بطاقة المادة
المؤلف | فهد بن عبدالله الصالح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل الاستغفار | العربية |
الاستغفار في الكتاب والسنة | العربية |
الاستغفار للغير | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسبيد أن هنالك علاجاً نافعاً لكل ما يحل بالأمة المسلمة وما يصيب الفرد المسلم, علاج غفل عنه الكثيرون؛ لأنهم اعتقدوا أنه لا يكون إلا لمحو الذنوب والخطايا فحسب، إنه الاستغفار -يا عباد الله- والاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله، والمغفرة هي العفو عن الذنوب، ووقاية شرها مع سترها
عباد الله: تحل بالأمة الكوارث والمصائب، ويتسلط عليها الأعداء، وتُعاقب بسبب ذنوب أصحاب المنكرات، والإنسان مخلوق ضعيف، خُلق في كبد فهو يكابد مسيرة عمره بأنواع الابتلاات والمتاعب، سواء كانت ضوائق مالية أو مشكلات عائلية، أو ظروفاً نفسية أو مضايقات في عمل ونحوها مما يعتري الإنسان في رحلة الحياة.
وتعالج هذه المصائب أو تخفف بما شرعه الله لعباده من وسائل مادية، أو التجاء لله بالدعاء، أو استعانة بالصبر والصلاة.
بيد أن هنالك علاجاً نافعاً لكل ما يحل بالأمة المسلمة وما يصيب الفرد المسلم, علاج غفل عنه الكثيرون؛ لأنهم اعتقدوا أنه لا يكون إلا لمحو الذنوب والخطايا فحسب، إنه الاستغفار -يا عباد الله- والاستغفار معناه: طلب المغفرة من الله، والمغفرة هي العفو عن الذنوب، ووقاية شرها مع سترها.
أيها المسلمون: لقد امتدح الله أنبياءه الكرام -عليهم الصلاة والسلام- وعباده الصالحين ووصفهم بأنهم يستغفروا ربهم فقال سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:147-148].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
أيها الإخوة في الله: لقد أمر الله عباده بالتوبة والاستغفار فهو سبحانه وتعالى الغفار، وهو الغفور وهو الرحيم: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر:3]. فإذا كان من غفـر له ذنبه ما تقـدم منه وما تأخر -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مـرة" فكيف بمن هو دونه من الناس؟
إنّ الذنوبَ والمعاصي إذا انتشرت في أمّة سبَّبت الشقاء والهلاك والقحطَ والجدْب، ولهذا أمر الله الناسَ عبر الأجيال -بواسطةِ أنبيائه- أن يُقلِعوا عن المعاصي، ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه، حتى ينالوا رحمتَه ويجتنبوا غضبه.
فها هو نبيّ الله هودٌ -عليه السلام- يعِظ قومه بقوله: (وَياقَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) [هود:52] ويذكر القرآن كيفَ وعَظ صالح -عليه السلام- قومه بقوله: ﴿لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل:46]
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- يوصي أمته بالاستغفار بقوله: "يا أيها الناس: توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم في اليوم مائة مرة" رواه مسلم في صحيحه. وما ذاك إلا لأهمية الاستغفار
وإذا كانت الدول والشعوب تتضرر بسبب الجفاف والجدب، ولا يستطيع أحد أن يستمطر السماء مهما أوتي من قوة؛ فإن الاستغفار وسيلة لهطول الأمطار وازدهار الزراعة وحصول النماء، وكثرة الرزق والعزّة والمنعة، اقروأ إن شئتم ما قاله نوح لقومَه ناصحاً لهم: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْولٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) [نوح 10: 12]
وخرج عمر -رضي الله عنه- يستسقى فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: "ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ هذه الآيات: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا)".
ومجاديح جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تُمطر به. وأراد عمر -رضي الله عنه- تكذيب هذا الزعم الباطل، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم.
أمّا كونُ الاستغفار سببًا لرفع البلايا؛ فقد قال الله جل الله في شأن نبيّه يونس -عليه السلام-: ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ (143) لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(144)﴾ [الصافات 43: 44]
هذا شعيبٌ عليه السلام يرى قومَه على أسوأ الأخلاق مع الشرك والإلحاد، فيلحُّ في نُصحهم للإقلاع عمّا هم فيه من ضلال،خوفا عليهم من عذاب الملك الجبار ويبشّرهم بأنّ ربَّهم رحيمٌ بعباده، ودود بهم، (وَسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود:90]
وما أكثر البلايا في الأمة والمجتمع، والبيوتات المسلمة وعند الفرد المسلم، والتي تستوجب عقوبة الله وسخطه وعذابه، ومنع ذلك يكون بالاستغفار ذلكم السلاح الذي يملكه كل أحد.
وتروي كتب التاريخ وتتابع الأخبار والمنقولات عن أخبار المستغفرين، وكيف أن الله جعل لهم من ضيق مخرجاً؛ فحققوا ما يريدون وما استصعب عليهم، بل وما استحال عليهم بشريعة الاستغفار؛ فهذه امرأة كلما تشاجرت مع زوجها وذهب غاضباً من البيت لجأت هي إلى الاستغفار وإذا به يرجع في حاله.
ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "وشهدتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميه -رحمه الله- إذا أعيَته المسائل واستعصَت عليه فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله واللجوء إليه، واستنزال الصوابِ من عنده فيفتح الله عليه".
أيها الأخوة في الله: كثير من الناس يشتكي قلة الرزق وقلة ذات اليد، مع كثرة المصروفات والالتزامات، وتراكم الديون وكثرتها وتعقد الحياة؛ حتى أصبحت الكماليات ضروريات، فتجده يتضجر في المجالس، ويشتكي إلى فلان وعلان من الذين لا يملكون له رزقًا، ويغفل هذا وأمثاله عن أسباب الرزق الشرعية التي جاء بها الدين، وذكرها الله في كتابه المبين، وبينها النبي الكريم، ومنها الاستغفار.
جاء رجل إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط، فأجابه قائلاً: "استغفر الله، ثم جاءه رجل آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد، فقال له: استغفر الله"، فعجب القوم من إجابته، فقالوا له في ذلك؟ فقال: "ما قلت من عندي شيئاً؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ * وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح 10: 12]
نعم -أيها المصلون-؛ إن للاستغفار أثراً في الدنيا على المستغفرين؛ حيث يمدهم الله بالأموال والبنين والرحمة ويمنع عنهم العذاب قال تعالى: : ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال:33]. قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: "كان لنا أمانان ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقى الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا".
وفائدة كبيرة من الاستغفار -يا عباد الله- نأخذها من هذا الحديث الشريف عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من رجلِ يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله عز وجل؛ إلا غفر له". ثم تلا -عليه الصلاة والسلام- قول الحق جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135]
تلك هي الحياة الإسلامية التي ترتبط بالله، وتدرك أن الأمور كلها مغاليقها ومفاتيحها وأسبابها ومنعها بيد الله سبحانه وحده لا شريك له.
ومع أهمية ارتباط القلوب بالله دائماً، إلا أنها تغشاها سحابة من السواد بسبب الذنوب أو الغفلة، وتحتاج إلى صقل وإذابة؛ فهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه ليغان على قلبي، -أي يغشى على قلبي-، وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة".
وفي الحديث الصحيح: "إنّ المؤمنَ إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تَاب ونزع واستغفر صُقِل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه: ﴿كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14] .
ومن فوائدِ الاستغفار -يا عباد الله- أنه يطرد الشيطان الرجيم، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الشيطان قال: وعزتك يارب! لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني".
وأثر عظيم آخر ينتظره الإنسان في وقتٍ يكون فيه أشد احتياجًا إلى ما ينفعه بين يدي الله عز وجل، في وقتٍ تنقطع فيه الأسباب وتنعدم فيه الإعانة، يحتاج حينئذٍ إلى ذلك الاستغفار الذي لهج به لسانه وخفق به قلبه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر فيها من الاستغفار". وفي الحديث الآخر: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا".
كل ذلك من أقوال سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، وانظروا إلى تطبيقه العملي، يروى الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يعدون للنبي -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحد أنه يقول: "أستغفرك وأتوب إليك" "سبعين مرة"، وفي بعض الروايات: "مائة مرة".
واستغفاره -صلى الله عليه وسلم- استغفار لأمته؛ فإنه كان -عليه الصلاة والسلام- دائم الدعاء لأمته، ودائم السؤال لربه في حقهم؛ استجابة لقول الله: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد:19]
فعليكم -معاشر المسلمين- بالاستغفار، أكثروا منه في بيوتكم، على موائدكم وعلى فرشكم، وفي طرقكم وأسواقكم وسياراتكم وأينما كنتم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة. ولذا قال لقمان لابنه: "يا بني عوّد لسانك اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا".
ليكن الاستغفار ماحياً للذنوب والخطايا، محققاً للسعادة والرخاء للفرد المسلم والمجتمع المسلم والأمة المسلمة، جالباً لخيرات الأرض وبركات السماء.
ليكن الاستغفار سلاحاً يصد به عاديات الظلم والطغيان، وتسلط الأعداء ومنكرات السفهاء، والأمراض المعدية والزلازل والفيضانات وسائر الابتلاءات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135)﴾ [آل عمران 133: 135]
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: يشرع الاستغفار في كل وقت، وفي أي مكان محترم، بيد أن للاستغفار أوقاتاً فاضلة؛ من ذلك وقت السحر وهي الساعات الأخيرة من الليل قال الله تعالى -في وصف عباده الصالحين-: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذريات:18]. وفي آية أخرى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: 17]. وعن حاطب قال: سمعتُ رجلاً في السَّحَر بناحية المسجد وهو يقول: "يا ربّ، أمرتني فأطعتُك، وهذا السحَر فاغفر لي"، فنظرتُ فإذا هو ابن مسعود -رضي الله عنه-.
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصلِّي من الليل ثم يقول: "يا نافع، هل جاء السَّحَر؟ فإذا قال: نعم، أقبَل على الدعاء والاستغفارِ حتى يصبح".
ويشرع الاستغفار في ختام المجلس أو الحديث كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ما كان يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك"، فحينما سئل عن ذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقولهن من أحدٍ حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس". وشرع للمصلي إذا انصرف من صلاته أن يقول: "استغفر الله ثلاثا"، وشرع للحجاج إذا أفاضوا أن يستغفروا الله، لقوله تعالى: : ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 199]. وأمر سبحانه نبينه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالاستغفار لنفسه، وللمؤمنين والمؤمنات فقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد19].
ويستحب للمسلم أن يشرك إخوانه المسلمين في استغفاره، ومن دعاء أبينا إبراهيم -عليه السلام-: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم:41]، ومن دعاء نوح -عليه السلام-: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِين َوَالْمُؤْمِنَاتِ﴾.
وأولى من يستغفر لهم الوالدان؛ تأسياً بالأنبياء، وطاعة لله -عز وجل- حيث قال: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء: 24]. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الاستغفار للوالدين ينفعهما فقال: "إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: يا رب! أنى هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك".
أما سيد الاستغفار، فهو ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي -أي أقر وأعترف بنعمتك علي وأقر وأعترف بذنبي- فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". قال: "ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" رواه البخاري في صحيحه.
أما ألفاظ الاستغفار: فأي صيغة يعبر بها الإنسان فهي صحيحة منها: أستغفر الله، أستغفر الله، وكذلك: أستغفر الله وأتوب إليه، أو: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، أو: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم.
فاقتدوا -رحمني الله وإياكم- بأنبياء الله الكرام، وبالأخيار المكثرين من الاستغفار، وألحوا في الدعاء، واجعلوا ألسنتكم رطبة من ذكر الله، ثم صلوا وسلموا على خير من استغفر ربه وأناب نبي الرحمة والملحمة.
المؤلف | فهد بن عبدالله الصالح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
العنوان | اللغة |
---|---|
فضل الاستغفار | العربية |
الاستغفار في الكتاب والسنة | العربية |
الاستغفار للغير | العربية |