك الله لي ولكم…
الخطبة الثانية:
أما بعد:
أيها المؤمنون: تستقبل الأمة الإسلامية شهر رمضان الكريم بجراحها وآلامها، فكم لها في بقاع الأرض من جريح وصريع وشريد، فأمتنا بحاجة لأن يلتفت إلى جراحها وآلامها المخلصون من أبنائها، وبالأخص من أنعم الله عليهم بالمال والسعة في الرزق، فتذكروا -أيها المؤمنون- في هذا الشهر الكريم إخوانًا لكم قد ألمّت بهم مصائب الحروب والمجاعات والفقر، لا يجدون الطعام واللباس والمأوى، في حين أنك في بيتك آمن دافئ طاعم كاسٍ، فوالله لتسألن عن هذا النعيم.
عباد الله: أبشروا بموعود الله، فربنا غفور رحيم يقبل التوبة من عباده ويغفر الذنب العظيم، ويجازي على العمل اليسير بالأجر العظيم، قد أعدّ جنة عرضها السماوات والأرض، فتحت أبوابها في هذا الشهر الكريم، وجرت أنهارها وتزينت حورها واكتمل نعيمها وأعدت للمتقين.
اللهم أعنا على صيام رمضان وقيامه، وتقبله منا يا أرحم الراحمين.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
المؤلف | فهد بن عبد الرحمن العيبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
التقوى معاني وآثار | العربية |
إنما يتقبل الله من المتقين (1) تقوى العامل والتقوى في العمل | العربية |
رمضان وتحصيل التقوى | العربية |