عناصر الخطبة
- أهمية وجِبِلِّيَّة التعاون بين أفراد المجتمع
- أمر الإسلام بالتعاون على البر والتقوى
- من صور التعاون على البر والتقوى
- من صور التعاون على الإثم والعدوان
اقتباس التعاون بين الناس أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه، وهو فطرة وجِبِلَّة فطر الله عليها الخلق، صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم، أغنياءهم وفقراءهم، فلا يمكن لأحد الاستغناء عن الآخر… وقد جاءت النصوص في كتاب الله وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تحث على التعاون على الخير وأنواع…
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه؛ ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: التعاون بين الناس أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه، وهو فطرة وجِبِلَّة فطر الله عليها الخلق، صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم، أغنياءهم وفقراءهم، فلا يمكن لأحد الاستغناء عن الآخر…
وقد جاءت النصوص في كتاب الله وسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تحث على التعاون على الخير وأنواع البر، قال -تعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2].
فيأمر الله عباده بالتعاون على البر وعلى أنواع الخيرات والأعمال الصالحة، وينهاهم عن المنكرات بالتعاون على المآثم والمحارم وانتهاكها.
ويقول الله -جل وعلا-: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة:71].
فهذه الولاية بين المؤمنين تقتضي التناصر والتعاون على كل خير وعمل صالح، قال -تعالى-: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾ [سورة العصر].
فبعضهم يوصي بعضاً بالحق، ويعينه عليه بأقواله وأفعاله، يتواصون بالحق فيما بينهم، دعاة إلى الخير والأعمال الصالحة.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
قال ابن بطال -رحمه الله-: كل تعاون بين المسلمين فيما يصلح دينهم ودنياهم أمر مستحب مرغّب فيه؛ لدلالة هذا الحديث عليه.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَل الْجَسَدِ الواحد؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسَّهَرِ".
والتعاون بين المسلمين سمة من سمات المجتمع المسلم، والمسلمون مضطرون إلى التعاون بينهم، فكل فرد مسؤول عن التعاون على قدر مسؤوليته ومكانته، فالعالِم بعلمه، والغني بماله، وذو الإعلام بقلمه وكتابته، والشجاع بشجاعته، والخبير بخبرته، وذو الفكر برأيه وفكره الصائب.
والتعاون بين المسلمين له صور شتى وأمور متعددة، فمن التعاون على البر والتقوى: التعاون على نصرة هذا الدين، ودعوة الناس إليه، وتحبيبهم إلى الإسلام؛ فإنَّ الدين أمانة في أعناق الأمة يجب أن ينهضوا بمسؤوليتهم في الدعوة إليه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:7]، وقال -جل وعلا-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ [الصف:14].
أيّها المسلم: ومن التعاون على البر والتقوى التعاونُ في إعلان شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنَّ التعاون على هذه الشعيرة العظيمة من أخلاق الأمة: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران:104]، إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقضي على المنكرات ومساوئ الأخلاق والأعمال.
والله -جل وعلا- قد جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق هذه الأمة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾ [آل عمران:110].
والمؤمن بقدر إمكانه لا يرضى بالمنكرات ولا يقرها، يغيرها بيده إن كان ذا سلطة وقوة، أو بلسانه ببيان الحق والتحذير من الباطل، أو بقلبه؛ ليعلم الله بغضه وكراهيته لهذه المنكرات.
فالمسلم يعين على هذه الشعيرة القائمين بها والمحتسبين بذلك؛ لأنَّ هذه أمانة في أعناق الأمة، قال الله -جل وعلا-: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ(41)﴾ [الحج:40-41].
ولعن قوما من بني إسرائيل لما عطلوا هذه الشعيرة وتجاهلوها: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)﴾ [المائدة:78-79].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "كَلَّا واللهِ! لتَأْمُرُنَّ بِالمعروفِ ولَتَنْهَوُنَّ عنِ المُنكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ على يَدَيِ الظالِمِ ولَتَأْطُرنَّهُ على الحقِّ أطَرًا، أو لَيَضَرِبَنَّ بِقُلوبِ بعضِكمْ على بَعضٍ، ثُم يَلعنُكُم كَما لَعَنَهُمْ".
أيّها المسلم: ومن أنواع التعاون على البر: التعاون في قضاء حاجات المسلمين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"، قال: يا رسول: أرأيت إن لم أجد؟ قال: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ".
ومن التعاون أيضا: قضاء حاجات المسلمين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"، قال: أرأيت إن لم أجد؟ قال: "تعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ".
وسئل -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ"، قيل أَيّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَغْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا"، قيل: فَإِنْ لَمْ أجد؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ".
ومن التعاون تفريج كرب المكروبين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فرج اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
ومنه الصدقة على المسكين فيما فضل من الخير، قال أبو سعيد -رضي الله عنه-: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فجاء أعرابي على راحلته وجعل ينظر يمينه وشماله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَجدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ عنده، وَمَنْ كَانَ عنده فَضْلُ زَادٍ فَلْيَجدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ عنده"، فذكر أشياء حتى ظننا أنه لا حق لأحدنا في فضل.
ومن التعاون أيضا: الشفاعة للمحتاجين، وإبلاغ حاجاتهم لمن يقضيها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ".
ومن التعاون على البر والتقوى: نصر المظلوم، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا؛ فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قال: "تردعه عنَ الظُّلْمِ، فذَلِكَ نَصْرُك إياه".
فأنت مع أخيك المسلم إن رأيته ظالما ردعته عن الظلم، وحذرته من عقوباته ونتائجه السيئة، وإن رأيته مظلوما وقفت تعينه على رفع مظلمته على قدر استطاعتك بالطرق الشرعية.
ومن أنواع التعاون: التعاون على الإصلاح بين الناس، وتقريب وجهات النظر، وحل المشاكل بالطرق السلمية، يقول الله -جل وعلا-: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:114]، ويقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال:1].
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ؟"، قَالُوا بَلَى. قَالَ: "إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فإن فَسَاد ذَاتِ الْبَيْنِ هِىَ الْحَالِقَةُ، تَحْلِقُ الدِّينَ، ولاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ"، فالإصلاح والسعي في ذلك من الأمور المحببة التي رغب الشارع فيها.
ومن أنواع التعاون: تعاون الزوجين فيما بينهما في إدارة المنزل والإشراف على الأسرة، فإنَّ الله أوجب على الرجل حقا لامرأته، وأوجب على المرأة حقاً لزوجها، قال -تعالى-: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة:228].
فتعاون الزوجين في شؤون حياتهما من أسباب التآلف والمحبة، تسأل عائشة أم المؤمنين: ما كان عمل النبي في بيته؟ قالت: كان في حال أهله، فإذا أذن المؤذن خرج إلى الصلاة.
ومن أنواع التعاون: تعاون الأبناء والأسرة الواحدة فيما بينهم على الخير ودفع السوء، والقضاء على أسباب الفرقة والاختلاف، تعاون الرحم فيما بينهم في تأكيد صلة الرحم والبعد عن قطيعتها، تعاون القبيلة والعشيرة في رفع الظلم والعدوان بعيدا على العصبية الجاهلية المقيتة التي لا خير فيها؛ بل ينطلق من منطلق الإيمان والعمل الصالح.
ومن أنواع التعاون: التعاون مع ولاة الأمر، تعاون الرعية مع ولي أمرها في تنفيذ ما يقرره من أمور يراد بها إصلاح الأمة والسير بها على الخير والصلاح.
ومن التعاون أن نسعى إلى تأليف القلوب، وجمع الكلمة، واتحاد الأمة، والبعد عن الفوضى والفرقة والاختلاف.
والراعي أيضا يكون تعاونه مع رعيته برفع معاناتهم وسد خلتهم، والسعي في راحتهم ما وجد ذلك سبيلا.
ومن أنواع التعاون: تعاون الشعوب الإسلامية فيما بينها، فيما يحقق أمنها، واقتصادها، واجتماع كلمتها، وبعدها عن الفوضى وتحكم الآخرين في مصيرها ومآلها.
ومن أنواع التعاون أيضا: تعاون المسؤولين جميعا في سبيل إنجاح مصالح الأمة والسعي فيما يحقق راحة المجتمع؛ بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى ومعاذا إلى اليمن وقال لهما: "بَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَتَطَاوَعَا ولا تختلفا".
هكذا أرشد النبي هذين المسؤولين إلى التشاور والتعاون، والبعد عن الخلاف والنزاع، تعاون الزملاء فيما بينهم في إصلاح الأعمال وتنظيم أعمال الأمة وتيسير أعمالها على الوجه المطلوب.
ومن أنواع التعاون: التعاون الإعلامي، فرجل الإعلام ورسالة الإعلام فيها خير كثير إن وجهت توجيها صالحا، فتعاون الإعلام يكون في نشر الفضيلة والأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة، والدعوة إلى ما فيه خير الأمة وصلاحها واجتماع كلمتها، بأن تكون برامجها والمسلسلات خادمة لقضايا الأمة، نائية بها عن كل شر… والبعد بها عن دعاة الشر والفساد.
فالإعلام الإسلامي كلما نُظم وخطط له تخطيطاً سليما كان منار خير وتوجيه، وكلما اختلّ أمره أو انحرف سيره فإن ضرره عظيم، ونرجو أن يوفق إعلام المسلمين لما فيه الخير والصلاح.
ومن أنواع التعاون: التعاون مع رجال الأمن في تحقيق أعمالهم، وما يؤدونه من وظائف في مكافحة المجرمين، والقضاء على المفسدين والمهربين والساعين في الأرض فسادا؛ فإن التعاون معهم في هذا السبيل يحقق للأمة الأمن والصلاح.
ومن التعاون أيضا: التعاون مع رجال المرور في الإبلاغ عن الأحداث، ثم التعاون في تمكينهم من معالجتها دون التجمهر والمضايقة وإعاقة ذلك.
ومن أنواع التعاون: التعاون على تيسير أمر الزواج، والله يقول: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور:32]، فالتعاون على تيسير أمر الزواج من الأمور المهمة المناطة بالمجتمع المسلم، وخير النساء أيسرهن مهورا.
ومن أنواع التعاون: التعاون على نظافة الطرق وسلامتها من الآفات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعَلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ"، وقال: "وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"، ورأى رجل شوكا فأزاله فشكر الله له فأدخله الجنة.
ومن أنواع التعاون: تعاون القبيلة والرحم على سد دية قتل الخطأ، فالقتل خطأً فيه دية، وهذه الدية يطالب بها أقارب القاتل، وعصبته هم المطلوبون بهذه الدية؛ لأنها دية قتل خطأ وليس عمدا ولا عدونا، فلا بد للقبيلة من التعاون في تسديد هذه الدية على قدر استطاعتهم وغناهم وقدرتهم على ذلك.
ومن التعاون المطلوب: تعاون الجامعات ورجال العلم والفكر في حل المشاكل المعاصرة حلا إسلاميا، حلا على ضوء الكتاب والسنة، إذ الشريعة الإسلامية كفيلة متكفلة في حل كل المشاكل: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:38]، ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل:89]، فليس هناك قصور في الشريعة ولا في مبادئها وتعاليمها، وإنما يأتي القصور أحيانًا من قصور الأفهام وقلة الإدراك.
ومن التعاون بين المسلمين: التعاون في المشورة والنصيحة، فأخوك المسلم إذا استنصحك فانصح له، وإذا استشارك على أمر فاصدق له في ذلك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
هكذا أنواع التعاون بين المجتمع المسلم، في كل المجالات تعاون، صدق وإيمان يمليه عليه إيمانهم بالله ورسوله، وحبهم الخير لأنفسهم؛ قال الله -جل وعلا-: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾.
فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض، يعين بعضهم بعضا، ويؤيد بعضهم بعضا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
عباد الله: الله يقول -جل جلاله-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وقد بينا أنواعا من التعاون على البر والتقوى.
ثم يقول -جل وعلا-: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، نهانا أن نكون أعواناً على الظلم والعدوان والطغيان، هذا غير لائق بنا ولا بإيماننا، إيماننا يدعونا إلى محبة الخير وكراهية الشر.
فمن التعاون على الإثم والعدوان: نشر البدع والخرافات والضلالات، والمبادئ الهدامة.
ومن التعاون على الإثم والعدوان إقرار المنكرات، وترويج الفواحش، والدعوة إليها بالأقوال والأفعال، بالأشرطة، بالمجلات، بالمسلسلات الهابطة، كل هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
ومن التعاون على الإثم والعدوان: تعاون ظلم العباد وأكل أموالهم ظلماً وعدوانا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء:29]، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَعَانَ بَاطِلا لِيُدْحِضَ بِبَاطِلِهِ حَقًّا، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ".
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون على أكل الربا، وتسهيل مهمته، يقول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(132)﴾ [آل عمران:130-131].
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيهُ". وقال: "هُمَا سَوَاء".
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون لترويج الرشوة، والسعي لها، وتسهيل مهمتها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي والرائِش".
فالإعانة على الرشوة وتسويقها وتسهيل مهمتها كل أولئك ملعون على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون على التستر على المجرمين، وإيوائهم، والتغاضي عنهم، وإعانتهم على باطلهم، وضلالهم.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون على الفتن، وإضعاف الأمن والإخلال بالأمن، فكل هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
ومن التعاون على الإثم والعدوان أيضا: التعاون ضد ولاة الأمر، وتشويه سمعتهم، وافتراء الأكاذيب والأباطيل بأي أسلوب كان.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون في إصدار شهادات مزورة طبية أو علمية، كل هذا خطأ، وكل هذا باطل.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: إصدار الشهادات المزورة المكذوبة التي لا أصل لها، أو التأشيرات، أو غير ذلك من الوثائق الرسمية التي تصدر عن تزوير وكذب وافتراء وتحايل، وكل هذا من المخالفات الشرعية.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون على ترويج المخدرات، والمسكرات على اختلاف أنواعها، أو الأشياء الممنوعة.
ومن أنواع التعاون على الإثم والعدوان: التعاون على ترويج الإشاعات، والأراجيف والأكاذيب، والقدح في الناس، فإن ترويج الإشاعات والأكاذيب كلها من الخطأ، ومن التعاون على الإثم والعدوان أن نروج إشاعات كاذبة لا أصل لها افتراءً وكذباً، وإشغال الناس عن مهماتهم بهذه المفتريات والأكاذيب والضلالات.
فلنكن إخواني أعواناً على البر والتقوى، ولنحذر التعاون على الإثم والعدوان، أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ؛ وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد، كما أمر بذلك ربكم، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد…