بطاقة المادة
المؤلف | إبراهيم الدويش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |
عناصر الخطبة
اقتباسإنه الله! جلَّتْ قدرتُه، وتقدست أسماؤه، أخبرنا بخبر صادق لا يتطرق إليه الشك أبدًا أنه حكيم عليم، وأن أفعاله الكونية القدرية، وأفعاله الشرعية كلها لا تخرج عن دائرة الحكمة والعلة، أمور واضحة، وآيات ساطعة، وبراهين قاطعة، ودلائل صريحة جلية على أن له في كل شيء آية تدل على أنه واحد ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ الحمد لله والله أكبر كلما تنفس صبح وأسفر، وكلما همع سحاب وأمطر.
سبحان الله العظيم! سبحان الله الواحد القهار! سبحان الملك الجبار! سبحان مُكَوِّرِ الليل على النهار! سبحان الله في السراء والضراء! سبحان الله في الشدة والرخاء! سبحان ربنا ظهرت آياته، وبهرت بيناته! سبحان ربنا حسنت صفاته، وتباركت ذاته!.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، صلَّى الله وبارك عليه، وعلى صحبه ومن والاه.
أما بعد: عباد الله! اتقوا الله حق تقاته، واشكروا الله تعالى على نعمه وعطاءاته، اشكروا الله على ما مَنَّ به عليكم من غيثٍ وأمطار، وخافوه مما أراكم من عجاج وريح وغبار، فالمؤمن دوماً في خوف ورجاء، ومن دعا ربه رغبًا ورهبًا، خَوفًا وَطمَعًا، ينظر بعين الاعتبار في آيات الله الكونية الماثلة للعيان؛ كلها تدل على وحدانيته، وعلى كمال ملكه وربوبيته، وعلى نفوذ مشئيته، وعجائب قدرته.
سبحانه من رب كريم، غفور رحيم! ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعَقِّبَ لحكمة، الخلقُ خَلقُه، والملك ملكه، والأرضُ أرضه، والسماء سماؤه؛ يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
عباد الله! شهدنا وَرَأَيْنَا بأعيننا خلال الأيام الماضية عددًا من المتغيرات الكونية، وعشنا صنوفًا من التقلبات المناخية الجوية، مما يدعونا إلى التفكر والاتعاظ، والتذكر والاعتبار، امتثالاً لقول العلي الجبار: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان:62].
إنه الله! جلَّتْ قدرتُه، وتقدست أسماؤه، أخبرنا بخبر صادق لا يتطرق إليه الشك أبدًا أنه حكيم عليم، وأن أفعاله الكونية القدرية، وأفعاله الشرعية كلها لا تخرج عن دائرة الحكمة والعلة، أمور واضحة، وآيات ساطعة، وبراهين قاطعة، ودلائل صريحة جلية على أن له في كل شيء آية تدل على أنه واحد.
وهاهي آية تقلب الأجواء واضحة صادقة، أيام حارة، وأيام باردة، وأيام عجاج ورياح وغبار، تعقبها -بفضل الله ورحمته- أيام خير وأمطار،كل هذا يدعو إلى التفكير والتأمل، تطورات مذهلة على المستوى الإقليمي والدولي، تسونامي وفيضانات، وزلال ومتغيرات، وانحباسات حرارية، وانفجارات في مفاعل نووية.
فسبحان الله! أمم يُضرب بها المثل في التقدم والنظام والتنظيم، والذكاء والدهاء، ووفور أسباب الأمن والاختراعات، فعلاً إنهم عفاريت الإنس، بلغوا القمة في المهارة والأداء والدقة، والجد والاجتهاد، ومع كل هذا بثوانٍ وطرفة عين، وبقدرة مُدَبِّرِ الأمور، وجبروت الواحد القهار، زلزال أعقبه إعصار، فدمر ما بنته تلك العقول المبدعة خلال سنين طويلة، وبدقة متناهية، وبتصميم بارع في مقاومة الزلازل.
سبحان الله! خلال ثوان ولحظات دمرت مفاعل نووية في فوكوشيما، وخلَّف أضرارًا تُقدَّر بمئات المليارات، وأضرارًا بشرية تربو على عشرين ألف نسمة، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر:31].
يا الله! أين من يتَّعِظُ؟ أين مَنْ يَعْتَبِرُ؟! فكُلُّ هذا الخراب كان نتيجة ريح هاجت من البحر بعد زلزال ضرب قعرَه، فمن حرك هذه الريح؟! وأين أجهزة الإنذار المبكرة؟! وأين الدقة والإتقان في الاختراع؟! ذهبت كلها أمام ريح واحدة ليست بشيء! وتدبير الله فوق كل التدابير، وقوته فوق كل قوة.
ولنا هنا أن نسأل: هل هناك فرق بين الريح التي دمرت وأهلكت في اليابان، وبين الرياح التي دائمًا تقترن ببشارات وأمطار؟! لعل السر -معاشرَ المؤمنين- فيما روت عائشة في الصحيحين أَنَّهَا قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ"، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ، كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف:24]".
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يعلم عجائب صنع الله في الكون، فلذا علَّمَنا أنه قد يؤتى الإنسان من مأمَنه! حَذّرنا أنه قد يُؤتى الإنسان بالشر من حيث يأتي الخير، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس:22].
وكما قال ابن سعدي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾: [البقرة:164]، قال: باردة وحارة، وجنوباً وشمالاً، وشرقا ودبوراً، وبين ذلك؛ وتارة تثير السحاب، وتارة تؤلف بينه، وتارة تلقحه، وتارة تدره؛ وتارة تمزقه وتزيل ضرره، وتارة تكون رحمة، وتارة ترسل بالعذاب؛ فتصريفها تقلُّبها بين هذه الأمور. اهـ
وهناك من العلماء من فرَّقَ بين الريح والرياح، حيث عُرف بالاستقراء أن الرياح لم تأت في القرآن إلا للرحمة والبشرى،كقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًاسُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ) [الأعراف:57]، فالرياح سبب -بإذن الله تعالى- لدورة المياه حول الأرض؛ ولولا ذلك لأسن الماء ولم تنتفع به الأحياء، بل إن كل الأحياء على الأرض لو فقدت الرياح لهلَكَتْ، يقول كعب الأحبار -رحمه الله تعالى-: لو حُبست الريح عن الناس ثلاثًا لأنتن ما بين السماء والأرض.
وأما ماهو مشهور بين الناس، عن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إِلا جَثَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا تَجْعَلَهَا رِيحًا". فقد قال العلماء: إنه حديث ضعيف جدًّا، بل قال البعض إنه باطل لا أصل له.
ومهما يكن من حال هذا الحديث، فهناك أحاديث كثيرة، صحيحة صريحة، في خشيته -صلى الله عليه وسلم- من الريح؛ مخافة أن تكون ريح عذاب وبلاء ووباء، نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يرحمنا برحمته.
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، ولا بجرأتنا عليك، فقد طمعنا برحمتك، وعرفنا سعة عفوك؛ فلا رب لنا رحيم بنا سواك، ولا رب لنا يغفر لنا ويعفو عنا غيرك، فاللهم تب علينا، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.
يا الله! ندعوك بقلوب صادقة، وعيون دامعة، فقد رقت لك القلوب، وافتقرت إليك النفوس، وذلت الجباه للملك القدوس، هانحن لك نستكين، وأكُفّنا لرجائك رافعين مبتهلين، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، نستغفرك ونتوب إليك، نتضرع ونلجأ إليك (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر:15-17].
اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم لك الحمد على ماسقيتنا، فبارك اللهم به لنا، اجعله صيباً نافعاً، واجعله بلاغاً للبلاد والعباد، وزدنا اللهم برحمتك من بركاتك، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً، طبقاً مجللاً، عاماً نافعاً غير ضار،عاجلاً غير آجل.
اللهم إنا ندعوك راغبين في رحمتك، راجين فضل نعمتك، فلا تؤاخذنا بتقصيرنا فإننا نعترف بذنوبنا فاغفر لنا وارحمنا ياربنا، اللهم أصلح القلوب، واغفر الذنوب، واستر العيوب، واقبل توبة من يتوب؛ اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين عامة، وولاة أمرنا خاصة، ووفقهم لنصرة الإسلام والمسلمين، واجعلهم ملاذاً للمستضعفين، وعوناً للمحتاجين والمنكوبين.
اللهم ألِّفْ بين قلوب المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على التوحيد والقرآن، اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، وصَلِّ اللهمَّ وسلِّم على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.
المؤلف | إبراهيم الدويش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | مقروء |
اللغة | العربية |