عناصر الخطبة
- كيف يسير العبد إلى ربه سبحانه؟
- أحوال العباد بين الخوف والرجاء
- فضل الخوف من الله سبحانه
- أسباب الخوف من الله سبحانه
- فضل الرجاء وشروطه
- وجوب الجمع بين الخوف من الله تعالى ورجائه سبحانه
اقتباس من عظُم في الله رجاؤه، قوي على الله توكله.. من عظم في الله رجاؤه، قوي صبره على طاعة الله، ودعائه واستغفاره وذكره لله.. من رجا ربه وحقق شرط الرجاء، وجد عند ربه خيرًا كثيرًا، وثوابًا جزيلاً عظيمًا، قال تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 70]، وفي الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي”.
الخطبة الأولى:
الحمد لله….
أما بعد، فإن أساس العبادة لله -جل وعلا-: محبته وتعظيمه، وخوفه –تعالى- ورجاؤه، وعلى قدر محبة العبد لربه يكون الخوف والرجاء.
يقول العلماء: "قلب المؤمن كالطائر، رأسه المحبة، وجناحاه الخوف والرجاء، فإذا حصل النقص في أحدهما حصل النقص في الطير لا محالة، وإذا ذهبا ذهب الطير بذهابهما".
الخوف من الله تعالى، من أجلّ العبادات وأفضل القربات.
الخوف من الله تعالى مفتاح الخيرات والبركات.
الخوف من الله تعالى شرط الإيمان به سبحانه، يقول سبحانه: ﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].
أثنى الله على المؤمنين بمخافتهم منه فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: 2].
وأعظم الناس مخافة من الله، أعلمهم بربه وأقومهم بحقه نبينا محمد – صلى اله عليه وسلم – القائل: "والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له".
تقول عائشة –رضي الله عنها–: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت سُرِّي عنه، فعرفته عائشة ذلك فقال: "ما أدري لعله كما قال قوم –فيما حكى الله عنهم– ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف: 24]".
المؤمن العاقل الحصيف، من يجعل نفسه بين مخافتين؛ ذنب مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما تصير عاقبته إليه.
عباد الله، للخوف من الله أسباب توجبه: من أهمها: العلم بالله –تعالى-، فمن كان بالله أعلم، كان منه أخوف، وله أعبد وأطوع، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
ومن أهمها: تدبر آيات الوعيد في القرآن الكريم، يقول –تعالى- في الغاية من ذِكْره أحوال أهل النار: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: 16].
ورجاء الله تعالى: منزلة عظيمة من منازل العبودية لله جل وعلا.
أصلها: المعرفة بجود الله وكرمه، وعفوه وحلمه ورحمته ومغفرته.
وشرطها: فعل الطاعات، واجتناب المعاصي والمحرمات، يقول تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، ويقول سبحانه: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [البقرة: 123].
يقول الحسن البصري: "وإن قومًا ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم؛ قالوا: نحن نحسن الظن بالله –تعالى-، كذبوا.. ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل".
عباد الله، والإحسان في عبادة الله –تعالى- لا يكون إلا بالجمع بين الخوف من الله تعالى ورجائه، يقول تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
وبالجمع بينهما وردت نصوص الشريعة تربية للنفوس على المزاوجة بينهما، يقول تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50)﴾ [الحجر: 49- 50]، وفي الحديث: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد" (رواه مسلم).
الخطبة الثانية
الحمد لله…
أما بعد، فمن عظُم في الله رجاؤه، قوي على الله توكله.
من عظم في الله رجاؤه، قوي صبره على طاعة الله، ودعائه واستغفاره وذكره لله.
من رجا ربه وحقق شرط الرجاء، وجد عند ربه خيرًا كثيرًا، وثوابًا جزيلاً عظيمًا، قال تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 70]، وفي الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي".
من خاف الله تعالى، نفعه بالقرآن الكريم نفعًا عظيمًا، يقول تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45].
من خاف الله تعالى، أطاعه واتقاه، يقول سبحانه: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 51].
من خاف الله تعالى، سابق إلى الطاعات، وسارع إلى الخيرات، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61)﴾ [المؤمنون: 57 – 61].
من خاف الله تعالى، مكَّنه في الأرض، وبوَّأه منها مكان الكرامة والعز، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ(14)﴾ [إبراهيم: 13- 14].
من خاف الله تعالى، أمَّنه من مخاوف يوم القيامة وأهوالها، ففي الحديث القدسي: "وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين، ولا أجمع عليه خوفين؛ إن أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة".
من خاف الله تعالى، أظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله: ".. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".
من خاف الله تعالى، جعل الجنة جزاءه ومثواه، يقول تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)﴾ [النازعات: 40- 41].
اللهم اجعلنا ممن يخاف عذابك ويرجو رحمتك وثوابك.